المدلل .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الأحد ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

إنه اليوم الاول للعيد، الناس في مصر ينتظرون صلاة العيد بشغف، ثم يتبادولون التهاني ويخرجوا للحدائق، والسينما، والمسارح، إنها أيام لا تأتي إلا من عام لعام، وفي أول أيام العيد يخرج الفتى المدلل، والذي يقطن بأحد أحياء القاهرة الراقية، لقضاء صلاة العيد بمسجد بمنطقته.
 
لكن الغثيان يأتي المدلل، بعدما وجد البسطاء يشاركونه صلاة العيد، فأشكالهم، ولكنتهم بالنسبة إليه مقززة، بيد أن نظره يلتفت إلى ثلاثة أطفال، في مرحلة التعليم الأساسي، خرجوا مع بعضهم صحبة واحدة، أعمارهم هي : 13، و12، و11 عام، أمعن الفتى المدلل نظره إليهم، فوجد الوحشية على على وجوههم الصغيرة، حتى إنصرف عنهم، وذهب إلى المقهى الراقي بجوار سكنه، لكن الفقراء إنتشروا في المنطقة الراقية، ويسأل المدلل ربه، أن يرحمه من تلك الأشكال العفنة.
 
حتى جلس على الطاولة الملاصقة لطاولته، الأطفال الثلاثة اللذين لفتوا نظره بعد صلاة العيد، ورأى الوحشية في وجوههم، فيقرر الحديث مع ثلاثتهم، تمهيداً لطلب مغادرتهم المكان، وهنا يبدأ الحوار :
 
المدلل : من أين أنتم ولماذا جئتم إلى هنا ؟
 
الأطفال : نحن من المنطقة الفقيرة المجاورة لمنطقتك الراقية، وجئنا اليوم لنحتفل بالعيد، فمنطقتنا، لا تبدو فيها مظاهر الفرح، لأن الحزن يغلب عليها.
 
المدلل : ولما الحزن ؟
 
 
الاطفال : بسبب الفقر، والحاجة.
 
المدلل : ولماذا لا ترتدون ملابس غير التي عليكم، فهناك ملابس رخيصة، لكنها غير مقززة ؟
 
الأطفال : صدقت، ولكن ملابسنا، أقل سعراً من الملابس الرخيصة، فتلك قُدرة أهلنا، ونحن بهم أعلم، ولا نحملهم فوق طاقتهم.
 
المدلل : وما هي طموحاتكم في الكبر ؟
 
الأطفال : نحن لا نحلُم، لأننا نعلم أن أحلامنا لن تتحقق في بلاد يزداد فيها الغني غنى، ويزداد الفقير فقرا.
 
المدلل : وكم معكم من المال في العيد ؟
 
الأطفال : معنا ما يسقى كل منا شراباً في هذا المقهى الراقي، فإن نفذ شرابنا، سنعود أدراجنا، إلى حينا الفقير، لأن عيدنا هو اليوم الأول فقط، فباقي الأيام لن يكون معنا نقود.
 
المدلل : وهل يعجبكم هذا المقهى ؟
 
الأطفال : نعم يعجبنا.
 
يقوم المدلل بعد الحوار بالنداء على مدير المقهى، ويخبره أمام الأطفال، أنه سيتحمل نفقاتهم لكل أيام العيد، ويطلب من الأطفال الثلاثة، أن يقبلوا عطيته لهم، فيقبلوها، وهم فرحين.
 
يغادر المدلل المكان، ليجد أن المنطقة أصبحت مكتظة بالناس الغريبة أكثر، فينظر في وجوههم فلا يرى فيها إلا البراءة، ليعلم أن الفارق بينه، وبينهم فقط أنه كان مدلل.
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 10248