مسرحية تنقيط القرآن..

حافظ الوافي في الأحد ١٩ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كثير من الدراسات والبحوث تذهب الى أن التنقيط قديم جدا ويعود الى العصر الجاهلي، أي ما قبل نزول القرآن كما ظهرت أدلة مادية كثيرة على وجود التنقيط قبل كتابة المصاحف.. أما الزاعمين بتنقيط القرآن فليس لديهم من حجج سوى روايات متناقضة بعضها ينفي بعض كما ان هناك مخطوطات غير منقوطة مكتوبة بخط نبطي غير منقوط بينما اقدم مخطوطة للقران بدت بحروف عربية منقوطة وهي مخطوطة جامعة برمنغهام والتي يؤكد الفحص الكربوني انها تعود لزمن سابق بقليل للتاريخ الذي وضعه العرب لميلاد النبي محمد.. وقد بدت فيها النقاط واضحة في كثير من الحروف..

وهناك نقوش ومخطوطات منقوطة في عهد الخليفة عمر فيما هناك روايات تشير الى اناس دونوا القران بالخط النبطي أي بدون تنقيط وانه كان هناك توجه لإفراغ المصحف من النقاط على الحروف بعدما ترك منقوطا قبل ان يتم العودة الى تنقيط المخطوطات غير المنقوطة فقط.. وهو ما يؤكد ان النبي ترك القرآن منقوطا كما هو الآن رسما وشكلا..

ويتبين أن العرب لم تكن تكتب بخط واحد، وأقرب الخطوط للخط العربي الذي كانت تكتب به قبل الاسلام هو الخط النبطي وهو غير منقوط لكنها كانت تكتب بخط عربي منقوط ايضا، والخط النبطي مختلف عن الخط الذي ظهر بعد الاسلام كما يتبين من خلال النقوش التي تعود إلى القرن الرابع الهجري..

ولعل المفاجأة في بضعة نقوش مكتشفة تعود للقرون الهجرية الأربعة الأولى وهي نقوش مكتوبة بخط عربي منقوط وبذلك تنسف تماما أسطورة اختراع النقط على يد نصر بن عاصم بعد العام سبعين هجرية..

 وأهم الكتابات الإسلامية المنقوطة هي "بردية اهناسية" تمثل وصلاً على ورقة بردى يعود الى عام 22 هجرية حرره قائد فرقة من المسلمين لأهل اهنس بمصر، يفيد تسلمه 65 شاة. واللغة عربية ويونانية. اكتُشفت البردية عام 1877 وهي محفوظة في المكتبة الوطنية في فيينا ضمن مجموعة راينر تحت رقم 558.

أهم النقوش العربية المنقوطة:

نقش زهير 24 هـ، نقش عبدالله بن ديرام في نجران 46 هـ، نقش سد معاوية بالطائف وفيه 17 حرفاً منقوطاً 58 هـ، نقش حفنة الأبيض في كربلاء 72 هـ ثم الدنانير والدراهم المنقوشة...

ونقش زهير وهو مسجل في اليونيسكو وهو على واجهة صخرة رملية، وهو من ثلاثة أسطر غير متساوية الطول الأول 50 سم، والثاني 215 سم، والثالث 54 سم والمنقوش: بسم الله/ أنا زهير كتبت زمن عمر توفي سنة أربع/ وعشرين".. وهذا يعني ان التنقيط كان موجود زمن النبي محمد "ص" واصحابه فما هو الداعي لكتابة القران بدون تنقيط وتركه مفرغا من النقاط الى بعد مائة سنة.

لهذا لم يعد هناك داع للاستمرار بأحجية أو مسرحية تنقيط القرآن فهي مسرحية غير معقولة لتجاوزها المنطق والمعقول..

ولا اعتقد انه من المجدي اسقاط الفاظ القران على قواعد لغة اخترعت فيما بعد بينما القرآن لسان عربي وليس لغة ولا يعني لفظ عربي القومية العربية بقدر ما يعني انه اصيل لا يتغير ومن هذا اللفظ العرب الاتراب وسمي العرب عربا لوضوحهم ونقاء سريرتهم والاعراب اعرابا لسكنهم الصحاري المكشوفة الواضحة..

عزو اختلاف الفاظ القران الى اجتهادات النساخ يشير الى اتهام الكتاب بأنه فيه اخطاء املائية وبحاجة لقلم احمر لتصحيحه وانا ارى ذلك تسرعا خاصة ان اختلاف الالفاظ وفقا لقوعد مضبوطة وليس عشوائيا فمثلا (لا يسخر قوم من قومــ) عندما تختلف رسم قوم الاولى عن قوم الثانية في سطر واحد هل يعني ذلك ان ناسخين اثنين اشتركوا بكتابة سطر من كلمتين مع ان هناك فرق بين الميم المغلقة والمفتوحة كالفرق بين القوم الساخرون والقوم المسخور منهم.. وعند الحديث عن نساء النبي يقول: "من يقنت منكن" وتعمل صالحا.. يعني جملة ""من يقنت منكن.." كتبها ناسخ بالتذكير مع انها مؤنثة وجمله "تعمل صالحا" كتبها ناسخ آخر بالتأنيث.. اشتراكوا اثنين في كتابة سطر واحد..

عند التحديد والابهام تكون صيغة التذكير أولى وعند الاطلاق والاسترسال تكون صيغة التأنيث أولى والنون في اخر اللفظة غالبا تحمل مفهوم الاحتواء والتاء تحوي مفهوم القابلية لتوليد الفعل..

- الانعام جاءت في صيغة المذكر بكلمة "بطونه" (وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةًۭ . نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى (بُطُونِهِۦ)... لماذا لأن الآية استرسلت تشرح اللبن واللبن مذكر (مِنۢ بَيْنِ فَرْثٍۢ وَدَمٍۢ لَّبَنًا خَالِصًۭا سَآئِغًۭا لِّلشَّـٰرِبِينَ " .. بقية الاية تشرح كيفية استخراج اللبن بينما لم يرد أي توصيف للأنعام .. فعموم الأنعام هو المقصود فتلاءم ذلك مع صيغة التذكير.. فهو ذكر الانعام لكن الشرح كان للبن فجاءت كلمة بطونه وليس بطونها

(وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةًۭ . نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهِۦ مِنۢ بَيْنِ فَرْثٍۢ وَدَمٍۢ لَّبَنًا خَالِصًۭا سَآئِغًۭا لِّلشَّـٰرِبِينَ " ..)

الآية الثانية جاءت الانعام في صيغة التأنيث بكلمة "بطونها": " وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةًۭ . نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى (بُطُونِهَا) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ كَثِيرَةٌۭ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ" .

الآية كانت تشرح منافع الانعام (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ كَثِيرَةٌۭ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ).. وهو ما تلائم مع صيغة التأنيث ..

لهذا تظهر بأن ما نسميها أدوات تذكير وتأنيث هي في الحقيقة أدوات تحديد وتعيين والأنثى بطبيعتها تحمل وتلد لهذا تناسبها صيغ التأنيث في الغالب.. ايضا الفئات المتأخرة تلحقها صيغة وادوات ما نسميها التأنيث والنسيء متأخر وجمعها نساء أي متأخرات وهذه الصفة تطلق غالبا على المرأة لتأخرها في المجتمع..

ما نسميه تأنيثا هو في الحقيقة تعيين و تحديد للشيء بينما ما نسميه تذكيرا ما هو إلا صيغة تناسب العام من الأشياء أو المجهول أو المبهم ، باختصــــــــار كل ما يصعب تعيينه و تحديده..

(إمرأة- امرأت) عندما يكون الحديث عن امرأة غير محددة تكتب بالتاء المربوطة وعندما تأتي مضافة لاسم كامرأت فرعون وامرأت نوح.. وكذلك الامر في لفظة "قرة"

"قرة" اللفظة تختلف رسما عندما يراد منها امنية كقرة اعين عن رسمها عندما تكون الامنية متحققة امامك وتريد اتخاذها قرت اعين كما فعلت امرأت فرعون والطفل "موسى" امامها واردت اتخاذه ولدا لها وهنا الفرق بين اللفظين (قرة- قرت).

ايضا ما يخص زيادة الحروف ونقصانها كاستطاع واسطاع.. وكلها تدل على معنيين احدهما اخف عن الاخر او يختلف عن قليلا..

و لنتأمل هذا المثال ليتضح الأمر أكثر : "و إذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سُجّدا و قولوا حِطّة نغفر لكم خطاياكم و سنزيد المحسنين" البقرة:58 "و إذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية و كلوا منها حيث شئتم و قولوا حطّة و ادخلوا الباب سُجّدا نغفر لكم خطيئاتكم و سنزيد المحسنين" الأعراف:161 و يرى القارئ أنّ الخطاب موّجه لنفس الجماعة بتغيير في النظم و تغيير يأتي على قواعد التأنيث و التذكير في إيراد "خطاياكم" و "خطيئاتكم" تذكيرا و تأنيثا كما يقول اللغويون و أكثرهم ذكاء يقول أنّ أحد اللفظين يدل على القلّة و الأخر يدل على الكثرة(جمع التكسير كما يقولون) و الأمر يتعدى هذا الشرح و إن كان محاولة أفضل من قاعدة التذكير و التقليل و لمن لاحظ رسم اللفظين في القرءان : "خطـ ا ـيـ ا ـكم" و "خطيـ~اءـ ا ـتكم" سيرى أن خطايا تدل على الفعل ألعمدي بفعل الياء فيها الذي تدل على مد الأيادي لإخراج الخطأ و الخطيئات تدل على الخطأ المتولد طبيعيا بفعل العمل و الجهد و غيره..

اجمالي القراءات 11791