بحث في الأرشيف
أرقام هواتف الموتىَ!

محمد عبد المجيد في الإثنين ٣٠ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

وسط أرشيف ضخم من الأسماءِ وأرقامِ التليفونات كنت أبحث اليوم عن رقم صديق. انتابني احساسٌ غريبٌ عندما اكتشفتُ وفاةَ عدد كبير منهم في السنوات العشرين المنصرمة، فإذا أنا واثقٌ ثقةً زائفةً أنَّ اتصالي بأحد الراحلين سيجعله يردّ علىَ المكالمة التليفونية!

الموتُ هو الحقيقة التي لا تُصدَّق؛ فتشعر بتناسخ الأرواح، أو يمر خيالـــَـه أمام ناظريك، أو يأتيك صوتــُـه هامســًـا من مكان بعيد، أو يتلبس لعدة ثوانٍ في شخصٍ يشبهه.

 

 

يمكن أيضا أنْ تشم رائحتـــَـه أو تخاطب طيفــَــه أو تستمد منه شجاعةً أو جــُـبــْـنــًـا، أو يأتيك من حيث لا تدري، ويغادرك من حيث لا تعرف.عندما يتوفىَ اللهُ أحدَ القريبين منك، صديق أو عزيز أو زميل عمل أو رفيق دراسة أو خيال من موقع التواصل الاجتماعي، يترك، العليُّ القديرُ، خيوطــًـأ متشابكة للراحل: مكان، نغم، حوارات.. الخ

في عملية مدهشة للتخاطر عن بُعد قد تتوهم أنَّ راحلك الغائبَ أرسل إليك رسالة قصيرة تشبه رسائل الموبايل، فتأتيك شبحــًـا أو صورة أو ضحكة أو فرحة أو حزنا، وقد يحدث العكسُ فترسل أنت رسالةً في دعاءٍ تتخيل سماعَه إياه.

اليوم صافحت في أرشيفي عشرات من الأشخاص الذين مرّوا على حياتي، فمنهم من مكث طويلا ثم رحل دون أنْ يترك أثرًا، ومنهم من ترك شطرًا من روحــِـه تؤنسك بين ألفينة والأخرى، تمامــًـا كما تزور المقابرَ فلا تدري إنْ كانت الحياةُ الحقيقيةُ تحت الأرض أم .. فوقها.

الراحل ينزلق تحت الأرض، فإذا بحثتَ عنه نظرتْ إلىَ الأعلىَ وهي كنايةٌ عن تحليق الروحِ بعيدًا عن الجسد.
قمتُ اليوم بمصافحة العشراتِ عن طريق أرقام هواتفهم، منهم من شاهدني و.. منهم من لم يتنبه لوجودي.
ماذا لو أنني اتصلت بهم اليوم؛ فهل سيردّ أيٌّ منهم على المكالمة؟
هل يخاف الأحياءُ من الموتىَ أم يخشى الموتىَ الأحياءَ؟
هل تموت أيضا الأماكنُ وأرقام الهواتف والروائحُ والنغمُ والذكرياتُ أم يأخذها المتوفىَ معه؟
الذكرياتُ ليست بالضرورة عمن أحببنا، لكنها أيضا عن الذين كرهناهم أو آذونا أو أساءوا إلينا! 
ترن .. ترن .. ترن؛ لا أحد يرد!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 30 أكتوبر 2017

اجمالي القراءات 8694