القاموس القرآنى : ( ذرأ ـ ذرية )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٦ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : ( ذرأ ـ ذرية )

أولا : ذرأ  بمعنى ( خلق )

1 ـ قال جل وعلا عن مشركى العرب وغيرهم : ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) الانعام ) ، أى جعلوا لرب العزة جل وعلا نذرا وقربانا مما خلق من الأنعام والزروع ، ثم يهبونه قربانا لآلهتهم بدلا من التصدق به على الفقراء والمساكين . وهو نفس ما يقع فيه أغلبية المحمديين الذين ينفقون الملايين تبرعا لحفلات الموالد لأئمة الشيعة والأولئاء الصوفية ، يعتقدون أنها تقربهم الى الله جل وعلا زلفى .! هذا بينما يوجد ملايين الفقراء وأطفالهم ، لا يجدون م ينفقون !!. 

2 ـ وقد يأتى معنى ( ذرأ ) بمعنى الخلق فى الآخرة ، مثل قوله  جل وعلا عن الضالين من الانس والجن : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الاعراف ). البعث هو إعادة للخلق ، قال جل وعلا عن الأرض : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) طه ) وقال عن إعادة خلق الكون كله : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)الانبياء ) وقال عن بعثنا بإعتباره إعادة للخلق الأول : ( مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) لقمان ) . وعن البعث كخلق جديد قال جل وعلا : (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق ) وهذا البعث هو أهون عليه ، قال جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) الروم ). من هنا فإن ( ذرأ ) فى الآية 179 من سورة الأعراف تعنى (خلق ).

3 ـ وتأتى كلمة ( ذرأ ) بمعنى كثرة الخلق وتنوعه ، قال جل وعلا :  ( وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) النحل )، أى ما خلق جل وعلا لنا فى الأرض من نبات وغيره مختلفا ألوانه .

وعن مخلوقاته جل وعلا  فى الأرض من البشر والأنعام أزواجا تتناسل وتتكاثر وتتكون لها ذرية ، قال جل وعلا : (  فَاطِرُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنْ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ (11) الشورى)،( يذرؤكم ) أى يخلقكم .  وعن كثرة البشر وإنتشارهم فى الأرض  قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) المؤمنون  ) ، و قال جل وعلا أيضا : ( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الملك ).

ومن هنا جاء إشتقاق كلمة ( ذرية ) من ( ذرأ )

ثانيا : ذرية :

وهى بمعنى ( النسل ) قال جل وعلا عن ( نسل ) آدم : (وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) السجدة  ). 

وتتنوع معانى كلمة ذرية ، من ذرية الفرد بمعنى أبنائه وتتسع الى ذرية آدم من البشر جميعا ، على النحو التالى :

1 ـ ذرية الفرد : أبناؤه : قال جل وعلا : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) البقرة )، هذا مثل عن فرد بلغ أرذل العمر وله أبناء صغار.

وقال جل وعلا عمّن يريد التقوى ويخشى هلى أبنائه : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9) النساء ) .

ويدخل فى هذا دعاء زكريا ربه جل وعلا أن يهبه ولدا يكون ذرية صالحة له : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) آل عمران )، فإستجاب له ربه جل وعلا ووهبه يحيى ، عليهما السلام .

2 ـ وقد تأتى الذرية تدل على أجيال من الصالحين ، قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) آل عمران ) ، وهذه الذرية الصالحة ستجتمع فى الجنة تبعا لعملهم الصالح فى حياتهم الدنيا ، قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) الطور ) .

3 ـ وقد تأتى الذرية لتدل على النسل الآتى من شخص واحد ، منهم الصالح ومنهم الفاسق ، قال جل وعلا : ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) الصافات )

4 ـ نسل البشر يتتابع ، يأتى جيل من نسل جيل سابق ، أو من ذرية جيل سابق ، قال جل وعلا : ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) الانعام )، فكما نحن من ذرية السابقين سنكون نحن آباء لذرية اللاحقين .

5 ـ بعد طوفان نوح عليه السلام إندثرت ذرية من كان معه من المؤمنين ، وكانت ذرية نوح هى الباقية ،  قال جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (77) الصافات ). أى إن نوح عليه السلام هو الأب الثانى للبشر بعد آدم . وكل البشر الآن من نسله أو من ذريته .

6 ـ ينطبق هذا جزئيا على ابراهيم عليه السلام ، فمن نسله بنواسرائيل ( اسرائيل أى يعقوب ابن اسحاق بن ابراهيم عليهم السلام ) ومن نسله العرب لمستعربة من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام .  قال جل وعلا : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (27) العنكبوت ). وابراهيم ـ بالطبع من ذرية نوح ، ومن هنا يأتى الجمع بينهما فى هذا الخصوص ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) الحديد ) . كلمة ( ذريتهما ) تعود لابراهيم ونوح معا .

ومن الرائع قوله جل وعلا عن ابراهيم عليه السلام : ( َتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ )، بعدها قال جل وعلا : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) أى من ذرية ابراهيم ، وايضا من ذرية نوح : (  دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) الانعام  ) هؤلاء جميعا من ذرية ابراهيم ، وابراهيم من ذرية نوح .!

7 ـ ويصل الاتساع الى نهايته لتدل كلمة الذرية على كل البشرية من أبناء آدم ، قال جل وعلا : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الاعراف )، وقال ابليس فى غمرة حقده على آدم : ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) الاسراء ).

8 ـ ابليس أيضا له ذرية . بعد أن طرده الله جل وعلا من الملأ الأعلى وجرّده من صفته  الملائكية كان أى أصبح من الجن، أى نزل من مستواه الملائكى الرفيع الى مستوى الجنّ المحرم عليها الارتقاء من برازخ الأرض الى برزخ السماء الدنيا وما يليها . وأصبح إسمه ( الشيطان ) ، وتكاثرت ذريته ، والذى يُعرض عن الرسالة السماوية من ذرية آدم يقترن به قرين شيطانى من ذرية إبليس ، قال جل وعلا يذكّرنا : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50) الكهف ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 6680