القضية الكردية و مرحلة تشكيل الهوية القومية
القضية الكردية و مرحلة تشكيل الهوية القومية

أسامة قفيشة في السبت ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القضية الكردية و مرحلة تشكيل الهوية القومية

نظرة سريعة من منظور أخلاقي بحت , و إنساني في الدرجة الأولى ,

مما لا شك فيه بأن الشعب الكردي له قوميته و عاداته و لغته و ثقافته , و جذوره الضاربة منذ القدم في تلك المنطقة التي تسمى بإقليم كردستان ,

هذا الشعب له هويته الخاصة و حضارته و تقاليده , تم إسقاط الظلم و الهيمنة عليه و اضطهاده و سلب كيانه و استقلاله في الفترة الأخيرة حينما تم تقسيم المنطقة و ترسيم حدودها بما يعرف بسايسبيكو , تلك المعاهدة الدولية قطّعت أوصالهم و فرقت شملهم ,

لم تراعي تلك المعاهدة وحدتهم و كيانهم و لم تعترف بهم كشعب أصيل له الأحقية بهذا الإقليم و بأن يكون لهم وطن يجمعهم , بل عمل على تقطيعهم بين أربع دول و تفتيت شملهم , و تلك الدول هي ( تركيا و العراق و سوريا و إيران ) ,

تلك الدول و منذ ذاك الوقت تحاول جاهدةً من أجل إذابتهم و صهرهم , و العمل على تفكيكهم و عدم الاعتراف بهويتهم , فحاربتهم و اضطهدتهم كثيرا , و لكن مع كل هذا الظلم الذي لحقهم إلا أنهم استطاعوا الحفاظ على قوميتهم و لغتهم و حافظوا على عاداتهم و تقاليدهم ,

لا أريد هنا التطرق لحجم هذا الظلم و تلك المآسي التي عانوها من تلك الدول الأربعة , و التي جميعها تدعي الإسلام و تنادي بقيمه و ما يدعو إليه , و لا أهتم كثيراً للمواقف السياسية و ما يترتب عليها من تبعات على تلك الدول الأربعة , فلا أهمية لتلك التبعات من باب الخسارة أو الربح , ما يهمّني هنا هو الجانب الإنساني و الأخلاقي و احترام حريتهم في قرار تقرير مصيرهم , و رغبتهم بالانفصال و تشكيلهم لدولتهم المستقلة و تحقيق حلمهم الذي طال عليه الزمن .

كل هذا هو حق مشروع لهم و لا غبار عليه , و أنا من أشد الداعمين لهذا المطلب منذ زمن بعيد , كونيي مسلم مسالم يرفض كل أشكال الظلم و القهر و الاستبداد , و حقهم هذا الذي يسعون إليه هو حقٌ مقدس يريدون من خلاله رفع الظلم و تقرير المصير , هذا خيارهم و تلك هي إرادتهم , شأنهم في هذا الأمر شأن الجميع و شأن من وقع عليه الظلم و القهر و العدوان و استبداد القوي , و سلب الحقوق و الاضطهاد .

لا يسعني هنا سوى طرح بعض الأمنيات للشعب الكردي و إرادته :

أتمنى بأن يحققوا حلمهم المنشود بالتخلص من دول الاستبداد التي حكمتهم بالحديد و النار طيلة تلك الفترة ,

أتمنى لهم كل الخير و التوفيق في جهادهم المشروع ضد دول الجور و الظلم التي تطاردهم و تطارد هويتهم ,

أتمنى لهم دولة حقيقية تقام على أسسس الحرية و الديمقراطية , بأن لا تكون تلك الدولة ديكتاتورية بطابع كردي ,

أتمنى لهم دولة تحميهم و تدافع عن كيانهم , و تعمل على نهضتهم و تقدمهم , يحترم فيها الإنسان و تحفظ فيها حقوق المواطنين ,

أتمنى لهم دولة يكون همها الوحيد هو المواطن , تعمل على رفعته و توفر له كل الحقوق الأساسية من تعليم و صحة و سكن ,

أتمنى من تلك الدولة بأن تعمل بشفافية عاليه , تحارب الفساد و تستغل موارد هذا الإقليم باعتبار تلك الموارد هي حق للمواطن ,

أتمنى لتلك الدولة أن تحافظ على الأقليات التي تقطنها من تركمان و عرب و مسيحيين و يزيديين و صابئة , و تمنحهم حقوقهم كاملة دون ظلم و عدوان , و أن تحترم و تحافظ على هذا النسيج العرقي و الثقافي و الديني ,

أدعو لهم بالخير و التوفيق بالخلاص السلمي , و أدعو لهم بأن ينعموا بالأمن و الأمان و الحرية و الازدهار .

و قد يتساءل البعض عن الدعم الإسرائيلي لهم و يتهمهم في هذا الدعم , و يشكك في نواياهم و يحرض عليهم و يهددهم بالحرب و القتال , و يطعن في وطنيتهم و ينادي بسحقهم و تدميرهم بحجة المخطط الصهيوني , و على هذا أقول متسائلاً :

لما لم تعملوا منذ زمن على منحهم حريتهم و لم تعترفوا بهم ؟

لما لم تعطوهم حقهم في سابق العهد ؟

لما أصررتم على الاحتفاظ بهم عنوةً و حاربتموهم طيلة تلك العقود ؟

لما لم تحترموا إرادتهم و تمنحوهم دولتهم عن طيب خاطر ؟

لما أصررتم على نهب خياراتهم و مواردهم ؟

كما أقول للعراقيين خصوصا :

ألم تتعاونوا أنتم مع الأمريكان و تحالفتم معهم ضد حاكمكم صدام حسين من أجل الحصول على حريتكم مدعين رفع الظلم ؟ أم أن الأمر حلال لكم حرام على غيركم ؟

كما أقول للإيرانيين و السوريين و الأتراك عموما :

يكفيكم العزف على هذا الوتر , يكفيكم ظلماً للبشر , ركزوا في اهتماماتكم نحو شعوبكم و مواطنيكم و أعملوا من أجلهم لا من أجل مطامعكم و أهدافكم الشخصية .

و أرجو السلامة و الأمن للجميع و رفع الظلم و نصرة المظلوم أي كان في جميع أنحاء العالم و دون استثناء ,

كما لا يسعني في هذا المقام سوى تفهم الكثير من التحفظات التي يطرحها البعض تخوفاً من الوضع المستقبلي للمنطقة بأسرها , و أرى من الضروري العمل بحكمة و انفتاح من أجل استيعاب الوضع القادم , فعلى دول الجوار التي تدعي الخوف من المشروع الصهيوني أن تعمل بذكاء و حكمة و تمد يد العون و المساعدة للأكراد في تحقيق حلمهم و تطلعاتهم للمستقبل , و بأن يفتحوا لهم الآفاق من أجل تحقيق غاياتهم المشروعة , حينها يسدّوا الفجوة التي تواجههم و يقطعوا الطريق أمام أي أطماع أو مخاوف تعتريهم , فيكسبوا الأكراد في صفهم بدلاً من معاداتهم أو قتالهم الذي لن ينفع أحد و لن يجلب سوى الموت و الدمار ,

و لا يسعني أيضاً سوى طرح بعض الأسئلة على المناهضين لفكرة الانفصال , و السؤال هو لما هذا التشكيك و الخوف ؟ لما كل هذا التهويل و التخوين الذي تعملون على ترسيخه في أذهان عامة الناس ؟ لما كل هذه التعبئة و التجييش ضد الأكراد و وضعهم في خانة الأعداء ؟

هل تعتقدون حقاً بأن الأكراد ينفذون مخططا قذراً بطلبهم لحقوقهم ؟ هل تعتبرون الأكراد بشراً لهم حقوقهم الكاملة ؟

هل تؤمنون حقاً بحرية و كرامة الإنسان ؟ هل تؤمنون بإرادة و رغبة الشعوب ؟

ألا ترون بأن إيران تعمل على مبدأ المذهبية الشيعية الحاكمة المسيطرة و تعمل من أجل الشيعة فقط ؟

ألا ترون بأن تركيا تسعى نحو المذهبية السنية المهيمنة و الحاكمة المسيطرة فقط ؟

ألا ترون بأن تلك الدول الأربعة تعمل ضد الأكراد و تهيمن عليهم و تنصّب نفسها وصياً عليهم ؟

هل تزالون تعملون بمبدأ من لم يكن معنا فهو ضدنا ؟

كيف لكم لا تتقبلون الأخر و لا تحترموه كإنسان ؟

أرجو أن لا ينساق أحدٌ خلف تلك الدعوات و النعرات التي تطلقها الحكومات و يرددها مشايخ و أحزاب تلك الدول ؟

أفيقوا أيها الناس من غيبوبتكم و دافعوا عن الحق حيث كان و لو على أنفسكم , لا تنخدعوا بزيف ما يدعون , فهم يدعونكم للموت و الخراب , فقريبا جداً ستستمعون لدعوات الموت و القتل من على المنابر و باسم الدين و الرب ,

فلولا ظلم تلك الدول الأربعة و أطماعها الذاتية لما ارتمى الأكراد في حضن إسرائيل , فالعيب فيكم حين أقفلتم كل الأبواب في وجههم , فها أنتم اليوم تعتبرونهم خونة و بأنهم مجرد أدوات , و ها أنتم اليوم تكتشفون بأنكم لم تعترفوا بهم يوماً كبشرٍ مثلكم !

و ها أنتم تتخلون عنهم و تعملون على عزلتهم و حصارهم و قتالهم أيضاً , فأي ظلمٍ أكبر من هذا ! و أي منطق تنادون به ؟  

و لنضع سوياً بين أيدينا بعض المقارنات , و نستخلص العبر منها :

أولا مشروع انفصال كتالونيا عن اسبانيا ,

و ثانياً مشروع انفصال اسكتلندا عن بريطانيا ,

هذان نموذجان حاضران في زمننا الحالي , هل ستدعي اسبانيا بأن الكتالونيين ليسو وطنيين و تتهمهم بالعمالة أو التخوين ؟ و هل ستشن حرباً عليهم بسبب اختيارهم و إرادتهم ؟

و هل ستدعي بريطانيا أيضا بأن الاسكتلنديين ليسو وطنيين و تشن عليهم حرب إبادة ؟

هل سيعمل الطرفان على حصار الانفصاليين و تجويعهم و قتالهم ؟

هل سيعتبرون مطالبهم بأنها مخطط مشبوه يهدف للفتنة و يدعو للقتال ؟

هل سيخرجون الانفصاليين من دائرة البشر و الإنسانية و يدعون لإبادتهم و سحقهم ؟

أم أن الأمة التي تدعي الإسلام و تتغنى به هي وحدها تحول كل قضاياها إلى قضية دينية و مذهبية و تعتبرها مفصلية في دينها و وطنيتها و قوميتها !

أرجو أن يستفيق الجميع قبل فوات الأوان . 

اجمالي القراءات 7723