الشفاء في جواز تولّي المرأة القضاء
الشفاء في جواز تولّي المرأة القضاء

نادي العطار في الجمعة ١١ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الشفاء في جواز تولّي المرأة القضاء
في التوراة وفي القرآن

لأن التعليم الديني فرض على الذكور والإناث في أي ملة من الملل؛ فإن الاستنباط من النصوص الدينية؛ يقدر عليه الذكور والإناث معا. ويدل على ذلك في دنيا الناس : أن الذكور والإناث ينشدون الأشعار. ويفاضلون بين الشعراء. والمفاضلة تكون بالاستنباط من النص. وهو يدل على جودة القريحة، واستلطاف المعاني. وقد رُوي: أن " سكينة " بنت الl;ت الحسين كانت تحكم بين الشعراء_ وفي ذلك كثير في كتاب " نزهة الجلساء في أشعار النساء " للإمام السيوطي- كحكم الرجال على الشعراء. ورُوي أن النساء كنَّ يحفِّظن القرآن في الكتاتيب، ويدرِّسن العلم. كما روُي عن ابن حجر العسقلاني أنه تلقى علومه عن كثير من النساء. وهذا فوق أنه مشاركة للرجال في تعلّم الدين، هو أيضا مشاركة في الاستنباط من النصوص. وفي القرآن الكريم قوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء 83]. ولم يستثن النساء من الاستنباط. وليس في القرآن أن الله استثنى النساء من الاستنباط. وفيه أنه أمرهن بتعلم الكتاب والحكمة ذلك قوله تعالى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } [ الأحزاب 34 ] ومن بدائه العقول: أن الذي يتعلم الآيات والحكمة هو يتعلم ليفهم المراد من النصوص ليعمل بها.
ولأن المسلمين حجبوا النساء عن الصلاة في المساجد؛ لم يوجد في نساء المسلمين من سمعت من الخطباء والوعاظ علما في المساجد. ولذلك لم تزاحم المرأة الرجل في التدريس والخطابة والوعظ. حتى ظن الناس أن المرأة لا تصلح للقضاء ولا الفتوى.

وفي كتاب التوراة :

أنه يجوز للمرأة أن تكون قاضية. وأن نساء كن قضاة في بني إسرائيل. ففي الأصحاح الرابع من سفر القضاة:
" وَدَبُورَةُ امْرَأَةٌ نَبِيَّةٌ زَوْجَةُ لَفِيدُوتَ, هِيَ قَاضِيَةُ إِسْرَائِيلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. 5وَهِيَ جَالِسَةٌ تَحْتَ نَخْلَةِ دَبُورَةَ بَيْنَ الرَّامَةِ وَبَيْتِ إِيلَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ. وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَصْعَدُونَ إِلَيْهَا لِلْقَضَاءِ." [ قضاة 4 : 4- 5 ] وهذا الحكم لم ينسخ في شريعتنا نحن المسلمين. وذلك لأن الإسلام أمر بتعليم المرأة فقال : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } [الأحزاب 34 ] وجعلها مساوية للرجل في العمل بالشريعة فقال : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [ الأحزاب 35 ] وقال :
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } وقال : إن الهدهد اعترض على ملكة سبأ في عبادتها للشمس من دون الله، ولم يعترض على أنها ملكة. ذلك قوله تعالى :{ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ 23 وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ 24 أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ 25 اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النمل 23-26] ولو كان هذا الحكم منسوخا في شريعتنا؛ لما اختلفت فيه أئمة المسلمين. بين مجوز ومانع. والمانع من الأمة لا يمنع بنص القرآن، وإنما يمنع باجتهاد عقلي أو بحديث ثبت ضعفه، أو هو في حادثة خاصة. وإذا كان المنع بغير القرآن فإن هذا المنع لا يعتد به ولا يلتفت إليه. أما الاجتهاد العقلي فكيف يحصل إذا كان القرآن خاليا من دليل المنع ؟ وإن حصل على دليل حديث؛ فكيف وفي الأحاديث ما يبطله؟ انظر إلى قول البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت " كسرى " قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " تجد هذا الحديث معارض بحديث هو : أن عمر رضي الله عنه قَّدم امرأة على حِسبة السوق. والحسبة نوع من القضاء ؛ لأن المحتسب إذ يرى المخالفة بعينه في الأسواق. أو يشهد على المخالفة شاهد وشاهد. فإنه يحكم بالعقاب على المخالف. وينفذ الحكم أو يرسل المخالف للشرطة لتنفذ الحكم. وإذا ثبت التعارض في الأحاديث التي تدل على معنى واحد. فإن العمل بأي حديث لا يكون ملزما لأحد.
وهذا هو الذي جعل الفقهاء يختلفون في قضاء المرأة. ولو أنهم نبذوا الأحاديث المتعارضة وراءهم ظهريا؛ لما اختلفوا. وإذا قلنا : إن عدم الفلاح هو في حادثة خاصة وإن خصوصها لا ينسحب على تولي المرأة للملك أو القضاء. فمعنى هذا أننا نثبت الحديث، ثم نجتهد فيه. والحال أنه غير ثابت لأنه مروى بطريق الآحاد، ولأنه معارض بآحاد مثله، ولأن القرآن يرده. إذ لا نص فيه على المنع صراحة ولا ضمنا. ونحن مطالبون بما في القرآن لقوله : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [ الأنعام 38 ] ولقوله : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } [ الحشر 7 ] وهو لم يأت بغير القرآن لقوله : { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا 99 مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا } [ طه 99 – 100 ] ولنناقش العلماء في هذا الحكم :
1- قال القاضي أبو بكر بن العربي : في قوله " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة. هذا هو قوله. وهو قول أركّ من أن يتكلم فيه. وذلك لأنه يوهم القارئ بأنه النص الصحيح. وإنه غير صحيح. فكيف يحل ويحرم بدليل ظني ؟ فإن حديث الآحاد ظني الثبوت وظني الدلالة ايضا.
2- ونقل عن محمد بن جرير الطبري انه يجوز أن تكون المرأة قاضية. والنقل عنه لا يصح لنا إن نتكلم فيه بإثبات أو بنفي. وذلك لأن طلاب العلم يختلفون في النقل عن الشيوخ. والتحري في صحة الأقوال المنقولة عن الشيوخ يكون برد أقوالهم إلى الأدلة. والشيخ ابن جرير كان على علم بكتب أهل الكتاب. وفيها أنه كان قضاة في بني إسرائيل. وعلى علم بالقرآن وليس فيه منع. والدليل على علمه بالقرآن : أنه تصدى لتفسيره، ونقل في تفسيره كثيرا مما في كتب أهل الكتاب، حتى من الأناجيل المرفوضة عند النصارى.
3- قال الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان :
أ - إنها إنما تقضي فيما تشهد فيه، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق. يعني أنها لو حضرت خصومة بين طرفين وشهدت على ما رأت وشهد معها شهود؛ فإنها تقضي على ما شهدته.
ب- ويجوز لها أن تقضي نيابة عن قاضي. يعني أنه إذا غاب القاضي عن نظر الدعوى؛ فإنه يجوز لها أن تحل محله. لأنها تكون موظفة من قبل الدولة في وظيفة القاضي.
4 - وقال القرطبي : إن هذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. وقوله هذا معناه: أنه يصحح النقل عنهما في جواز أن تكون المرأة قاضية. ولكنه يخصص الظن بالاستنابة وبما شهدته المرأة. لا على الإطلاق.
5 - رُوي عن عمر أنه قدم امرأة على حسبة السوق. وقال القرطبي: وهذا لم يصح. وقوله بعدم صحته هو كقول غيره بصحته ولا فرق.
6- " وقد تناظر في هذه المسألة القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري مع أبي فرج بن طرار شيخ الشافعية. فقال أبو الفرج: الدليل على أن المرأة يجوز أن تحكم: أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها، وسماع البينة عليها، والفصل بين الخصومة فيها. وذلك ممكن من المرأة كإمكانه من الرجل. فاعترض عليه القاضي أبو بكر. ونقض كلامه: بالإمامة الكبرى؛ فإن الغرض منه: حفظ الثغور، وتدبير الأمور، وحماية البيضة، وقبض الخراج، ورده على مستحقيه. وذلك لا يتأتي من المرأة كتأتيه من الرجل " أ.ه هذه هي المناظرة بين هذين الشيخين. وهي مناظرة خالية من النصوص الشرعية_ وقد نقلتُ نصها من تفسير القرطبي في سورة النمل_ قال الشيخ المالكي: إن الواجب على القاضي قبل النطق بالحكم هو أن يسمع الدعوى من المتخاصمين، ويسمع كلام الشهود. ثم يحكم. وهذا يقدر عليه الرجال والنساء. ولهذه القدرة يجوز أن تكون النساء قضاة. وكلام هذا الشيخ لا يمنعه العقل. وقال الشيخ الشافعي: إننا نقيس القاضي على الملك. وكل ما للملك نضعه في القاضي. فالملك يعين الجنود لحفظ الثغور حتى لا يأخذ الأعداء البلاد على غرَّة. والملك بواسطة جنوده يأخذ الصدقات ويفرقها على المستحقين.وما يفعله الملك من حفظ الثغور وأخذ الصدقات لا يفعله إلا رجل. هذا هو قول الشيخ الشافعي المذهب. ونحن نسأله : ألا تقدر الملكة على المسلمين على ما يقدر عليه الملك من حفظ الثغور وأخذ الصدقات ؟ إنه كما يقدر الملك بواسطة جنوده، تقدر الملكة بواسطة جنودها. ولا فرق.

الاستشارة :-

ثم إنه إذا كان من المسلمين ملك أو ملكة، أو قاض أو قاضية؛ فإنه لا يصح النزاع والاختلاف في هذا الأمر. لأنه إذا كان الذكر يحكم بعدما يستشير أهل الحل والعقد. وإذا أشار عليهم واتفقوا فإنه يجب عليه إمضاء ما اتفقوا عليه. فالمرأة تقدر على النطق بالحكم الذي اتفق عليه أهل الحل والعقد. فلماذا الاختلاف في الذكر والأنثى من جهة الملك وجهة القضاء إذا كان المسلمون ملزمين بالشورى ؟ يقول الله تعالى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }[ آل عمران 159 ] ومدح الله المسلمين بقوله : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }[ الشورى 38 ].

إزالة شبهة :-

ولئن قيل: إن قول الله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب 33 ] يدا على عدم خروج النساء من بيوت أزواجهن. لا إلى الملك ولا إلى القضاء ولا لأي عمل ما من أعمال المعاش. لأن
{ قَرْنَ} يدل على الاستقرار في البيوت. فإنه يقال: إن مفسري القرآن مختلفون في معنى { قَرْنَ } فمنهم من فسرها بالاستقرار ومنهم من فسرها بالوقار وقوله { وَلَا تَبَرَّجْنَ } يدل على الحشمة وهن في بيوتهن، ولا يدل على عدم الخروج. ولذلك فسروا التبرج بما معناه: لا تتكسرن ولا تتغنجن. والله ولي التوفيق.

اجمالي القراءات 15470