مسئولية الحكومة عن مأساة المواطنين
براءة الدولة وإدانة الحكومة المغربية في أحداث الريف

عبد الغاني بوشوار في الأحد ١٦ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

براءة الدولة وإدانة الحكومة المغربية في أحداث الريف

 

الدولة بريئة براءة الذئب من دم يوسف في أحداث الريف والفساد الذي يلوث المجتمع المغربي ويحول دون تقدمه ورفاهيته. إن قلنا المخزن هو المسئول عن هذه الأحداث، كما يدعيه كثير من المهتمين بالشأن المغربي، فإننا نخطأ الصواب ونلقي اللوم على آلة غير عاقلة ومن فقد العقل زال عنه التكليف، فما بال من لم يملكه أصلا. ومرد هذا الإدعاء هو أن المخزن ليس إلا آلة وجهازا إداريا أنشأته الدولة ووضعته  تحت تصرف الحكومة التي أنشأتها الدولة أيضا لإدارة أمور البلاد والعباد والسهر على المصلحة العامة لجميع المواطنين.

فالمسئولية الأساسية فيما يتعلق بالمصالح العامة وتسيير الجهاز الإداري تقع  على الحكومة التي نصبت من أجل قضاء مصالح المغاربة تحت مظلة الدستور والقوانين المسترة وحتى الأعراف. إن الحكومة هي التي تدبر جميع شئون المجتمع وتتخذ القرارات نيابة عنه. ولمزيد من التوضيح عن هذه المصطلحات التي تختلط مفاهيمها على الكثير، يرجى مراجعة الرابطين التاليين: www.maghress.com/agadir24/117103

www.hespress.com/writers/292395.html

 فالدولة كمصطلح سياسي، في التعبير الخلدوني، هي صورة المجتمع الذي يشكله كل المغاربة: مؤسساتها الرسمية، العامة والخاصة بما في ذلك التنظيمات المدنية من الأسر والجمعيات وجميع الوحدات المجتمعية الرسمية التي تشكل كلها مادة الدولة وصورتها. فجميع المغاربة هم الدولة وفيها تتجسد هويتهم.

فمثلا، إن بطاقة  التعريف الوطنية في هذا المضمار لا تصدرها الدولة، لكن تصدرها مؤسسة محددة من بين المؤسسات الرسمية للدولة المجسدة في الإدارة العمومية ،  وبالتحديد في وزارة الداخلية، ووزارة الداخلية ليست هي الدولة وإن كانت تشكل جزءا مهما من أجزاءها كمؤسسة اجتماعية، فهي، أي الداخلية، تقوم بالأعمال المسندة إليها في إطار القونين الرسمية المكتوبة المحددة وتشرف عليها الحكومة كنظام تنفيذي شكلته الدولة وفق معاييرومباديء وقوانين مثبتة في دستور 2011 الذي صوت المغاربة الذين كلفوا أنفسهم عناء التصويت. ولقد وضعت الدولة تحت تصرف الحكومة الجهاز الإداري لتسيير شؤون البلاد والعباد كما تقدم ذكره.

ومن هنا يتضح  أن هذا الجهاز الإداري، أو الإدارة العمومية، وما نسميه "المخزن" هو محرك وجهاز وآلة وبنية إدارية، وماكينة تستند عليها الحكومة للقيام بالمهام الملقاة على الذين يعملون فيها ويسيرونها كما هو منصوص عليه في الدستور.  فالإدارة العمومية إذن ، يعني المخزن والبيروقراطية، والجهاز الإداري، لا يساوي الدولة التي تجسد  كل المغاربة وتمثلهم وعلى رأسها رئيس الدولة الذي هو جلالة الملك.

لم ينص الدستور ولا القوانين المرعية في البلاد على أن الجهاز الإداري بمختلف قطاعاته، ومنها الأمن بمختلف وحداته، يخص  أعضاء  الحكومة والعاملين فيه من موظفين ساميين وغيرهم هم الذين يخصهم هذا الجهاز الإداري وحدهم لقضاء حوائجهم وشئونهم، ولاهومنصوب لفائدتهم وتسخيره في التسلط على المواطنين واستغلالهم وتعذيبهم وقمع طموحاتهم وآمالهم وأنشطتهم في السعي  للخير والرفاهية والتقدم والعيش الكريم المطمئن.إن جميع العاملين فيه لا يعملون لوجه الله، بل إنهم يتقاضون رواتب مجزية للقيام بخدمة المواطنين ورعاية مصالحهم المشروعة.

 يضل الجهاز الإداري للدولة المغربية، إذن، بفروعه ووحداته المختلفة، أمانة في أعناق المسيرين تحت إشراف أعضاء الحكومة كل في اختصاصه والمهام الموكلة له قانونيا، كما هو الشأن في جميع دول العالم،  وذلك لخدمة الصالح العام وقضاء شئون العباد وحل مشكلاتهم والسير بهم نحو القدم والتمدن والمساهمة في محاربة الفقر والجهل وبناء مجتمع تسود فيه العدالة بكل تلابيبها والمواطنة الصادقة  بروافدها المتعددة والغنية  بثقافتها وعناصر تآخيها. يعني المواطنة التي يعتز بها كل مغربي ومغربية.

الحكومة الحالية والحكومات السابقة هي المسئولة عن تدبير شئوننا وهي التي تشرف على الإدارة العمومية المخزنية، كما يحب المغاربة تسميتها، وعليها تقع مسئولية معالجة الأحداث القائمة والسالفة وتلبية المطالب الملحة التي يعبر عنها المواطنون عبرالإحتجاجات القائمة والسالفة في كل مكان. ولا جدال بأن انتقادات الناس وتذمرهم من الفساد والظلم الذي يمارسة العاملون في الجهاز الإداري للدولة  معلومة ومنتشرة في الإعلام وفي كل منابر التواصل الإجتماعي ومسموعة من أفواه المواطنين.

ومن البديهيات أن الكل يعرف بأن الإقتصاد  والسياسة متلازمان وأن بعض المسئولين يسخرون الجهاز الإداري لمصاحهم ومصالح ذويهم ويقومون بتجاوزات صارخة للقوانين التي يفترض تطبيقها بنزاهة على الجميع بغض النظر عن مكانتهم الإجتماعية عملا بمبدإ المساواة أمام القانون الذي هو فوق الجميع. على أن المواطنين يدركون  أن الرشاوي  وفساد الإداريين  واستغلال مناصبهم علانية وعدم مهنيتهم وإخلاصهم في العمل تزيد من إحباطهم وعدم الثقة في الجهاز المخزني والعاملين فيه إلى درجة أن الكثير منهم يناشد جلالة الملك للتدخل في الصغيرة والكبيرة لإنصافهم من ظلم هؤلاء المفسدين.ويتساءلون دوما هل لابد  من الدفع  للإستفادة  من الخدمات المجانية والحصول على الحقوق المضمونة قانونيا؟ وما هو مصير الذين لا يستطيعون دفع الرشوة والذين يلتزمون باتباع القانون ويحاربون هذه الآفة وهذا السرطان الذي ينغص حياتهم؟

 وهنا مربض الفرس. من يا ترى يتخذ القرارات المجحفة في حق المواطنين بضربهم وتعنيفهم  ومداهمة منازلهم وإهانتهم بمجرد مطالبتهم بحقوقهم؟ نرجع إلى الحكومة المكونة من الرجال والنساء،هل هم الذين اتفقوا واتخذوا القرارات التي تؤلمنا مشاهد تطبيقها على أرض الواقع في أجساد وبيوت المواطنين وشوارع المدن. فمن من أعضائها أو جماعة منهم، يتجرأ لقول الحق والمحاسبة عليه؟

فالدولة ليست هي الجهاز الإداري(المخزن) الذي أنشأته، وليست الدولة أيضا هي الحكومة،قد تسقط الحكومة لكن الدولة تبقى ولم يعف رسمها حتى أثناء الإحتلال الأجنبي، ولا تموت الدولة وتنقرض إلا في حالة واحدة وهي انقراض جميع المغاربة ومحوهم من الوجود كما حصل لدول الأزطك والهنود الحمر في القارة الأمريكية.

ولتوضيح هذه الفكرة،  يمكن تمثيل الحكومة بالشركة المأجورة التي رست عليها المناقصة للقيام بعمل معين وزودت بجهاز وآلة من أجل إتمام المهمة والعمل الذي أتفق عليه. وكذالك الحكومة المغربية وجميع الحكومات في العالم. الجهاز الإداري وضع بالقانون تحت تصرفها، فالرجال والنساء في الحكومة هم الذين يسيرون هذا الجهاز ونفوذهم فيه هائل، كل حسب شطارته وقدرة استمالة النافذين والممارسين للعمل الإداري وهنا تفتح أبواب الفساد وتكثر الإحتجاجات التي تطالب بالقضاء على الفساد وسد أبوابه وربط المسئولية بالمحاسبة الحقيقية. هل هذا مستحيل؟ إن كان كذلك، فإن معظم المغاربة يطلبون ما لا يكون، ومن يطلب ما لا يكون، فإنه يحلم في اليقظة، وحاشا أن يكون المغاربة قاطبة يطلبون المستحيل ويعيشون أضغاط أحلام.ومن هنا يتضح أن المسئول الأول والأخير عن الأحاث المؤلمة التي تعيشها ساكنة الريف  وجميع المواطنين في بلدنا الغالي والغني هي الحكومة المغربية التي تشرف على الجهاز الإداري وتدبيره، فهي المدانة وهي سبب المشاكل وتجاوزات أعضائها الذين يجهلون أساليب معالجة الأحداث وأساليب وضع حد للظلم والقهروالقمع الذي يتعرض له المغاربة، أما الدولة المغربية، التي هي جميع المغاربة، فإنها بريئة براءة الذءب من دم يوسف من أحداث الريف. وحاشا أن يكون المخزن وحشا، كما نعته بذلك الأمير مولاي هشام من قبل، لأنه المخزن، كما تقدم، آلة غير عاقلة تشرف عليها الحكومة وتبقى هي الجانية كما جنت براقش على نفسها. فهل يا ترى يملك أعضاءها الشجاعة والجرأة لتحمل وزرها؟

الدكتور عبد الغاني بوشوار.

اجمالي القراءات 4456