مقال تنظيري حول الامازيغيين و سياساتهم المستقبلية تجاه العالم الاسلامي

مهدي مالك في الإثنين ١٤ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

             مقال تنظيري حول

الامازيغيين و سياساتهم المستقبلية تجاه العالم الاسلامي

مقدمة عامة الى النهاية

ان العالم الاسلامي يعيش اليوم على ايقاع صراعات عميقة بين الدول و بين التيارات العلمانية و التيارات المسماة بالاسلامية لان المشكل الكبير الذي يعانيه ديننا الاسلامي الان هو احتكاره من طرف التيارات السلفية منذ عقود من الزمان حتى اصبحت السلفية هي الناطقة الرسمية باسم الاسلام خصوصا في دول شمال افريقيا و دول الشرق الاوسط باستثناء الجمهورية الاسلامية الايرانية و سوريا علما ان الاسلام عبر تاريخه الطويل كان ذو تاويلات و قراءات متعددة لكن الان بفضل اموال المملكة العربية السعودية و دولة قطر على حد السواء صار هذا الاسلام العالمي دينا جاهليا بصريح العبارة بحسب رايي المتواضع ...

ان الامازيغيين لهم اسهاماتهم الكبرى في نشر الاسلام و ترسيخه في دول شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية و اسبانيا الحالية اي انهم خدموا الاسلام في هذه الرقعة الجغرافية اكثر من الاعراب انفسهم...

 غير ان هؤلاء الاعراب و تياراتهم السلفية لا يستطيعون الاعتراف بخدمات اجدادنا الامازيغيين الجليلة لان هؤلاء اخذوا يسرقون كل انجازات الامازيغيين طيلة الفترة الاسلامية بغية نسبها اليهم باعتبارهم زعموا انهم اصحاب الحضارة الاسلامية  الحقيقيين و  زعموا انهم حماة الاخلاق الاسلامية بينما الواقع التاريخي يدل على ان الاعراب هم بعيدين كل البعد عن اية حضارة مهما كانت باعتبارهم لا يعرفون الا ثقافة السلب و النهب و السبي باسم الاسلام الطاهر عبر تاريخ الخلافة القرشية الطويل كما اسميها بصفتها ليست اسلامية على الاطلاق....                                                            

لقد شكل  ظهير 16 ماي 1930 محطة تاريخية بامكانها ان تكون في صالح الامازيغيين كتصور علماني اصيل للدين الاسلامي لقرون طويلة داخل ارض المغرب باعتراف المخزن التقليدي  نفسه و حقائق تاريخنا الاجتماعي التي استعرضتها كاملة في كتابي الجديد بحكم ان المغرب لم يخضع في يوم من الايام  للخلافة القرشية لان الامازيغيين استطاعوا تاسيس دولهم المستقلة عن المشرق العربي  بعد اسلامهم مباشرة بسب ظلم ولاة بني امية العظيم حيث تصوروا معي ان الدولة الاموية جاءت الى المغرب بهدف استغلال خيراته و سبي النساء و البنات على حد السواء و ليس بهدف نشر الرسالة الاسلامية و قيمها الداعية الى السلام و المساواة بين المسلمين الخ بمعنى ان الدولة الاموية قد استغلت الاسلام الطاهر لاغراضها الدنيئة حيث اصلا ان بني امية قد قتلوا احفاد الرسول انفسهم و قتلوا الاف من الابرياء من اجل السلطة و الملك..

انني لم انطلق ابدا من الوهم الايديولوجي بل انطلقت من صفحات تاريخنا الاجتماعي الحقيقي التي مازالت بعيدة عن مقرراتنا الدراسية بعد 16 سنة من السياسة المخزنية الجديدة للشان الامازيغي عبر تاسيس معهد ملكي بغية جعل الامازيغية قضية ثقافية ضيقة للغاية من اجل تفادي النبش في تاريخ المغرب الاسلامي عموما و الحركة الوطنية الاسود تجاه الامازيغيين خصوصا باعتبارهم السكان الاصليين لمنطقة شمال افريقيا و باعتبارهم مسلمين اسلاما على المذهب المالكي السلفي من طبيعة الحال غير ان هذا المذهب كان يراعي المصالح المرسلة و علمانية الامازيغيين الاصلية و نزوعهم الطبيعي نحو الديمقراطية المحلية الخ من قيم الامازيغيين المسلمين .

ان  اهل فاس أرادوا تحطيم الامازيغيين تحطيما نهائيا على المستوى الرمزي و المستوى السياسي حيث اخترعوا اكذوبة الظهير البربري للاظهار في الداخل المغربي و العالم الاسلامي ان الامازيغيين اصبحوا مسيحيين بموجب ظهير 16 ماي 1930 و ان ثقافتهم هي ثقافة جاهلية كأن اجدادنا الكرام لم يساهموا من قريب او من بعيد في بناء حضارتنا الامازيغية الاسلامية كما اسميها في شمال افريقيا و الاندلس و جنوب الصحراء الافريقية و لم يساهموا نهائيا في نشر اللغة العربية عبر المدارس العتيقة و الكتب الخ حتى اعتقد جل المسلمين اننا عرب بحكم ان اجدادنا كانوا يكتبون بالعربية عن حسن النية و عن تقديس للاسلام الذي امن به الامازيغيين طيلة 14 قرن من التفاعل الايجابي في شتى الميادين.

هناك حقيقة تاريخية قد تجاهلها جل التيارات المسماة بالاسلامية ببلادنا و بل جل نخبتنا الدينية الرسمية الا و هي ان اسلامنا الامازيغي المغربي هو سني في الظاهر لكنه في العمق هو شيعي بحكم ان المذهب الشيعي كان موجود ببلادنا فترة طويلة حيث استطاع  هذا الاخير ترك بصماته الواضحة على تديننا الامازيغي الى يومنا هذا من قبيل الاحتفال  بعيد عاشوراء كذكرى لها رمزتها في اوائل تاريخنا الاسلامي و من قبيل محبة اهل البيت النبوي و اطلاق اسماءهم مثل علي و فاطمة و الحسن و الحسين الخ من هذه البصمات الواضحة و التاريخية بحكم ان  الاسلام الامازيغي هو عميق و متجذر داخل هذه الارض اي ان الدعوة السلفية بالمغرب ليس لها اي عمق تاريخي اطلاقا لكن اغلب المغاربة لا يعرفون تاريخ بلادهم لانهم لا يهتمون بقراءة كتب التاريخ الاصيلة مثل كتاب الاستاذ الحسين جهادي اباعمران حول الدولة البرغواطية   ..

غير ان الحركة الوطنية المدعية بانها سلفية استطاعت طيلة عقود من الزمان تقديم الامازيغيين امام العالم الاسلامي باعتبارهم عملاء للخارج المسيحي و ان ثقافتهم الاصيلة هي بعيدة كل البعد عن الاسلام من خلال استعمال ايديولوجية الظهير البربري التي عزلت عمليا الامازيغيين عن الاسلام كما شرحته مطولا في كتابي الجديد في الكثير من المواضيع و الفترات من قبيل  كان من المفروض عندما استقل المغرب عن فرنسا ان يتجه النظام نحو الاعتراف بامازيغية المغرب لاسباب تتعلق بدور الامازيغيين العظيم في ترسيخ الدين الخاتم منذ 14 قرنا حيث كان من المفروض اذا سلمنا بصحة الظهير البربري ان يعتبر النظام ان اجدادنا الكرام لهم الفضل الكبير في انتشار الدين الاسلامي في اكبر وقعة من الارض و ان يعتبر هويتهم لا تتعارض مع الاسلام في كليته باعتبارها تتوفر على بعد ديني ضخم سواء في اللغة و الثقافة و الفنون و الاعراف القانونية الخ من هذه الخصوصيات الظاهرة للعيان..

اذا فرضنا ان الاستعمار الفرنسي قد اصدر الظهير البربري بالفعل لتنصير الامازيغيين و زرع التفرقة بين المغاربة فان من المفروض على دولة الاستقلال ان تعمل في اتجاه تكريم المقاومة الامازيغية الوطنية التي حاربت الاستعماران الفرنسي و الاسباني من خلال العديد من الاشياء كالاحتفال بمعركة انوال كعيد وطني على سبيل المثال او الاعتزاز بامجاد المقاومة الامازيغية في مقرراتنا الدراسية او في وسائل الاعلام الوطني و تخليد اسماء رجال و نساء هذه المقاومة الداخلة في اطار الدفاع عن بيضة الاسلام و عن حوزة الوطن .

و كان من المفروض على دولة الاستقلال ان تفرق بين ما يسمى بالظهير البربري ان كان موجود اصلا و الامازيغيين من خلال جعل لغتهم وسيلة لنشر الخطاب الديني عبر المسجد و التلفزيون المغربي قصد محاربة تنصير الامازيغيين كما يدعي اصحاب اللطيف .

غير ان هذا لم يحدث إطلاقا طيلة عقود من الزمان لان النظام اتجه نحو الانكار التام لوجود شعب اسمه الشعب الامازيغي و بعده الديني الضخم تحقيقا لسياسة العروبة و الاسلام الخ من هذه المعطيات .

بعد استحضار هذه المعطيات قد يقول البعض عن حسن النية ان من المبكر طرح هذا الموضوع الاستراتيجي بالنسبة لي بحكم ان نخبتنا السياسية الامازيغية مشغولة الان  باحداث الريف و اطلاق سراح معتقلي حراكه الشعبي الخ.

ان هدفي من وراء طرح هذا الموضوع هو استشراف  مستقبل سياسات الامازيغيين تجاه العالم الاسلامي باعتبارهم مسلمين حاملين لتصور علماني للدين الاسلامي  منذ قرون من الزمان حتى جاءت الحركة الوطنية قصد اغتيال هذا التصور القائم على احترام عقائد الناس المختلفة داخل مجتمعنا الامازيغي و على الفصل التام بين الدين و الشان السياسي و اعطاء المراة حقوقها في اطار نظام الكيد و السعاية العرفي و ارساء الديمقراطية المحلية الخ حيث ينبغي ان نعي وعي تام ان لو لم تظهر الحركة الوطنية نهائيا لاصبحنا دولة علمانية اصيلة ذات هوية امازيغية اسلامية اي هوية هذه الارض دون الحاجة الى العروبة العرقية  والى السلفية بمختلف درجاتها اصلا ..

اذا كانت الحركة الامازيغية بمفهومها الثقافي وجدت في اول امرها فكر الحركة الوطنية السلفي المزعوم  و عاشت تاسيس تيارات الاسلام السياسي السرية و العلنية فان الحركة الامازيغية السياسية وجدت الان افاق واسعة من اجل التنوير الاسلامي خارج ثوابت التيارات الاسلامية ذات المرجعية السلفية و خارج ثوابت خطابنا الديني الرسمي بحكم ان الامازيغية بشموليتها تتعارض على طول الخط مع السلفية حيث لا يمكن ان نتخيل ان تتعامل الحركة الامازيغية السياسية مع اي تيار سلفي سواء داخل المغرب او خارجه لان الامازيغية سياسيا تعني قيم الديمقراطية و حقوق الانسان و الحريات بشتى انواعها من قبيل حرية الاعتقاد ...

ان اي تيار سلفي مهما كان يفكر بمنطق الخلافة الاسلامية و مصطلحاتها المتجاوزة اصلا من قبيل  الراعي و الرعية و الجارية و الحرة كاننا مجرد اغنام نمشي وفق ارادة الخليفة الاعظم حيث هذا شيء غريب و دخيل على ثقافتنا الامازيغية المدنية قبل دخول الجيوش الاستعمارية  سنة 1912 اي الحركة الامازيغية السياسية عليها مستقبلا و ليس الان ان تقوم ببناء سياساتها تجاه العالم الاسلامي وفق الاحترام المتبادل و الاعتراف بان الامازيغيين هم مسلمين علمانيين بامكانهم الاسهام في محاربة الارهاب الوهابي و القضاء على جذوره المعلومة على صعيد دول المغرب الكبير بفكرهم العقلاني و الرافض اصلا للمنطق الوهابي مثل ايران كدولة لها حسناتها و سيئاتها مثل جميع دول العالم .

غير انني اعجبت شخصيا بايران كدولة معتزة بهويتها الفارسية الاصلية في جميع مناحي الحياة السياسية و الحياة الدينية بالرغم من انهم مسلمون اسلاما شيعيا له حسناته و تطرفه كما هو معلوم لكنني اعتبر ان ايران هي احسن بمائة درجة من السعودية و  كل تيارات الاسلام السياسي و الجهادي حيث نعلم ماهية جذور هذه التيارات التاريخية و العرقية .  

ان قضية فلسطين استعملت من طرف السلطة منذ سنة 1956 لاجل التعريب السياسي و الايديولوجي للامازيغيين بغية منعهم من ادراك مشاكلهم الحقيقية مع التنمية خصوصا في العالم القروي حيث لدينا  حزب عجوز اسس سنة 1958 رافعا لشعار الامازيغية و البادية دون اية فائدة تذكر بدليل ان الملك محمد السادس اعترف في خطاب العرش لسنة 2015 بوجود هذا الخصاص المهول في العديد من المناطق القروية..

 علينا ان نكون واقعين و نعترف بدور القضية الفلسطينية الايديولوجي في نسيان مشاكلنا المتعلقة بالتنمية القروية حيث هناك قرى مازالت تعيش خارج التاريخ كما شاهدناه في العديد من حلقات برنامج مبعوث خاص للصديق و الاعلامي عبد الله بوشطارت الذي صور لنا المعانات الحقيقية لسكان هذه الهوامش مع غياب ابسط مقومات العيش الكريم كالطرق و المدارس و المستشفيات الخ اي ان القضية الفلسطينية بالنسبة لي ليست قضية وطنية اطلاقا بل هي قضية انسانية و اسلامية ليس بمفهومها السلفي و العروبي بل بمفهومها الواسع.

انني اؤمن بان قيمنا الامازيغية لها مكانها الجوهرية في محاربة الارهاب الوهابي كما اسميه شخصيا حيث لم اسمع قط بالارهاب الشيعي أنتج  حركات تستهدف قتل الابرياء في الغرب او داخل دولنا المغاربية كما  هو الحال بالنسبة لداعش و القاعدة و انصار الدين الخ من هؤلاء العملاء الذين يخدمون تحت اشراف المملكة العربية السعودية و دولة قطر تحت ظلام دامس و بعيدا عن الانظار..

 ان الامازيغية هي الضامنة لاستقرار شمال افريقيا على المدى القريب و المدى المتوسط و المدى البعيد و هي الضامنة الوحيدة لانجاح مشروع التنوير الاسلامي ببلادنا  ..

 

تحرير المهدي مالك                            

اجمالي القراءات 6757