النابغة .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الجمعة ١٧ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في مدينة يحكمها ملك جبار، يتمتع بالذكاء، والقوة معاً، إستتب له الحكم بعد أن تضاءلت مواهب معارضيه أمام مواهبه الربانيه، فركبه الغرور، وإمتطاه، فسار يعبث بالأرض فساداً.
إلى أن بزغت مواهب شاب من بين الناس، يملك من الذكاء قدراً كبيراً، ومنحه الله القدرة على مصادقة الذئاب التي كانت تحيط بالمدينة، فأطلق عليه الناس إسم "النابغة".
حتى علم الملك بسعي الناس إلى إستبداله بالنابغة، فسأل عنه رجاله، فأخبروه بمواهبه الفذة، وبنقطة ضعفه الوحيدة،  وهي الخوف من الأماكن المرتفعة.
 
وفي صباح يوم جديد، نادى منادي .. "إن المَلِك إستقل طائرته، ووضع تاج المُلك أعلى سفح الجبل العالي القائم غير المائل !، ويعلن : أن من يقدر على الصعود، وأخذ التاج، ثم ينزل به، سيتنازل  له عن العرش".
 
ظل الناس يفكرون في عرض الملك، ليرشحوا من بينهم واحداً، يقدر على العبور في الوادي بين الذئاب، حتى يصل للجبل العالي القائم غير المائل، ليصعده ويأتي بالتاج، فلم يجدوا خيراً من النابغة، وذهبوا يبلغوه بإختيارهم له، وأنه الوحيد الأجدر بالعرش.
 
فرد النابغة عليهم : لا صعوبات ستواجهني لعبور الوادي بين الذئاب، كما أنني قادر على صعود الجبل العالي، وأخذ التاج، ولكن إن صعدت .. فقد لا أستطيع النزول، فإن وقعت عيناي على الأرض من فوق الجبل، سأسقط ميتاً.
 
فردت الناس عليه : أنت أكثرنا فطنة، فإنظر ماذا تريد منا، لنكون لك عوناً على النزول من الجبل العالي، ونحن لقرارك فاعلين.
 
فقال لهم النابغة : إذاً إريد ثمانية شباب منكم، سيرافقونني إلى أسفل الجبل، وسيمسك كل إثنين منهم بطرف سجادة سميكة، تتحملني عندما ألقي بنفسي عليها من فوق قمة الجبل.
 
إستحسن الناس فكرة النابغة، واشادوا بها، وقاموا بتجهيز سجادة سميكة، وإختاروا شباباً ثمانية أقوياء، حتى أتى يوم الحسم، وتقدم النابغة رفاقه من الشباب الثمانية، فما أن رأت الذئاب النابغة، إذ بها تصطف للترحيب به، فيسلم عليهم النابغة، ويطلب منهم الأمان لرفاقه الثمانية، بيد أن الرفاق إرتعشت قلوبهم من رؤية الذئاب، حتى بعد أن إستوثق لهم النابغة الأمان منهم.
 
إلى أن وصلوا أسفل الجبل القائم غير المائل، وأخرج النابغة لوازم الصعود، من أحبال، ومطرقة وأوتاد من حديد، ومرت الساعات، والنابغة لازال مستمراً في الصعود، إلى أن حل صباح اليوم التالي، وإذ بالنابغة يصعد قمة الجبل ويحصل على التاج الملكي، ثم ينادي على رفاقه ليتلقفوا التاج، فيستعد الرفاق، وينجحوا في إلتقافه، ثم ينادي على رفاقه بأن يستعدوا لإلتقافه هو، فيجهزُ الرفاق ويمسكون بالسجادة.
 
لكن .. عندما وقف النابغة على قمة الجبل، وهو مغمض عينيه، شاهدته الذئاب، فإرتجفت خوفاً عليه، وفي اللحظة التي يقفز فيها النابغة، كان قائد قطيع الذئاب يعوي، آمراً القطيع بأن يتلقف النابغة الساقط من أعلى الجبل.
بيد أن الخوف ألم برفاق النابغة، بعدما سمعوا صوت عواء الذئاب، وشاهدوا قدومهم نحوهم، فتركوا السجادة من أيديهم، وهربوا فاريين من الذئاب اللذين تجمعوا بأجسادهم ليفتدوا بها النابغة.
 
ينجو النابغة من الموت بفضل الذئاب، ويعود للمدينة المنتظرة إياه برايات النصر، لكنه .. يعيد التاج إلى الملك الجبار، قائلاً للناس :
 
ليس لكم إلا حكم الجبارين، أما أنا، فموطني بين الذئاب التي إفتدني بحياتها.
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 8126