ليس دفاعاً عن شارون ... ولكن إنصافاً للدكتور أحمد صبحي منصور
ليس دفاعاً عن شارون ... ولكن إنصافاً للدكتور أحمد صبحي منصور

جمال أبو شادي في الجمعة ٢٧ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

حياة وقيمة الإنسان وكرامته لابد أن تصان من الجميع وللجميع، ويجب أن يحافظ عليها تحت كل الظروف، لأن الله عندما كرّم البشر كرمهم لأنهم بني آدم – دون النظر إلى معتقداتهم وطوائفهم وألوانهم –، وذلك يعني بالضرورة والمنطق أن كل بني آدم ومن ضمنهم اليهود والمسيحيين وكل الأغيار وكل الممل والنحل هم خلق الله من آدم ولذلك هم مكرمون. هذا من حيث المبدأ أولاً. ثانياً الأصل في كل إنسان أن يقف إلى جانب إنسانيته وفي كل المواقف وتحت كل الظروف، ولا يجب علينا بأي حالٍ من الأحوال أن نتجرد منها، لأن فلان من البشر إنحرف عن فطرته السليمة وباع حسه الإنساني وأجرم في حق الإنسانية وتبرأ منها وعمل على قتلها وتدميرها مثلما فعل شارون الصهاينة ومعظم شارونات العرب بشعوبهم عامة والشعب الفلسطيني خاصة.

وأنه ليس من العدل ولا من الإنصاف أن نُكيل التهم جزافاً دون تدقيق أو تمحيص، ونخرج عن الخط الموضوعي في نقد مقالة د. أحمد صبحي منصور من الحضيض إلى أسفل السافلين .. احزن يا قلبي !!، ودون الخوض في شخصنة الموضوع، لأننا وللأسف أمة تحب تصفية حساباتها – ولأسباب معظمها ذاتية – بالتجريح واالشتم والسباب والتهم بالعمالة والخيانة والتبعية لهذا الطرف أو لذاك، كل ذلك على حساب النقد التحليلي والموضوعي لذلك المقال وما تضمن من أفكار وإجتهادات – قد نختلف معها أحياناً ولا نقرها – ويتم عمل جرد حساب له سخصياً من حيث طوله وعرضه ووزنه وأحواله الشخصية، ومن أين ومتى وكيف حصل على دكتوراه تلك التي لابد أنه حصل عليها بالنصب والإحتيال والتزوير، ويبدأ البحث عن تاريخه وتاريخ أجداده وعن نشأته وعن مدى قواه العقلية والنفسية وسلامتها، ومن ثم يتم عمل جرد حساب لكل ما كتب وألف وأنتج ولكل أبحاثه ودراساته وإجتهاداته والنتائج التي توصل لها في علوم التراث والتاريخ الإسلامي و علوم الحديث.

من يدافع عن قيمة الإنسان وكرامته المُصانة من قبل رب العالمين وبين دفتي قرآنه، لا يستحق أن يهاجم بهذا الاسلوب ويُنعت بأوصاف لا تليق بهذا الداعية الإنسان، وخاصة أن كلامه لم يكن بالمطلق والعموم، وليس لكل من ناضل بشرف وقاوم المحتل بسلوكيات وأبجديات المقاومة الواعية الهادفة، فالنضال والمقاومة بشرف وبأخلاق لا يعنى القتل العشوائي والقتل للقتل والدمار والخراب ليس إلا، وإلا نكون بذلك تماماً مثل شارون بإجرامه وإنتقامه وإرهابه، ولا يجوز لنا أن نتنصل من إنسانيتنا بحجة أننا أناس مظلومون ومضطهدون وأصحاب حق – وهو كذلك – ونجعل من هذا الهدف الحق والمقاومة المشروعة ذريعة للقتل العشوائي والدمار وإرهاب الآمنيين وتروعهم، وتكون المحصلة لمثل هذه الأعمال غير المسؤولة محددة الأثر والتأثير في صف المحتل.

مقال د.أحمد صبحي منصور تضمن محاور عدة، أذكر بعضها دون التعليق على كل ما ورد فيها، ولن أبرر أو أنفي أو أثبت ما طرحه من أفكار وإجتهادات هو أقدر مني على التعليق عليها وعلى كل ما كُتب عنها وعلى كل مَنْ جعلها ذريعة للتهجم عليه شخصياً وعلى أفكاره التي تَحمّل في سبيلها الإبتعاد والتهجير القصري عن وطنه وحورب في حرية فكره وحتى في لقمة عيشه، مقابل أن يخضع ويستكين وينافق السلطة الدينية والسياسية المتمثلة بالإخوان المسلمين في مصر والحركة الوهابية في السعودية، والتي رفضها ورفض منافعها وفضل عليها تمسكه بتلك الأفكار والإجتهادات مع شظف العيش والغربة وعدم الرضوخ لتلك القوى سواء بالترغيب أو الترهيب وما أكثره في حياته، وإنه كان من اليسير على أحمد صبحي منصور، أن يكون عميلاً ومنافقاً لمبارك أو للوهابيين من آل سعود وأن يكسب وينصب ويكون له المقام والسمعة والشهرة ويكون له برنامجه الديني الخاص على قناة إقرأ الفضائية كما هو الحال بالنسبة لشلة النصب بإسم الدين والتدين أمثال زغلول النجار وخالد الجندي وعمرو خالد وغيرهم، ولو انه دار في فلك جوقة التطبيل والتزمير وتقبيل الأيادي، لكان له نفس المكانة التي وصل إليها الشيخ القرضاوي وحصوله على الجنسية القطرية وكذلك الشيخ الكبيسي في إمارة دبي ونفاقه الفاضح غير المبرر لآل مكتوم وبالذات الشيخ محمد بن راشد ... وهنا لن أطيل عليكم في هذا الموضوع الذي يحتاج إلى مقالات آخر في تفصيله.

كلمة لمن وصف د. أحمد منصور بالعمالة والخيانة للصهاينة والأمريكان، لمجرد أنه لم يوفق في مقارنته بين "تسامح" أرهاب شارون ضد الشعب الفلسطيني وبين همجية ووحشية البوليس التابع لنظام مبارك في قتله للإنسان المصري أثناء محاولتهم الإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات التشريعية في العام الماضي، أقول:

العميل والخائن هو الذي يخون مبادئه ومعتقداته وإيمانه بإنسانيته، وهو الذي يسترزق بكتاباته وأفكاره وكتبه وأعماله، ويكسب قوته من فتات موائد أصحاب المعالي والسمو والشيوخ وأصحاب المال والأعمال والبزنس، ولكن ليس الذي يتمسك بمواقفه وأفكاره ويصر عليها مهما كلفه الأمر وعانى من خلاله.

شارون من وجهة نظر شعبه سواء رضينا أم أبينا، بطل وقائد إستطاع من خلال تاريخه – الدموي من وجهة نظرنا – العسكري أن يحقق لشعبه وبلاده – من وجهة نظره – الأمن والأمان والإستمرارية في حكم مستقر، وهذا ما يفسر حزن وصلوات معظم شعبه وإهتمامهم المبالغ بصحته وخوفهم الحقيقي عليه، ولكن شارونات العرب لن تجد من يتأسف عليهم أو يدعوا لهم بل عليهم إن هم مرضوا أو حتى ماتوا أو قتلوا، والسبب في حالة شارون واضح ومفهوم لما عمل لشعبه، والسبب أوضح بالنسبة لشارونات العرب الذين لم يتركوا وسيلة قهر وإذلال وتحقير وتفقير لشعوبهم، إلا وإستخدموها وتفننوا في إستخدامها، فعلاما العجب والإستنكار من مقارنة أفعال شارون بأفعال بمبارك أو صدام أو باقي شارونات العرب على ما قاموا به إتجاه شعوبهم أولاً و إتجاه الشعب الفلسطيني ثانياً، فالقتل والإرهاب في الحالتين واحد مع الأفضلية لشارون في إحترام شعبه على الأقل.

شارون يملك أدوات القوة الحديثة ويقوم بإستخدامها على الأغيار، أما شارونات العرب لا يملكون إلا ملك اليمين وأدوات القمع التي تسيطر على مقدرات البلاد والعباد، ويلعنون ويشتمون شارون الصهاينة، هم وازلامهم ومشايخهم وعلى كل الفضائيات وفي كل الصحف وعلى الملأ، وأما في الخفاء تجدهم يسبحون بحمد شارون ويتمنون له الشفاء العاجل حتى يرعبون به شعوبهم وتبقى سلطتهم وسطوتهم على أبناء جلدتهم. شارون وبوش يملكان أسرار القوة والجبروات في هذا العصر وهذه حقيقة لا يختلف فيها إثنان ولا يتناطح عليها عنزان، وهم سبب البلاء والدمار والخراب والشقاء لشعوبنا العربية خاصة – طبعاً شارونات العرب مساكين لا ذنب لهم بما تقترفه أيادي شارون ولا بوش - وللعالم عامة، و يُستثنى من ذلك كله شعب بوش وشارون طبعاً، وإذا سلمنا بهذه الحقائق وأثبتنا بالدليل القاطع على أن هؤلاء القوم ضد البشرية والإنسانية فلا ضمير لهم ولا وازع أخلاقي أو ديني أو إنساني يردعهم أو يصدهم عن إستخدام هذه القوة الفتاكة في حصد الإنسان العربي والمسلم من على وجه هذه البسيطة، فلماذا لا يقوموا بمثل هذا العمل؟ إليس من الممكن أن يكون المانع إنساني ولو محدود عندهم ... ولكن السؤال الذي يلح على تفكيري هو: هل يا تُرى لو إنقلبت الموازين وأصبحنا نملك نحن أسرار القوة الحديثة ومفاتيح وأزرار القنبلة الذرية والبيولوجية والجرثومية ونحن لا زلنا نفكر بعقلية شارونات العرب في هذه الأيام، فهل نغفر لهم ما قام به بوشهم و شارونهم ونسامحهم ونكون معهم رحماء ونعاملهم كما يعاملوننا اليوم – مع سوء معاملتهم لنا في بعض المواقف والظروف –، أم نتنصل من إنسانيتنا وأخلاقياتنا وندمرهم تدميرا، فلا نرحمهم ونعاقبهم بأبشع ما عاقبونا به في زمانهم؟ على الأرجح أننا لن نرحمهم ولسوف نُهلك الحرث والنسل ولن نفرق بين إنسان أو حتى حيوان عندما نريد عقابهم.

أذاً ما هو الفرق – عندما تدور الدوائر عليهم وينقلب حالنا وحالهم – بين هذا القتل والإرهاب وذلك القتل والإرهاب، إن لم يكن ذلك الشعور الفطري الإنساني للإنسان أولاً وقبل كل شيء، وهو الذي سوف يمنعهم من إبادتنا ويمنعنا من إبادتهم على الأرجح.

حقيقة وجود إسرائيل والشرعية الدولية، عندما ذكر الدكتور أحمد صبحي منصور في مقاله، أن إسرائيل حقيقة علينا تقبلها ... ثار عليه البعض ونعته أيضاً بالعمالة للصهيونية والتبعية للغرب وللشرعية الدولية، وكأنهم بإنكارهم لتلك الحقائق يعتقدون و يقنعون أنفسهم واهمين أنها غير موجودة بيننا وكل من يذكرها أو يذكرنا بها هو عميل أو خائن، والحقيقة أن إنكار ما هو موجود لا يعنى بأي حال من الأحوال زواله عن الوجود، وفي المقابل الإيمان بالواقع والتسليم به لا يعنى بالضرورة الإستسلام له وعدم تغييره أو إصلاح الخلل فيه أو تعديله وذلك أضعف الإيمان، إسرائيل حقيقة مفروضة علينا موجودة بيننا لا مجال لإنكارها، ولا تثريب على من يُقر بها كحقيقة واقعة خاصه أنه لم يساعد على وجودها وإنما ظروف المجتمع الدولي وموازين القوى وعوامل أخرى عديدة لا تُغنى معرفتها الآن والعلم بها شيء من حقيقة وجودها.

فالتسليم بوجود إسرائيل لا يعنى - كما ذكرت سابقاً – الإستسلام لواقع الظلم الحاصل على الإنسان الفلسطيني ونسيان حقه المغتصب ونسيان حقيقة مَنْ شُرد من دياره وأحتلت أرضه، ولكن قبول هذه الحقيقة معناه العمل على تغيير هذا الواقع الظالم وهذا الإستبداد ومنع القتل و الإرهاب، وذلك بالفعل لا بالقول والتمنى والإنكار والرفض، وأيضاً بالعمل والتخطيط المستمر والواعي والهادف وليس بالسب والشتم والعنتريات والكلمات الفارغات والمزايدات، وليس بالقتل العشوائي والدمار من أجل الدمار والقتل من أجل القتل، بدون هدف ولا برنامج ولا خطة للتغيير، وكذلك بالوسائل التي ترفع من قيمتنا كبشر وتحفظ كرامة الإنسان مهما كان وأينما وجد وكيفما كانت عقيدته ومعتقداته.

اجمالي القراءات 15775