الصديق
الصديق الفلسطيني

زهير قوطرش في الجمعة ١١ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

( أخ ،ورفيق،وصديق فلسطيني)

الصدفة:
جمعتنا الصدفة ،عندما كنت أزور الوطن زيارات قصيرة لا تتعدى أيام الأسبوع.وما أحلى الصدف التي تترك بعدها علاقة أخوية صادقة.وشاءت الأقدار أن يكون صديقي الذي تعرفت عليه أخاً، فلسطيني الانتماء، فلسطيني الهوية،وفلسطيني الروح والجسد.
الاسم.
الأسماء في هذه الحالات من التعارف لا أهمية لها،ولا الكنية أيضاً.حيث أن النضال الفلسطيني ومعاناة وصمود المناضلين من أجل تحقيق أهدافهم العادلة،طبعتهم تحت أسم واحد،الاسم الذي لا &iacutete;تغير ولا يتبدل فلسطيني- والكنية فلسطيني-وبلد المنشأ والعودة فلسطين.
لقاء الجسد والروح:
عندما يلتقي الإنسان بأخيه الإنسان تربطهما علاقة مادية (جسدية) أو علاقة روحية.العلاقة المادية مبنية على المصالح(مصالح الجسد)هذه العلاقة لا تدخل إلى أعماق الروح الإنسانية،وهي لحظية أو آنية،تنتهي بانتهاء المصلحة المادية.أما علاقتي بالأخ الفلسطيني هذا، كانت منذ اللحظة الأولى علاقة روحية،خلقت لدي شعوراً وكأنني أعرفه منذ زمن طويل،وعايشته عمراً. جمعنا حب فلسطين الذي لايعلوه حب.وتوحدت الرؤى ففلسطين إن لم توحد الشرفاء، فهي لا تفرق ابداً.
الزيارة:
زرته في بيته،أكرمني هو وزوجته التي عبرت عن أصالة الكرم الفلسطيني.لفت نظري وأنا في المدخل وجود (فرشة) على الأرض في الغرفة القريبة من الباب الخارجي، تحيطها بعض الملابس والكتب.لم يمهلني حتى أسأله من ينام عليها،حيث بادرني بقوله:هنا!!!! أنام وحيداً في الليل، على الأرض كما ترى، وبجانبي كامل الملابس التي ستلزمني وبعضاً من الكتب التي !!!!قطعت عليه حديثه لأسأله ماذا تقصد؟ابتسم ونفث دخان سيجارته وهز رأسه قائلاً: منذ سنوات عديدة وأنا أنام على هذه الوضعية اينما كنت في الوطن العربي أتدري لماذا؟حتى أسهل على زوار الفجر المهمة.وأوفر على نفسي الكثير من اللكمات والرفس، وذلك بتقصير المسافة والزمن فنحن معرضون للاعتقال في أي لحظة من ساعات الفجر .تعجبت !وقلت في نفسي:(سجّان يمسك سجًاناً). إن كل إهانة لمناضل فلسطيني أو وطني، من قبل أية سلطة عربية أو اسلامية،هي وصمة عار لهذا النظام،هي طعنة في فؤاد فلسطين الحبيبة،لأن فلسطين ليست أرضاً فحسب، بل هي هذه القلوب والأجساد التي تدافع عنها وعن كرامة الشعوب العربية والاسلامية.
بعد ذلك حدثني صديقي بأن هذه الحالة النفسية التي يعاني منها والتي هي في الحقيقة لا أسم لها في علم النفس العالمي. هي متواجدة فقط في وطننا العربي والاسلامي ،والسبب أن المناضلين الفلسطينيين وغيرهم من الوطنيين قد زاروا تقريباً كل الاماكن المقدسة في الوطن العربي وتعرفوا على كل الجلادين فيها .لذلك فهم يتشوقون لزوار الفجر من ابطال السلطة الامنية والذين لاموعد لهم مسبقاً.لهذا اصيب صديقي وغيره بمرض أسمه الاستعداد الدائم والذي أصبحوا يطلقون عليه أسم (أدب انتظار السجون).
الورثة:
أجمل ما سمعت من صديقي ونحن نتجاذب اطراف الحديث حيث ذهبت بنا المواضيع الى الورثة ومشاكلها الاجتماعية قوله:نتيجة الظروف السياسية وظروف النضال الوطني التي اضطرتني مغادرة الاهل لسنوات طويلة لم استطع معها رؤيتهم.(مع كل اسف في عالمنا المجرم يستطيع رؤية أهله،أما صاحب الرأي والفكر يحرم من ابسط الحقوق الانسانية ) تابع صديقي : في أحد الايام وصلتني رسالة من أخي يخبرني فيها أن أبي انتقل الى رحمة الله، حزنت كثيراً لذلك... لأنني ..... وقلت إن لله وإنا اليه لراجعون.ولم تمض فترة طويلة حتى جاءتي رسالة أخرى يعلمني بها أخي أن حمار والدك قد نفق ايضاً، وهذا كل ما كان يملك المرحوم.فقلت الحمد لله (راحت الورثة) فما عاد بيني وبين أخي أي شيء نختلف عليه. فحتى الأن علاقتنا من أجمل مايكون ونحن في وحدة وطنية كاملة.
الورثة من الامور الحساسة فعلاً ،ليس على مستوى الافراد وحسب بل على المستوى السياسي.فالسلطة الفائزة في الانتخابات الديمقراطية.ترغب في وراثة كل شيء من السلطة المنتهية مدتها،والتي عليها توريث ما لديها من مصالح.هنا تنتهي الشعارات والثوابت وتتحكم المصالح التي تعمي العيون ،فيا ليت ينفق حمار المصالح ونوفر الدم الفلسطيني.(فقطرة دم تراق من أي شاب أو طفل أو أمرأة أو شيخ فلسطيني هي أغلى واثمن من كل المصالح الفئوية الضيقة لهذا الفصيل أو ذاك)
المحميات البشرية:
صديقي من المثقفيين سياسياً وأقتصادياً. دائم التفكير والتدخين،لديه ولع شديد بموضوع الاحصاء الاقتصادي في العالم.يعيش التطورات الاقتصادية العالمية ويقارنها مع مستوى التطور الخجول في عالمنا العربي.في احدى زياراتي له ،حيث كنا نتحدث عن العولمة والكتل الاقتصادية العالمية التي كنا وما زلنا نسميها(الامبريالية العالمية)أو الامبريالية العولمية.نفث دخان سيجارته ببطئ شديد قائلاً: إن ما أخشاه أن يسير التطور العالمي بهذه الوتيرة السريعة،وتسبقنا عجلة التطور بحيث تصبح المسافة شاسعة جداً ،ولا نستطيع مواكبتها، فنضطر أن نسير الى الوراء ،وفي النهاية..... إذأ لم نتدارك الأمر سنتحول الى محميات بشرية تأتي الوفود السياحية لترى الإنسان الحجري بمفهموم القرن الواحد والعشرين كيف يعيش.
الحرية:
صديقي يعشق الحرية،بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى . في الليل ينام ساعات قليلة،وبفارغ الصبر ينتظر طلوع الفجر وبوادر الشروق، حتى يرتمي في أحضان الطبيعة . مرة... صور لي نفسه بأنه مثل هذه الطيور التي تغرد،لا يحب الاقفاص المغلقة حتى لو كانت من ذهب. وعندما يطير بجناحيه في آفاق الكون الواسعة تتحرك في عروقه الدماء ويصبح جزءاً من العالم الحر (ولا أقصد هنا العالم العولمي الحر في استغلال الشعوب وقهرها).الحرية هي جزء اساسي من الثقافة الفلسطينية،هي خريطة الجينات عندهم التي تشكل الوعي الفلسطيني . فلولا الحرية لما ضحوا بأغلى ما يضحي به الانسان.ومن أحب الحرية وسعى اليها وهو حر ،لابد أن يحصل عليها( ترونها بعيدة ونراها قريبة يامن منعتموها عن شعوبكم)
رسالة:
الى أخي ورفيقي (خالد)لا أستطيع أن أجزم أن أسمه خالد،هكذا ينادونه الأخ خالد، أو الرفيق خالد.لقد جمع بالأخوة والرفاقية الوحدة الوطنية المنشودة للشعب الفلسطيني.أحيك، وأحي كل المناضلين الشرفاء الذين لايملكون في هذا العالم سوى الضمير الحي والوفاء لمبادئهم والرغبة الصادقة في إحلال السلام على أرض الحبيبة فلسطين.
أحييك ,اشد على يديك،وأتمنى لك الصحة والعزم والصبر والمصابرة ،وأتمنى عليك أن تخفف ما استطعت من التدخين حتى يطول العمر لأنك كما أخبرتني في إحدى المرات ما قاله الشاعر والمناضل التركي ناظم حكمت.(كل يوم نعيشه زيادة، فأننا نكيد به الاعداء أكثر من مائة عام)

أخوك الذي لن ولن ينساك زهير

اجمالي القراءات 13134