القاموس القرآنى ( برهان )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٣١ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى (  برهان )

مقدمة :

1 ـ جاء سؤال من صديق عزيز يقول : ( قال جل وعلا فى سورة (المؤمنون) : (ومن يدع مع الله إلها آخر -لا برهن له به- فإنما حسابه عند ربه إنه لايفلح الكافرون.) صدق الله العظيم . ما هو موقع (لابرهن له به ) فى الآية ؟ هل لو كان لديه برهان على إلهه هذا فلا حساب عليه؟ برجاء البيان وشكرا ) .

2 ـ الاجابة على هذا السؤال بإختصار : أى ليس له برهان إلاهى بوحى من رب العزة جل وعلا .

3 ـ الإجابة بالتفصيل تقع فى باب ( القاموس القرآنى ) . نتعرف على مصطلح ( برهان ) فى السياق القرآنى .

أولا : البرهان الالهى :

1 ـ ( برهان ) بمعنى القرآن الكريم ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) النساء ). البرهان الذى جاء لنا من ربنا جل وعلا هو الذى نزل نورا مبينا ، أى القرآن الكريم .

2 ـ ( برهان ) بمعنى الوحى الالهى غير المكتوب : وهناك وحى غير مكتوب ، يكون توجيهيا ، أكبر مثال له جاء فى قصة موسى عليه السلام . ومنه ما جاء فى قصة يوسف حين أوحى الله جل وعلا ليعقوب عما سيفعله أبناؤه بأخيهم يوسف (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15) يوسف ) . ومنه أيضا فى قصة يوسف حين راودته إمرأة العزيز فرأى برهان ربه وحيا توجيهيا وعظيا ، قال جل وعلا :( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف ).

3 : ( برهان ) بمعنى الآية الالهية من رب العزة للنبى : عن آيتى النبى موسى جاء وصفهما بالبرهانين ، قال جل وعلا : ( وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32) القصص ). أى هما برهانان من رب العزة جل وعلا .

ثانيا : الكافرون لا برهان لديهم :

1 ـ والبرهان الحق الوحيد فى الدين يأتى من لدن رب العزة جل وعلا . وهذا يعنى أن أصحاب الديانات الأرضية لا برهان لديهم لأن أديانهم تقوم خرافات وأوهام وأكاذيب . وهى تنتشر فقط عن طريق تغييب العقل . لأن التعقل ينفيها . ولهذا تتكرر دعوة رب العزة للناس للتعقل والتفكر والتبصر . وبالتعقل لا يكون لأصحاب الديانات الأرضية برهان ، لأنه فى حقيقة الأمر لا برهان معقول لديهم .

2 ـ الكافرون لا برهان لديهم فى أديانهم الأرضية وتقديسهم للبشر والحجر ، هل هناك برهان فى إستجداء العون من رفات ميت تحول الى تراب أو من تمثال منحوت ؟ قال جل وعلا : ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) المؤمنون ). الله جل وعلا هو الملك الحق ، وما عداه من مزاعم الآلهة الأخرى لا برهان لها.

ثالثا : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ  )

1 ـ ويأتى التحدى للمشركين بالاتيان ببرهان على الزعم بوجود آلهة مع الله جل وعلا ، قال جل وعلا :( أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64 ) النمل ).

2 ـ وفى نفس الموضوع  قال جل وعلا  يرد بالأسلوب المنطقى على مزاعم المشركين : ( أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ) ثم يطلب منهم رب العزة برهانا على مزاعمهم : ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) وتأتى الإشارة الى البرهان الإلهى وهو القرآن الذى جاء مصدقا لما سبقه من كتب إلاهية : ( هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الأنبياء ).

3 ـ ويوم القيامة سيطلب منهم رب العزة برهانا على آلهتهم المزعومة ، قال جل وعلا : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75) القصص )

4 ـ والبرهان يعنى أيضا ( الحجة ) بضم الحاء . عن المحاجّة بين الفتى ابراهيم وقومه قال جل وعلا :  (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ) وفى الآية التالية نعرف أن الله جل وعلا هو الذى أوحى بهذه الحُجّة لابراهيم ، قال جل وعلا : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)) الانعام ).

5 ـ وجاء التحدي للمشركين بالاتيان ببرهان فى مزاعم الأديان الأرضية ، مثل زعم الدين الأرضى بإحتكار الجنة له دون الآخرين ، قال جل وعلا : ( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) البقرة ) . وهو نفس زعم المحمديين إذ يعتقدون انهم وحدهم أصحاب الجنة، وعندهم أهل الكتاب هم المغضوب عليهم والضالون . ويأتى الرد من رب العزة عليهم جميعا : ( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) البقرة )

6 ـ وهناك عادة سيئة لدى أصحاب الديانات الأرضية أنهم يبررون وقوعهم فى الشرك وفى التلاعب بشرع الله جل وعلا ـ بأنها إرادة الله جل وعلا ، ويتناسون أن الله جل وعلا خلقهم أحرارا ولهم المشيئة الكاملة فى إختيار الايمان الكفر ، الطاعة أو المعصية ، قال جل وعلا :  (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) الأنعام ). هنا أيضا نرى أن تعبير ( الحُجّة ) جاء بمعنى البرهان ، ومنسوبا الى رب العزة جل وعلا : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ).

 الخاتمة :

1 ـ لا برهان فى الدين إلا البرهان الالهى ، فالله جل وعلا هو وحده الحق وما عداه جل وعلا هو ضلال ، قال جل وعلا :  ( فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ (32) يونس )، وهو جل وعلا الحق وما عداه جل وعلا فهو باطل ، قال جل وعلا : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) الحج )

2 ـ وعن القرآن الكريم الحق برهانا وحيدا قال جل وعلا : ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) الاسراء ). ولا حديث بعده يؤمن به المؤمن ، قال جل وعلا :  ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ). والذين إفتروا أحاديث نسبوها للنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر ، يكفيهم قوله جل وعلا  فى سورة ( محمد ) :  ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)) لم يقل : وآمنوا بمحمد ، بل بما نزّل الله جل وعلا على ( محمد ) أى القرآن الكريم البرهان الالهى . وفى التفرقة بين المؤمنين بالقرآن الكريم وحده حديثا وبرهانا وبالكافرين قال جل وعلا فى الآية التالية :  ( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) محمد ).

ودائما صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 5885