حتحور
حتحور

أسامة قفيشة في الأحد ١٢ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

حتحور

كيف تنقلب المعجزات الحسية إلى فتنة يَضل بها من أراد الضلال

هل يروي لنا التاريخ كيف تصنع الآلهة و مدى تأثر الحضارات و البشر بها على مر العصور !

و كيف تتناقل الأجيال جيلا بعد جيل تلك التقديسات و تؤمن بها و تعتمد عليها !

كيف يحارب الله جل وعلا تلك الآلهة المزعومة من دونه !

و هل كان لبني إسرائيل دورٌ في صناعة تلك الآلهة للصد عن سبيل الله جل وعلا !

حيث يقول جل وعلا ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) 211 البقرة ,

هل تلك الآثار المصرية الماثلة بين أيدينا اليوم ترجع لعهد ما بعد موسى عليه السلام و ليس لمن قبله !

هل الحضارة التي سبقت موسى عليه السلام تم تدميها من الله جل وعلا تدميراً كاملاً فلم يبقى لهم باقية !

سنحاول في هذا المقال من الوصول لبعض الشواهد التي تجيبنا على تلك التساؤلات .

فلنبدأ من عهد يوسف عليه السلام :

تلك هي فترة انطلاق بني إسرائيل , و يوسف عليه السلام هو النبي الوحيد من أبناء يعقوب عليه السلام الاثنا عشر , بعثه الله جل وعلا في ذلك المجتمع كي يرشدهم لتوحيد الخالق جل وعلا بأنه لا إله غيره ,

لا يشير القرآن الكريم لنا بأن الناس في ذلك الوقت كانوا كافرين بالله جل وعلا , و لكنه يشير بأنهم كانوا يؤمنون بالله جل و علا و لكنهم مشركون معه آلهة أخرى , فعقيدة الإيمان بالله و البعث و الجنة و النار هي عقيدة قدماء المصريين ما قبل يوسف عليه السلام , ففي ذاك الزمن كان أهل تلك البقعة و ارض الحجاز و بلاد الشام كانوا يدينون بعقيدة التوحيد ملة إبراهيم و شريعة إسحاق و يعقوب ,

و لكن مع مرور الزمن تختلط عقيدة التوحيد و تتشوه فيشرك البشر بأرباب مع الله جل وعلا , و هذا حالهم حتى يومنا هذا ,

في ذاك الزمن و ذاك العهد لا يمكننا الجزم بأن جميع الناس قد كانوا مشركين , فربما كان ذاك الملك المصري مؤمناً و غير مشرك و لربما كان عزيز مصر و امرأته و كثيرٌ من المجتمع آن ذاك مشركون مع الله بآلهة أخرى , كل هذا مجرد فرضيات لا يمكننا الجزم بها ,

و لكن يمكننا الجزم بأن ذاك المجتمع كان يعرف الله جل وعلا و كان على دراية بشريعته , و هذا مستخلص من الألفاظ الواردة في سورة يوسف حين قالوا لامرأة العزيز ( وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) , و قول نسوة المدينة ( إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) , و قولهم ( إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) , و قول من كان بالسجن ( إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ,

و لكن الشرك بالله جل وعلا كان متواجداً في ذاك المجتمع و لكنه قد لا يكون متفشياً يعم الجميع , فالشرك لم يكن متأصلاً فيه ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) , و هذا مستنتج من عدم استحقاق ذاك المجتمع لهلاك الله جل وعلا , و مستنتج بعدم ورود أي معاناة أو مجادلة لما كان يدعو به يوسف ذاك المجتمع , فدعوته كانت سلسة و مقبولة و لا اعتراض عليها ,

تلك مقدمة لا بد منها للدخول على موضوع المقال ,

من هنا تبدأ قصة ( حتحور ) , و حتحور أو ( هاتور ) هي اسم آلهةٍ عبدها المصريون من بعد يوسف عليه السلام إلى عهد موسى عليه السلام , ثم عادوا ليعبدوها و بقوة من بعد موسى و بنو لها المعابد التي لا تزال آثرها شاخصةً في يومنا هذا , تلك الآلهة ترمز للأمومة و الخصوبة و الحماية كما جعلوها من بعد موسى عليه السلام راعيةً للموتى , و سنرى كيف أصبحت كذلك ,

حتحور بدأت من رؤية الملك في عهد يوسف عليه السلام , حين رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجاف , و لأن تلك الرؤية التي تجسدت من خلال البقر و كانت هي الملهمة لنجاتهم من الموت جوعاً قد تأثر بها الناس على مر السنين , فقاموا بتقديس البقر ظناً منهم بأن البقر هو الذي أنقذهم و هو السبب في نجاتهم و بقائهم و هو الذي حماهم كما تحمي الأم أبناءها ,

فقاموا بتجسيد تلك الآلهة المزعومة و تقديسها , فجسدوها بالبقرة , أو بامرأة لها أذنا بقرة و على رأسها قرنان و أسموها ( حتحور ) ,

و استمرت حتحور جزءً أصيلاً و مهماً في عقيدة ذاك المجتمع كونها إحدى الآلهة المهمة , و استمر حضورها و تواجدها إلى أن بعث الله جل وعلا موسى عليه السلام في العهد الفرعوني الذي كانت حتحور لا تزال تحظى بتقديسٍ كبيرٍ عند المصريين و حتى عند بني إسرائيل أيضاً ,

و هذا ليس مستغرباً و ليس من خلال الصدفة ما أقدم على فعله السامري حين صنع لبني إسرائيل عجلاً من الذهب - لماذا عجلاً و ليس شيءٌ آخر - , فظلوا عليه عاكفين طلباً للحماية و الخلاص , إلى أن عاد موسى عليه السلام و حرّق تلك الآلهة و نسفها و دمرها , فهذا ما فعله موسى عليه السلام بنفسه في تلك الآلهة و لننظر في طلب الله جل وعلا من بني إسرائيل أنفسهم أيضاً حين أمرهم بذبح بقرة ,

فهل كان صدفةً بأن تكون تلك البقرة التي عليهم ذبحها صفراء فاقعٌ لونها كلون الذهب الذي صنعوا منه العجل في أول مره !

لقد جاءهم هذا الأمر كي يزال به ما تبقى من تقديسٍ لتلك البقرة في قلوبهم بذبحهم لها , و تحول هذا الأمر إلى فتنةً افتتنوا بها بعد موت موسى عليه السلام , فأصبحت تلك البقرة ( حتحور ) راعيةُ للموت و الأرواح لأنه من خلالها ردت نفس ذاك القتيل و تم إحياءه بها , فمن تلك اللحظة تم اعتبار ( حتحور ) بأنها راعيةٌ للموت و الأموات أيضاً ,

في اعتقادي بأن الآثار المصرية المتواجدة اليوم تعود للأمم التي جاءت بعد موسى عليه السلام , و بهذا الاعتقاد أقول بأن ما كان يصنعه فرعون موسى و قومه قد دمره الله جل وعلا و أباده ( تدميراً كاملاً ) , و بأن جميع الأهرامات و المدافن تعود لعهد ما بعد موسى و ليس لما قبله ,

و هذا من خلال النظر لتلك الآلهة ( حتحور ) المرسومة في معابدهم و مدافنهم , فقد تم تجسيدها ببقرةٍ صفراء ذهبية و نحن نعلم بأن البقرة الصفراء كانت آية لهم في عهد موسى عليه السلام , ليس هذا فحسب بل حتى آية العصا و الأفعى ( آية موسى ) نرها حاضرة أيضاً في رسم ( حتحور ) , فعلى رأس حتحور تقف تلك الأفعى و تمسك حتحور بيدها عصا , و ليس من باب الصدفة أن تمسكها بيدها اليمنى ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ ) 17 طه , هنا نلاحظ بأن المعجزات الحسية قد انقلبت لفتنة يَضلون بها ,

و لنلقي نظرة سريعة على بعض المعجزات أو الآيات الحسية و كيف انقلبت لفتنة :

إبراهيم عليه السلام ( النار ) و لا يزال البعض يعبدها حتى اليوم .

صالح علية السلام ( الناقة ) و ما بول البعير عنكم ببعيد .

حتى معجزة عيسى عليه السلام بإحيائه للموتى و خلقه للطير قد انقلبت تلك المعجزات و تحولت إلى فتنة , و لأن القادر على إحياء الموتى و الخلق هو الله جل وعلا , فقد فتنوا و قالوا بأن الله هو عيسى ابن مريم ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) 17 المائدة .

إن انقلاب الصورة في المعجزات الحسية لربما كان دليلاً على عدم امتلاك خاتم الأنبياء محمد عليه السلام لها ,

فكان القوم يطالبونه بأن يأتيهم بمعجزةٍ حسية , و لكن الرفض الإلهي كان حاضرا , و اكتفى بمعجزته الفكرية الخالدة ( القرآن الكريم ) , فهل توقف الشيطان عندها مكتوف الأيدي ؟

لمعرفة الإجابة دعونا نتأمل فيما تصنعه أمة محمد عليه السلام اليوم :

قال لهم الشيطان بما أن محمد عليه السلام هو آخر الأنبياء و خاتمهم و لم يأتي بأي معجزة حسية فتعالوا بنا نجعله أفضل الرسل و أشرف الخلق و سيد الأنبياء و إمامهم , و نرفعه للسماء و ننزله و نجعل بيده مفاتيح الجنة و بأنه الشفيع المطاع و و و .....

قال تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) 27 الرعد ,

و قال سبحانه و تعالى ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) 30 إبراهيم .

الشيطان غبيٌ جداً , و لكن البشر أشد غباءً ,

و الشيطان ضعيفٌ جداً , و لكن البشر أكثر ضعفاً .

و من الجدير ذكره بأنه كان هنالك مشروع إله لأمة محمد عليه السلام و لكنه قد فشل , هذا المشروع كان يدعو لتقديس شيء كما هي ( حتحور ) البقرة , و لكنه كان حماراً و اسمه ( يعفور ) , تتشابه الأسماء و تتشابه الصفات و لكن مع اختلاف الجنس و الغاية واحده .

فهل كان يعفور فكرة يهودية ... كون يعفور كان لرجلٍ يهودي ؟ مع علمنا بالكمية الهائلة من الأحاديث التي تمت روايتها عن يهود أسلموا ( أصحاب الإسرائيليات ) .

اجمالي القراءات 10507