الحاقة
الحاقة

أسامة قفيشة في الأحد ٠٣ - ديسمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الحاقة

الحاقة من استحقاق الحق بالهلاك أو العذاب الإلهي الذي يبعثه الله جل وعلا على من كفر فاعتدى و كذب بالحق , هذا العذاب الذي ينزل بالحق و الذي لا مفر منه هو أحد سنن الله في هذا الكون , و لا تجد لسنة الله تبديلا فهو عذابٌ و هلاكٌ حتمي ( وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) 58 الإسراء , فلا مفر من استحقاق هذا الحق أو الهرب منه .

و يطلق الله جل وعلا على هذا الحق مصطلح ( القارعة ) , و من خلال البحث أقول بأن القارعة ليست من أسماء يوم القيامة و ليست وصفاً له , بل هي عذابٌ دنيوي أصاب و يصيب من كفر منذ أن خلق الله جل وعلا الإنسان إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ,

يقول جل وعلا ( وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) من الآية 31 الرعد , فهنا تأكيد إلهي بحتمية استمرار حدوث هذا العذاب ( القارعة ) , فهو لا يزال يصيب الذين كفروا , و هذا العذاب هو عذابٌ مرئيٌ للجميع , يشاهده الذين كفروا و هو يضربهم أو يضرب بالقرب من ديارهم , و هذا العذاب قد يؤدي إلى الهلاك و قد لا يؤدي له فيبقى للعبرة و التحذير و هو في حالة استمرار إلى أن يأتي وعد الله بقيام الساعة في موعدها .

من خلال البحث في هذا الموضوع يتبين لنا الآتي :

( كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ) 4 الحاقة ,

يضرب الله جل وعلا لنا قوم عاد و ثمود في تكذيبهم لهذا العذاب حيث طالب الطرفان أنبيائهم بأن يأتوهم بما يتوعدونهم به من عذاب يؤدي إلى الهلاك إن كذبوا و كفروا ,

قال قوم عاد في تكذيبهم بعذاب القارعة ( فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) من الآية 70 الأعراف , فقال لهم هود عليه السلام ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ) ( فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ) من الآية 71 الأعراف , ثم يقول جل وعلا ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ) 72 الأعراف , و هنا يتبين بأن القارعة قد حلت بديارهم و أدت إلى هلاكهم و أنجى الله جل وعلا هوداً و من اتبعه , علماً بأن هلاكهم لم يكن فوري بل استمر عذابهم سبع ليالي و ثمانية أيام , ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ ) 16 فصلت ,ثم جاء هلاكهم بالقارعة ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 24 الأحقاف , فتلك الريح تدمر كل شيء بأمر ربها .

و أما ثمود في تكذيبهم لصالح عليه السلام فقد تعرضوا بدايةً لعذابٍ قبل الهلاك , هذا العذاب قد تمثل بالرجفة بعد أن عقروا الناقة ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) 78 الأعراف , و قد وصف عذابهم في موضع آخر بالصيحة , و هذا مجرد عذاب و ليس هلاك , فقال جل وعلا بعدها ( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) 79 الأعراف , و هنا تأكيداً على بقائهم أحياء تحت هذا العذاب كون صالح عليه السلام قد خاطبهم و تحدث إليهم و هم في رجفتهم , و هناك دليلٌ آخر على بقائهم أحياء بعد الرجفة أو الصيحة في قوله جل وعلا عنهم ( فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ) 157 الشعراء , فندمهم هذا جاء بعد أن عقروا الناقة و حاق بهم عذاب الرجفة أو الصيحة ثم جاء هلاكهم بالطاغية , و دليلٌ آخر في قوله جل وعلا ( فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ ) 45 الذاريات , فالصيحة أو الرجفة مجرد عذاب قد سبق الهلاك أدى لعدم قدرتهم على القيام بل أبقتهم جاثمين لا يستطيعون التحرك أو الهرب من الطاغية  .

هذا العذاب ( الصيحة أو الرجفة و الطاغية و الرياح المدمرة ) هو ما يطلق عليه بالقارعة لان هذا العذاب يأتي بشكلٍ صاعق و عنيف و لا يمكن تفاديه ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) 13 فصلت ,

و في تتبع مفهوم الصيحة أو الرجفة :

يتبين لنا بأنها تشير للزلازل و الهزات الأرضية فعن قوم لوط علية السلام ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) 73-74 الحجر ,

كما تأتي الصيحة التي حلت بقوم لوط مصحوبةً بالأمطار ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) 84 الأعراف ,

و عن أصحاب الحجر ( وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ) 82-83 الحجر ,

كما تأتي الصيحة أيضاً بمفهوم النداء لأنفس الأموات في أجداثهم أي برازخهم ( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) 53 يس , ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) 41-42 ق ,

و الرجفة أيضا تشير للزلازل و الهزات الأرضية ففي رجفة ثمود ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) 78 الأعراف , أما هلاكهم فكان بالطاغية ( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) 5 الحاقة , و الطاغية تشير لفيضان الماء ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ) 11 الحاقة ,  

و عن رجفة أهل مدين ( قوم شعيب ) عليه السلام ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) 91 الأعراف , و في قوم شعيب نلاحظ بأنه عليه السلام قد خاطبهم و هم في رجفتهم أيضاً و هنا دليل عذاب قبل الهلاك ( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ) 93 الأعراف ,

و عن رجفة بني إسرائيل و التي لا تشير لوقوع العذاب أو الهلاك , بل هي مجرد تحذير و إنذار من أجل العبرة ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) 155 الأعراف ,

و عن رجفة الأرض التي تشير لدمارها و انتهاء هذا النظام الكوني ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ) 6 النازعات .

إذا فالقارعة هي الريح المدمرة ( الأعاصير ) و هي الرجفة أو الصيحة ( الهزات الأرضية و الزلازل ) و هي الطاغية ( الفيضانات ) فقال جل وعلا ( فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) 40 العنكبوت , هذه هي أنواع العذاب الإلهي التي تأتي عقاباً للبشر الكافرين المعتدين كي يحذروه أو ليذيقهم العذاب الدنيوي أو ليهلكهم به .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 8853