( 17 ) : المسجد الأقصى الحقيقى فى أرض مصر

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٦ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

( 17 ) : المسجد الأقصى الحقيقى فى أرض مصر 

أولا  : مصر هى ( الأرض ) فى قصة يوسف عليه السلام

1 ـ سبقت مصر فى العالم بالدولة المستقرة المستمرة فى أرضها منذ فجر التاريخ الانسانى . ونتخيل شعور حكامها بأن أرضهم مصر هى ( الأرض ) لا يرون غيرها أرضا ، خصوصا وأن ما حولها لا توجد دول ، بل ( بدو ) ، كما جاء فى كلام يوسف لأبيه يعقوب ( اسرائيل ) عليهما السلام : ( يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي )(100) يوسف ). من كلمات قليلة فى الآية الكريمة إشراة لبعض ملامح دولة مستقرة فيها ( سجن ) بينما ما حولها ( بدو ) ، أى لا دولة . ولذلك كانت هناك حدود لهذه الدولة المصرية عليها حراسة قوية مستيقظة يهابها البدو الذين يريدون دخول ( أرض مصر )، لذا نصح يعقوب بنيه ألا يدخلوا من باب واحد حتى لا يثيروا الشبهات : (  وَقَالَ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ) (67) يوسف ) ، هذا عدا مظاهر البذخ والرقى فى قصر العزيز الذى تربى فيه يوسف ، وحفلات النساء المترفات ..

2 ـ لذا نرى أن مصر فى قصة يوسف كان يُطلق عليها ( الأرض ) ، وهذا يعكس ثقافة عصرها ، ليس فقط فى رؤية الناس وقتها ، بل أيضا فى التعليق من رب العزة . ونعطى أمثلة من قصة يوسف :

2 / 1 : حين إشترى عزيز مصر الصبى يوسف وعزم على أن يتخذه ولدا ، وأوصى زوجته برعايته : ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ ) كان التعليق من رب العزة بأن هذا تمكين ليوسف فى ( الأرض ) أى بداية لتمكين يوسف فى الأرض : ( وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ) يوسف 21 ). تمكين يوسف فى مصر يعنى تمكينه فى الأرض . والتمكين يعنى نفوذا سياسيا ، وهذا النفوذ السياسى يعنى دولة راسخة مستقرة .

2 / 2 : وبعد ظهور براءته وإعجاب ملك مصر به طلب يوسف من الملك أن يجعله أمينا على خزائن مصر ، قال للملك :   ( اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) يوسف 55 ). قال عن خزائن مصر ( حزائن الأرض ) أى لم يوجد خزائن فى الأرض ( معروفة ) إلا فى مصر .

2 / 3 : وجاء التعليق الالهى فى الآية التالية :  ( وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسف 56 ). أى تقرير بتمكين يوسف فى الأرض ، أى فى مصر . فمصر هى ( الأرض ) ، والذى يتمكن فيها سياسيا يتمكن فى الأرض .

2 / 4 : وإتهموا أخوة يوسف بالسرقة فقالوا مستنكرين : (تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ) يوسف 73 ). الأرض هنا هى مصر وفق ثقافة البدو القادمين اليها ، ومنهم بنو يعقوب ( بنو اسرائيل )

2 / 5 ـ وحين تشاور أخوة يوسف فيما يفعلون بعد إحتجاز أخيهم من قبل السُّلطات المصرية ، قال جل وعلا :( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) يوسف 80 ). قال إنه لن يبرح ( الأرض ) . أى مصر .

ثانيا : مصر هى ( الأرض ) فى عصر الرعامسة فراعنة مصر:

كان الهكسوس يحكمون مصر وقت يوسف وقدوم إخوته ابناء يعقوب ( إسرائيل ) وبعد القضاء عليهم بواسطة أحمس الأول ، حكمت أسرة الرعامسة بقومية مصرية متطرفة ونظام إقطاعى عسكرى يسيطر على كل العمران المصرى . لذا كان تعبير ( الأرض ) هو السائد عن مصر .

1 ـ  يقوله فرعون موسى وقومه :

1 / 1 :( وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ) الاعراف 127 ):

1 / 2 :( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ) يونس 78 )

1 / 3 : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) غافر 26 )

1 / 4 : (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ ) غافر 29 ) . (الأرض ) هى مصر . َ

2 ـ وكان يرون مصر ( الأرض ) أرضهم :

2 / 1 ( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ ) طه 57 )

2 / 2 : ( قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا ) طه 63 )

2 / 3 : (   يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ ) الشعراء 35 ) . (الأرض ) هى مصر .

3 ـ ونفس الحال مع موسى وقومه : مصر بالنسبة لهم هى الأرض :

3 / 1 : قال الرجل الاسرائيلى لموسى : إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ ) القصص 19 )

3 / 2 :(قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ )الاعراف 128 )

3 / 3 :(قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ ) الاعراف 129 )

3 / 4 : نصحوا قارون فقالوا له : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ) القصص 77 ). (الأرض ) هى مصر  .

4 ـ والأهم من هذا كله تقرير رب العزة جل وعلا بأن ( مصر ) هى الأرض :

4 / 1 :  ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ )  القصص 4 )، طالما علا فى مصر فقد علا فى الأرض ، لأن مصر هى الأرض.

4 / 2 : (  وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ ) يونس 83 )

4 / 3 ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) القصص 39 )

4 / 4 : ( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ )العنكبوت 39 ).

4 / 5 : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )القصص 5 )

4 / 6 :  ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) القصص 6 )

4 / 7 : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ  ) الاعراف 137 ). اى مصر ومشارقها ومغاربها ، أى ما كان تابعا لسلطة فرعون الغريق .

4 / 8 : وهم فى سيناء المصرية قال عنهم رب العزة جل وعلا :  ( وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( 60 ) البقرة ). نهاهم جل وعلا عن الفساد فى ارض مصر . فى كل ما سبق فإن الأرض هى مصر .

5 ـ جدير بالذكر أن نفس التعبير ( الأرض ) جاء فى سياق تمكين دواود عليه السلام : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) ص 26 )، و فى سياق التمكين لسليمان عليه السلام : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ ) الآنبياء 81 ).

6 ــ وقبل ذلك فى سياق التمكين لقوم عاد : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فصلت  )

7 ـ  وقوم ثمود ، قال لهم النبى صالح عليه السلام :)  وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) الاعراف ) ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود  ).

ثانيا : فى ضوء ما سبق نفهم معنى ما جاء فى سورتى المائدة  والاسراء :

عبر موسى بقومه البحر متجها بهم الى الأرض المقدسة التى كتبها الله جل وعلا لهم ، والتى عاش فيها ابراهيم ثم اسحاق ثم يعوقب ( إسرائيل ) . قال لهم : ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) المائدة ). صمموا على الرفض : ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) المائدة ). نفهم الآتى :

1 ـ إن أولئك القوم الفاسقين هم الذين أتعبوا موسى عصيانا ، مع كل ما شاهدون من الآيات والانعامات ، وقد نسوا نصيحة الله جل وعلا ألا يسعوا فى الأرض ( أرض مصر ) مفسدين ( البقرة 60 ).

2 ـ لم يدخلوا فلسطين ، بل ظلوا ( قاعدين ) فى مصر (إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، وتركهم موسى وهارون والصالحون من بنى اسرائيل.

3 ـ حكم الله جل وعلا عليهم أن يظلوا تائهين فى الأرض ( أرض مصر ) أربعين عاما .

4 ـ ونتصور أنهم فى فترة التيه قد عادوا الى مصر التى كانت مستباحة بلا نظام حكم، فعاثوا فيها فسادا .

5 ـ هذا هو الفساد الأول المشار اليه فى قوله جل وعلا : (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً (4)الاسراء ) كانوا لا يجيدون سوى السلب والنهب لشعب مستكين ، لذا لم يصمدوا أمام قوة حربية دخلت مصر وحاربتهم ، وهزمتهم ، قال جل وعلا: ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) الاسراء )

6 ـ من المنتظر أن ينتهى هذا الجيل المفسد بالهزيمة ومرور أربعين عاما ، ويأتى جيل مختلف قوى ، ينتصر على تلك القوة التى إحتلت مصر ،قال عنه رب العزة  (  ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) الاسراء ) .

7 ـ ثم وقعوا فى الفساد للمرة الثانية ، وعادت تلك القوة فدخلت المسجد فى طور سيناء ( المسجد الأقصى ) كما حدث فى المرة الأولى ، ليكون هذا درسا لهم ، قال جل وعلا عن الإفساد الثانى : ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (8) الاسراء ) .

8 ـ بعده قال جل وعلا عن القرآن الكريم : (  إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (10) الاسراء ). كان هذا فى بداية سورة الاسراء

9 ـ  فى نهاية سورة الاسراء ذكر جل وعلا لمحة عن قصة موسى وفرعون وغرقه، ثم قال جل وعلا بعدها ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً (104)الاسراء )، هنا إشارة الى إستخلاف بنى اسرائيل بعد غرق فرعون وقومه ، فسكن بنو اسرائيل الأرض ، أى مصر. وقال جل وعلا عن وعد الآخرة (  فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ) ، أى تجمع كل بنى اسرائيل ، أو كما قال جل وعلا فى بداية السورة ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) الاسراء ) .

10 ـ وأيضا جاء الحديث عن القرآن الكريم ، قال جل وعلا عنه : ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الاسراء ) وفى تذكير للسبعين رجلا الذين أخذ الله جل وعلا عليهم الميثاق ورفع فوقهم جبل الطور ، والذى جاءت فيه البشارة بالقرآن الكريم وخاتم النبيين ، قال جل وعلا للعرب الكافرين : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) الاسراء )

11 ـ بل إن الآية الأولى من السورة تتحدث عن نزول القرآن الكريم مرة واحدة على قلب النبى ، فى ليلة الاسراء التى هى نفسها ليلة القدر ، حيث الاسراء من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى البعيد فى سيناء وهذا حين إلتقى محمد بجبريل ، وراى محمد جبريل يدنو منه ، وبإلتقائهما تم طبع القرآن كتابا فى قلب وفؤاد النبى محمد ، على نحو ما شرحناه من قبل . هذه هى الآية الأولى من سورة الاسراء : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) . الآية الثانية التالية تتكلم عن موسى حين أوتى الكتاب فى نفس المكان عند جبل الطور : ( وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ )(2) الاسراء ) .

12 ـ كان بنو اسرائيل قد اقاموا مسجدا فى جبل الطور ، وهو الذى أشار اليه جل وعلا  فى قوله عن تلك القوة الحربية : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ )(7) الاسراء ) . كان ذلك المسجد فى جبل الطور ( المسجد الأقصى ــ أى البعيد ) بالنسبة للعرب . 

اجمالي القراءات 10324