قضايا هامة في معتقدات مسلم ـ الجزء الثاني

رضا عبد الرحمن على في الخميس ١٧ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

قضايا هامة في معتقدات مسلم ـ الجزء الثاني

تابع إعادة قراءه لكتاب المسلم العاصي ـ للدكتور ـ أحمد صبحي منصور



بعد أن تحدثنا في الجزء الأول عن الجذور التاريخية لأماني العصاة من المسلمين في الخروج من النار لدخول الجنة ..
نتحدث هنا عن الأحاديث التي ساهمت بشكل كبير في الترويج لهذه الأماني وجعلتها من صميم الدين ومن يحاول الاقتراب منها يلقى ما لا يرضاه .. لأنه يحاول أن يهدم هذه الأماني والأحلام التي توارثوها جيل بعد جيل ..

1ـ بدأ البخاري ينسب الأحاديث للرسول ـ فيقول ( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول تعالى : أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ..


ومعنى هذه الرواية أن دخول الجنة أصبح متاحا لكل إنسان ، لأنه لا يوجد أي إنسان على وجه الأرض ليس في قلبه مثقال ذرة أو مثقال حبة من خردل من إيمان ـ حتى الكافر ، لأن الكافر إيمانه بالله قليل فمن حقه أن يخرج من النار ويدخل الجنة يقول تعالى عن اليهود الذين حرفوا التوراة (وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) النساء : 46 ـ فهؤلاء كفار وإيمانهم قليل ولذلك لعنهم الله في كتابه العزيز فما موقفهم من هذه الرواية ـ ويقول جل شأنه عنهم (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء :155 ـ وهذه المرة نجد أن إيمان هؤلاء أكبر من حبة الخردل التي أشار إليها البخاري في روايته الكاذبة ، ولكن إذا احتكمنا لكتاب الله عز وجل سنجد الموضوع مختلف تماما ـ حيث يقرر القرآن الكريم خلود الكفار من أهل الكتاب والمشركين في جهنم .. يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) البينة :6 ـ إذن من خلال هذه الآية يتضح أنه ـ لا خروج من النار لمن في قلبه مثقال حبة من خردل كما قال البخاري ، وإلا لكان فرعون الذي آمن عند غرقه ـ من المبشرين بالجنة ، لكن بعد زيارة قصيرة للنار .. حسب رواية البخاري ..


كما ينسب البخاري للرسول رواية يقول فيها يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيره من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بره من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من خير ..
وهنا تصريح مباشر من البخاري للمنافقين بدخول الجنة ، ولكن بعد الزيارة القصيرة المذكورة سابقا .. وذلك لأن الأمر في غاية السهولة فبمجرد أن ينطق الإنسان بقول لا إله إلا الله ، مع وجود أقل القليل من الخير في قلبه فهو في مأمن من الخلود في النار ، ولأن المنافقون كانوا يقولون لا إله إلا الله ـ يقول تعالى (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) المنافقون :1ـ هذا من ناحية النطق بالشهادة أما من ناحية وجود أقل القليل من الخير في قلوبهم ، فهم كانوا يؤدون الصلاة ويقدمون الصدقات ، ولكن ـ لا تقبل منهم ـ يقول تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) التوبة :54 ـ وهؤلاء المنافقون بعد قولهم لا إله إلا الله وبعد كل ما قدموه من صلاة ومن صدقات ـ هم في الدرك الأسفل من النار ، وهذا كلام الله (ِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ـ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) النساء : 142، 145 ، والمنافقين لن يخرجوا من النار كما تبشر هذه الرواية ولكن للقرآن حكما آخر (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) التوبة : 68 ..


ومن الروايات التي تستهين برب العاملين ، وتجعله يضحك على خلقه ، وهو العادل الرحيم ـ يقول البخاري " إن آخر أهل الجنة دخولا وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه ادخل الجنة فيقول رب ملأى فيقول له ذلك ثلاث مرات فكل ذلك يعيد عليه الجنة ملأى فيقول إن لك مثل الدنيا عشر مرات وتستمر الرواية تزعم أن هنا محادثات مطولة جرت بين الله وبين ذلك الرجل الذي يدخل الجنة ، وأخيرا يقول البخاري في آخر روايته .. رب لا تجعلني أشقى خلقك فلا يزال يدعوا حتى يضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة ..


والرد على هذه الرواية من السهل ، ومن عدة جوانب :


أولها ـ أن المولى عز وجل عندما حدثنا عن يوم الحساب لم يذكر في كتابه العزيز أي آيات تتحدث عن هذه الأفلام المطولة الدراماتيكية الساخرة ..


ثانيها ـ أن المولى عز وجل عالم الغيب ، ومن المستحيل أن يقول لعبده اذهب إلى الجنة وهو يعلم أنها ملأت ..
ثالثها ـ وهو الأهم أن النبي عليه السلام لا يعلم الغيب كما وضَّح القرآن الكريم في العديد من الآيات القرآنية وأن المولى عز وجل أمره أن يعلن أمام الناس أنه لا يعلم الغيب ـ يقول تعالى (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ) الأنعام : 50 ..
والتحدث عن أحوال القيامة بهذه التفاصيل الدقيقة هو من أهم أمور الغيب ، ومن المعروف لمن يؤمن بالقرآن أن النبي لا يعرف موعد يوم القيامة فكيف سيعرف ما يحدث يوم الحساب ، ولكن عندما سُئل عن موعد الساعة بـ (يسألونك) ـ انتظر حتى نزل الوحي بالإجابة ـ في (قل) ـ يقول تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ـ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف : 187 ، 188 ـ فهذا اعتراف من النبي نفسه بعد أمر من الله في كلمة قل أنه لا يعلم موعد الساعة ولا يعلم الغيب ، ولو كان كذلك لنفع نفسه وما مسه السوء .. ولكن للبخاري رأيا آخر .. ونحن بكل بساطة نضرب بكلام الله عرض الحائط ونؤمن بروايات البخاري لأنها تناسب أمانينا وأهواءنا ..


ـ وتكرر نفس السؤال من المسلمين للرسول وكانت الإجابة واحدة أنه عليه السلام لا يعمل الغيب (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ) النازعات : 42 :45 ـ وبعد كل هذا أمر الله سبحانه وتعالى النبي عليه السلام أن يعلن أنه ليس متميزا على أحد من الرسل ، وأنه مأمور باتباع الوحي ولا يعلم ما يحدث له يقول ـ سبحانه وتعالى (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ)الأحقاف :9 ..


ورجال الرواية ـ يريدون أن ينسبوا للنبي علم الغيب ـ ويستشهدون بقوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن :26، 27 ـ فيزعمون أن الرسول الذي ارتضاه الله وأعلمه الغيب هو رسولنا محمد عليه السلام ، وهنا اتهام واضح لآيات القرآن بالتناقض مع بعضها ، ويكذبون الحق وهم يعرفون ـ لأنهم يعرفون أن قبل هاتين الآيتين آية تقول (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا) الجن :25 ، ولأنهم لم يستطيعوا التحريف في آيات الله المحفوظة من لدنه سبحانه ، فقاموا بتجاهل آية وتأويل أخرى ، وبذلك تأسست هذه العقائد المخالفة لدين الله التي تنسب علم الغيب للرسول عليه السلام ، وإذا قرأنا آيات سورة الجن مع بعضها سيتضح الحق من الباطل لمن يريد أن يؤمن (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن : 25 : 27 ..


فكيف بنا ننسب للرسول علم الغيب ، وأمره رب العزة جل وعلا أن يعلن أنه لا يعلم الغيب ولا يدري ما سيفعل به ، وأنه ليس بدعا من الرسل ـ هل يمكن أن يخالف الرسول أوامر ربه بعد هذه الآيات القرآنية الواضحة ،ويقول مثل هذه الروايات التي يدعي فيها علم الغيب ..
ومن يصدق روايات البخاري هذه فهو يكذب آيات الله دون أن يدري ، ويتهم الرسول بأنه تقوَل على الله عز وجل ما ليس له به علم ..
ولإبراز شيئا من التناقض داخل روايات البخاري ـ هذه الرواية التي تنسف كل ما سبق من روايات ـ حديث عثمان ابن مظعون الذي كان من السابقين وأصحاب الهجرتين ثم أصيب في غزوة أحد ، وهو يحتضر على فراش الموت قالت له امرأة من الأنصار (لقد أكرمك الله فقال لها النبي وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقالت المرأة : بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن يكرمه الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هو ـ أي عثمان ابن مظعون ـ فقد جاءه اليقين ـ أي الموت ـ والله إني لأرجو له الخير ، والله ما أدري واني رسول الله ماذا يفعل بي..


إلى كل من يدافع عن الأحاديث ـ إذا كان هذا الحديث صحيحا فيجب عليهم أن يبرءوا النبي من مئات الأحاديث التي رواها البخاري ، لينسب له علمه بالغيب مثل علم الساعة والشفاعة وأسطورة الخروج من النار ، ولا شك أن هذه الغيبيات التي نسبها البخاري للنبي وآمن بها المسلمون هي سبب تخلف المسلمين وابتعادهم عن منهج الإسلام الحقيقي الذي يبين انه لا إله إلا الله ، ولا يعلم الغيب إلا الله ، ولا يشرك في حكمه أحداً ..

أرجو أن اكون وفقت في عرض هذا الجزء من الكتاب  

إلى اللقاء في الجزء الثالث

رضا عبد الرحمن على ـ مدرس بالأزهر

اجمالي القراءات 12550