هل يمكن اعتبار الحركة الامازيغية حركة متطرفة كما هو الحال بالنسبة لحركات الاسلام الجهادي ؟

مهدي مالك في الأربعاء ٢٠ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

هل يمكن اعتبار الحركة الامازيغية  حركة متطرفة كما هو الحال بالنسبة لحركات الاسلام الجهادي ؟

 

مقدمة                                                

ان من المؤكد الان ان الامازيغية كايديولوجية اصيلة  للمغرب مازالت تعيش وضعا غامضا بالنظر الى مجموعة من الاسباب الموضوعية مثل دستور 2011 الذي لم يأخذ بعين الاعتبار الترتيب التاريخي للثوابت أي ان المغرب هو بلد امازيغي منذ الازل ..

ان هذا الثابت الاصيل قد اعترف به الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس التاريخي بكل الوضوح و الجراة بمعنى اننا انتقلنا من عهد الى عهد اخر لكن مع وقف التنفيذ منذ الانتخابات المشئومة ليوم 25 نونبر 2011 على المسار الديمقراطي ببلادنا بمعنى ان الشباب الامازيغي عليهم النضال من اجل ترسيخ ايديولوجيتهم السياسية دون انتظار صدقات الاحزاب العروبية و الاسلاموية لاننا وصلنا الى مرحلة اخرى تقتضي فيها العمل السياسي الجاد و المنطلق من تاريخنا و من ثوابتنا الفكرية الحقيقية اي الاسلام الامازيغي ثم العلمانية الاصيلة و الاحترام الواجب للملكية كما اقوله دائما  . .

مدخل عام الى موضوعنا                             

ان التطرف كما نعلم جميعا هو شيء دخيل من المشرق العربي بمعنى انه ليس شيئا اصيلا في بلادنا على الاطلاق حيث يمكننا ان نعطي لمصطلح التطرف ابعاد عميقة  داخل المنظومة السلفية بمفهومها التنظيري و السياسي بحكم ان الاتجاه السلفي اصلا هو اتجاه جامد على كل المستويات و الاصعدة حيث لازال يعرقل مسار التحديث و الاصلاح السياسي في الكثير من البلدان الاسلامية مثل السعودية و قطر الخ من هذه البلدان المتأخرة  في مؤشرات الديمقراطية و حقوق الانسان حيث لم نسمع ابدا ان السعودية قررت السماح بالتداول السلمي على السلطة عبر صناديق الاقتراع بغية ان يعترف الغرب اخيرا ان الاسلام يقبل الديمقراطية و التعددية  اصلا في تاريخنا الاسلامي الحامل لصفحات مشرقة من قبيل صحيفة المدينة التي تعتبر اول وثيقة مدنية في الاسلام أقرت بحقوق يهود المدينة في عهد الرسول الاكرم عليه الصلاة و السلام الخ من هذه الصفحات المشرقة دون ادنى شك .

غير ان الواقع الحالي يؤشر على ان معظم الدول الاسلامية عموما و دول الخليج العربي خصوصا هي بعيدة بالاف من الكيلومترات عن مفاهيم العصر الحديث بسبب سيادة السلفية كفكر يقدس الماضي بكل تفاصيله السياسية و الاخلاقية و يكفر أي اجتهاد و لو من داخل الحضارة الاسلامية العريضة من حيث مذاهبها و هوياتها الثقافية و الحضارية بحكم ان أي مسلم ذو التوجه الحداثي او العلماني لن يقبل الايمان بضرورة العودة الى الوراء من اجل تحقيق النهضة المنشودة عبر مدخل تطبيق الشريعة الاسلامية حسب فهم فقهاء ذوي النزعة الجاهلية بصريح العبارة ....

هل صحيح ان الحركة الامازيغية حركة متطرفة فعلا ؟

يؤسفني حقيقة التصريحات الخطيرة التي صرحت بها السيدة مليكة مزان بصفتها مناضلة امازيغية كردية حيث دعت الى ذبح الاعراب في سابقة خطيرة في تاريخ حركتنا الامازيغية طيلة اكثر من 45 سنة من النضال السلمي ضمن الخطاب العقلاني لم يدعو قط الى طرد العرب من ارضنا الامازيغية او حذف  اللغة العربية من الدستور المغربي بل دعا الى رد الاعتبار لهوية هذه الارض الامازيغية على كل المستويات و الاصعدة ...

ان  أي انسان عليه ان يتميز بالموضوعية بعيدا عن انتماءاته السياسية و الايديولوجية لان الحركة الامازيغية منذ سنة 1967 الى الان لم تؤمن قط بمصطلح التطرف بمختلف اشكاله و اساليبه بل امنت بمصطلح الاختلاف و بمصطلح التعدد اكثر من الحركة الاسلامية المشرقية بالمغرب التي ظلت لعقود من الزمان ترفض أي حديث عن شيء اسمه  الامازيغية باعتبارها تخاف على مشروعها الدخيل من الزوال حيث حاولت ترويج لاقاويل الحركة الوطنية حول الامازيغية من قبيل الظهير البربري و السياسة الفرنسية البربرية الخ من اكاذيب الماضي..

و يعلم جل الشباب الامازيغي  ان هويتنا الاصيلة بكل ابعادها حرمت من حقوقها منذ سنة 1956 من خلال اختزالها في مؤامرة استعمارية حيث  قلت في كتابي  كان من المفروض عندما استقل المغرب عن فرنسا ان يتجه النظام نحو الاعتراف بامازيغية المغرب لاسباب تتعلق بدور الامازيغيين العظيم في ترسيخ الدين الخاتم منذ 14 قرنا حيث كان من المفروض اذا سلمنا بصحة الظهير البربري ان يعتبر النظام ان اجدادنا الكرام لهم الفضل الكبير في انتشار الدين الاسلامي في اكبر وقعة من الارض و ان يعتبر هويتهم لا تتعارض مع الاسلام في كليته باعتبارها تتوفر على بعد ديني ضخم سواء في اللغة و الثقافة و الفنون و الاعراف القانونية الخ من هذه الخصوصيات الظاهرة للعيان..

اذا فرضنا ان الاستعمار الفرنسي قد اصدر الظهير البربري بالفعل لتنصير الامازيغيين و زرع التفرقة بين المغاربة فان من المفروض على دولة الاستقلال ان تعمل في اتجاه تكريم المقاومة الامازيغية الوطنية التي حاربت الاستعماران الفرنسي و الاسباني من خلال العديد من الاشياء كالاحتفال بمعركة انوال كعيد وطني على سبيل المثال او الاعتزاز بامجاد المقاومة الامازيغية في مقرراتنا الدراسية او في وسائل الاعلام الوطني و تخليد اسماء رجال و نساء هذه المقاومة الداخلة في اطار الدفاع عن بيضة الاسلام و عن حوزة الوطن .

و كان من المفروض على دولة الاستقلال ان تفرق بين ما يسمى بالظهير البربري ان كان موجود اصلا و الامازيغيين من خلال جعل لغتهم وسيلة لنشر الخطاب الديني عبر المسجد و التلفزيون المغربي قصد محاربة تنصير الامازيغيين كما يدعي اصحاب اللطيف غير ان هذا لم يحدث إطلاقا طيلة عقود من الزمان لان النظام اتجه نحو الانكار التام لوجود شعب اسمه الشعب الامازيغي و بعده الديني الضخم تحقيقا لسياسة العروبة و الاسلام..

 ان السؤال المطروح بالنسبة لي بعد هذا التذكير هو ما الذي تريده هذه السيدة المناضلة ان صح التعبير من الحركة الامازيغية حيث هل تريد منها ان تصبح حركة مسلحة تقتل اي عربي بريء او مستعرب بريء في المغرب كما تفعله تنظيمات الاسلام الوهابي على طول العالم و عرضه مع الابرياء من مختلف الديانات و الثقافات حيث ان العرف الامازيغي اصلا لا ينص على عقوبة الاعدام على الاطلاق لان اجدادنا الامازيغيين لهم نزعة انسانية لدرجة ان امير المسلمين يوسف بن تاشفين لم يقتل المعتمد بن عباد الاموي بل امر بنفيه الى نواحي اقليم مراكش..

ان الحركة الامازيغية لم تكن يوما ضد العرب كجنس او ضد اللغة العربية بل هي ضد سياسات العرب الهادفة الى تحويل المغرب من بلد امازيغي خالص الى بلد عربي خالص عبر استغلال الاسلام كدين اغلبية الشعب المغربي حيث تم طرح القضية الامازيغية باعتبارها قضية هوياتية سياسية بمعنى ان القضية الامازيغية لم تطرح كقضية عرقية بصفة نهائية بحكم ان الامازيغ ليسوا اقلية في المغرب بل هم اغلبية  حيث اذا طرحت القضية الامازيغية بهذا النحو ستخسر الهوية الامازيغية الشيء الكثير و كذا حركتها السياسية الناشئة لان معركتنا الحقيقية ليست ضد العرب كجنس و كلغة اطلاقا.

و انما ضد سياستهم المسماة بالعربية الاسلامية منذ عهد بني امية الى الان مادام لا يسمح للامازيغيين بتاسيس حزبهم انطلاقا من هويتهم الامازيغية الاسلامية و انطلاقا من ايديولوجيتهم السياسية الاصيلة بمعنى ان هذه التصريحات الخطيرة لهذه السيدة هي مرفوضة وفق المرجعية الدولية لحقوق الانسان و وفق المرجعية الامازيغية لحقوق الانسان كذلك.........

لكن بالمقابل لماذا اعتقلت هذه السيدة تحت ذريعة هذه التصريحات الخطيرة بينما شيوخ السلفية ببلاد حين طالبوا بقتل الناشط الامازيغي احمد عصيد في عدة مناسبات دون ان يعتقلوا و حين طالب احد علماء مدينة  فاس بقتل الاستاذ الحسين جهادي حين اعلن عن ترجمة معاني القران الكريم للغة الامازيغية الخ من سلسلة طويلة من دعوات لقتل الامازيغية كهوية و كانسان منذ سنة 1930 الى الان حيث عندما يقول فقيه ما ان الامازيغية نعرة جاهلية يجب القضاء عليها امام الملا اليوم عبر خطب الجمعة و البرامج الدينية في اعلامنا العمومي دون اية محاسبة من  احد.................

 و حين  يتهم احد شيوخ السلفية ببلادنا بان حركتنا الامازيغية تسعى الى محاربة الاسلام بالمغرب بغية ان تصبح هذه الحركة مطيعة للمشرق العربي من خلال تقديم فروض الطاعة و الولاء لتيارات الاسلام السياسي ببلادنا التي تدافع عن خرافة 12 قرن من تاريخ المغرب الرسمي  او المطلب من  الحركة الامازيغية هو التخلي عن مطالبها الاستراتيجية من قبيل العلمانية الاصيلة كاحد الثوابت التاريخية قبل دخول الاستعمار المسيحي الى ارضنا سنة 1912 او انخراطها في الدفاع عن قضايا شعوب الشرق الاوسط كي تصبح حركة مقبولة من طرف شيوخ الوهابية و القومية العروبية داخل المغرب او خارجه..

ان هذا اليوم لن يصل ابدا لان الحركة الامازيغية هي مغربية الجذور اكثر من الحركة الاسلامية بالف درجة باعتبارها دافعت عن امازيغية المغرب حيث لا احد يطالب بطرد العرب الى الجزيرة العربية او حذف اللغة العربية من الدستور او من المدرسة الخ بدليل ان ادبيات الحركة الامازيغية طيلة اكثر من 20 عام لم تطالب بشيء من القبيل بينما ان تطرف التيار الاسلامي بالمغرب قد وصل الى مداه عندما رفض ترسيم الامازيغية في  دستور 2011 متجاهلا لروح خطاب 9 مارس 2011 و متجاهلا لحقائق التاريخ و فضل تامازيغت في نشر الاسلام في شمال افريقيا و في اوربا الخ من هذه الحقائق التي تم طمسها لخدمة ايديولوجية العروبة و اسلام المخزن بعد سنة 1930 .....

و اختم هذا المقال المتواضع بالقول ان الامازيغية موجودة على ارضها و الامازيغ هم يرمزون الى اصالة هذا الوطن الكريم بكل تفاصيلها الدقيقة بينما ان التيار الاسلامي ليس له اية علاقة بالمغرب كامتداد تاريخي و كاصالة كما شرحته في كتابي الجديد حيث اتكرر اسفي عن تصريحات مليكة مزان الخطيرة لا اقل و لا اكثر  ........

توقيع المهدي مالك                                        

 

 

 

اجمالي القراءات 7400