نقد كتاب أسطورة سيزيف لكامو

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب أسطورة سيزيف لكامو

فى هذا الكتاب تناول ألبير كامو أو كامى مسألة الانتحار والكتاب كله مبنى على المسألة خاصة فى النصف الأول لأنه فى النصف الثانى قام بما يسمونه النقد الأدبى لبعض أعمال دوستوفسكى وكافكا وغيرهم ممن تناولوا المسألة الكونية فى أعمالهم من خلال النظرة التى يعتبرها البعض كئيبة أو سوداوية   

 أسطورة سيزيف هى أسطورة يونانية تضرب كمثل على الشقاء الإنسانى فالحياة فى الأسطورة هى كما قال المعرى:

 تعب هى الحياة كلها فما أعجب                             إلا من راغب فى ازدياد

فسيزيف حكم عليه أن يدحرج الصخرة إلى أعلى الجبل وبعد أن يصل بها لأعلى تسقط الصخرة فيعود نازلا ليرفعها مرة أخرى وهكذا دواليك

كامو من خلال عنوان الكتاب يعطينا كل مضمون الكتاب :

الحياة رحلة عذاب يجب أن تنتهى بيد الإنسان

ومن ثم فالرجل يريد بهذا الكتاب العبثى أن ينهى كل فرد حياته المتعبة المذلة بيده وليس بيد أحد غيره  وسوف نتناول بعض ما جاء فى الكتاب :

قال كامو" هناك مشكلة فلسفية هامة وحيدة هى الانتحار فالحكم بأن الحياة تستحق أن تعاش يسمو إلى منزلة الجواب على السؤال الأساسى فى الفلسفة وكل المسائل الباقية" ص11

الرجل هنا ألغى كل تاريخ الفلسفة وحتى الفلسفة نفسها بجعل المشكلة الفلسفية الهامة الوحيدة هى الانتحار ومع هذا ناقض نفسه فى نهاية العبارة باعترافه بوجود المسائل الباقية

ويقرر الرجل أن بعض الناس يحب الحياة ويتخلى عن الحقيقة حتى يعيش ويضرب مثلا بغاليليو  الذى تخلى عن مقولة دوران الأرض حول الشمس حتى لا يشنق ويوضح أن البعض الأخر يتخلى عن حياته بالانتحار وهو قوله:

"ولم أر أحدا مات من أجل التفكير فى الكينونة فغاليليو الذى عرف حقيقة علمية ذات أهمية عظيمة تخلى عنها بكل سهولة فى اللحظة التى هددت فيها حياته وبمعنى من المعانى نجد أنه حسنا فعل فلم تكن تلك الحقيقة العلمية لتستحق المشنقة فكون الأرض تدور حول الشمس أو الشمس تدور حول الأرض هو من الأمور التى تتصف بأعمق اللاكتراث وإنها لمسألة لا جدوى فيما أن يقول المرء الحقيقة ومن الناحية الأخرى فإننى أجد الكثيرين يموتون لأنهم يقررون أن الحياة لا تستحق أن تعاش وأجد آخرين يذهبون ضحية القتل بصورة  متناقضة لأنهم يفعلون ذلك بسبب الأفكار أو الأوهام التى تهبهم سببا يعيشون من أجله "ص12

وتقرير الرجل كون دوران الأرض حول الشمس أنها حقيقية علمية كلام يتنافى مع المنهج العلمى فغاليليو قال قولته وهو جالس على الأرض ولم يخرج منها ليكون فوق الاثنين ليرى من منهم يدور فوق أو حول الأخر فهى مقولة تتنافى مع المشاهدة أو المعاينة

ويبين كامو أن هناك طريقتين للتفكير الأولى العالم والثانية الحالم بالعدل وأن دمج الطريقتين هو ما يحقق  العاطفة والوضوح وهو قوله :

" فكيف نجيب عن تلك المسألة ؟ هنالك طريقتان فى التفكير بكل المسائل الجوهرية وأعنى بذلك تلك المسائل التى يكمن فيها خطر الموت أو المسائل التى تركز الرغبة فى الحياة طريقة لاباليس وطريقة دون كيشوت فالتوزان بين الدليل وبين الغنائية هو وحده الذى يتيح لنا أن نحقق فى وقت واحد العاطفة والوضوح وفى الموضوع الذى هو فى وقت واحد معا متواضع ومثقل بالعاطفة يستطيع المرء أن يقول أن الديالتيك الذى يتمثل فى المعرفة وفى الكلاسيكية يجب أن يفسح مجالا لموقف أكثر تواضعا "ص12

 بالقطع طرق التفكير متعددة لا تقتصر على اثنين ويبدو أن لاباليس هى شخصية روائية استقاها الرجل من الأدب الأوروبى  كرمز للرجل العالم الذى يبحث عن الأدلة والبراهين كما أن محارب الطواحين دون كيشوت أو كيخوته لسربانتس  رجل حالم يريد أو يحلم بتغيير العالم للعدل ولكنه يخفق

ويوضح كامو أن عمليات الانتحار ليست وليدة التأمل أى التفكير إلا فى النادر  فهى لحظة كئيبة يتسبب فيها مالا يضعه باقى البشر فى عقولهم وهو قوله :

"هنالك أسباب كثيرة للانتحار وبصورة عامة نجد أن أوضح هذه الأسباب ليس أقواها فنادرا ما يتم ارتكاب الانتحار بعد تأمل ومع ذلك فلا يمكننا أن نستبعد هذه الفرضية وليس فى الوسع غالبا التحقق مما يبعد الكارثة الصحف كثيرا ما تتحدث عن التعازى الشخصية أو عن المرض الذى لا يرجى شفاؤه وهذه تفسيرات مقبولة ولكن على المرء أن يعرف ما إذا لم يكن صديق ذلك الشخص اليائس قد خاطبه فى ذلك النهار نفسه بلا اكتراث هو المذنب لأن ذلك يكفى للتعجيل بكل الأحقاد والسأم التى ما تزال معلقة  ص13

والفقرة صحيحة فالانتحار التأملى نادر الحدوث إلا فيما يسمونه الانتحار السياسى والانتحار الفلسفى وهى تسميات خاطئة

ويخطىء كامو عندما يقرر أن كل إنسان عاش  فكر فى الانتحار بقوله :

"ولما كان كل الناس الأصحاء قد فكروا فى انتحارهم فيمكننا أن نرى بدون إيضاح أخر أن هناك صلة مباشرة بين هذا الشعور باللاجدوى وبين الحنين إلى الموت ص14

فالكثير من البشر لا يبدو أن الفكرة لم تخطر على بالهم من الأصل بدليل أن عدد حالات الانتحار السنوى فى العالم الحديث لا تتجاوز عدة آلاف أو مئات وهو ما يمثل مثل ألف من كل مليار من البشر كنسبة كبرى فلو كان الكل فكروا لكان هناك ضحايا بالملايين وليس عدة آلاف

وأما تقريره الأخر عن كون سبب الانتحار أن الحياة لا تستحق أن تعاش فى قوله:

" إن المرء ينتحر لأن الحياة لا تستحق أن تعاش وتلك حقيقة أكيدة ولكنها غير مثمرة لأنها حقيقة عادية ولكن هل تصدر إهانة الوجود تلك ذلك الانكار التام الذى تغرق فيه الحياة من أنها بلا معنى وهل لأن لا جدوى الوجود تتطلب من المرء أن يفر منه عبر الأمل أو الانتحار  هذا هو ما يجدب توضيحه وتتبعه وتبسيطه فى الوقت الذى يتم فيه استبعاد الأمور الأخرى ص17

فهو تخاريف وأوهام فلا أحد يقرر الانتحار لكون الحياة بلا معنى ولا جدوى من الوجود  إلا عدد نادر جدا هم ما يسمونهم المنتحرون فلسفيا خطأ فمعظم المنتحرين ينتحرون عجزا عن علاج مشاكلهم وكذلك المنتحر فلسفيا عاجز عن الفهم

 وفى الفقرة التالية يناقض كامو نفسه فهو يقرر أن الإنسان يظل غير معروف أبدا بالنسبة لنا ومع هذا يقرر معرفته العملية بالناس فى قوله:

" ولعله من الصحيح أن الإنسان يظل غير معروف أبدا بالنسبة لنا وأن فيه شيئا يغيب عن إدراكنا شيئا لا يمكن تقليصه لنفهمه ولكننى عمليا أعرف الناس وأميزهم بسلوكهم بمجموع أفعالهم بالنتائج التى يتركها وجودهم فى الحياة وكذلك هى كل تلك المشاعر اللاعاقلة التى لا تفسح مجالا للتحليل لأننى أستطيع أن أعرفها عمليا "ص19

كما ناقض نفسه بتقريره بعدم الوصول لمفتاح المشاعر فى القلب ثم تقريره أن المفتاح يتضح جزئيا عبر الأفعال فى قوله :

"بحوافزه المخلصة هناك إذن مفتاح أوطأ للمشاعر لا يمكن الوصول إليه فى القلب ولكنه يتضح جزئيا عبر الأفعال التى تعنيها  المشاعر والمواقف الذهنية التى  تأخذها "ص20

كما نلاحظ أن تقريره أن الصفحات الأخيرة من كتاب ما موجودة مقدما فى الصفحات الأولى فى قوله :

"وهكذا فإن الصفحات الأخيرة من كتاب ما موجودة مقدما فى الصفحات الأولى ومثل هذه الصلة حتمية والطريقة المعرفة هنا تدين الشعور القائل بأن المعرفة الحقيقية مستحيلة وإنما يمكن تعداد  المظاهر فيدخل الجو فى الشعور" ص20

هو تقرير خاطىء فكتابه هذا نفسه مقدمته لا تدل على ما جاء فى مؤخرته فالرجل ناقش فى نصف الكتاب الأول مشكلة الانتحار وفى النصف الثانى كان ناقدا لبعض الروايات والتى لا تتناول بشكل مباشر الانتحار ولكنها تناقش غالبا مقولة الكفر بوجود إله  ومثلا كتاب كالعهد الجديد يبدأ فى سفر متى بذكر نسب يسوع وهو مالا وجود له فى سفر الرؤيا وهو الكتاب الأخير فيه حيث السفر كله أحلام وتخاريف

 وأما مقولته:

"إن لكل الأفعال العظيمة والأفكار العظيمة بدايات مضحكة "ص21

فهى مقولة خاطئة فليس كل فعل عظيم أو فكرة عظيمة بدايتها مضحكة فحتى هذه الدنيا حسب وجود إله أو عدمه كما يتبنى الرجل تلك المقولة غالبا فى الكتاب لم يكن خلق الكون مضحكا

ونلاحظ هنا أن الرجل يقرر أن كل شىء يبدأ عبر الإدراك فى قوله:

" والضجر يحتوى فى نفسه على شىء يبعث على الغثيان وهنا يجب على أن أقرر أن ذلك أمر طيب لأن كل شىء يبدأ عبر الإدراك ولا شىء يستحق أى اهتمام إلا عبر الإدراك : ص22

وهو ما يتناقض مع كون الإنسان لا يمكن إدراكه فى قوله :

" ولعله من الصحيح أن الإنسان يظل غير معروف أبدا بالنسبة لنا وأن فيه شيئا يغيب عن إدراكنا شيئا لا يمكن تقليصه لنفهمه "ص19

ونلاحظ العبث القولى فى قوله:

"إنه يخص الزمن وبالرعب الذى يقبض عليه يدرك أسوا أعدائه غدا إنه يحن إلى الغد بينما كان عليه أن يرفضه وثورة الجسد هذه هى اللاجدوى "ص22

الرجل هنا يعتبر الغد هو أسوأ الأعداء ومع هذا يحن الإنسان له وفى نفس الوقت يجب عليه رفضه

ونلاحظ العبثية والجنون وهو أن البشر عندهم لا بشرية فى قوله :

"والبشر يحتفظون فى أنفسهم باللابشرية ففى لحظات معينة من الوضوح والمظهر الميكانيكى لحركاتهم تجعل تلك الحركات الخرساء السخيفة التى لا معنى لها كل شىء يحيط بهم يتصف بتلك السخافة ص23

والرجل يعتبر المظهر الحركى لحركات الناس حركات خرساء سخيفة لا معنى لها ومن المعروف أن كل حركة لها معنى سواء فهمناها أو لم نفهمها

 ونلاحظ تقرير الرجل أن فهم العالم هو بالنسبة للإنسان تقليصه إلى البشرى فى قوله :

" وفهم العالم هو بالنسبة للإنسان تقليصه إلى البشرى وختمه بختمه وكون القطة هو ليس كون النمل وليس هنالك معنى للحقيقة القائلة بأن الفكر كله متحول حسب الأجناس وكذلك فإن الذهن يهدف إلى فهم الواقع يستطيع أن يعتبر نفسه قانعا فقط بتقليصه إلى مصطلحات الفكر وإذا أدرك الإنسان أن الكون مثله يستطيع أن يحب ويتعذب فإنه سيرضى وإذا اكتشف الفكر فى التماعات مرآة الظواهر الباهتة علاقات أبدية قادرة على تلخيص تلك الظواهر وتلخيص ذاتها فى مبدأ واحد فسنجد غبطة عقلية لن تكون إلى جانبها أسطورة المباركين إلا تقليدا مضحكا"ص26

هو تقرير خاطىء فالإنسان يعيش فى الكون وهو مضطر للتعامل ليس مع الناس فقط ولكن مع الحيوان والنبات والجماد لأن حياته معتمدة على وجودهم فطعامه وشرابه ولباسه ودواءه ومسكنه وغير ذلك تأتى مع شىء أخر غير الناس

ونلاحظ أنه قرر فى الفقرة السابقة وجود غبطة عقلية نتيجة فهم العالم  وهذه الفرحة أو الطمأنينة تناقض كون تاريخ البشر هو أسف متعاقب أى حزن وغم ليس فيه غبطة فى قوله :

"ولو كان السجل الوحيد ذو المغزى للفكر البشرى سيكتب فإنه يجب أن يكون تاريخ أسفه المتعاقب ولا قدرته  عمن وعماذا يا ترى أستطيع أن أقول حقا أعرفه لأننى أستطيع أن ألمس هذا العالم وأحكم كذلك بأنه موجود"ص27

وهنا الرجل يقرر كون  القلب سيظل أبدا غير معروف بقوله:

"وذلك القلب الذى هو قلبى سيظل أبدا غير معروف بالنسبة إلى  وبين اليقين الذى أراه فى وجودى والمحتوى الذى أريد أن أعطيه لليقين ثغرة لن تملأ قط وسأظل أبدا غريبا عن نفسى وهنالك فى علم النفس كما فى المنطق حقائق ولكن ليس هنالك حقيقة "ص28

ومع هذا يناقض نفسه بوجود معرفة جزئية لما فى القلب عبر الأفعال بقوله :

"بحوافزه المخلصة هناك إذن مفتاح أوطأ للمشاعر لا يمكن الوصول إليه فى القلب ولكنه يتضح جزئيا عبر الأفعال التى تعنيها  المشاعر والمواقف الذهنية التى  تأخذها "ص20

كما يناقض تقريره أن كل شىء يبدأ عبر الإدراك بلا استثناء لشىء فى قوله:

"وهنا يجب على أن أقرر أن ذلك أمر طيب لأن كل شىء يبدأ عبر الإدراك ولا شىء يستحق أى اهتمام إلا عبر الإدراك : ص22

يقرر الرجل أن الإدراك يخبرنا بعدم جدوى العالم فى قوله:

"وهكذا فإن الإدراك أيضا يخبرنى بطريقته بأن هذا العالم لا مجد أما عكس الإدراك أى العقل العمى فقد يدعى أن كل شىء واضح لقد كنت أنتظر البرهان وأتمنى أن يكون صحيحا "ص29

ومع هذا يعود فينفى ذلك التقرير ويتهم نفسه بالتسرع ويقرر أن العالم غير معقول أى غير مفهوم بقوله :

"قلت أن العالم لا مجد ولكننى كنت قد تسرعت كل ما يمكن قوله هو أن هذا العالم غير معقول ولكن اللاجدوى تكمن فى مواجهة هذا اللامعقول والتلهف الوحشى على الوضوح الذى يتردد صدى ندائه فى القلب البشرى واللاجدوى تعتمد على الإنسان كاعتمادها على العالم  وفى الوقت الحاضر فإن اللاجدوى هى الرابطة الوحيدة بينهما أنها تربطهما معا كما يربط الحقد بين مخلوقين "ص30

وبالقطع اللاجدوى ليست غير المعقول فالعالم هو معقول ولكن البعض لا يعقله وما دام معقول فهو ذو جدوى

ومع هذا يعود الرجل للعبث بالكلمات كما فى اللاجدوى مقابل اللامعقول ومع هذا يعود لتناقض أخر فيقول أن اللاجدوى ليست فى الإنسان وليست فى العالم فى قوله :

"وفى هذه الحالة بالذات وعلى مستوى الإدراك أستطيع أن اقول أن اللاجدوى ليست فى الإنسان إذا كان لمثل هذا التشبيه أى معنى وليست فى العالم وإنما فى وجودهما مها واللاجدوى هى الرابطة الوحيدة التى تجمع بينهما الآن وإذا أردت أن أحدد نفسى بالحقائق فإننى أعرف ما يريده الإنسان وما يقدمه العالم له ثم أستطيع الآن أيضا أن أقول أننى أعرف ما يوحدهما ص39

 وهو كلام مجنون فهى ليست فى الإنسان وليست فى العالم وهذا يعنى أنها من خارج هذا الكون لو كانت موجودة والسؤال كيف وصلنا لها وكيف جاءتنا وهى ليس لها وجود؟

ويعود الرجل لتقرير أن العلماء والحكماء متناقضون ومن ثم فالحياة كلها عبث بقوله:

"والآن حين يثور جيستوف ضد فرضية هيغيلية مثل أن حركة المجموعة الشمسية تحدث بالتطابق مع قوانين لا تتغير وتلك القوانين سببها وحين يكرس كل جهوده لاحباط معقولية سبينوزا فإنه يستنتج بالتالى نتائج تقول بخواء العقل وكذلك يعكس الأمور عكسا طبيعيا غير مشروع ببروز اللامعقولية بين كل الأشياء الأخرى ص45

بالقطع الرجل هنا مخطىء فليس تناقض أقوال القوم دليل على العبثية وغنما هى دليل على فهمهم هم للكون وما فيه

ورغم كل كلامه عن العبثية الحياتية المزعومة فالرجل يقرر أن النفس المصممة برغم كل شىء تستطيع أن تدبر أمورها دائما بقوله:

"ولكن هذا النداء لن يوقف الإنسان اللامجدى فالبحث عن الصحيح ليس البحث عن المرغوب وإذا كان على المرء ليتجنب السؤال الملح ماذا ستكون الحياة أن يأكل زهور الوهم كالحمار فإن الذهن اللامجدى يفضل بدلا من أن يتخلى عن نفسه لليأس أن يتبنى جواب كيركغارد بدون خوف اليأس أن النفس المصممة برغم كل شىء تستطيع أن تدبر أمورها دائما ص50

والسؤال إذا كانت الحياة أو العالم لا مجدى فلماذا تستطيع النفس أن تدبر أمورها دائما بدلا من أن تنتحر ؟

والغريب أن يكتب كامو أو غيره ممن يتبنون تلك المقولة كتابه أو كتبهم فما دامت الحياة بلا جدوى والعالم غير مجدى فلماذا العناء والتعب فى تأليف الكتب ؟

تأليف الكتاب يتناقض مع تلك المقولة نهائيا

ويعود للرجل للتساؤل:

"لو كنت شجرة بين الأشجار قطة بين الحيوانات فقد كان سيصبح لهذه الحياة معنى أو أن هذه المشكلة لن تنهض إذ أننى كنت سأنتمى إلى هذا العالم يجب أن أكون هذا العالم الذى أقف الآن ضده بسبب إدراكى الكامل وإصرارى الكامل على المألوف ص60

وهو تساؤل يدل على أن الرجل لم يفهم الحياة فالحياة لها معنى حتى للقطط والشجر فهى ليست بلا معنى إلا عند من لا يفهم طبيعة الحياة كما أرادها الله تعالى 

ونلاحظ أن الرجل يقرر أن الثورة تكون على الآلهة بقوله :

"فالثورة دائمة التحقق ضد الآلهة مبتدئة بثورة برومثيوس أول الفاتحين الحديثين إنها مطاليب الإنسان ضد مصيره أما مطاليب الفقراء فليست غير معاذير بيد أننى أستطيع أن أقبض على تلك الروح بفعاليتها التاريخية فقط وذلك هو مجال اتصالى بها "ص102

وهو كلام خاطىء فبروميثيوس حكايته مجرد خرافة من خرافات اليونان ومن ثم فالثورة تكون على ظلم الإنسان ضد أخيه فالظلم ناشىء من الناس  فبدلا من الثورة الحقيقية نجد ثورة على من يعتبرهم الرجل أوهام وخرافات وهم الآلهة المزعومة عندنا وأما الله عندنا فهو خارج هذا الكلام

ونلاحظ تقرير الرجل أن كل إنسان يشعر بأنه معادل لإله فى لحظات معينة بقوله:

"فكل إنسان يشعر بأنه معادل لإله فى لحظات معينة هذه هى على الأقل الطريقة التى يتم التعبير بها عن ذلك ولكن ذلك يتأتى من حقيقة أنه شعر شعورا خاطفا بعظمة الذهن البشرى "ص103

 وهو كلام لا دليل عليه فهل الفقراء والعبيد والعجزة يظنون هذا الظن المجنون وهم لا يقدرون على علاج فقرهم أو رقهم أو عاهاتهم أو مرضهم؟

ويبدو أن التعبير مستعار من تعبير العهدين القديم والجديد:

" أنا قلت أنكم آلهة "

وفى الفقرة التالية ينفى الرجل وجود الله الخالق فيقول:

"وعلى أى حال فقد كان ضروريا أن نعيد للتعليل اللامجدى أمثلة أقرب إلى القلوب ويستطيع الخيال أن يضيف أمثلة أخرى غير منفصلة عن الزمن والمنفى من أولئك الذين يعرفون أيضا كيف يعيشون متفقين مع كون ليس له مستقبل وليس فيه ضعف وهذا العالم اللامجدى الذى لا إله فيه مأهول بمن يفكرون بوضوح ولم يعودوا يأملون ولم أتحدث بعد عن أشد الشخصيات لا جدوى أى الخالق "ص107

كامو فى هذه الفقرة ككل الملحدين أو المتشككين ينفى وجود الله ومع هذا فى فقرات أخرى يتكلم عنه وأنه موجود

ورغم حديث الرجل عن لا جدوى العالم فإنه يجعل  سعى الإنسان عملية خلق مستمرة لاحتفاظ الإنسان بإدراكه فى قوله

"ولهذا فإن العمل الفنى فى هذا العالم هو الفرصة الوحيدة لاحتفاظ بإدراك الإنسان وتثبيت مغامراته والخلق هو العيش المضاعف وإن بحث بروست المتلمس فى الظلام المتلهف واهتمامه الدقيق بجمع الزهور وورق الزينة ودواعى القلق كل تلك الأمور لا يمكن أن تعنى شيئا أخر وفى الوقت نفسه فإنها لا تعنى أكثر مما يعنيه الخلق المستمر اللامفهوم الذى يغرق فيه الممثل والفاتح وكل البشر اللامجدين فى كل يوم من أيام حياتهم "ص112

ومن يسعى مدركا يجعل هناك جدوى للحياة فلو لم يكن هناك جدولا سواء آنية أى حالية و مستقبلة ما عمل الإنسان ولانتحر الكل وما وجد للبشر بقية

ومقولة أى فكرة الكتاب الأساسية  ليست جديدة فبداية سفر الجامعة فى العهد القديم تشرح نفس المقولة :

"1كلام الجامعة ابن داود الملك في أورشليم

2باطل الأباطيل، قال الجامعة: باطل الأباطيل، الكل باطل

3ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس

4دور يمضي ودور يجيء ، والأرض قائمة إلى الأبد

5والشمس تشرق، والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق

6الريح تذهب إلى الجنوب، وتدور إلى الشمال. تذهب دائرة دورانا، وإلى مداراتها ترجع الريح

7كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن. إلى المكان الذي جرت منه الأنهار إلى هناك تذهب راجعة

8كل الكلام يقصر. لا يستطيع الإنسان أن يخبر بالكل. العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع

9ما كان فهو ما يكون ، والذي صنع فهو الذي يصنع، فليس تحت الشمس جديد

10إن وجد شيء يقال عنه : انظر. هذا جديد. فهو منذ زمان كان في الدهور التي كانت قبلنا

11ليس ذكر للأولين. والآخرون أيضا الذين سيكونون، لا يكون لهم ذكر عند الذين يكونون بعدهم

12أنا الجامعة كنت ملكا على إسرائيل في أورشليم

13ووجهت قلبي للسؤال والتفتيش بالحكمة عن كل ما عمل تحت السماوات. هو عناء رديء جعلها الله لبني البشر ليعنوا فيه

14رأيت كل الأعمال التي عملت تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبض الريح

15الأعوج لا يمكن أن يقوم، والنقص لا يمكن أن يجبر

16أنا ناجيت قلبي قائلا: ها أنا قد عظمت وازددت حكمة أكثر من كل من كان قبلي على أورشليم، وقد رأى قلبي كثيرا من الحكمة والمعرفة

17ووجهت قلبي لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل، فعرفت أن هذا أيضا قبض الريح "

فالعبارات التالية تلخص ما جاء فى الكتاب:

-الكل باطل

-ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس

-هو عناء رديء جعلها الله لبني البشر ليعنوا فيه

-رأيت كل الأعمال التي عملت تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبض الريح

-ووجهت قلبي لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل، فعرفت أن هذا أيضا قبض الريح

فتكرار عبارة الكل باطل هى نفسها الحياة اللامجدية أو العالم اللامجدى

 

اجمالي القراءات 10302