حين كتبت فى جريدة ( الأحرار ) : ( هناك محاولة لإغتيالى .!!).

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢١ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 حين كتبت فى جريدة ( الأحرار ) : ( هناك محاولة لإغتيالى  .!!).

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية 

الفصل التمهيدى: حين كتبت فى جريدة ( الأحرار ) : ( هناك محاولة لإغتيالى  .!!).

مقدمة :

1 ـ تركت  ( الأحرار ) وانقطعت صلتى بها وبحزب الأحرار ، ماعدا الود القائم بينى وبين بعض المستنيرين هناك ، وفى مقدمتهم الكاتب ( سليم عزوز ) والذى قابلته من قبل لأول مرة فى مكتب الراحل ( فرج فودة ) .

2 ـ بعد تركى ( الأحرار ) ظهر فيها كاتب يسمى نفسه ( ابواسلام ) هو ( أحمد عبد الله ) ، تميز بلحيته الكثّة والمخيفة حسبما سمعت . لم أره ، وقد سعى لمقابلتى وإعتذرت بسبب إنشغالى بالعمل فى مركز ابن خلدون وبالكتابة فى العديد من الصحف وقتها . كلمنى فى التليفون يقترح تخصيص صفحة فى الأحرار تكون مناظرة بينى وبينه فى موضوع القرآن والسُّنّة . ترددتُ فألحّ . قلت له : ( سأكتب مقالا قصيرا جدا ،ولك أن ترد عليه فى الصفحة كلها . ). وافق . بعثت له بمقال قصير جدا جدا ، عنوانه ( سقط سهوا ) ذكرت فيه الآيات القرآنية التى تؤكد أن النبى محمدا لا يعلم الغيب وليس له أن يتكلم فيه ، وهذا يلغى عشرت الألوف من الأحاديث فى البخارى وغيره . لم يرد. أدركت أننى إكتسبت عدوا جديدا .

3 ـ بعدها سقط من ذاكرتى ، ثم قيل لى إن هذا الشخص بدأ سلسلة من المقالات يهاجمنى فيها بقسوة أنا والقرآنيين . حصلت على هذه المقالات فوجدت عجبا . إذ نشرت ( الأحرار ) لهذا الكاتب ( أبو اسلام / أحمد عبد الله ) ــ بداية من يوم 12 أغسطس 1999   ــ سلسلة مقالات ملتهبة تحرّض على القرآنيين  ( وزعيمهم د. احمد صبحي منصور )، واستمرت المقالات ( 23 مقالة ) حتى 3 / 9 /1999 . وكل مقالة تملأ صفحة كاملة مزودة بعناوين كبيرة فى التحريض الصريح على إغتيالى . ومنها مثلا : ( منكرو السنة يعلنون الحرب على عائشة وأبي هريرة والبخاري )( صبحي منصور يعلن الحرب على شيخه الأمريكي )( صبحي منصور يستخدم البلطجة في تأديب خصومه  ) ( الخطط الماسونية التي مارسها منكرو السنة لتحقيق مآربهم في هدم العقيدة الإسلامية .)  ( صفحات سوداء في حياة النبي الكاذب ( يقصد رشاد خليفة ) وصفحات أخرى من حياة نائبه التائه ( يقصد أحمد صبحي منصور ) ( العلاقة الخفية بين رشاد خليفة  وصبحي منصور  ) ( لماذا لم يستدع منصور للسؤال في مقتل خليفة؟ وكيف عاد إلى مصر ؟ ) ( صبحي ورشاد يختلفان في تحديد نزول الوحي عليهما .) ( صبحي ينتقم من المصريين لأنهم تخلوا عنه في سجنه  ) ( رشاد خليفة يصف صبحي بالبطل المجاهد لأنه أول رجل في التاريخ يسب الأزهر الشريف .) ( صبحي منصور يقول  إن أموال رشاد خليفة  لا تعد ولا تحصى.) ( هرب صبحي منصور كلاجئ سياسي بتوجيه من الكونجرس هناك  )( صبحي منصور يترك الطريقة الرفاعية ويزهد في الشبراوية لمحاربة السنة النبوية  ) ( طواف النبي حول الكعبة بدعة شيطانية ..) ( وزوجات النبي إماء وأرمل ومشردات .).

3 ـ خطورة هذا الهجوم هو فى التوقيت . كنت تحت قصف مدفعى مركّز من الاعلام المصرى بسبب مشروع إصلاح التعليم المصرى وما كتبته فى مقترحات فى مادة مادة ( التربية الدينية الاسلامية ). كان واضحا بهذا التوقيت أن هذه المقالات تدعو الى إغتيالى ، فكتبت الرد مقالا تحت عنوان : ( هناك محاولة لاغتيالي.!! ). ونشرت ( الأحرار)  الرد الذى بعثته لهم بتاريخ : 4 / 9 / 1999 / 24 من جمادى الأولى 1420 هـجرية : وكتبت ( الأحرار ) مقدمة تقول : ( تلقت "الأحرار "هذا الرد من الدكتور احمد صبحي منصور . وإيماناً منا بحق الرد وتأكيداً منا على أننا لا نرى ضرراً في عرض جميع وجهات النظر والآراء المختلفة حيث أن هذا هو دور" الأحرار " ورسالتها .. فإننا ننشر رده كاملاً. )  .  

4 ـ أنشر الرد هنا لأول مرة بعد 18 عاما .

( الرد بقلم أحمد صبحى منصور : 

( هناك محاولة لاغتيالي )

( خصومي يقدسون البشر وينظرون للبخاري على انه معصوم من الخطأ )

مقدمة :

1 ـ فيما تنشره الأحرارمن آراء خصومي عني أرى اتهامات كاذبة وتصوير لشخصية لا أعرفها عن نفسي ، وأتعجب كيف يجرؤون على الكذب علي وأنا مازلت  حياً أرزق، وأتعجب أكثر حين يفترون هذه الأكاذيب على كاتب ومؤلف له مؤلفاته في الكتب والمقالات والأبحاث وكان يمكنهم لو وجدوا ثغرة في مؤلفاته، أن يذكروها بالصفحة والكتاب ثم يردون عليها دون الحاجة إلى افتراء الروايات وصناعة الاتهامات.

2 ـ ولهذا ألحّ علي كثيرون أن أرفع قضايا عليهم وعلى الأحرار، لأنهم يرون أن هذه المقالات قد دخلت منعطفاً خطيراً، وهو اغتيال الشخصية معنويا ،وهو الذي يمهد لاغتيالها الجسدي والمادي ،  ويرون وجوب تقديم بلاغ للنائب العام بهذا المعنى ، ويرون سكوتي عن الرد القانوني والقضائي يشجعهم على المزيد.

3 ـ وكان موقفي ــ ولا يزال  ــ هو الإعراض عنهم مع التمسك بما أؤمن به من الحق القرآني ، وذلك الاتباع الحقيقي للقرآن العظيم الذي يأمر بالإعراض عمن يُكذب بالقرآن، وانتظار الحكم الإلهي يوم القيامة ، بل ان يقترن الإعراض عنهم بالصفح والغفران إلى أن يحكم بيننا رب العزة بما نحن فيه مختلفون : ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 89 الزخرف ) (  وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ 85 ) الحجر) .

4 ـ إن كل إنسان منا يُولد وقد اصطحب معه كتاب أعماله أبيض نقياً ،  ثم يحمل على كاهله هذا الكتاب ليملأه بما يطير عنه من أقول وأعمال ، إلى ان تنتهي حياته الدنيوية بالموت ، ثم سيأتي يوم القيامة للقاء المولى جل وعلا، وهو يحمل كتاب أعماله وقد اصطحبه اثنان من الملائكة ، كانا في الدنيا "رقيب وعتيد" ثم يصبحان في الآخرة " سائق وشهيد ".  فإن كان كتاب أعماله خيراً فهذه هي شفاعته ونجاته من النار وإن كانت أعماله شرا وأحاطت به خطيئته فقد خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين. وهكذا ففي سبيل أن أنجو بنفسي يوم الفزع الأكبر يوم الحساب  ــ فإنني على استعداد للصفح والغفران لكل من أساء ويسئ لي ، وغاية ما أتمناه أن أخرج من اختبار هذه الحياة الدنيا مظلوماً وليس ظالماً ، تائباً وليس مصراً على معصية ، مؤمناً بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الاخر . وكل ما في هذه الدنيا من نعمة ونقمة ومنحة ومحنة لا يساوي شيئاً امام لحظة نعيم في الجنة أو برهة عذاب في النار .

5 ـ هذه هي القضية الحقيقية .. ومن هنا فليست القضية هي شخص أحمد صبحي منصور الذي يفخر بإيمانه بالله تعالى ورسوله وكتابه واليوم الآخر، ولكن القضية الحقيقية قضية دين ظلمه أصحابه والمنتسبون إليه، قضية الإسلام الذي بدأ غريباُ ثم أصبح بين أهله غريباً ، وعندما تصديت لقياس الفجوة  بين الإسلام وفكر المسلمين وتاريخهم وواقعهم  انهالت على الإسلام منذ 1977 وحتى الآن . وكلها تعزف على وتيرة واحدة ذات ملامح محددة سواء قالها الشيوخ الكبار أو رددها بعض العوام من القرآء .

أولا : عقلية الخصوم :التقديس والتقديس المعكوس

1 ـ وأتوقف قليلا لتحليل عقلية الخصوم من خلال هجومهم . فهي عقلية تقدس البشر من الأئمة والعلماء ، وترسم صورة للنبي صلى الله عليه وسلم تخالف القرآن الكريم . وتقديس البشر أو عبادة الأبطال له دائماً جانبان : تقديس لبشر يمثل الخير عندهم ، وتقديس آخر لبشر يعتبرونه ممثلاً للشر ، ترى هذا في عقيدة المصريين القدماء "أوزوريس  ممثل الخير ، ست ممثل الشر "  وفي عقائد الفرس "إله النور واله الظلام ". وحملت بعض العقائد الصوفية والشيعية منذ القرن الثالث الهجري نفس الأفكار. وأرى انعكاسا لذلك في كتابات خصومي عني .

2 ـ فهم مثلا يقدسون البخاري ويعتبرونه معصوماً من الخطأ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فإذا تجرأ باحث على نقد البخاري وتوضيح نقائصه فلابد أن يكون هذا الباحث الجسور من عينة أخرى طالما تسامى إلى درجة البخاري وعامله معاملة الند للند ، ومن هنا يحوز هذا الباحث على نوع آخر من التقديس ،هو التقديس المضاد أو أسطورة اله  الخير واله الشر،  وهكذا فكما يتم التهويل في شخصية البخاري أو شخصية البدوي فإن تهويلا مضاداً يتم في حق أحمد صبحي منصور الذي انتقد البخاري والسيد البدوي ، وتتم صياغة روايات أكاذيب من نوعية أخرى يتحول بها شخصي  الضعيف إلى شيطان مريد . ولكي تكتمل الصورة فلابد من تصوير مؤامرة خارجية بالطبع حتى يتربع شخصي الضعيف فوق  تبة عالية لتكون رأسه مساوية رأس البخاري أو السيد البدوي ، وهذه التبه الصخرية ليست سوى خرافات وأساطير صنعوها من قبل للبخاي وصدقوها ، ثم صنعها المعاصرون لشخصي الضعيف وصدقوها أيضاً ، ويترتب على ذلك بالتالي ان يصيبهم الفزع الشديد مما يخترعون من أساطير ويصدقونها، وهو فزع يذكرنا بفزع الملأ من قريش حين نزل القرآن على خاتم النبيين عليهم وسلم ، فتواعدوا على التمسك بآلهتهم المزعزمة : ( وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ۖ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ 8 ) ص ).

3 ـ وهذا الفزع في حد ذاته مثير للضحك . فهم المتحكمون في الأزهر والأوقاف والحكومة والمنابر والمساجد والتعليم والإعلام الشعبي والرسمي ،ومعهم كل الأجهزة وملايين الدعاة والشيوخ والعوام في داخل مصر وخارجها ،ومع هذا يفزعون من صوت وحيد خافت محكوم عليه بالمصادرة قبل النطق ، ويتعرض للتشويه والاغتيال المعنوي والجسدي..فإذا صدر عنه قول أو مقالة أسرعت كل الصحف وكل المنابر والإذاعات والشاشات والندوات لترد عليه لتقول نفس الكلام ، وتردد نفس الحجج وتهاجم نفس الشخص ،دون أن تفكر في دعوته لمناظرة حرة مفتوحة ، أو أن تعطيه عشر معشار ما لديهم من إمكانات.!. ولكن هذا الفزع غير المنطقي يعطي فكرة عن نوعية التقديس المعكوس للشخصية الوهمية التي رسموها من خيالهم عني ..

ثانيا : أمثلة للتقديس المعكوس

وأعطي بعض الأمثلة لما سبق :

1ـ أثناء عرض رسالتي للدكتوراه للمناقشة وللأزمة التي ثارت حولها ، سنة 1997  حتى سنة 1980 . وقف ضدي الشيوخ مستنكرين كيف أهاجم أولياء التصوف المقدسين ، وأشاعوا أنني مدفوع من جهات أجنبية ،إذ كيف أجرؤ على ذلك دون دعم خارجي ، وصدقوا ذلك ، وكان بإمكانهم ببساطة شديدة كتابة ورقة يقول فيها المشرف إنني لا أصلح  باحثاً وينتهي أمري من مدرس مساعد إلى أعمال إدارية في الكلية ، ولكنهم لخوفهم من الجهات الأجنبية المزعومة خافوا من كتابة هذه الورقة .

2ـ وفي الأزمة الثانية التي انتهت باستقالتي من الجامعة 1985 ـ 1987 أشاعوا أن الجهات الأجنبية إياها تدعمني بأموال ،وقدموا شكوى ضدي للكسب غير المشروع ، وذهبوا إلى بلدتي بالشرقية بعد أن راجعوا كل البنوك فاكتشفوا أنني لا أملك شيئاً من حطام الدنيا ، ولذلك فإن الشيخ عبدالجليل شلبي الذي كتب مراراً بالجمهورية يتهمني بالتمويل الأجنبي كتب أخيراً يقول " وبلغنا ان الأموال التي له في البنوك لم يتسلمها ..والله أعلم .." وحتى الآن فليس لي أي رصيد في أي بنك والحمدلله رب العالمين .

3ـ وهناك قارئ للأحرار بدأ يكتب في الرسائل يسبني ويشتمني فاكتسب شهرة ، ولا يزال حتى الآن يكتب الصفحات في شتمي ، ومع أنه وهب حياته يطوف ويدور حولي بالسب والشتم فإنني لم ولن أرد عليه او أهتم به ، ولكن ما معنى أن يتفرغ إنسان لتقديس أو لعن إنسان مثله ؟ أليس هذا نوعاً من التقديس والتقديس المعكوس ؟ خصوصاً وان من يقدسه وهو البخاري ومن يلعنه  لا يهتم به واحد منهما ؟

4ـ وما ينطبق على ذلك القارئ ينطبق أيضاً على كبار الشيوخ ، وبعضهم أصابه وسواس قهري يخيل إليه أنني أختبئ خلف كل ركن مظلم ، فإذا ظهرت مقالة لأي شخص اعتبروني وراء الموضوع ، ولا يفطن إلى أنني حركت فقط عجلة التفكير فتحرك العقل نحو البحث فيما كان ممنوعاً  الاقتراب منه ، وأصبح الكثيرون حتى من  داخل الأزهر يرددون ما كنت أقوله من عشر سنوات وأكثر .

5ـ والعجب أن الاتفاق العقلي بين الشيوخ وأتباعهم يظهر حتى  في طريقة القراءة المغلوطة لما أكتبه وأعطي مثالاً .. فقد أحالوني لمجلس التأديب سنة 1985 متهماً بإنكار العصمة المطلقة للنبي والشفاعة العظمى وإنكار القول بأن محمدً عليه السلام هو أفضل الأنبياء . ثم بعد أن قدمت استقالتي ورفضوها رفعت ضدهم دعوة في مجلس الدولة لإرغامهم على قبول الاستقالة  فاضطروا لإصدار قرار العزل لمن قدم استقالته فعلاً ، واحتوى قرار العزل على تهم مفتراة لم ترد من قبل، ومنها أنني أدافع عن مسيلمة الكذاب ، وأصل الحكاية أنني في أحد كتبي الخمسة التي حوكمت بسببها سنة 1985 وهو كتاب " العالم الإسلامي بين عصر الخلفاء الراشدين وعصر الخلفاء العباسين كنت أقيس الفجوة بين تدين المسلمين في العصر الزاهر  والعصرين العباسي والمملوكي .. فعقدت مقارنة بين مسيلمة الكذاب في القرن الأول الهجري والشيخ إبراهيم الدسوقي في القرن السابع الهجري ، وأثبت أن مسيلمة كان  كذاباً صغيراً حين ادعى النبوة فقط ،أما إبراهيم الدسوقي  في كتابه " الجوهرة " فقد ادعى الألوهية ، ومع ذلك فقط اعتبروا مسيلمة كذاباً لأنه ظهر في عصر قوة الإسلام ولكن اعتبروا إبراهيم الدسوقي شيخاً معصوما من الخطأ حين اتسعت الفجوة بين الإسلام والمسلمين ..و طبعا أتيت بالشواهد .. ولكن اللجنة الموقرة التي تقدس إبراهيم الدسوقي تجاهلت كل ما قلته عنه وادعت أنني أدافع عن مسيلمة الكذاب !

ونفس القراءة المغلوطة لما أكتب تراها أيضاً لدى قارئ الأحرارالذي تحول إلى كاتب متخصص في السب والشتم .. ففي مشروع التعليم المقترح كتبت في مادة التربية الدينية حواراً بين الأستاذ والتلاميذ حول قوله جل وعلا  : (  وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ 36 ) النساء" والغرض من الحوار هو تعليم التلميذ الابتدائي معنى الإحسان  في الإسلام للوالدين والأقارب واليتامى والمساكين والجيران والأصحاب وأبناء السبيل وما ملكت أيمانكم ، وجاء في الحوار سؤال لتلميذ عن معنى الإحسان إلى ما ملكت أيمانكم فهل يكون الشرح لتلميذ الابتدائي بالدخول في قضية الرقيق وملك اليمين أم باستنتاج  عقلي معاصر ؟ لذلك قلت بالنص على معنى الإحسان لما ملكت أيمانكم" معناها الآن الإحسان إلى ما تملكه من الحيوانات الأليفة " أي الرفق بالحيوان . أما الذي فعله قارئ الأحرار فهو غاية العجب إذ اتهمني بالدعوة للفجور والشذوذ مع الحيوانات الأليفة .!. ويحرص على تكرار هذا الاتهام على صفحات الأحرار ..وهنيئاً له ما يملأ به كتاب أعماله ..وموعدنا أمام الله تعالى يوم الحساب .

6 ـ  ليس هناك إنسان معصوم . كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون ، إلا أن الذين يقدسون  البشر يتجاهلون هذه الحقيقة ، ويحتاجون في نفس الوقت إلى تكملة المعادلة بالتقديس المعكوس ، يحدث ذلك في الفكر الديني كما يحدث في الفكر السياسي ، فالحاكم المستبد يتحول بالنفاق إلى زعيم ملهم معصوم ، فإذا مات تحول النفاق للحاكم الجديد إلى إعتبار الحاكم السابق شيطانا مريدا. ولو أنصفنا لكان التعامل الموضوعي أفضل في الفكر الديني ، والفكر السياسي.

7 ـ وفي النهاية ، فقد حولوها إلى قضية شخصية ، مع أنني طبقا لتمسكي بالقرآن الكريم لا أفرض نفسي على أحد ، ولا أفرض فكري على أحد ، ودائما ما أتجاهل الرد على خصومي إلا اضطررت لذلك اضطرارا ، وأحاول دائماً ألا أقع في التكفير ، مع أن خصومي يعلنون تكذيبهم للآيات القرآنية التي دائما ً استشهد بها . ومن هنا يكون الأسهل عليهم الهجوم الشخصي والاتهامات الكاذبة . وعلى أية حال فإن الموضوع الذي بيني وبينهم هو اختلاف في العقائد .

ثالثا : عقيدة الخصوم

1 ـ لا أقصد مطلقاً اتهام أحد بالكفر ، وإنما مجرد التوضيح والعظة والاعتبار ..  

2 ـ إن عقيدتهم تتركز في تقديس الأئمة خصوصاً البخاري واعتبار البخاري إلها معصوماً من الخطأ وما يقوله هو السنة ، وإذا تعارض حديث واحد في البخاري  مع عشرات الآيات القرآنية تمسكوا بحديث البخاري وأعلنوا انحيازهم له ، وبالتالي يكذبون بالقرآن، وترى ذلك في امثلة كثيرة ، منها قضية الشفاعة وعلم النبي بالغيب .

3 ـ وهم يعتبرون ذلك التدين القائم على تقديس الأئمة هو ثوابت الدين ، ويتهمونني بإنكار ثوابت الدين ، وقد كانت  للعرب الجاهلين ثوابتهم في الدين التي باعدت بينهم وبين ملة إبراهيم عليه السلام ، وحين نزل القرآن الكريم يؤكد ما تناساه العرب من ملة إبراهيم احتج الملأ القرشى بأن ذلك ما وجدوا عليه آباءهم من ثوابت ، ورد عليهم رب العزة فى القرآن يدعوهم إلى الاحتكام  إلى القرآن الكريم في هذه الثوابت : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ 170 البقرة" اقرأ أيضا المائدة 104 ، لقمان 21 ، الزخرف 22، 23 .. وبعد نزول القرآن في عصور لاحقة بدأ تدين المسلمين يبتعد عن القرآن العظيم ،  وتفرق المسلمون في دينهم إلى شيع وأحزاب ، كل حزب بما لديهم فرحون ، وتناسوا تحذيرات رب العزة ، من التمسك بالقرآن صراط الله المستقيم "اقرأ الأنعام 153 ـ 159، الروم 31 ، 32 ،ثم أضفوا على ذلك التدين قدسية زائفة عندما نسبوه للنبي عليه الصلاة والسلام تحت دعوى أنه سنة أو نسبوه للنبي وآل البيت من الشيعة أو تركو الإسناد و جعلوا الولي يأخذ الوحي مباشرة من الله بزعم العلم اللدني عند الصوفية، وعندمت اكتسب ذلك التدين مرجعية دينية أصبح من الثوابت في عقول الناس ، وبنفس القدر أصبح القرآن مهجوراً وصار الاحتكام للقرآن العظيم في هذا التدين هجوماً على الثوابت وإنكاراً للمعلوم من الدين بالضرورة وأضحى ردة عن الإسلام. وتلك هي المهزلة ، فالله تعالى أنزل الكتاب بالحق والميزان "الشورى 17 " وأمرنا بالاحتكام إليه عند أي اختلاف  : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ )  114 الأنعام"، "﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ 10 الشورى" فكيف يكون الاحتكام للقرآن ردة على الإسلام ؟ .

4 ـ حقيقة الأمر أن أولئك الأئمة بشر يخطئون ويصيبون ، ولم يدّع أحدهم العصمة وإنما زعمها لهم المقلدون فيما بعد ،وما كتبه أؤلئك الأئمة  مجرد وجهات نظر واجتهاد بشري يدخل في دائرة الفكر الديني وليس من الدين مطلقا . وأرى أن هذا الفكرالديني البشري صادق في التعبيرعن أصحابه وعن ظروفهم الزمانية والمكانية،  ولا يخلو من صواب ولا من خطأ وكل ذلك في إطار الحقائق النسبية. ولكن ما أستنكره هو نسبة ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام بعد موت النبي بقرون ؛ فالبخاري مثلا متوفي سنة 256 هـ بينه وبين النبي سنة أجيال فإذا صدقناه في نقله عن شيوخه الذين يعيشون عصره فهل نصدقه في عن الموتى من الأجيال السابقة بينه وبين النبي في العصرين  العباسي والأموي  ثم الصحابة إلى النبي  عليه السلام ؟ أم أنه يا ترى  كان يسافر عبر الزمان ليلتقي بالموتى ويأخذ عنهم ؟.  إن الإسناد عبر رواة موتى وتدوين روايات عنهم لا يدرون عنها شيئاً ــ هذا الإسناد يخالف المنهج العلمي ويخالف المنطق القرآني. وهذا موضوع قد حققناه علمياً وكوفئنا عليه كالعادة بالمزيد من السب والشتم ..

5 ــ واعتبار ذلك التراث الذي كتبه البخاري وغيره ديناً أو جزءاً من الإسلام يوقع المتمسكين بالبخاري في مشكلة ضخمة.  فإذا كان الإسلام قد اكتمل بنزول القرآن "﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً 3 ) المائدة﴾ فإن ذلك التراث ليس جزءا من الإسلام طالما اكتمل الإسلام بنزول القرآن وموت النبي عليه السلام . فإذا اعتبروه مع ذلك جزءاً من الدين فإنهم يتهمون النبي عليه السلام بأنه لم يبلغ ذلك الجزء ولم يكتبه أسوة بالقرآن ، بل تركه للبخاري وغيره يكتبه في العصر العباسي . إلا أنني أؤمن بأن النبي محمدا عليه السلام قد بلّغ الرسالة كاملة ، وهي القرآن وهي الدين الإسلامي . وما كتبوه فيما بعد عنه من سير وأخبار وروايات ليست من الدين في شيء ، وإنما هي فكر ديني اختلفوا فيه ونختلف  نحن أيضاً فيه ، ولكن ليست له قدسية على الإطلاق ، لأن الله تعالى هو صاحب الدين ، وهو الذي أنزل الكتاب ، وهو الذي سيحاسبني وسيحاسب النبي والبشر جميعاً يوم القيامة طبقاً لتمسكي بهذا الكتاب. أما البخارى وغيره فليسوا آلهة مع الله تعالى ، وهم أبناء لعصرهم اجتهدوا له ومن واجبي أن أجتهد لعصري ،وكلنا يخطئ ويصيب ،  بل إن التراكم العلمي يعطي اليوم فرصة لأي باحث لأن يكون أكثر علماً من البخاري ،  ليس بالتراكم العلمي والمعرفى فقط ، بل بسهولة الحصول على العلم ومبتكرات الثورة العلمية والمعلوماتية التي توفر الجهد والوقت ، وكلها تقربنا أكثر من التعرف على عظمة الخالق  جل وعلا ، ومن التعرف على الحقائق العمية في القرآن  التي انشغل عنها الأئمة والروايات الكاذبة، انشغلوا بها عن القرآن العظيم .

6 ـ إن أحاديث البخاري لا تخلو من طعن في النبي عليه الصلاة والسلام ، ونتحداكم أن تنشروا لنا مقالات  في هذا الشان ، وكتاب البخاري موجود .. وتعالوا نقرأ .. فهل تقبلون هذا التحدي ؟

7 ــ إلا أنه بوجه عام فإن موضوع الأحاديث التي نسبوها في العصر العباسي للنبي عليه السلام تتركز أساساً في ثلاثة محاور ،الغيبيات والتشريعات والأخلاق ،وهي ما يعرف بالترغيب والترهيب .. كلها تناقض القرآن الكريم ، فالنبي عليه السلام لا يعلم الغيب ، ومع ذلك أسندوا له أحاديث في غيوب الماضي والحاضر والمستقبل وعلامات الساعة والشفاعة وغيرها .. وإذا راجعت في القرآن كلمة ( يسألونك ) تأكدت من أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن  مسموحاً له أن يجيب عن أي سؤال حتى لو كان يعرف الإجابة وقد كتبنا كثيراً في هذا الموضوع ، أما احاديث الترغيب والترهيب فيه إذا اتفقت مع القرآن فلا بأس بها باعتبارها فكرا بشريا وليست دينا أى مقطوعة الصلة بالنبى عليه السلام ، إلا أن فيها الكثير مما يخالف القرآن ، علاوة على أنها كانت موطأ قدم للتصوف والخرافات ومعظمها كان له تأثير عكسي على الأخلاق ، حين ركزت على التدين السطحي وجعلت دخول الجنة متاحا بمجرد فعل أو قول عرضي ، وبذلك أضاعت قيمة التقوى التي تعني دوام التمسك بالحق والصبر طيلة العمر خشية الحساب يوم الدين .

رابعا : الرد على أدلة الخصوم:

والذين يعتبرون تراث البخاري وغيره ديناً لهم أدلتهم التي نحاول الرد سريعاً عليها ..

1ـ فهم يعتبرونها " سنة الرسول " ومفهوم السنة في القرآن يأتي بمعنى المنهاج أو بمعنى الشرع الإلهي  الذي يلتزم به النبي : ( مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا 38 الأحزاب )  إذن سنة الله هي شرع الله تعالى في القرآن الذي أمر الله تعالى النبي بالتمسك به : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ 44 الزخرف ". والنبي عليه السلام كان يحكم بالقرآن  "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ 49 المائدة" وكان متبعاً للقرآن "قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ 9 الأحقاف " وكان لا يحتكم إلا للقرآن " (  أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا 114 الأنعام . ) ولم يكن اجتهاده عليه السلام إلا تطبيقاً للنص القرآني ، وهذا هو معنى التعليم في قوله تعالى : (  هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ2  )الجمعة ). وهذا الاجتهاد في التطبيق محكوم بظروف العصر ، وبهذا يعلو القرآن على كل زمان ومكان ، وعلى سبيل المثال قوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) كان يطبقه النبي صلى الله عليه وسلم بإمكانيات عصره من السيف والرمح ونحن نطبقها بأحدث ما نستطيع من التكنولوجيا ، والنبي عليه السلام كان قدوة للمؤمنين في عصره في تطبيق سنة الله وشرعه ..  ولذلك قال تعالى للمؤمنين بعد غزوة الأحزاب : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ 21 ) الأحزاب ) . لم يقل  "سنة حسنة " لأن السنة هي سنة الله وشرعه ، وهي التي يقتدي المؤمنون بتطبيق النبي لها .

2 ـ يقول العلماء أن السُّنة نوعان : سُّنة فعلية عملية وهي الصلاة والعبادات ، وسُّنة قولية وهي الروايات المكتوبة في العصر العباسي وما بعده .

وأقول ان السنة هي شرع الله تعالى الذي جاء في القرآن من عبادات ومعاملات وعقائد ، ومنها العملي مثل إقامة الصلاة ومنها القولي ، وهي كل ما جاء في القرآن الكريم بعد كلمة "قل" .  أما ما كتبه البخاري فهي وجهة نظره في النبي والسنة والإسلام نسبها للنبى بعد موت النبى بقرنين بإسناد مصنوع . وعموما فهى وجهات نظر لأصحابها نسبوها للنبى كى تكتسب مصداقية . وهذا هو إجتهادهم البشرى . وكل مصادر التراث اجتهاد يخطئ ويصيب وليس ديناً ، وليست سنة النبي الحقيقية .

3ـ وقد اعتبروا سنة البخاري هي الحكمة التي يذكرها القرآن مصاحبة للكتاب في قوله تعالى ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ، ولكن الحكمة هي الكتاب وهي القرآن في الحكمة تأتي مرادفا للكتاب بمعنى التوراة والإنجيل( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإنجيل " آل عمران 48) ( وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"110 المائدة ) أي أن عيسى عليه السلام عندما تعلم الإنجيل فقد تعلم الكتاب والحكمة ، أي أن الحكمة لعيسى هي الإنجيل ، ولذلك قال تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ" الزخرف 63  ).  ونفس الحال مع القرآن الذي هو (  كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير "هود1 ) ( وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ"الرعد 37  ) وكانت تشريعاته هي الحكمة ، فقد جاءت تشريعات سورة الإسراء من قوله تعالى  : ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ...) " وما بعدها ، ثم قال تعالى بعدها  : ( ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ"الإسراء 39 ) . ولأن الحكمة هي الكتاب ولأنهما شيء واحد فإن الضمير يرجع إليهما بالمفرد يقول تعالى " ( وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ" البقرة 231  ) لم يقل يعظكم بهما، لأن الكتاب هو الحكمة هو الفرقان هو القرآن وكلها مفاهيم مترادفة للذكر الحكيم .

4ـ ويجعلون طاعة البخاري في أحاديثه هي طاعة الرسول . ونتعلم من النسق القرآني أن مفهوم النبي يخص شخصه وتعاملاته في عصره ، اما مفهوم الرسول عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو يختص بتبليغه للرسالة ، ومن هنا يأتي العتاب له بصفته النبي  : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ )  الأحزاب1  ) ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ التحريم1  )، بينما لا يأتي الأمر بالطاعة إلا لله تعالى ورسوله ، أي الرسالة ، أو حين يبلغها ويطبق نصوصها .. ومن هنا نفهم قوله تعالى عن الفئ  : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا " الحشر7 ) واقرأ ما قبلها وما بعدها تجد الحديث عن الفيئ ومستحقيه والطامعين بغير حق فيه .

وعموما فإنه إذا كان للنبي مفهوم واحد في القرآن ، فإن كلمة الرسول تأتي  في القرآن بعدة معاني ، منها الرسول الذي يحمل رسالة من بشر إلى بشر ، أو البسطجي " سورة يوسف 50"  ومنها الرسول النبي الذي يحمل رسالة الله تعالى لقومه ، وهذا ينطبق على كل الأنبياء المرسلين وخاتم النبيين محمد عليهم جميعاً السلام ، ومنها الرسل الملائكة ، وهم أنواع ملائكة الموت : (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ" الأعراف37 ) وملائكة كتابة الأعمال : (  بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ" الزخرف 80 ) وجبريل رسول الوحي الذي ينزل به : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين" 20 التكوير) ، لذلك يقول تعالى عن رسله من الملائكة والبشر : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ" الحج 75 )،  ثم يأتي الرسول بمعنى الرسالة السماوية  ليدل عليها حين ينطقها النبي في حياته أو تكون الرسالة هي الرسول بعد موت النبي ، واقرأ في ذلك قوله تعالى : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ"آل عمران 101 ) ، ومن هنا فإن الله تعالى أرسل خاتم النبيين برسالة القرآن رحمة للعالمين ، منذ عصره الى قيام الساعة. وهو بشر محكوم عليه بمحدودية الزمان والمكان ، ولكن القرآن المحفوظ إلى قيام الساعة هو الرسالة التي تظل تحمل الرحمة للعالمين في كل زمان ومكان . ومن هنا يأتي أحيانا الرسول بمعنى كلام الله تعالى القرآن وحده يقول تعالى  : ( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" الفتح 9 ) فالرسول هنا هو كلام الله تعالى صفة من صفاته، ولذلك أتى الضمير بالمفرد ، لأن التسبيح لا يكون إلا لله تعالى وامتثالاً لأوامره في كتابه ، أو رسوله .

5 ــ ولذلك يأتي القرآن بكل ما للرحمن من تنزيه وتقديس جل وعلا وهو ما غفل عنه أولئك الخصوم تهاوناً بحق المولى جل وعلا .. ونستعرض بعض الآيات الكريمة ..

5 / 1 : فالإيمان لا يكون بحديث آخر غير القرآن . وهذا معنى قوله تعالى في آيتين : (  فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون ) ( المرسلات 50 الأعرافَ 185  ) ولكن المهم هنا أن الله تعالى يجعل الإيمان به وحده قرينا ً بالإيمان بالقرآن وحده حديثاً  : ( تلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ " الجاثية 6 ) .

5 / 2 : والله تعالى  ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ) الشورى 11 ) والقرآن أيضا ليس كمثله شيء، بل إن الله تعالى تحدى الجن والإنس على أن يأتوا بمثله : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" الإسراء 88  ) . وقد ردوا على هذا الحق الإلهي بأكذوبة تقول : ( أوتيت القرآن ومثله معه ).!!  فهل للقرآن مثيل ؟ . ومهما جئتم لهم بآيات القرآن  ردا على هذا الحديث الكاذب الذى جاء فى البخارى فلن يتركوا ذلك الحديث المفترى تقديسا للبخارى .!!. ويكفي في وصف حالهم هذا  قوله تعالى : ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا"46 الإسراء ) ، وتأمل قوله تعالى "وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ " أي أن كلمة وحده ترجع على الله تعالى وحده أو القرآن وحده.. فإذا فعلت ذلك وتركت أحاديثهم ولوا على أدبارهم نفورا.

5 / 3 : واقرأ قوله تعالى عن ذاته جل وعلا  : ( مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ) ثم اقرأ الآية التالية يتحدث فيها رب العزة عن كتابه : (  وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا" 27 الإسراء ) فالله تعالى هو الولي الذي لا شريك له في ملكه ، والقرآن هو وحده الذي لا تجد غيره ملجأ ولا تبديل لكلماته . وهذا ما أمر الله تعالى خاتم النبيين ، فقد أمره أن يعلن  أنه لايجد غير الله تعالى ملتحدا : ( قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدً" الجن22  ) وقال له أيضا عن القرآن  : ( وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا . ) . وهذه هي السنة الحقيقية للنبي ، القرآن .. وكفى .. أما الآخرون فلهم أحاديث أخرى بؤمنون بها ، ومن أجلها يكذبون بآيات الله تعالى .

6ـ ويقولون أن سنة البخاري وغيره هي الذكر المقصود بقوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" النحل 44 ) ، أو أن السنة (البخارية ) هي التي تبين الذكر أي القرآن . وهم بذلك يقطعون الآية عن السياق. تعالوا نقرأ الآية قبلها  : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. )  فالله تعالى يتحدث عن الذين أوتوا الكتاب قبل القرآن ، ويوضح أن الذكر أي القرآن هو الذي يبين لهم ما أُنزل إليهم من كتب ثم قاموا بتحريف بعضها . لذلك عليهم أن يرجعوا إلى القرآن ليحتكموا إليه في خلافاتهم, وفى هذا يقول تعالى  : ( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" النمل 76 )  بل إن نفس السورة كررت نفس المعنى  : ( تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"64 النحل ) ،إذن فكلمة الناس في قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ  )  مقصود بها أهل الكتاب. وفي النسق القرآني تأتي كلمة الناس لتوضيح نوعية البشر المقصودين، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ "آل عمران 173 ) والمهم إن الآية تتحدث عن دور القرآن في تبيين ما أنزل لأهل الكتاب .

والخلاصة

1 ـ أن الذكر هو القرآن: (" ص والقرآن ذي الذكر  ) ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " 9 الحجر ) ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 42 الشورى ".)

2 ـ والقرآن هو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى باتباعه وحده وألا نتبع السبل  : (  وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ  وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" 153الأنعام  ) ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ  صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ"(الزخرف44  )   ( وهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ۗ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍۢ يَذَّكَّرُون 127الأنعام ) .  ومن هنا ندعو الله تعالى في كل ركعة صلاة قائلين : ( اهدنا الصرط المستقيم . ) .

3 ـ ولكن الذي حدث ان ابتعدنا عن الصراط المستقيم واتبعنا سبلاً كثيرة معوجة في سلاسل الروايات وفي سلاسل التصوف والتشيع .وهم يقدسون هذه الأساطير ، مع أن الله تعالى يقول : ( اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ" 3 الأعراف .)

4 ـ وما أنزله الله تعالى على النبي عليه الصلاة والسلام كان سور القرآن الكريم فقط ، يقول تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 23 البقرة) وليس هناك سور إلا فى القرآن فقط .وسور القرآن عددها 114  . لها بداية ونهاية ، وتنقسم إلى آيات ، وقد حفظها الله تعالى حجة على  العالمين إلى قيام الساعة . وفي مقابل هذا التحديد الصارم نجد المسلمين قد اختاروا لهم عناوين ضخمة قدسوها وأسفارا مقدسة لا أول لها ولا آخر ، وفيها كل الاختلاف والتهافت والخرافة ..فأيهما الأيسر على الناس ، كتاب إلهي محكم محدد جعله الله تعالى ميزاناً للدنيا والآخرة ، وصفه فقال : ( "اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ  )  17الشورى)  ومن السهل أن ترجع إليه و تحتكم إليه وأن تفهمه بما يوصلك للهداية طالما دعوت الله تعالى  أن يهديك الصراط المستقيم ؟ أم أن تتوه وسط أكوام الاختلاقات والخرافات وضعها  بشر مثلك لا يملكون لك ضراً ولا نفعا ولا موتاً ولاحياةً ولا نشوراً ؟

5 ـ إذا اخترت الكتاب الكريم وعايشته  آمنت فعلا بأنه يكفيك .. فكما أن الله تعالى يكفيك وحده إلهاً : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه "36 الزمر)  فإنك إذا ركعت امام القرآن طائعاً متبتلا أحسست فعلا أنه يكفيك في الدين : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51العنكبوت") وآمنت فعلا بقوله تعالى : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ  38 الأنعام ) وبأنه سبحانه وتعالى أنزله تبيانا لكل شيء :  ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ 89  النحل .) ، أي كل ما يحتاج إلى التبيين والإيضاح تجده في القرآن الذي ما فرط في شيء يحتاج إليه المسلم  في دينه طالما آمن بحديث القرآن وحده.

6 ـ ولقد حفظت القرآن الكريم وأنا دون التاسعة من عمري ودخلت الأزهر وأنا في الحادية عشرة سنة 1960 ، وظل القرآن مهجورا في عقلي مع أنني أحفظه بلساني ، وظللت مشغولا عنه بالتبحر في التراث ، إلى  أن ثار النزاع  بيني وبين الشيوخ في مرحلة الدكتوراه ، وحين اشتدت الأزمة احتكمت للقرآن وعكفت عليه بالورقة والقلم ، آية آية أتدبرها بموضوعية علمية باردة ، إذ أن قهر الشيوخ لي وقتها جعلني على استعداد على لأن أطيح بأي شيء إذا لم أقتنع به . وبعد أن راجعت القرآن آية آية ــ بتلك الموضوعية الباردة التي أراجع بها كتب التراث ــ ركعت لله تعالى ساجدا مؤمنا بأنه يستحيل أن يكون هذا الكلام قاله بشر ، وأنه فعلا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنني فعلا مقصر في حق القرآن إذ انشغلت بما لا يستحق . ومن وقتها بدأت رحلة جديدة ؛ هي الاحتكام للقرآن الكريم في كل التراث .  وحتى الآن كلما قرأت في القرآن ــ وقراءته فريضة ـ  اكتشفت المزيد من العلم ومن الإيمان . وبعد أن كنت سلفياً شديد البأس حاد الطبع روضت نفسي على تقبل الصبر والصفح عن الإساءة،  متذكراً قوله تعالى : ( كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ 94 )  النساء".

7 ـ وهكذا .. فإنني أحس بالعذر لمن يذكرني بما كنتُ عليه من ربع قرن ، وأدعو لي وله بالهداية ، فإذا أصر على موقفه فإنني أصفح عن إساءته لي رجاء أن أجد الأجر عند ربي جل وعلا ، يقول ربي جل وعلا : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ  40 الشورى ) .

8 ـ جعلنا الله تعالى من الصالحين العافين عن الناس . !)

إنتهى الرد ..                        

اجمالي القراءات 6854