هل يمكن تاسيس حركة اسلامية معاصرة تقدم البديل الحضاري للاسلام؟

مهدي مالك في الأربعاء ٢٦ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

         

 

 هل يمكن تاسيس حركة اسلامية معاصرة تقدم البديل الحضاري للاسلام؟

مقدمة مطولة                               

ان الاسلام اليوم يواجه الكثير من التحديات على مختلف الاصعدة و المستويات لان جماعات الاسلام السياسي في مجتمعاتنا لم تقدم البديل الحضاري للاسلام على الاطلاق باعتبارها تنطلق دائما من السلف كفكرة منعت اغلبية المسلمين من الانخراط ايجابيا في منظومة القيم الكونية و الاسهام في إشاعتها داخل مجتمعاتهم المختلفة مما ساهم في جعلهم يحتلون المراكز الاخيرة لمؤشرات التنمية و الديمقراطية و يحتلون المراكز الاولى لمؤشرات التخلف و الاستبداد باسم الدين الاسلامي حيث ان هذا المعطى قد شكل سببا لزيادة عدد الملحدين في السعودية و في ايران على كل حال ...

غير ان السعودية لها حالة خاصة حسب اعتقادي المتواضع باعتبارها تقدم نفسها للعالم بصفتها نموذج سامي لتطبيق الاسلام من حيث الحدود الشرعية و احتقار المراة تحت ذريعة انها عورة و منع تاسيس الاحزاب السياسية الخ من مبادئ الوهابية..

ان الوهابية قد خربت الاسلام طيلة هذه العقود و جعلته يقتل و يغتصب في مختلف رجاء العالم تحت ذريعة اقامة ما يسمى بالخلافة الاسلامية بمعنى ان السعودية خلقت هذه المشاكل الكبرى في العالم بفضل وهابيتها البعيدة كل البعد عن الاسلام حيث يحق لاي مسلم ان يغير دينه او يصبح ملحد حتى اذا كان من يقدم الاسلام للعالم هم  بني عبد الوهاب او شيوخ السلفية بمختلف توجهاتها السياسية بكل الموضوعية و الصراحة ......

عندما تربى الانسان المسلم في وسط يسود فيه قيم السلف الجاهلية كما اسميها الان يصبح فكره جامد لا يتطور مع اسئلة العصر الكثيرة و المختلفة و لا يتطور مع علوم العصر الانسانية مثل الفلسفة و الطب و التاريخ و المنطق الخ من هذه العلوم التي ساهم فيها المسلمون ذوي الفكر النقدي امثال ابن رشد و ابن سينا و ابن خلدون بقسط وافر في تقدم الحضارة البشرية لان الاسلام  هو اصلا دين العلم  كما جاء في ايات عديدة من القران الكريم تدعو الى استخدام العقل و الفكر على مختلف امورنا العامة و الخاصة لكي نضمن التقدم و الرقي الحضاري كبقية الامم الاخرى التي لها السبق الحضاري في انظمة ديمقراطية و حقوقية... .

   حقيقة انني استفدت فكريا من قراءة كتب الاستاذ و المفكر الاسلامي احمد صبحي منصور في موقع اهل القران  طيلة  هذه السنوات حيث اكتشفت اننا كنخب فكرية و سياسية في اغلب دولنا الاسلامية مازلنا متخلفين امام افكار صبحي المستنيرة و المفيدة لتاسيس حركة اسلامية معاصرة تقدم البديل الحضاري للاسلام خصوصا في هذه الظرفية الراهنة بحمولتها الايديولوجية و السياسية و القيمية.

اعتقد ان سبب تخلفنا امام افكار الاستاذ احمد صبحي منصور المستنيرة رجع بالاساس الى سيادة الفكر السلفي بدرجاته المختلفة في خطابنا الديني الرسمي في اغلب دولنا الاسلامية حيث اذا اراد احد المفكرين ان ينتقد الفكر السلفي او اصلاح مناهج التربية الاسلامية بغية مواكبة الاعلان العالمي لحقوق الانسان او الاجتهاد داخل القران الكريم نفسه  سيكفر مباشرة من اعلى منابر الجمعة او من رموز تيارات الاسلام السياسي كما حدث عندنا في المغرب حيث هناك نماذج كثيرة للتنوير الاسلامي من قبيل الاستاذ عبد الوهاب رفيقي او الملقب بابو حفص الذي كان سلفي حتى  النخاع في الماضي و اعتقل بعد احداث 16 ماي الارهابية و دخل السجن كما يعلم الجميع ثم خرج منه  على ما اظن سنة 2011 ثم تحول 180 درجة من شيخ سلفي الى رمز واضح للتنوير الاسلامي ببلادنا حيث اننا  كحركات تقدمية و علمانية اصبحنا فرحين بهذا التحول العميق حيث نحتاج الى مثل هذا الرجل اليوم بالذات لنشر التنوير الاسلامي و تعزيز معاركنا الفكرية و السياسية تجاه التيارات المسماة بالاسلامية ببلادنا بحكم اننا لا نتوفر بعد على الحرية في الاعتقاد و العقيدة بكل البساطة لان المسلم المؤمن بقيم عصره يرفض الاحتكام الى فقه تم اجتهاده في عصر الخلافة العباسية اي قرون من الزمان  .

ان من بين ما استفدته من قراءة كتب صبحي منصور ان السلفيين يقدسون تراثهم البشري العفين اكثر من القران الكريم نفسه الذي نص على الشورى كفريضة من فرائض الاسلام مثل الصلاة و الزكاة الخ و كنظام ديمقراطي طبقه الرسول ص في المدينة مع اصحابه و طبق احيانا في عهد الخلفاء الراشدون فقط لان الدول الاسلامية في المشرق قامت على مبدا الحاكمية اي ان الكلمة الاولى و الاخيرة للخليفة باعتباره يمثل ارادة رب العزة و يحكم بما انزل الله على الرعية اي ان الناس ليس لهم الحق في ابداء الراي بحكم سيادة الاستبداد و قمع حقوق المعارضة في التعبير عن مواقفها باستغلال الدين ..

 و بينما كان الرسول باعتباره رئيس الدولة الاسلامية ينظم مجلس الشورى في المسجد بحضور الرجال و النساء بحكم ان الشورى كانت فريضة مثل الصلاة و الزكاة الخ بمعنى  ان الاسلام يحترم العقل و الراي الحر...

 و نص القران الكريم  على عدم الاعتداء على الاخرين مهما كانت دياناتهم او معتقداتهم حيث حرم الله على النبي ان يكون لديه اسرى الحرب حيث هذه قمة حقوق الانسان لان دولة الرسول كانت  مدنية تحترم حرية الاعتقاد و المساواة بين الجميع على اساس المواطنة الحقيقية بينما تراث السلف الجاهلي يصر على استلال الدماء و الاعراض حيث قال الشيخ البخاري حديث منسوب للنبي حيث يقول امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله و ان محمد رسول الله بينما القران الكريم نص على مبدا لا اكراه في الدين صراحة حيث من يريد فليؤمن و من يريد فليكفر الخ من مبادئ القران الكريم بمعنى علينا استعمال العقل لنقد التراث السلفي العفين بصريح العبارة  ..

الى صلب الموضوع                            

ان السؤال المطروح الا و هو هل يمكن تاسيس حركة اسلامية معاصرة تقدم البديل الحضاري للاسلام ؟ هو سؤال كبير و عريض داخل نخبنا الموصوفة بالتنوير و بالعلمانية حيث ان اغلب دول المسلمين دخلت الى عملية العلمنة منذ اوائل القرن الماضي عبر عدم تطبيق الشريعة الاسلامية و حدودها و تعويضها بالقوانين الوضعية الغربية لكن العامة لا يشعرون بهذا الانتقال نحو عملية العلمنة منذ قرن من الزمان لان خطابنا الديني الرسمي لدى دولنا لا يريد الاعتراف ان قيم السلف التي اصبحت توصف بانها اسلامية منذ عهد الدولة الاموية  لم تعد صالحة لزماننا هذا على الاطلاق  ....

ان دول العالم المسيحي مشغولة اليوم بمحاربة داعش كنتاج تاريخي للتراث السلفي منذ قرون حتى وصل الى مرحلة تاسيس مملكة ال سعود الحالية في ثلاثينات القرن  الماضي حيث ان الوهابية ساهمت ايديولوجيا في تاسيس جماعة الاخوان المسلمين في مصر سنة 1928 و ساهمت ايديولوجيا في تاسيس بقية تيارات الاسلام السياسي على صعيد عالمنا الاسلامي بهدف انتشار وهابيتها على انها الاسلام الاصيل...

و  كان المسلمين في المشرق العربي بوجه خاص بعد سقوط ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية امام طريقان للاصلاح انذاك اما الرجوع الى السلف و اما اتباع الغرب المسيحي كعالم متقدم في الميدان العلمي و الميدان السياسي الخ بمعنى ان ليس هناك طريق ثالث للاصلاح حسب راي مسلمي المشرق العربي انذاك اللهم بعض محاولات للتنوير  الاسلامي في مصر الذي قادها الامام محمد عبدو لكن هذه المحاولات تم إجهادها من طرف التيارات السلفية بدعوة انها تستهدف القضاء على الاسلام الخ من هذه التهم الجاهزة  .

و في المغرب وقتها له سياقه الخاص حيث كان بلد غير تابع للخلافة الاسلامية نهائيا و كان عند سقوطها محتلا من طرف فرنسا و اسبانيا حيث لم تظهر ما يسمى بالحركة الوطنية الا سنة 1930 بخطاب سلفي بعيد كل البعد عن الواقع المغربي حيث  كفرت الامازيغيين و انظمتهم الديمقراطية و القانونية حيث شخصيا اعتبر ان المرحوم علال الفاسي بالرغم من اجتهاداته الفقهية في منع تعدد الزوجات لكنه كان اكبر عدو للامازيغية بشموليتها باختراعه لاسطورة الظهير البربري بمعنى ان ما يسمى بالحركة الوطنية قمعت اسلام الامازيغ المتسامح و المساير لحقوق الانسان بدلائل  كثيرة من قبيل ان القانون الوضعي الامازيغي لا يطبق عقوبة الإعدام و الحدود الشرعية من قطع الايادي و الأرجل حيث هذه هي حقيقة  اسلام الامازيغيين باختصار شديد في هذا المقام ..............

فعلا اننا نحتاج اليوم الى تاسيس حركة اسلامية معاصرة مثل تيار اهل القران الموجود في الولايات المتحدة الامريكية لندافع عن صورة الاسلام و نبيه محمد عليه السلام بحكم ان اغلب تيارات الاسلام السياسي المتواجدة في جل دولنا الاسلامية تنطلق دائما من تراث السلف المشوه لحقائق الاسلام من خلال اراء هذه التيارات تجاه جملة من القضايا المعاصرة مثل قضية المراة و قضية حرية الاعتقاد و العقيدة و حقوق الاقليات الدينية الخ ...

انني اعتقد ان هذه التيارات المسماة بالاسلامية  تستعمل الخطاب الاخلاقي لاستقطاب العامة الى ايديولوجيتهم السياسية و اقناعهم ان الرجوع الى السلف الصالح كما يسمى يعتبر العلاج الاساسي لمختلف المشاكل الاخلاقية لان مجتمعات المسلمين تعيش الان في بحور الفواحش من قبيل الزنا و شرب الخمر بسبب دخول التقاليد الغربية كأن الخلافة الاسلامية كانت احسن نموذج لتطبيق الاخلاق الاسلامية العالية ..

سبحان الله على نفاق هذه التيارات المسماة بالاسلامية الواضح  حيث كأن ملك اليمين حسب التفسير السلفي ليس بالزنا الصريح على الاطلاق حيث لو رجعنا الى عصر الخلافة الاسلامية ليحق لنا ان نشتري اجمل الجواري في عز النهار قصد ممارسة الجنس بدون اي اعتراض من احد حتى الزوجة ...

و اتساءل هنا اين قيم الاخلاق الاسلامية العالية من قبيل العفاف و الشرف و الوفاء لميثاق الزواج العظيم الخ يقول الفقهاء الان ان الفواحش التي نرها الان من الخيانة الزوجية سببها الجوهري هو الغرب  عبر فضائياته الاباحية غير انني اعتقد ان قيم الاباحية موجودة في  كتب التراث السلفي و في كتب التاريخ الاسلامي حسب اعتقادي المتواضع لان العصر العباسي و ربما قبله قام الفقهاء بتاصيل تقاليد الاعراب الجاهلية و جعلها اسلامية خالصة مثل  السبي في الحروب و امتلاك الاف من الجواري بدون اي عقد زواج بمعنى العروبة و الاسلام ...

ان معركة التنوير في بلادنا لا تختلف عن بقية البلدان الاسلامية لان تيارات الاسلام السياسي في المغرب لن تشكل الاستثناء بل هي نتاج طبيعي للتيارات السلفية بالمشرق مثل الاخوان المسلمين و الوهابية بالعربية السعودية و بالاضافة الى خطاب السلطة و حركتها الوطنية الديني و المعتمد على العروبة العرقية و السلفية المخزنية ان صح التعبير بينما ان تاريخنا الاجتماعي يشهد ان اجدادنا الامازيغيين كانوا مسلمين علمانيين اي يفرقون بين الدين و السياسة و يطبقون الشورى اي الديمقراطية حيث ان امغار القبيلة يختاره الناس عبر الانتخابات لمدة محددة غير قابلة للتجديد الا برضا الناس بصفتهم مواطنين كاملي المواطنة بغض النظر عن الدين او اللغة الخ.

 غير ان تيارات الاسلام السياسي ببلادنا لم تعترف بوجود امازيغيين كثقافة و كبعد ديني اصلا الا بعد خطاب اجدير التاريخي اي تحت ضغط السلطة لكن هذه التيارات ظلت منذ سنة 2001 الى الان تحارب الامازيغية و حركتها العلمانية بمختلف اسلحتها القذرة من قبيل استحضار اكذوبة الظهير البربري الى اتهام احد رموزها بالكفر و اهانة النبي الكريم الخ...

لكن الان بعد انخراط الاستاذ عبد الوهاب رفيقي في معركة التنوير بصفته رئيس مركز الوساطة و الدراسات و الاعلام سيساهم هذا الاخير بدون شك في تعزيز معركتنا نحن جمعيا ضد التطرف و الارهاب الوهابيان حيث تعتبر الامازيغية بشموليتها عامل طبيعي لتحديث الاسلام ببلادنا كما شرحته مطولا في كتابي الامازيغية و الاسلام و اسطورة الظهير البربري بمعنى ان  التنوير الاسلامي بالمغرب عليه ان يدرك ان الامازيغية بشموليتها هي جوهرية في اية معركة تنويرية ....

ان خلاصة القول في هذا المقال المتواضع باننا علينا استخدام عقولنا في نقد التراث السلفي و علينا ان نفرق بين الاسلام و الوهابية و اخواتها  فشتان بينهما حيث ندرك هذا عندما نسمع عن قضية رضاعة الكبير الموجودة في تراث هؤلاء السلف ...........................

تحرير المهدي مالك 

 

 

اجمالي القراءات 6643