يوم في جلد أَمَه

نهاد حداد في الإثنين ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

حين غزى موسى بن نصير الأندلس خدمة لأسياده في دمشق، بعيدا عن ابتغاء وجه الله وإنما طمعا وخسة واستضعافا لشعوب آمنة مطمئنة سرقوا أموالها واغتصبوا نساءها وأطفالها باسم الدين . حين أذلوا شيوخها وقتلوا شبابها ونهبوا خيراتها ، كان من جملة ما جاء به لأسياده إماء وغلمان كأمثال اللؤلؤ المكنون ، وطبعا حين يتحدث المسلمون عن الأسرى فلا فرق عندهم بين رؤوس الأغنام ورؤوس البشر ! حيث جردوا هؤلاء الأسرى من إنسانيتهم ، من بشريتهم ،من آدميتهم ليصبحوا مجرد عبيد جنس في أسِرّة زناة طغوا في الأرض وأفسدوا فيها . 
بعد أن أفسد في الأض وأسال أنهارا من الدماء " " وفد موسى بن نصير على الوليد بن عبد الملك ودخل دمشق في يوم الجمعة والوليد على المنبر و قد  لبس موسى ثيابا حسنة وهيئة حسنة ومعه ثلاثون من ابناء الملوك والاشبان وقد البسهم تيجان الملوك مع ما معهم من الخدم والحشم ! والأبهة العظيمة . فلما نظر إليهم الوليد وهو يخطب الناس على منبر جامع دمشق بهت اليهم لما رأى عليهم من الجواهر والحلي والزينة البالغة ،وجاء موسى بن نصير وسلم على الوليد وهو على المنبر ، وأمر أولئك فوقفوا عن يمين المنبر وعلى شماله ، فحمد الله الوليد وشكره على ما ايده به ووسع ملكه واطال الدعاء والتحميد حتى خرج وقت الجمعة ! ثم نزل فصلى بالناس ثم استدعى موسى بن نصير فأحسن جائزته وأعطاه فيئا كثيرا ، وكان موسى قد قدم معه بمائدة موسى بن داوود عليهما السلام التي كان يأكل عليها وكان من خليطين ، ذهب وفضة وعليها ثلاث أطواف لؤلؤ وجوهر لم يُر مثلها ! وجدها في مدينة طليطلة من بلاد الأندلس مع أموال كثيرة و قيل انه بعث ابنه مروان فأصاب من السبي مئة ألف رأس وبعث ابن أخيه في جيش فأصاب مئة ألف رأس أيضا من البربر فلما جاء كتابه الى الوليد فذكر أن خمس الغنائم أربعون ألف رأس قال الناس إنه أحمق ، من أين له اربعون الف رأس خمس الغنائم ؟ فبلغه ذلك فبعث أربعين الف رأس وهي خمس ما غنم ولم يسمع في الاسلام بمثل سبايا موسى بن نصير أمير المغرب ! ولقد جرت له عجائب في فتح بلاد الأندلس وقال ، لو انقاد الناس لي لقدتهم حتى افتح مدينة رومية وهي المدينة العظمى في بلاد الفرنج ،ثم ليفتحنها الله على يدي ان شاء الله تعالى ، فلما قدم على الوليد قدم عليه بثلاثين الفا من السبي غير ما ذكرنا ، وذلك كان خمسه في آخر ما غنم من غزوات غزاها ببلاد الأندلس . " 
لن أعلق على هذا الفساد والطغيان في الأرض إلا أن أدعو الله أن ينتقم لكل قطرة دم أريقت دون وجه حق ، لكل دمعة طفل ترك أما ثكلى ليصبح لعبة جنسية في سرير شواذ أمراء الغلمان ونكاح البهائم ! 
ويريدوننا أن نفخر بتاريخ دموي أسود يندى له جبين الإنسانية ! 
لست أكتب هذا المقال لأنعى الضحايا أو أسب الجناة ، فلكل ماكتب في صحائف آعماله . بل غاية ماأردته هو آن أضع نفسي مكان أَمَة . أن أقارب آلامها وأحاسيسها  ، فنحن عند قراءتنا للتاريخ ، نستسهل الأحاسيس البشرية ونستعظم الأرقام ! لا نرى الإماء  إلا كمحظيات في حجور أسياد فجرة، ظانين بأن ضحكاتهن الصاخبة وضربهن على الدفوف ضرب من السعادة والابتهاج . 
وورثنا كل هذا الفساد بل افتخرنا به ايما افتخار، بين شيعة يتباهون بنسل الحسين من أم ولده ابنة ملك الفرس ، وسنة جعلوا من محظياتهم وغلمانهم اسيادا لشبقهم الجنسي حتى مات احد الملوك كمدا على احدى محظياته واصبح احدهم اضحوكة عصره لا يبتسم الا اذا ابتسم غلامه ،حتى اصبح المسلمون لا يطلبون حاجاتهم من الامير الا اذا رأوا عشيقه راضيا مبتسما! 
لذا سأضع نفسي في جلد أمة فلربما يخجل  من لايزال يظن أن الله قد منحه حق استرقاق الناس لمجرد أنه مسلم ! 
هي قصة من نسج الخيال لنساء ننسى انهن قبل ان يكن غانيات وقيان ، كانت لديهن حياة ، هن نساء يصيبهن الوهن والمرض والضعف والعجز  فيتخلص منهن الاسياد بعد ذلك كأكياس قمامة لينضممن الى طابور الفقراء والمساكين والعجزة ! حينها يمر عليهم نفس الأسياد ليفرقوا عليهن صدقات تجعلهم ينفخون صدورهم فخرا لكونهم يتصدقون على المحتاجين ليستحقوا بذلك جنة خلد وُعِدَ بها المحسنون ! 
بداية النهاية ام نهاية البداية ؟
كان يداعب لحيته الكثة بإحدى يديه ويضرب ردف أمته الصغيرة بالأخرى ، ودون أن ينظر إلي، قال بأنه أعتقني وأنه بإمكاني الانصراف الى حيث اشاء ! 
نظر الى صاحبته بخبث ثم قال : " أرأيت مالذي فعلته بسببك ؟ 
ردت عليه بضحكة صاخبة قائلة : " كنت أظن أن مكانتي عندك أغلى من هذا ".
التفت بحركة اخرجت بطنه المنتفخ من قميصه المفتوح ، ثم نظر الى الخادم الاخرس الذي كان بجواري ! فلنعتق هذا  الخصي أيضا ، وبهذا أكون قد أرضيت ربي وقلبي ! 
تجهمت في وجهه بدلال ودون ان تنبس ببنت شفة، اخذ صرة مليئة بالذهب ورماها تحت قدميها علها ترضى عنه وتكف عن تذكيره بعجزه . 
عتق! حرية ! لم تعد هذه الكلمات تعني لي شيئا ! حتى انني لم اتألم حين استهزآت بي أمته الجديدة ! وفي العمق  كان الحق معها! 
لقد بلغت من العمر عتيا  وأصبحت مجرد شبح لا قدرة له على صلب قامته  التي طوتها الآلام والأيام والهوان الذي يجبرك كلما تقدم بك العمر على الانحناء والانثناء ، حتى لا يلتقي بصرك ببصر مستعبديك.
ومع ذلك استجمعت ماتبقى بين أضلعي من نفس و قررت ان اجعله يرى ما يحمله هذا العتق من السخرية والاستهتار بالدين وبالاخلاق وبالانسان ! ضاربة بعرض الحائط ما قد يتسبب به ردي من حنق ستكون نتيجته وبالا علي.
فحين تمتهن كرامتك وتصير بضاعة، ،حين تفقد كل أحبتك ، حين تُذل وتذل مرارا وتكرارا، لايصبح أي شيء يخيفك! و حتى جسدك المهترئ، يفقد إحساسه بالألم . 
فليقل ماشاء، لن أخرج من هنا، سأجثو  أمام باب القصر ، وليفعلوا بي ماشاؤا. حتى الموت، لم يعد يخيفني بل أصبح يهابني ! لطالما تمنيته لكنه أعرض عني ! 
حين يعافك الموت وتلفظك الدنيا يصبح كل شيء سيان عندك! 
سأقتله، سأضع جرعة سم في نبيذه ولن أبرح المكان حتى أرى الزبد يخرج من فمه ! 
هيهات ،أنى لي أن أفكر في هذا؟ فالجبن شل تفكيري ! ليس جبن الضعف أو العجز بل الجبن عن التفكير حتى في أمل الخلاص ! 
فحين تفقد كرامتك ، تفتقد معها حتى الرغبة في الثأر ، بل إن الأمر ينتهي بك إلى الاقتناع تماما باستحقاقك لمايحصل لك ! 
نعم، كنت انا ثمن خطيئته، فقد تبع غرائزه وضاجعها في يوم رمضان فكان عليه أن يكفر على ذنبه هذا بعتق رقبة! إذ لا طاقة له بصيام شهرين متتابعين وهو الذي لم يطق صيام يوم واحد دون ان تخونه غرائزه . 
كنت انا الكفارة والخصي زيادة !
اين سأذهب وأي مكان سأقصد، فأنا لا أعرف مكانا آخر غير هذا القصر منذ ان أغار علينا جنود موسى في افريقية وأتوا بي إلى هنا ! 
تحرير رقبة ؟ حتى في هذا يخادعون الله ! 
لقد وهن العظم مني واحترق الرأس شيبا ، ولم تعد قدماي قادرتين على حملي . 
اغربا عن وجهي ، ماذا تنتظران ؟ 
ماذا عسانا ننتظر ؟ وما الذي يمكن ان ينتظرنا بالخارج ؟ 
لم يخفني صراخه ، فالخوف والقلق فارقا حياتي منذ زمن بعيد . لم يعد لدي شيء أهتم له أو أخاف عليه ، حتى ابنائي ، كانوا يأخذونهم مني واحدا تلو الآخر عند كل ولادة ، كانوا يحسنون نسلهم بشقراوات البربر ثم يرموننا في النهاية ككلاب جرباء. بحجة عتق الرقاب والكفارة ! حيث أحلوا لأنفسهم ارتكاب مايحلوا لهم من الموبقات والخطايا، فامتهانهم لحرفة الحرب وقطع الطريق،قد خولت لهم نهب أموال طائلة تخول لهم ارتكاب أي إثم مهما بلغ عظمه . فالقتل له دية ، و لشهوة الجماع يوم رمضان كفارة ، ولنكاح الغلمان والبهائم تعزير يحدده قاض يتقاضى أجرته من بيت مالهم .
لقد نهبوا كنوزا ضخمة من شعوب مسالمة كل  ذنبها انها وجدت في طريقهم ! حتى ظنوا أن باستطاعتهم مخادعة الله! يخادعونه وما يخادعون إلا أنفسهم ! 
ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين !
هؤلاء هم أجلاف الصحراء وجرذانها  المتعطشون أبدا للجنس والدماء! أولئك هم جيوش العبادلة ، اناس لا يعبدون الله إلا بالعقيقة وباتخاذ ما حُمِّدَ وعُبِّد من أسماء ظانين أن ذلك كاف لوطئ تراب الجنة . 
كم توسلت وكم انتحبت علَٓهم يتركون لي طفلا من أطفالي ! 
كانوا يأخذونهم مني تارة مباشرة بعد الولادة وأحيانا أخرى بعد اكتمال فترة الرضاعة والفطام! 
كانت تلك أصعب الفترات، حيث تتعلق بابنك، ويتحرك قلبك المتيبس بين ضلوعك وتتحرك مشاعر الأمومة فيك، لكن سرعان مايأتون عندك، ودون سابق إنذار ، يأخذون منك فلذة كبدك، ذلك المخلوق الصغير الذي رافق لحظات ألمك فينتزعونه منك وكأنهم يبترون عضوا من جسدك! 
حين تُسْتَعْبَدُ أول مرة، وبالرغم من مرارة الرِّقِّ وألم الإستعباد، يحذوك الأمل بالخلاص يوما ما، بالعودة الى أهلك وعشيرتك ، فيمنعك ذلك من الانتحار والتخلص من حياتك، ولكنك شيئا فشيئا ، تفتقد قوة الصبر والتحمل ، ثم تستسلم لمصيرك وتعتاد على أغلالك، خصوصا حين تعاشر مستعبديك وتعرف أنهم ليسوا من النوع الذي يسرح الأسرى أو يشفق على الضعفاء . فتعيش كيفما اتفق غير آبه بأمس أو آمل في غد أفضل. فتتوالى الأيام والسنون فتنسى أنك بشر ، وتعيش مثل حيوان أليف يفعلون به مايريدون. 
كفاراتهم لا بطولة فيها وصدقاتهم لم تكن أبدا ابتغاء مرضاة الله . ذلك الإله الذي لم يحدثونا عنه أبدا. بل قتلونا واغتصبونا باسمه كل ليلة حتى تيبست أجسادنا ولم تعد صالحة إلا لرعاية مواش نهبوها في غاراتهم . هذا الاله الذي يبدو انه اباح لهم رقابنا ودماءنا وأعراضنا من غير ذنب اقترفناه! حيث أخرجونا من ديارنا بغير حق ! 
نهبوا ضياعنا ، أفرغوا خزاناتنا ، سرقوا أموالنا ورحلونا من أراضينا! 
كنت أتمتع ببنية قوية، لذلك استطعت الوصول إلى دمشق، فقد مات الكثيرون في الطريق ممن لم يستطيعوا السير، فتُركوا وسط أراض جرداء قاحلة حتى هلكوا . فدين المغتصبين يبدو أنه  يمنعهم من قتل النساء والأطفال، لذلك كانوا يتركونهم يهلكون في الحرة وحدهم حتى لا يتحملوا ذنب دمائهم. كلما فكرت في هذا الذين، وجدت أن السمة البارزة فيه هي الخداع والمراوغة  ! 
ومع ذلك ، تمنيت آلاف المرات لو أنني هلكت هناك، مع العجائز والأطفال ، فلا خير في حياة تكون فيها لعبة جنسية يتبادلها الأسياد، ثم يرمونها بعد ذلك في مزبلة التاريخ ! 
يا إلاهي ، كم أصبحت جبانة ! لكن المرء  حين يذوق الذل والهوان، يصبح الجبن جزءا من حياته فيفتقد  الجرأة والشجاعة والقدرة على الرد، خصوصا حين يرى  طريقة الردع التي يستعملها مستعبدوه في ردع المتمردين، فالعبد الآبق كافر حتى يعود إلى سيده ، وحين يعود فإن الحازوق يكون في انتظاره ، وفي أخف الحالات يعذب عذابا شديدا لا يطيقه بشر أمام أعين الجميع . حتى ينقطع رجاء من يرجو الخلاص وتبطل حجة من يحلم بالحرية والرحيل ! 
لقد حرقوا وجوه إماء من أجمل خلق الله ،وبتروا الأنوف والآذان، وأخصوا الرجال وقطعوا الألسنة فأصبح الخوف يشل الأطراف. 
أن تقتل، فهذا شيء هين أما التعذيب، فلا طاقة لبشر عليه ، وقد تفننوا فيه أيما تفنن ! 
أن تُقطع أطرافك أمام عينيك وتُشوى و تُجبر على الأكل منها، فتلك قمة الوحشية والخسة وقد فعلوا،والتاريخ لا ينسى ! 
فعلوا ذلك بابن المقفع صلبوا الحلاج وأحرقوا جثته، سلخوا جلد الزبير وعلقوا جسده فوق الكعبة.
إن أناسا دنسوا مقدساتهم واغتصبوا عفيفات شعوبهم ( فقد اغتصبوا في يوم واحد مئات العذارى في أم القرى، مدينتهم المقدسة )  لا يمكن أن تنتظر منهم خيرا أو تتوسم في قلوبهم رحمة ! 
لا يمكن لأجلاف وجرذان الصحراء إلا أن تتصرف بخسة الجرذان ومكر السفلة ! 
فتاريخهم عار في جبين الإنسانية !
رمى حَجّاجُهم أقدس أقداسهم بالمينجانيق، ولم يعد لهم مكان يصلون إليه ! ....
كانت تلك الصور والأحداث تتراءى أمامي، فلطالما تناقلت الألسن تلك القصص في حضرتي دون أن تأبه لوجودي !
استدار  صوبي فتعكر وجهه ! ماذا تتنظرين أيتها العجوز الشمطاء ؟
أخذ العبد الأخرس يجرني نحو الباب خوفا علي من عقاب ربما يطاله هو أيضا،  وفي انتفاضة كرامة كانت كل ماتبقى لي، لملمت قواي وبصقت في وجهه غير آبهة بعقاب أوقتل ! 
كنت أعرف مصيري بعد هذا التصرف الجنوني ، لن أعرف ماذا سيفعلون بجثتي ، وكما قيل ، هل يضير الشاة  سلخهابعد ذبحها ! 
أعرف بأنه سيفصل رأسي عن جسدي ! لكنه أبدا لن يحرمني من آخر ذكرى تراءت أمامي ! فقد كانت لدي حياة !
كان ذلك قبل أن يحاصرنا جنود موسى بن نصير ونحن نيام !
استيقظت على صراخ  طفلتي الصغيرة التي كانت في المهد بجانبي ، أخرجتها ببطء ثم وضعت ثديي بين شفتيها الصغيرتين كي لا توقظ من في البيت جميعا ! ارتشفت قطرات الحليب بنهم انتزع مني آهة أيقظت زوجي المتثائب . ودون أن يفتح عينيه ، مد ذراعه نحو ملاكه الصغير كما كان يناديها . تمسكت بآحد اصابعه حتى غالبها النوم فأعدتها الى سريرها بعد أن وضعت قبلة على جبينها . 
أطفأ الفانوس ثم طوق خصري بذراعيه ....
اقتلوها في الفناء حتى لا تلطخ سجادي ....
اجمالي القراءات 9679