لمحة عن الخطبة فى تاريخ المسلمين : ( عصر النبوة )( 3 ) أكاذيب سامة

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٩ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لمحة عن الخطبة فى تاريخ المسلمين : ( عصر النبوة )( 3 ) أكاذيب سامة

أولا : ابن إسحاق رائد الكذابين

1 ـ إبن إسحاق أول من كتب السيرة ، صنع رواياتها من خياله ، وصنع لها إسنادا ( عن فلان عن فلان أنه قال .. )، ومن جاء بعده سار على طريقته ، ينقل عنه ويضيف . وبتكرار الروايات يصدقها الناس ، ويتوارثون تصديقها ، ولإرتباطها بالنبى تصبح دينا ، وتتوارى الشخصية الحقيقية للنبى محمد عليه السلام كما وردت ملامحها فى القرآن ، ويحل محلها هذه الشخصية الخرافية التى صنعها ابن اسحاق وابن سعد والطبرى ..وغيرهم .

2 ـ إبن إسحاق كان يضع رواية واحدة للحدث ، من جاء بعده وضع أكثر من رواية لنفس الحدث لا تخلو هذه الروايات من إختلاف وتداخل وإضطراب ، بما يدل على أن مصانع إختلاق الروايات كانت تعمل بكامل طاقتها ، يعمل فيها القصاصون ، ويتم صنع إسناد لها ثم تتم كتابتها .

3 ـ ومثلا ، فإن رواية خطبة الوداع التى تعرضنا لها نقلها الطبرى وغيره ، ولكن أضاف الطبرى لها روايات أخرى ، وصنع لها إسنادا ينتهى الى ابن اسحاق ويتجاوزه .  يقول : ( حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن بعباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد قال كان الذي يصرخ في الناس يقول رسول الله وهو على عرفة ربيعة بن أمية بن خلف قال يقول له رسول الله قل أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي شهر هذا فيقولون الشهر الحرام فيقول قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا ثم قال قل إن رسول الله يقول أيها الناس فهل تدرون أي بلد هذا قال فيصرخ به فيقولون البلد الحرام قال فيقول قل إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا ثم قال قال أيها الناس هل تدرون أي يوم هذا فقال لهم فقالوا يوم الحج الأكبر فقال قل إن الله حرم عليكم أموالكم ودماءكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ) .

ويروى رواية أخرى تنتهى الى ابن اسحاق ويتجاوزه ، يقول : ( حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبدالله بن أبي نجيح أن رسول الله حين وقف بعرفة قال هذا الموقف للجبل الذي هو عليه وكل عرفة موقف وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة هذا الموقف وكل المزدلفة موقف ثم لما نحر بالمنحر قال هذا المنحر وكل منى منحر فقضى رسول الله الحج وقد أراهم مناسكهم وعلمهم ما افترض عليهم في حجهم في المواقف ورمي الجمار والطواف بالبيت وما أحل لهم في حجهم وما حرم عليهم فكانت حجة الوداع وحجة البلاغ . )

 ولنتذكر أن ابن إسحاق توفى حوالى 152 ، بينما توفى الطبرى عام 310 .

ثانيا : خطب عن غيب الساعة

من روايات الخطب المضحكة فى الخطب المنسوبة للنبى محمد عليه السلام والتى رواها الطبرى أنه خطب يؤكد لأصحابه أن القيامة وشيكة .

1 ـ يقول الطبرى : ( عن ابن عمر قال  :كنا جلوسا عند النبي ، والشمس مرتفعة على قعيقعان بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه" ) . والنبى لم يكن له أن يتحدث فى الغيب .!!

2 ـ ويضع رواية ثانية ، يقول : ( حدثنا ابن بشار ومحمد بن المثنى قال ابن بشار حدثني خلف بن موسى وقال ابن المثنى حدثنا خلف بن موسى قال حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك ، أن رسول الله خطب أصحابه يوما ، وقد كادت الشمس أن تغيب ولم يبق منها إلا شق يسير ، فقال : " والذي نفس محمد بيده ما بقي من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه وما ترون من الشمس إلا اليسير . " )  

3 ـ وفى رواية ثالثة : ( حدثنا ابن وكيع قال حدثنا ابن عيينة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : قال النبي عند غروب الشمس : " إنما مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم هذا فيما مضى منه . " ) .

4 ـ وفى روايات مضمونها واحد مع بعض إختلافات ينسب فيها الطبرى للنبى العلم بالساعة ، قال  : ( حدثنا هناد بن السري وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى . " ) .

(حدثنا أبو كريب حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي بنحوه حدثنا هناد قال حدثنا أبو الأحوص وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله بعثت أنا والساعة كهاتين . ") ( حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثام بن علي عن الأعمش عن أبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة قال : كأني أنظر إلى إصبعي رسول الله وأشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول بعثت أنا والساعة كهذه من هذه" ) (  حدثنا ابن حميد قال حدثني يحيى بن واضح قال حدثنا فطر عن أبي خالد الوالبي عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله بعثت من الساعة كهاتين وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى ". ).

القارىء الساذج يظن أن تتابع الروايات يعنى أنها صادقة فى مضمونها مع إختلافات بسيطة فيها. وهو لا يسأل نفسه عن أولئك الرواة الذين عاشوا بعد موت النبى بقرنين وأكثر : أليس وجودهم على قيد الحياة يعتبر تكذيبا لتلك الروايات التى يقولونها .

والقارىء الذى يؤمن بهذه الروايات يكفر بالقرآن لأنه لا يكتفى بالقرآن الكريم وحده حديثا ـ و تجعله هذه الأحاديث يؤمن بأن النبى كان يعلم الغيب وأنه كان يتكلم عن الساعة . المؤمن بالقرآن وحده يتأكد له أن النبى لم يكن يعلم الغيب وأنه سئل كثيرا عن الساعة وأن الله جل وعلا أكّد أن النبى ليس له أن يعلم الغيب ولا غيب الساعة . بالتالى فلا يجتمع فى قلب إنسان الايمان بالقرآن والايمان بتلك الأحاديث ، وهما متناقضان . 

ثالثا :خطبتان فى حادث الإفك

1 ـ وتكاثرت الروايات عن حادثة الإفك ، وتجعل السيدة عائشة هى المتهمة فيها وأن آيات سورة النور كانت عن هذا . وقد نفينا هذا فى كتابنا ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ) . وننقل منه :

( الافتراء على عائشة في حديث الإفك:
إذا ذكرت حديث الإفك انصرف ذهن السامع إلى اتهام عائشة بالزنا ونزل براءتها من السماء تأسيساً على ما جاء في سورة النور من آيات تتحدث عن موضوع "الإفك". وإذا حاول باحث أن يتفهم الآيات وأن يناقش روايات التراث عن موضوع حديث الإفك تناولته الاتهامات كما لو أن أسطورة تخلف عائشة عن ركب النبي واتهامها أصبحت من المعلوم من الدين بالضرورة.
وملخص الأسطورة التي ذكرها البخاري (الجزء الخامس ص 148، الجزء السادس ص 127) أن النبي كان إذا أراد سفر اقرع بين نسائه فأيهن خرج سهمها خرج بها الرسول معه.وفى غزوة بنى المصطلق كانت القرعة من نصيب عائشة، وأثناء رجوع الجيش افتقدت عائشة قرطها فنزلت تبحث عنه وانطلق الجيش وهم يظنونها داخل الهودج.. ورجعت عائشة فوجدت الجيش قد انطلق فنامت مكانها إلى أن جاء صفوان بن المعطل السلمى فحلمها على جمله وأتى بها إلى المدينة، فاتهمها المنافقون به وغضب منها الرسول إلى أن نزلت فيها آيات سورة النور تعلن براءتها (النور 11: 26) ، ومع ذلك فلا يزال حديث الإفك وصمة تطارد عائشة وتنسج الخيالات المريضة حولها أساطير وروايات ، ووجد فيه بعض المستشرقين مجالاً للطعن في شرف عائشة وفى اتهام النبي بأنه اختلق الآيات ليبرئها، وهذه إحدى أفضال البخاري والمصدر الثاني علينا وعلى ديننا الحنيف..!!
إن حقيقة الأمر أن عائشة "أم المؤمنين وأمنا نحن إذا كنا مؤمنين" لا علاقة لها مطلقاً بحديث الإفك المذكور في سورة النور. وأساس هذا الافتراء على عائشة يبدأ بأكذوبة "أن النبي كان إذا خرج لغزوة أقرع بين نسائه واصطحب إحداهن.." والقرآن الكريم ينفى أن النبي كان يصطحب معه نساءه في غزواته، فالله تعالى يقول للنبي عنه خروجه لغزوة بدر - أولى الغزوات - ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ..﴾ (الأنفال 5) والبيت يعنى الزوجة ، وفى توضيح أكثر يقول تعالى عن نفس الغزوة ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ...﴾ (آل عمران 121) أي خرج النبي عن أهله ، والأهل هم الزوجة والزوجات - لكى يصفّ المؤمنين للقتال. إذن لم يكن معه واحدة من نسائه منذ أول غزوة غزاها..
وفى غزوة الأحزاب في العام الخامس من الهجرة ، نزلت سورة الأحزاب وفيها الأمر بالحجاب لنساء النبي والأمر حاسم لهن بأن يمكـثـن في البيت ولا يخرجن منه ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ (الأحزاب 33) فكيف يأمرهن الله بالبقاء في البيت ويأتي النبي فيصطحـبهن في غزوة بنى المصطلق فيما بعد؟.
لقد كان ترك النساء في المدينة بعيداً عن الغزوات عادة إسلامية حرص عليها النبي والمسلمون بحيث لم يكن يتخلف عن الغزو إلا النساء والأطفال والشيوخ غير القادرين. وحين تخلف المنافقون عن الخروج مع النبي في احدى معاركه الدفاعية نزل القرآن يعيّرهم ويسخر منهم بأنهم رضوا بأن يتخلفوا مع النساء والصبيان ﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ..﴾ (التوبة 87، 93) فهل من المعقول أن يصطحب النبي زوجاته معه عرضة لخطر الحرب بينما تبقى بقية النساء آمنات في المدينة؟.
ولكن عن ماذا تتحدث سورة النور ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...﴾؟
إن سورة النور من أوائل ما نزل في المدينة ، لذا جاءت بتشريعات اجتماعية جديدة لصيانة المجتمع الإسلامي الجديد في أوائل استقراره بالمدينة، ولنا أن نتصور المدينة في أول العهد بها حين جاءها المهاجرون والمهاجرات ليعيشوا بين الأوس والخزرج وفيهم الأنصار المؤمنون وفيهم ضعاف الإيمان والمنافقون وحولهم اليهود . والمهاجرون والمهاجرات بين أنصاري يؤثرهم على نفسه ولو كان به خصاصة وبين منافق يستثقل وجودهم وينتظر الفرصة ليصطاد في الماء العكر وسط ذلك الخليط البشرى الذى تكدس لأول مرة في مكان واحد ، ولا ريب أن المهاجرين كانوا في حاجة للعـون بعد أن تركوا أموالهم وديارهم وجاءوا إلى المدينة لا يملكون شيئاً إلا الإيمان وحب الإسلام. ولا ريب أن بعض المهاجرات كان حالهن أشد بؤساً فقد تركن أزواجهن المشركين فراراً بدينهن، ولا ريب أيضاً أنهن كن يتلقين مساعدات من بعض مؤمني الأنصار الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. ولا ريب أن المنافقين وجدوا فرصتهم في تشويه ذلك العمل النبيل بإشاعة قصص كاذبة عن علاقات آثمة بين أولئك المؤمنين والمؤمنات من المهاجرات والأنصار..
إن هذا التصور لفهم آيات سورة النور عن موضوع الإفك يستند إلى فهم حقيقي للظروف التاريخية الواقعية للسنوات الأولى لاستقرار المجتمع المسلم في المدينة حيث تم التآخي بين المهاجرين والأنصار ونزلت سورة النور بتشريعات اجتماعية تنظم السلوكيات داخل هذا المجتمع ، وكان ذلك قبل غزوة بنى المصطلق بعدة سنوات ، فليس ما جاء في هذه السورة أدنى علاقة بتلك الأسطورة التي حاكها البخاري وكتب الحديث عن عائشة ومسيرتها المزعومة مع النبي في الجيش.
ويؤكد ذلك أن آيات سورة النور تتحدث عن اتهام جماعة من أهل المدينة لجماعة من المؤمنين الأبرياء، تتحدث عن جماعة ظالمة اتهمت جماعة بريئة ، تتحدث عن مجموعة ولا تتحدث عن ضحية واحدة وإنما عن مجموعة من الضحايا البريئات . سورة النور لا تتحدث عن أم المؤمنين عائشة ، ولو كان لها علاقة بحديث الإفك لنزل ذلك في القرآن صراحة، فقد عهدنا القرآن أكثر اهتماماً بكل ما يخص بيت النبي وأمهات المؤمنين . فقد تحدث عن أمهات المؤمنين وبيت النبي في سورة الأحزاب وفى سورة التحريم وخاطبهن مباشرة في أمور أقل خطراً من ذلك الاتهام المزعوم لعائشة . ولكن القرآن في سورة النور لا يشير مطلقاً إلى عائشة أو أي واحدة من نساء النبي وإنما يتحدث عن عموم المؤمنين في حادث إفك اهتزت له المدينة في أول العهد بها وقد تكدس فيها المهاجرون والأنصار لأول مرة.. ولنراجع معاً آيات سورة النور..
تبدأ السورة بتقرير عقوبة الزنا (وهى الجلد لا الرجم)، ثم عقوبة رمى المحصنات ثم قضية التلاعـن بين الزوج وزوجته، ثم تدخل السورة على حديث الإفك بتقرير نفهم منه شيئين: 1ـ أن عقوبات الزنا وقذف المحصنات له علاقة مباشرة بالحديث التالي عن الاشاعات التي راجت في المدينة وقتها . 2ـ أن حديث الافك ليس خاصا بإحدى نساء النبي وانما هو أمر اشترك فيه جماعة من المؤمنين اتهموا جماعة اخرى من المؤمنين اثما وعدوانا . وهذا لا يجوز في اخلاقيات المجتمع المسلم الذى ينزل عليه الوحى القرآني. في ذلك يقول الله تعالى يخاطب المؤمنين جميعا في المدينة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ فالخطاب هنا عام للمؤمنين جميعاً ، فليس ذلك الحديث الإفك شراً للمؤمنين بل هو خير لهم لأنه بسببه أنزل الله في السورة التشريعات التي تنظم الحياة الاجتماعية للمسلمين حتى لا يتكرر المجال للتقولات والإشاعات.
ثم تقول الآية التالية تتحدث عن عموم المؤمنين أيضاً ﴿ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ إذن هي تهمة عامة تمس مجتمع المسلمين جميعاً وكان ينبغي عليهم أن يرفضوها وأن يظنوا بأنفسهم خيراً، وتمضى الآيات على نفس الوتيرة تخاطب جموع المسلمين لأن المظلومين جماعة والذين ظلموهم جماعة أخرى ، وقد تداول المسلمون أقوال الظلمة بدون تروٍ أو تدبر، تقول الآيات ﴿ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ  وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ  وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ  يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ  وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.
ولأن المظلومين مجموعة والظلمة أيضاً مجموعة تقول الآية التالية ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ فالمنافقون أرادوا بتوزيعهم التهم على مجموعات المؤمنين أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف (التوبة 67) وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.وينهاهم رب العزة عن اتباع خطوات الشيطان، ثم تلتفت الآية لبعض المحسنين الذين توقفوا عن الصدقة مخافة أن تلوكهم الألسنة ﴿ وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا..﴾.ولأن المظلومين جماعة من المسلمات العفيفات فإن الله توعد الظلمة بعذاب شديد ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
ونتوقف مع كلمة "المحصنات الغافلات" فهي الموضع الوحيد في القرآن الذى أتت فيه صفة الغفلة بمعنى السذاجة وطيبة النية، وما عداه فإن صفة الغفلة تلحق بالذي يعرض عن الحق ويلهو عنه ، ووصف المحصنات البريئات بالغفلة دليل على أنهن كن يتصرفن بالسجية والفطرة النقية في التعامل مع الناس ، ولو كان مجتمع المدينة خالياً من المنافقين والذين في قلوبهم مرض ما لحقت بهن الشبهات والاتهامات. والله تعالى دافع عن هؤلاء المحصنات الغافلات المؤمنات ولعن من اتهمهن في شرفهن . ثم يقول تعالى ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ إذن جاءت البراءة من الوقوع في الإثم الخبيث لأولئك الطيبات وأولئك الطيبون ولأنهم جماعة قال عنهم ربنا تعالى ﴿ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.ثم أتت الآيات التالية تتحدث عن تشريع الاستئذان حتى لا يتكرر دخول بعض الناس بلا إذن كما كان مألوفاً في الجزيرة العربية ، وحتى لا يكون هناك مجال للشبهات والأقاويل ، ثم توالت التشريعات الاجتماعية في الزى والنكاح.. وذلك هو الخير الذى قالت عنه الآية الأولى في موضوع الإفك ﴿ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾.)
 2 ـ وفى هذه الأكذوبة الكبرى عن حادث الإفك نسبوا للنبى أنه خطب مرتين . نقتطف من الروايات ما نسبوه لعائشة (  .. وقد قام رسول الله في الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك ، ثم قال : "  أيها الناس ما بال رجاله يؤذونني في أهلي ويقولون عليهن غير الحق والله ما علمت منهن إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا وما دخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي. " ) ، ويفترى الراوى أن النبى بعد نزول براءتها فى سورة النور ( .. خرج الى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن في ثم أمر بمسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم . ) .

3 ـ المشكلة الحقيقية أن المحمديين يؤمنون بهذا الإفك ( إتهام عائشة ) ، يجعلونه معلوما لديهم بالضرورة .  

اجمالي القراءات 6510