إطلالة على فلسفة الأديان

سامح عسكر في الثلاثاء ٠٨ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

تنقسم الأديان من حيث الطبيعة إلى جزئين اثنين:

1- جوهر الوجود..وهو فكرة فلسفية

2- التعاليم..وهي فكرة أخلاقية فقهية

الدين الذي يفشل في تبرير وجوده وعدم تميزه على أفكار ومعتقدات أخرى سينتهي ويزول بسرعة، وهذا يعني أن جوهر كل الأديان قائم على التميز والتفاضل عن غيرهم..بمعنى لا دين يؤمن بمساواته بدين آخر..وهذا سر لارتقاء كل من يدعو للتميز المحلي في الأديان، وكلما علا الشيخ بخطابه الأحادي التميزي والعنصري ضد الآخرين كلما حاز على قلوب العامة..

من هنا نشأت فكرة .."حقوق الإنسان"..لأن التفاضل الديني معناه صراع بالضرورة، وأن يقاتل البشر نفسهم على أحقيتهم بفكرة فلسفية هي الممثلة لجوهر الوجود، فيقوم الحقوقي بإثبات نسبية الأفكار وعبثية الصراعات والتحقير من شأن رجال الدين الذين يأخذون الشعوب لهذا الصراع المدمر..

ولأن البشر يبحثون عن سر وجودهم فيقوموا بربط جوهر وجود الأديان بوجودهم ذاتيا، وهذا هو السبب في اعتقاد المتدينين بأن الكون خلق خصيصا لهم، فالهندوسي يؤمن بأن براهما خلق الكون من أجل عبادة فشنو وشيفا..والمصري القديم كان يؤمن أن الإله.."رع"..خلق الكون لعبادته وأنزل رحمته من أجل بناته وخصوصا البقرة حتحور..وكذلك في الإسلام اعتقد المسلمون خطأ أن الكون خلق من أجلهم، بل بالغوا في القول بأن الكون خلق خصيصا من أجل النبي..وهو تأليه واضح للنبي محمد وإنزاله مرتبة مقدسة لم يصل إليها – ولا يجوز- أي مخلوق..

في السنة والشيعة اعتقد السنة أن الله سيغضب على كل من غضب عليه أبي بكر وعمر ومعاوية، وفي الشيعة اعتقدوا أن الله سيغضب على من غضب عليهم الأئمة الإثنى عشر، وهي شخصنة للدين متأخرة عن نشأة الإسلام ظهرت بفضل الصراع السياسي، وقضت على الجزئية الأولى لطبيعة الإسلام وهي جوهر وجوده الفلسفي، فلم يعد يبحث السنة والشيعة عن سر وجودهم أو التأمل في الكون واستبدلوا ذلك بصراعات تافهة حمقاء..

أخطأ المسلمون بالقول أن التوحيد مبدأ حصري لهم، ونفوا هذا الاتجاه عن كل الأديان الأخرى، ونسوا أن الزرادشتية ديانة توحيدية بالأساس ، كذلك اليهودية والدرزية، حتى أن الإيمان الزرادشتي نادى بالتوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة، وهي جملة شاعت بعد ذلك في الإسلام، وعندما يظن المسلم بأن الزرادشتي غير موحد لأنه يعبد النار..فنفس الاتهام يوجه له بأنه غير موحد لأنه يعبد الكعبة..ونسي الطرفان أن النار والكعبة ما هي إلا رموز دينية لخالق أعظم وجوهر لوجودهم الفلسفي.

نفس الحال ينطبق على الهندوسية، هؤلاء لا يعبدون البقرة، ولكن يعتقدون بأن جوهر وجودهم الفلسفي يأتي بالعدل، ولأن البقرة رمز للعطاء فمن العدل أن يحبها الهندوس ويمنعوا التقرب لها بأذى، كذلك عالجوا معضلة الخير والشر بالتناسخ، وأن الخالق لا يظلم الناس بدون عمل، بل هم فعلوا ما يبرر عقابهم في حيواتهم السابقة، وهذه تعتبر أقوى مقاربة لمعضلة الخير والشر في الأديان، بحيث تبدو أنها منطقية وتعالج شق كبير من التعاليم، وتكاد تكون الهندوسية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل فئات التدين والإلحاد معا، فموقفها من التناسخ وإنكار حياة البعث إضافة لإنكار الإله المطلق في عالم ما ورائي يكونوا بذلك أقرب للملحدين، لكن لإيمانهم بوحدانية .."برابراهما".. الخالق يكونوا موحدين، وبإشراك عديد الآلهة معه يكونوا مشركين، هذا تجمع فريد من الاعتقاد يصعب إيجاده في أي دين، وربما في رأيي وصل الهندوس لهذا اليقين بعد محطات وتجارب ومناقشة ساخنة لجوهر وجودهم الفلسفي.

كذلك تناقش تعاليم الأديان مسألة التبشير، وهي مرتبطة بالجزء الأول الخاص بجوهر الوجود، فالمتدين يبحث عن سر وجوده وما عليه من نشر هذا السر وإشاعته بين الناس

أخيرا: فكرة الدين نشأت من رحم الحاجة، فكلما شعر الإنسان بحاجته إلى تفسير جديد للكون يعالج به الأخطاء الشائعة والمتراكمة يظهر دين جديد، وحتى وقت قريب - وإلى الآن- ما زالت تظهر أديان جديدة بشكل مستمر، وما دام الظلم موجود سيظل التدين موجود، فعلاج الشر دائما إما باتجاه فلسفي أو ديني، لكن الأخير يغلب على طبائع البشر لسهولته.
اجمالي القراءات 7173