لمحة عن الخطبة فى تاريخ المسلمين : ( عصر النبوة )( 1 من 2 )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٧ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 لمحة عن الخطبة فى تاريخ المسلمين : ( عصر النبوة )( 1 من 2 )

مقدمة

1 ـ ورد هذا السؤال : ( أنت تنكر أى كلام للنبى محمد عليه السلام خارج القرآن الكريم ، وأكدت هذا فى كتابك عن ( كلمة : قل ) فى القرآن ، وأنه ليس للنبى محمد أقوال خارج القرآن . اسمح لى : كيف تقنعنى أن يرسل الله تعالى رجلا عربيا فى قوم يتنافسون فى الفصاحة ثم لا يكون الأفصح فيهم . لا بد أن يكون النبى فصيحا حتى يحوز على إعجاب قومه . لا بد أن تكون له أقوال فصيحة وخُطب . ليس له شعر كما جاء فى القرآن لأن الله تعالى يقول (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ) يس (69) ). ولكن المؤكد انه كانت له خطب  ، وإلا كيف كان يصلى الجمعة ؟. لماذا لا تكتب بحثا عن الخطبة النبوية ؟ أريد أن أعرف ما حدث فيها من تغيير فى عصور الخلفاء . الأكيد أن التغييرات الناتجة من الفتوحات والفتنة الكبرى والحروب الأهلية قد أوجدت وظيفة سياسية ودعائية للخطبة ) .ـ وأقول

أولا

1 ـ فى كتابنا ( القرآن وكفى ) قلنا الفرق بين النبى والرسول. الرسول هو النبى حين يبلغ القرآن ، أما النبى فهو شخص النبى وعلاقاته ، وهناك بعض أقوال للنبى مذكورة فى القرآن ، وبهذا تعتبر جزءا من الاسلام . أما أقوال النبى وتصرفاته خارج القرآن فليست جزءا من الاسلام . هى تنتمى الى التاريخ الذى ليس محلا للإيمان. الباحث التاريخى يبحث رواياتها ، ويعرضها على القرآن الكريم ، إن وافقت كانت صحيحة بالمقياس التاريخى ، حيث الحقيقة فيه نسبية وليست مطلقة ، ولا يمكن أن تكون جزءا من دين الاسلام . فالقرآن الكريم هو وحده هو الاسلام ، وحقائقة مطلقة . إن خالفت القرآن الكريم فهو رواية ساقطة بالتأكيد .

2 ـ أما عن الخطبة فهى طبقا لملة ابراهيم جزء من صلاة الجمعة ، والله جل وعلا لم يذكر تفصيلات الصلاة ، لأنها كانت معروفة للعرب بكل مافيها ، ولو كانت تشريعا جديدا لأنزل رب العزة تفصيلاتها ، ذكر رب العزة فقط التشريع الجديد فيها مثل القصر فى صلاة الخوف والطهارة قبلها ، أو حين يحدث تقصير فينزل توضيح كما حدث عندما ترك الصحابة النبى محمدا عليه السلام يخطب فى صلاة الجمعة ، فنزل توبيخ لا يتحدث عن تشريع صلاة الجمعة ، بل يذكر ما حدث ، يقول رب العزة جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الجمعة  ). ومع كثرة الأسئلة التى وجهها الناس للنبى محمد عليه السلام وتكرارها وتنوعها ونزول الوحى بالاجابة  فلم  يأت سؤال واحد عن الصلاة لأنها كانت معروفة مألوفة .

3 ـ  يلفت النظر ان كتب الأحاديث المشهورة للدين السنى لم يرد فيها أي خطبة جمعة للنبي عليه السلام مع انه عاش في المدينة عشر سنوات خطب فيها اكثر من خمسمائة مرة ،  الا ان القرآن يؤكد علي ان النبي صلي الله عليه وسلم كان مأمورا بأن يتحدث في الاسلام بالقرآن فقط ، وبه فقط كان يبشر وينذر ويدعو ويعظ ( 6 / 19 ، 51 ،70 )( 50 /45 ).وبالتالي فأن خطبة الجمعة وهي وظيفة تعبدية كان يتلو فيها الرسول صلي الله عليه وسلم القرآن ، ومن هنا يشملها  الامر بالانصات لقراءة القرآن ، حيث يقول الله تعالي ( واذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون : 7 / 204 ).

4- وعدا صلاة الجمعة فقد اشار القرآن الكريم الي مجالس الشوري ، اذ جاءت الآيات القرآنية تجعل الشوري فريضة كفريضة الصلاة والزكاة : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) الشورى )  وتجعلها فرضا علي النبي نفسه ، وتؤكد ان الامة هي المصدر الوحيد للسلطات ، لأنه لو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله ، أي ان قوته تأتي باجتماعهم حوله لذلك لابد ان يعفو عنهم ويستغفر لهم ويشاورهم في الامر  قال له جل وعلا : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران ) وكان بعض المسلمين يتخلف عن حضور الشوري او يحضر ويستأذن النبي في الانصراف ، او ينصرف بدون عذر ، فنزلت الايات تحذر من ذلك. قال جل وعلا :  (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور  ).ونزلت ايات اخري تتحدث عن سلبيات كانت تحدث في مجالس الشورى (  المجادلة  7 : 13 ). وبعد تحكم قريش فى الدولة بعد موت النبى محمد أصبحت الشورى محصورة فى حلقة ضيقة حول الخليفة فى عصر ما يسمى بالخلفاء الراشدين .   

5 ـ ولنا ان نتصور ان تلك المجالس  فى عصر النبى محمد عليه السلام كان يدور فيها الكثير من الحوار  وكانت هذه الحوارات تلقي بطريقة الخطب ، وهي الطريقة التي سار عليها العرب وقتها وحتى أواخر القرن الهجرى . ولكن التدوين المنظم  لم يبدأ الا فى العصر العباسى . وحين بدأ ذلك التدوين المنظم فانه اغفل مجالس الشوري فى عهد النبى محمد عليه السلام ، حيث قامت دولة النبى محمد على الشوري أو الديمقراطية المباشرة ، ولم يكن منتظرا من الاستبداد السياسي والكهنوتي الذي ساد في العصر العباسي وهو عصر التدوين -  ان يسمح بتدوين يعيد الشرعية لفريضة الشوري القرآنية .

6- الا ان التدوين  العباسى والذي تم بأثر رجعي لعصر النبي محمد ذكر بعض خطب متفرقة للنبي . ونحن نتعامل معها على أنها أخبار تاريخية وليست جزءا من الدين ، أى أننا ننفى نسبتها للنبى محمد عليه السلام ، ونراها لا تعبر مطلقا عن خاتم النبيين بل تعبرعن تصور من رواها ومدى مهارته فى الصياغة . ونعطى لها نماذج .  

ثانيا :

نماذج من الخطب المنسوبة للنبى محمد عليه السلام فى سيرة ابن هشام المتوفي ( 213 هـ)

 نقلها عن ابن اسحاق المتوفى فى منتصف القرن الثانى الهجرى ..

1 ـ فى موقعة ( بدر )  حين تأكد للنبى أنهم سيواجهون جيشا لقريش وليس القافلة إستشار أصحابه . يروى ابن اسحاق وينقل عنه ابن هشام الترحيب بالقتال دون إعتراض . ننقل النّص التاريخى ثم نعلق عليه :

2 ـ  ( وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ قُرَيْشٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ. ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى{اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِهِ.

.اسْتِيثَاقُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَمْرِ الْأَنْصَارِ:

ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس» وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ النّاسِ وَأَنّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ «أَجَلْ» قَالَ فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ. فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ «سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْم ).

3 ـ ونقول : نقرأ خلاف ذلك  فى القرآن الكريم. نفهم  أن فريقا من المؤمنين قبيل الدخول فى معركة بدر كرهوا القتال حين عرفوا أن جيش قريش هو القادم ، وكانوا يأملون أن تكون القافلة وليس الجيش ، وأنهم جادلوا النبى محمدا عليه السلام ، ثم حين  تحتم عليهم القتال كانوا كأنما يُساقون الى الموت وهم ينظرون . قال جل وعلا : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) الانفال ) .

4 ـ وكانت أول مرة يحصل فيها المسلمون على غنائم . ودار جدل حول توزيعها . فالخروج لبدر كان أصلا للحصول على أموال المهاجرين التى صادرتها قريش وتاجرت بها مع أسهم أولئك المهاجرين . فهل الغنائم التى حازوها من جيش قريش تكون لأولئك المهاجرين عوضا عن أموالهم ؟ أم تكون للمحاربين المنتصرين فى بدر ؟. لم يكن التشريع قد نزل ، وسألوا النبى محمد عليه السلام ، وكالعادة لم يجبهم ، بل إنتظر الاجابة من رب العزة ، ونزل قوله جل وعلا يحذرهم مقدما من أن تكون الأنفال ( الغنائم ) سببا للنزاع ، فهى أصلا لله جل وعلا ورسوله ، أى للاسلام ودعوته ، وعليهم أن يتقوا ربهم جل وعلا وأن يصلحوا ما بينهم إن كانوا حقا مؤمنين . قال جل وعلا : (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) الانفال ). ثم نزل توزيع الغنائم ، أن يكون للاسلام ودعوته الخمس ، وهذا الخمس يتم توزيعه على الدعوة ( لله ورسوله ) ولأقارب المحاربين واليتامى والمساكين وابناء السبيل ، ثم يتم توزيع الباقى على المحاربين ، قال جل وعلا : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) الانفال  ). ثم قال لهم جل وعلا : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) الانفال )  

5 ـ بعدها لم ينزل أى تشريع فى موضوع الغنائم . ورد فقط توبيخ يخص بعض التصرفات كما جاء فى سورة  الفتح ( 15 ) .

6 ـ وبالتالى لا يمكن أن نتصور أن يكون النبى هو الذى يعصى تشريع الله جل وعلا فى الغنائم ، فيعطى قريش والعرب ويحرم الأنصار كما زعم ابن اسحاق ونقله عنه ابن هشام . والرواية الكاذبة تزعم  أن الأنصار تذمروا حين وجدوا النبى حرمهم من غنائم ( حنين ) .

7  : يذكر ابن هشام فى السيرة :

 ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ،. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ لَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا، فِي قُرَيْشٍ وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ؟ حَتّى كَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ حَتّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقَدْ لَقِيَ وَاَللّهِ رَسُولُ اللّهِ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْك فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْت فِي هَذَا الْفَيْءِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَنَا إلّا مِنْ قَوْمِي. قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَك فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ. قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ. قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدّهُمْ. فَلَمّا اجْتَمَعُوا لَهُ أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَك هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا عَلَيّ فِي أَنْفُسِكُمْ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلّالًا فَهَدَاكُمْ اللّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلّفَ اللّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالُوا: بَلَى، اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ. ثُمّ قَالَ أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: بِمَاذَا نُجِيبُك يَا رَسُولَ اللّهِ؟ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ. قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذّبًا فَصَدّقْنَاك، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاك، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاك، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاك. أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْت بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا. وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللّهِ إلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ. اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ. وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ. قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللّهِ قَسْمًا، وَحَظّا. ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَفَرّقُوا ).

8 ـ هى دراما تراجيدية مؤثرة تؤكد مهارة صانعها .

ونحن نرضى بها قصة مؤثرة بشرط أن لا يكون بطلها خاتم النبيين عليه وعليهم السلام .

المقال التالى : أُكذوبة خطبة حجة الوداع.

اجمالي القراءات 7518