هل احداث الحسيمة الاخيرة تدل على الحاجة الملحة الى الفدرالية ام لا ؟

مهدي مالك في السبت ٢٢ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

هل احداث الحسيمة الاخيرة تدل على الحاجة الملحة الى الفدرالية ام لا ؟

                                  مقدمة مطولة

ان الملاحظ لمحطات احداث الحسيمة الاخيرة اي منذ الحادث المهين الذي تعرض له المرحوم محسن فكري الى اعتقال رموز حراك الريف سيسجل العديد من الملاحظات حول تاريخ الريف و تعامل المخزن مع هذه المنطقة طيلة هذه العقود من الزمان بمنطق الاحتقار و سياسة الانتقام الخ بمعنى ان احداث الحسيمة الاخيرة لا يمكن باي حال من الاحوال فصلها عن الملاحظات التالية

اولا ينبغي القول ان منطقة الريف المغربي لها تاريخ عظيم من المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الاسباني ابتداء من عشرينات القرن الماضي بقيادة امير الريف عبد الكريم الخطابي الذي انتصر في معركة انوال الخالدة في يوم 21 يوليوز 1921 ثم اسس جمهورية الريف الاسلامية شتنبر سنة 1921 حيث ارسل الرسائل الى دول العالم بغية الاعتراف بهذه الجمهورية و كما احدث المجلس التاسيسي و وضع دستور  الخ من الاسس الدالة على ان جمهورية الريف الاسلامية كما تسمى كانت حقيقة تاريخية لا غبار عليها على الاطلاق ...

ثانيا ينبغي القول في هذا السياق ان جمهورية الريف تم إجهاضها من طرف المخزن و الاستعماران الفرنسي و الاسباني سنة 1926 بكل الصراحة بحكم ان المغرب قبل سنة 1912 كان بلدا امازيغيا حيث كانت اغلب مناطق الامازيغيين تمتع بالحكم الذاتي عن السلطة المركزية بمعنى ان اجدادنا الكرام يدبرون شؤونهم وفق انظمتهم الديمقراطية لكن بعد دخول الاستعمار الفرنسي تم تقوية نفوذ المخزن تدريجا حتى سطر هذا الاخير على كامل التراب الوطني بعد سنة 1956 اي ان جمهورية الريف الاسلامية كانت نوعا من الحكم الذاتي حسب اعتقادي المتواضع بدليل ان الراحل محمد الخامس زار عبد الكريم الخطابي في القاهرة سنة 1960 و اتفق معه على عودته الى ارض الوطن حسب بعض الاراء ...

ثالثا ينبغي القول ان اهل فاس كانوا في عشرينات القرن الماضي يكرهون المقاومة المسلحة و يحبون الاستعمار الفرنسي لدرجة ان المقيم العام ليوطي قد زار ضريح مولاي ادريس الاول حسب قول الاستاذ عصيد في احدى الفيديوهات الاخيرة و يضيف ما معناه ان فقهاء اهل فاس كانوا يعادون الخطابي اشد العداء الخ من هذه الحقائق الصادمة التي تم تغييبها بغية جعل المغاربة بعد الاستقلال الشكلي يعتقدون ان ما يسمى برموز الوطنية امثال علال الفاسي و المكي الناصري الخ هي من حررت  المغرب من اغلال الاستعمار الاجنبي بينما رموز المقاومة الحقيقية ظلت في طي النسيان .........

رابعا ينبغي القول ان منطقة الريف المغربي منذ سنة 1956 تعرضت لانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان حيث قام ولي العهد انذاك الحسن الثاني بقمع انتفاضة الريف سنتي 1958 و 1959 بشكل وحشي للغاية حيث يشير الاستاذ علي الادرسي المتخصص في تاريخ الريف في  مقال له منشور سنة 2010 قد عمد موظفو الدولة و عناصر حزب الاستقلال الى التنكيل بالناس و حرمان سكان الريف من ابسط حقوقهم و من الحياة الكريمة  في دولتهم المستقلة حين حولوا فرحتهم بالاستقلال الى كآبة الاحتقلال و خططوا لتعويض  الاستعمار بالاستعمار على حد  قوله و يقول نحن المغاربة لا نعرف اشياء كثيرة حدثت في بلادنا حيث لا يتعلق بما حدث من مجازر بالريف في تلك المرحلة بل بكثير من المجازر و التجاوزات غير المبررة قانونيا و اخلاقيا على طول المغرب و عرضه  و ذلك منذ السنوات الاولى من الاستقلال الذي أمسى احتقلالا الى حد تعبير الخطابي...........

اذن ان هذه الملاحظات التي اعتمدت عليها في هذا المقال المتواضع هي كفيلة لفهم لماذا خرج اهل الريف للاحتجاج  طيلة هذه الشهور بغية تحقيق مجموعة من المطالب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و بالاضافة الى إلغاء ظهير عسكرة منطقة الريف الصادر في اواخر عقد الخمسينات و المانع لاية مبادرات للاستثمار حسب كلام اصحاب حراك الريف الوطني حيث يمكن القول ان الحكومة الحالية تعاملت مع هذه الاحتجاجات المشروعة بنوع من عدم المسؤولية التاريخية خصوصا بعد تصريحات احزابها التي اتهمت حراك الريف بالانفصال ثم جاءت المسيرة الكبرى التي نظمت في الحسيمة بتاريخ 20 ماي الماضي تعبيرا لغضب اهل الريف من هذه التصريحات الخطيرة حيث رفعت هذه المسيرة الحاشدة اعلام جمهورية الريف كتراث سياسي وطني اي ان جمهورية الريف هي او بالاحرى كانت نوعا من الحكم الذاتي او الفدرالية كنظام تدبير جهوي متطور حسب رايي المتواضع  .......

                           الى صلب الموضوع

اعتقد شخصيا ان الملك محمد السادس قد قام بمجهوداته تجاه منطقة الريف منذ زلزال مدينة الحسيمة سنة 2004 الى الان حيث عرفت سنة 2015 التوقيع بمدينة طنجة امامه على مشروع الحسيمة منارة المتوسط الذي لم يتحقق حد هذه الساعة بحكم ان الحكومة السابقة لم تعطي اية قيمة لهذا المشروع التنموي الضخم حسب قول الامين العام لحزب الاصالة و المعاصرة و رئيس جهة طجنة تطوان الحسيمة الياس العماري في برنامج تلفزيوني في رمضان الماضي ..

و بمعنى اخر ان احتجاجات الحسيمة لها الشرعية الوطنية الصريحة حيث ليس من حق اي كان اتهام حراك الريف بالانفصال او بالفتنة كما جرى في مسجد محمد الخامس بالحسيمة بتاريخ الجمعة 29 شعبان الماضي حيث تدخل قائد حراك الريف ناصر الزفزافي لوقف خطبة الجمعة المدبرة قصد وقوع الزفزافي في فخ الاعتقال بسبب كلامه المعلوم حيث لا داعي للتطرق اليه باعتباري اختلف معه في نقطة إفراط استعماله للخطاب الديني ذو النزعة السلفية في جل  الفيديوهات التي شاهدتها ببالغ الاهتمام ...

لكنني اقدره تقديرا كبيرا باعتباره شاب شجاع يغار على منطقته الريفية و على شرف نساء الريف  الخ من خصاله الحميدة حيث انني اتمنى صادقا اطلاق سراحه و سراح اصدقاءه المعتقلين في القريب العاجل  ....

طبعا ان سؤال هذا المقال العريض الا و هو هل احداث الحسيمة الاخيرة تدل على الحاجة الملحة الى الفدرالية ام لا يعتبر سؤال يجب طرحه بشكل واقعي باعتبارنا جيل جديد لا نرغب في رجوع المغرب الى سنوات الرصاص مجددا و لا نرغب في تراجع المغرب عن التزاماته الدولية في مجال حقوق الانسان بحكم ان هذا الحراك الاجتماعي حسب رايي المتواضع يدل على فشل مشروع  الجهوية المتقدمة فشلا واضحا لان حكومة الاستاذ بنكيران لم تصدر المراسيم التطبيقية لهذه الجهوية الى حد اليوم و اصلا هذه الجهوية اسست على المقاربة الامنية حسب راي جل الفعاليات الامازيغية بمعنى ان هذا المشروع قد تجاهل العامل التاريخي و العامل الثقافي و العامل التنموي من طبيعة الحال............

يجب ان يدرك الجميع ان منطقة الريف عاشت منذ سنة 1958 الى سنة 2004 في العزلة التامة على كل الاصعدة و المستويات بسبب الراحل الحسن الثاني و حزب الاستقلال اللذان فرضوا حصارا فضيعا على هذه المنطقة كغيرها من المناطق المحافظة على امازيغيتها..

 غير ان الريف الجريح كان مسرحا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان منذ السنوات الاولى للاستقلال الشكلي حيث لم يحظى قط بزيارة الراحل الحسن الثاني طيلة فترة حكمه البالغ 38 سنة...

و هكذا عاش هذا الريف الجريح كانه  ليس ارض مغربية على الاطلاق  او ارض لمساخيط السلطان كما قاله الاستاذ علي الادريسي في سياق حديثه  عن انتفاضة سنتي 1958 و 1959 حيث لو سالت الان اي ريفي عن تلك الاحداث المؤلمة سيقول لك ان منطقتنا العزيزة عاشت الظلم و سياسة الانتقام على كافة الاصعدة و المستويات .....

و خلاصة القول ان احداث الحسيمة الاخيرة تدل على الحاجة الملحة الى الفدرالية طبعا ضمن الوحدة الوطنية الايجابية لاننا لا يجب التفريق بين مصطلح الفدرالية و مصطلح الحكم الذاتي الموجود في تاريخنا اي ان اجدادنا الامازيغيين كانوا يدبرون شؤونهم السياسية و القانونية  الخ بانفسهم  مع ذكر السلطان بالنصر و التمكين في خطب الجمعة و العيدين الخ بمعنى هكذا كان المغرب ما قبل الحماية لكن التيارات المسماة بالاسلامية ببلادنا تحاول اقناع بسطاء الناس ان تاريخنا المغربي ليس فيه عوامل التطور و العلمانية و الحكم الذاتي ........................

                                   توقيع المهدي مالك

  

اجمالي القراءات 6534