الجماهير تتلذذ بالعبث!
السيسي سيحكم لمئة عام قادمة!

محمد عبد المجيد في الإثنين ٢٩ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

يختبر الديكتاتور الحدَّ الأقصىَ لكرامة مواطنيه ليعرف بعدها موقعَهم في فترة حُكْمِه: أمامه أَمْ..  تحت حذائه!

يضحك الديكتاتور بدون أيّ سبب في اجتماع كبير، ثم يقهقه كالبلهاء؛ فإذا ضحك المحيطون به من وزراء ومحافظين ومستشارين وكبار الضباط، فقد ضمن لنفسه خطَّ الدفاع الأول، وإذا ضحكتْ الجماهيرُ، وصفـّـقتْ، وهلـَّـلَتْ؛ فهذا يعني أنَّ العبودية تمتد في طول البلاد وعَرضها.

الديكتاتور يعاني من شيزوفرانيا عاطفية تمدّ نِصْفَ الوجدان برقّة لا متناهية، كما كان يفعل أدولف هتلر وهو يحتضن كلبـَـه ويُقبّله أكثر مما يفعل مع إيفا براون، وتمنح النصفَ الآخر قسوة حادّة كأنها نزيفُ دم لا ينقطع من مريض السكري ، ويتبادل النصفان الأدوارَ وفقــًــا للظروف والاحتياجات!

كل المستبدين في تاريخ مصر الحديث كانوا، بغير إرادتهم، يتركون البابَ رُبْعَ مفتوحٍ ربما ثقة منهم أنَّ المصريين يثورون مرة في كل مئة عام، وأغلب ثوراتهم ضد الاستعمار الخارجي؛ أما سيد القصر فيتولى رجال الدين والأحزاب والإعلام مدّه بالقدرة على المراوغة والتغييب وهي مهمة أسهل من تدمير بيتٍ للعنكبوت.

بعد الثورة الينايرية العظيمة التي قام بها شبابُ مصر ضد الطاغيةِ اللعين حسني مبارك، سلــَّـم شبابُنا الغاضبُ ميدانَ التحرير لدُعاةِ التجييشِ والتديـُّـن ريثما يستريح الفرسانُ من الثمانية عشرة يومـًـا التي هزتْ الدنيا، فلما عادوا كانت الأوراقُ تناثرتْ، واختلطتْ، ووقف الذئبُ الطنطاوي الذي كان الساعدَ الأيمنَ لمبارك وزيرًا للدفاع في ثلثي فترة حُكْمِه ليوزع مهام ما بعد الفضِّ الذاتي للثورة.

حدث ما لم يخطر علىَ قلبِ مصري منذ عهدِ بـُـناة الأهرام، وتسلل اليأسُ مصحوبـًـا بالخوفِ إلىَ قلوبِ الفرسان السابقين، وتولـّىَ أوغادُ الإعلامِ وقرَدَتـُـه رسمَ المشهدِ من جديدٍ بمساعدة أجهزة القضاء، وبدأ اللعبُ علىَ المكشوفِ، وخلع القضاةُ والمستشارون رداءَ القداسة واستبدلوا به قرون الشياطين، فكانت أحكامُ التأجيل والبراءة انتقامــًـا من الشعب المصري وأبنائِه الذين غضبوا مرة في ثلاثة عقود؛ فعاقبهم ممثلو العدالةِ السماوية وأعادوا المجرمين واللصوص والنهّابين والبلطجيةَ والقتـَـلةَ والمهربين والكوهينيين علىَ نارٍ هادئةٍ ليقبل الشعبُ وجوهَهم القبيحةَ، ويعتذر عن ثورة الأنبياء، ويكفر بأيّ أمل في التغيير.

وفاجأ المصريون الدنيا بعد فترة القبضة الحديدية للمشير طنطاوي، فبهتتْ الفروسية، وتراجعتْ الشجاعة إلا من حفنةٍ قليلةٍ من أنبياءِ الغضب، وقام القضاءُ بصناعة المواطن اليائس من أيّ تغيير، ولجأ عشرات الملايين إلى حــَـمــَــلة المصاحف الذين كانوا يدغدغون مشاعرهم برضا السماء حتى لو تساقطتْ قطرات من الدماء فوق رؤوسهم، فالدينُ الجديد طاعة ومَذَلة وخنوع ورغبة جماهيرية جامحة في الخلافة القطبية، وتحجبتْ الدولة، وتنقبتْ العقول، وطفتْ علىَ السطح سلوكيات قشريةٌ استمدتْ من الماضي السحيق تعاليم نامتْ بين صفحات كتب مُغْبَرة زمنـًـا، أزال رجالُ الدين الجُدد غبارَها، فإذا هي مقابر تُميت الأحياءَ، وتَعدهم بجنة الخلد عن طريق العنف والقتل والصراخ والتفسيرات الهلامية للمحرّمات الجديدة.

عامٌ ونيّف نزع الاخوانُ والسلفيون والعائدون من الخيام مفاهيم الوعي والحرية والثقافة والجمال، وزرعوا علىَ وجه السرعة عالـَـما مخيفا، ومفزعا من الجهالة والأمية والمزايدة.

كان العام الاخوانجي قادرًا على نزع قشرة النهضة من عقول المصريين، فلما عاد العسكر، وجدّدوا المباركية؛ جاءوا برجل اختاره المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي من قاع اللا معرفة والجهل والبلادة فلم يصطدم، ويا للغرابة، مع أحفاد عصر النهضة والتسامح وكراهية الاستعمار، فالسلفيون كانوا قد دخلوا البرلمان ولوّثوا مواد الدستور وجعلوا الشعب شعبين: مسلمين وشركاءهم، والمسلمين شعبين: غائبين عن الوعي و .. دواعش بروح مصرية فيها من الصحراء قسوتها وعواصفها ومن الهجرة المعاكسة الالتفاف حول تيميات وهريريات كان الفراعنة ومواليد الكهف أسطعَ منهم عقلا واستنارة!

جاء رجلٌ بينه وبين الثقافة والفكر والعقل بعُدُ المغربين، ورفعته رتبة عسكرية ليتساوىَ ظاهريــًـا مع الأمير، طنطاوي، أما التدبير، والتخطيط، والتجهيل فآلة الإعلام قادرة في كل زمن على توليد الطاعة المعجونة بالحذاء الميري والسُخْرَة السلفية.

جاء عبد الفتاح السيسي لتكون مهمته الأولىَ أرنبة المصريين، وقتـْـلَ روح ِ المقاومة، ومسحَ أيّ ثقة بالعدالة، فلم يخرج مبارك وكلابه من الباب الخلفي لسجون الرفاهية؛ إنما أمام شعبِ أطهر ثورات العصر، ورفع كل واحد منهم إصبعه الأوسط في وجوه أنبياء زمن ميدان التحرير وآبائهم الذين كانوا قد صمتوا ثلاثين عاما قبل الثورة السماويةِ الطاهرة.

كلُّ المستبدين أظهروا مع القسوةِ لحظاتٍ من اللـُطف إلا السيسي فقد تمكن من جعل الخطاب الناعمِ مقدمةً لساديةٍ غيرِ مفهومة، وكلما مرَّ بمرحلةِ الغطرسةِ والخُيلاء قفز علىَ أخرىَ، فعندما كان طبيب الفلاسفة، ولا أحد يسمع لغيره، وانتم مين؟ ويرفض كلمة العسكر فهي مهينة له؛ تطورت الطاووسية فأصبحتْ بألف جناح فهو يبيع ويشتري، يشق البحار والأنهار، يوافق على تجفيف ماء الحياة للمصريين، ويصبح النيلُ في مهب جهله بقيمته حتى لو بنتْ كل الدول الواقعة على مجرىَ النهر الخالد سدودًا قد تنتهي معها آخر قطرة يرتشفها مواطن مع نهاية ولايته الثانية أو الرابعة أو السادسة.

كلما ازداد السيسي وتوغل في عمق جهله ( الشعب شبع من الجوع، وارتوىَ من العطش)، توالدت الأرانب الشعبية حوله، فشعبنا مولـَـع بالجهلاء، والإعلام الذبابي يعرف من أين يمتص القاذرورات و.. ينفث التخلف في وجوه المصريين.

عرف السيسي أنَّ التخلي عن الأرض المصرية لا يحتاج لموافقة الشعب، وأن الجزر الاستراتيجية قابلة للبيع، وأن النيل .. هبة السماء لواديه الجميل لا نقاش في أهميته للمصريين حتى لو أقيم ســَـدُّ النهضة كصَدِّ النهضة، فإثيوبيا تعرف أن القائد المصري الذي عرض بيع نفسه يمكن أن يبيع وطنه وسط تصفيق حاد من الشعب.

وعرف الرجلُ أن تآكل حدود مصر من جهاتها الأربع لن يستثير نخوة الوطنية، إلا من ثلة قليلة ما تزال عاشقة لأرض الكنانة.

وعرف السيسي أن لجنة تقصي الحقائق التي وضعت أمامه وأمام العالم عشرات الصفحات المفصلة عن جرائم الجيش والشرطة والتيارات الدينية وحثالة مبارك لن تحرك مصريا من بيته إلى ميدان التحرير، ولن تأمر النيابة بإعادة محاكمة المجرمين والسفــّـاحين وقناصي العيون( اللجنة تقول بأن شهداء ثورة يناير أكثر من 800 والمصابيين بالآلاف)، وأكثرها قام نظام مبارك بتصفيتهم، فحصل بعد مئة وتسعين ألف صفحة اتهامات ببرائة كافرة لو كان إبليس مكان القضاة لخجل منها.

وخرج المجرمون واحدًا تلو الآخر مع ضمانة سيساوية أن لا يتدخل في إعادة العدالة إلى نصابها، فحتى الحديث عن قضايا الفساد وتعريته تنتهي بالإطاحة بالمستشار الذي كشفها، ثم محاولة قتله عندما أصبح ساعد الفريق سامي عنان في الانتخابات الرئاسية الصورية.

عرف السيسي أن فأرنة الشعب في نهاية اكتمالها، وأنه ليس مثل الطغاة الآخرين الذين يضعون خيالات المآتة في منافسات انتخابية، لكنه يؤمن بــأنه: هل عرفتم من إلـَـهٍ غيري.

عندما تنازل عن تيران وصنافير لم يأبه لأحكام قضائية وخرائط وتاريخ ومؤرخين ومحامين وأدلة ووثائق وشهود وقرائن، فأنا ربكم الأعلىَ!

السيسي يعرف الآن أنه لو وقف يخطب خطبته الجهلاء وبدأها بقولــه: أيها المصريون، يا ولاد الكلب؛ فسيضحك ثلثهم، ويصفق الثلث الثاني، ويصمت من الدهشة أو الرعبِ الثلثُ الثالث.

من حُسْنِ حظ السيسي أنَّ الاخوان المسلمين يدعمونه بمعارضتهم إياه، ويرفعون من شأنه بكراهيتهم له، ويزيدون أتباعه بقنواتهم الفضائية الغثة والفجــّـة والمتطرفة، فيتضاعف خوف المصريين ويلتصقون بحذائه فهو أكثر أمانــًـا من زبيبتهم!

قُدرات السيسي العقلية كارثة بكل المعايير، وكان اختياره موفــَـقــًـا لعلي عبد العال وأحمد أبو الغيط ونجوم الردح في الشاشة الصغيرة حتى يظن الشعب أن من يحكمه عبقري مقارنة بمن اختارهم.

إن التحليل النفسي والعقلي والثقافي والعاطفي والوطني للسيسي قد يؤدي إلى انتحار المحللين والأطباء وعلماء النفس والسياسيين المخضرمين، فالرجل الصفرُ اكتشف أنَّ جعل المصريين أصفارًا هو الجسر الذي يحقق له ضِعْفَ سنوات العُمر فوق رؤوسنا.

أتذكر أنني اتصلت، خلال الثورة، من أوسلو بالثوري الشاب أحمد دومة وكان في ميدان التحرير وحوله ضوضاء وصيحات أجمل وأرقّ من أصوات الملائكة. كنت أريد تشجيعه فردّ عليَّ قائلا: إننا نتدارس كتاباتك فهي تمدّنا بالروح للإطاحة بمبارك.

كان هذا منذ سبع سنوات عندما كان المصريون يقرؤون، ويتأثرون، ويغضبون؛ أما الآن فقد أصبح كل المصريين، إلا من رحم ربي، كُتّابا وصحفيين وإعلاميين وفيسبوكيين لا يقرؤون؛ إنما يكتبون، ويُحصون اللايكات كما يحصي البخيلُ أموالــَـه مساء كل يوم.

عندما انتقل المصريون من القراءة إلى الكتابة حتى لو لطمت روحُ أبي تمام وجهها من هول ذبح المُعجم، ماتت الفروسية وأضحت الفاتحة: السيسي رئيسي، وتخفىَ كارهو جمال حمدان وراء: تحيا مصر، وهم لا يفهمون لها معنىً.

السيسي في أكثر المناطق والمساحات أمنــًــا، فالأحزابُ المهترئة تعشق جهلـَـه، والسلفيون الدواعش يعبدون فكرَه، ومصر العظيمة تم شحنها ضد أبنائها الأوفياء الغاضبين والعاشقين لميدانها وترابها.

وعاد إلىَ الإعلامِ أعفن وأنتن وأقذر وأحطّ إعلاميين مشبوهين وحشـّـاشين ومنافقين وأفــّـاقين وأفـّـاكين ليرسوا الصورة الجديدة التي تليق بعهد الرئيس الواحد الأوحد؛ الذي يرفض حتى سيناريو الانتخابات الشبحية، فالرجل تكّبر، وانتفخ، وتفلسف، ووجد أن كل مفرداته البليدة تستحق التصفيق الحاد.

ومن حُسن حظه أن المصري المثقف الذي تحوّل من الكتاب إلى الكمبيوتر، ومنه إلى الآيفون الصغير لا يستطيع أن يقرأ أكثر من ثلاثة أسطر ويشاهد بعض الصور ويفغر فاه لفيديو كليب، فضمن السيسي مئة عام قادمة، أي خُمْس ما وعد به مرسي مريديه فسقط من المقطم.

المصريون لا يصدّقون أننا جميعا مجرمون، وقتلة، ومفرّطون، وكاذبون في حق وطن، أما الدين فحدّث ولا حرج، فقد أعيد إلى المشهد ليشهد على العبودية المختارة، ويجعل القفا رديفــًـا للمسجد والكنيسة، ويُقزّم الإمام الأكبر و.. بابا الكنيسة أمام أجهل دابة.

المصريون سعداء بعدة كباري وجسور، وعشرات من الطرق الجميلة والمدفوع ثمنها من أموال أحفادنا القادمين لعالم البؤس، ولا أحد يحاسب السيسي على نفقاته في المشروعات والتفريعات والعمولات التي تخيّط شفاه لواءات هم خط الدفاع الثالث عنه.

المصريون يعيشون سنوات الجُبن الجمعي، ويرفضون الحديثَ المكشوف، ويؤيدون رئيسهم قبل أن يرشح نفسه، ويضمنون الأمن والأمان وأموالهم ومساكنهم ووظائفهم، بل إن كثيرين ينسحبون من الصداقات التواصلية، ومن وضع لايك مجهرية لا يراها رجل أمن، فالمستقبل للخائفين، ومن يلعن ثورة حررته تحتضنه وسائل الإعلام التي استعبدته!

السيسي يعرف أن المصريين لن يجازفوا بمطالبات وصيحات في أذنيه أن يفرج عن أبنائهم أو زملاءِ أبنائهم فالقضاء والإعلام ورجال الدين في صفه أو تحت قدميه، وفي السجون مئات أو آلاف أو عشرات الآلاف، فالرجل توحّش، وأصبح غولا يراه الحمقىَ ملائكةً أرسلها الله لدعمه.

قال لي صديق نرويجي: هل لديكم أموال للعاصمة الجديدة؟ قلت له إنها قروض لتكبيل أحفاد المصريين لمئات الأعوام القادمة، لكنها مهمة لصناعة الصنم القائد البطل حتى لو تسوّلت مصر من السودان وإثيوبيا وإسرائيل.

أنا أعرف تماما أن كتاباتي هذه لم تعد كما كانت في عهد اللعين حسني مبارك، فشجاعة المصريين كانت مختبئة ولا تجد مخرجـًـا، أما الآن فالمصري يكتب لنفسه، ويقرأ خربشاته، ويحمد اللهَ على نعمة الجهل، وينام في أحضان مكبرات الصوت، ويستبدل بدساتير حقوق الإنسان أدعية ضد الثعبان الأقرع، ويأخذ ثقافته الشوارعية من برامج التوك شو المصنوعة في الأمن الوطني.

في كل فترات الاستبداد والانحطاط كان للرئيس المصري هيبة فرعونية، بهتت لعام مرسي الذي جعلها دينية كاذبة، أما في عهد السيسي فتراه مع زعماء الدنيا كأنه الأقل شأنا وقيمة وتقديرًا، حتى لو أخذ معه منافقي الإعلام ليصفقوا له أمام مقر الضيافة أو في المؤتمرات الصحفية كما فعلوا أمام أنجيلا ميركل.

الرئيس الوحيد الذي اشتد في عهده جسد الطائفية، وتعملق، وتعفن، وانقسم الوطن بفضل حزب النور السلفي الحقير إلى أسياد من المسلمين وعبيد من الأقباط، لا يُصافــَـحون ولا يحتلون مواقع المواطنة العادلة والمتساوية.

السيسي هو الرئيس الوحيد الذي لا يملك مشروعا قوميا ووطنيا في العلوم والآداب والثقافة والطب والعلاج والمستشفيات وأوجاع المسنين والنهوض بالتعليم والقضاء على الأمية، لكنه يصنع نفسه في شوارع وطرق ومشروعات بقروض ستكسر ظهر المصري.

عندما أراه في مؤتمراته وندواته الشبابية لا ينقصها إلا أن يخلع حذاءه ويصفع به وجوه المصريين.

خط الدفاع الجاهل والآسن والآثم والمتخلف والطائفي في إعلامه مزّق التاريخ الحديث والقديم، وركــَّـب في الشاشة الصغيرة مفبركي الأخبار، ومزيفي القضايا، فلا تستغرب ولا تتعجب ولا تندهش إذا قال لك إنسان عاقل بأنه يتقيأ عندما يشاهد إعلاميــيــنا.

حتى هذه اللحظة فالسيسي هو المنتصر لنشوتنا في هزيمة أنفسنا، وهو الرئيس اليوم وفي المستقبل فالخوف تمكــَّـن من كل شعيرات جسد المصري.

لم يدر بذهنه قط أنْ يبدأ في عاصمته الجديدة بالمستشفى والجامعة والبحث العلمي، لكنه يعرف أن الدين تخدير مصري بامتياز، والقروش القليلة في جيب الفقير تتجمع من أجل هذا المُخدّر المخيف، فالمصري الأحمق يُفضل مسجدا وكنيسة عن مدرسة ومعهدًا لعلاج السرطان، فنحن في عهد إقامة صلاة الجماعة في المترو، وقريبا فوق أسطح الحافلات والتكاتك!

تمكّن السيسي من نفخ مشاعر الفوقية المواطنية الجوفاء، فبها يصنع البرلمان المهموم بتقنين الغباء، ويترأسه رجل يسعد به الرئيس لأنه أقل منه معرفة، وجعل من قبضته في كل المحافل بـــ ( تحيا مصر ) كأنه نشيد في مدرسة ابتدائية.

السيسي هو النتيجة الطبيعية للتآمر على ثورة يناير، فالمصريون يلعنون أبناءَهم الشجعان، وينسونهم في المعتقلات.

السيسي حالة لم تشهد مصر لها مثيلا، لكن المصريين في عهده هم أيضا حالة لم تعرفها أمُّ الدنيا.

لم يصدق خبل الرجل أن مصريا، حتى لو كان زميله في المجلس العسكري، يمكن أن يقف ندًا له في الانتخابات ويحصل على صوت أو أكثر، ولو كان يضمن صمت العالم لأطلق رصاصة في رأس في كل مرشح آخر في الانتخابات الهزلية الرئاسية.

لو طلب السيسي من الإعلاميين أن يخلعوا سراويلهم ويطرطروا على بعضهم في شاشة التلفزيون، فأنا أكاد أقسم أنَّ واحدًا بالمئة منهم سيرفضون هذه المهانة.

السيسي ضد السيسي في مسرحية عبثية سيُقاد لها الشعب برغبته.

أعرفُ أن واحدًا في الألف سيقرأ مقالي لسطره الأخير، وأقل من الواحد في الألف سيكتشف أنني اتحدث من حنجرته، وأن مقالي أعمق رسالة حب لمصر.

كيف أقنع أبناء شعبي أنني أتحدث بلسانهم؟

 

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 29 يناير 2018

Taeralshmal@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 6965