تلاوة القرآن هى تبيانه

Inactive User في الخميس ٢٦ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

تلاوة القرآن هى تبيانه :
كلمة ( يكتم ) وكلمة ( يخفى ) وكلمة ( يُسِرُ) كلها مفردات جاءت فى كتاب الله العزيز فى مواضع مختلفة ولكنها تؤدى نفس الغرض وهو إخفاء الحقيقة وكتمانها وعدم إبدائها , وفى مقابل هذه المفردات الثلاثة جاءت ثلاثة مفردات أخرى تحمل عكس معانى تلك المفردات الثلاثة وهى يبين ويبدى ويعلن .. كيف ذلك ؟
يقول الله تعالى عن الكتمان والتبيان :
((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160})) البقرة 159 :160
واضح فى الآية السابقة أن الكتمان ( من الفعل يكتم ) عكس التبيان ( من الفعل يبين ) .
يقول الله تعالى عن الإخفاء والإعلان :
(( ألَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )) النمل 25 .
واضح من الآية السابقة أن الإخفاء ( من الفعل يُخفى ) عكس الإعلان ( من الفعل يُعلن ) .
يقول الله تعالى عن الإسرار والإبداء :
((( قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ )) يوسف 77
واضح من الآية السابقة أن الإسرار ( من الفعل يُسِرُ ) عكس الإبداء ( من الفعل يُبدى ) .
ولقد حسم قيوم السماوات والأرض أمر بيان القرآن العظيم فى مجرد تلاوته وتلاوة القرآن لا تعنى مجرد القراءة بدون فهم أو تدبر أو إستنباط ولكن التلاوة تعنى ذلك كله أى
1-القراءة
2- والفهم
3- والتدبر
4- والإستنباط
وهذا هو مفهوم تلاوة القرآن الكريم فكم من قارىء للقرآن لا يفقه منه شيئأ وكم من قارىء لا يفهم إلا النذر اليسير , ولكن التلاوة بمعناها القرآنى الذى فهمته من القرآن معناها أن أقرأ وافهم وأتدبر وأستنبط من القرآن العظيم , ولقد كان الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشى على الأرض فكانت الأحكام والشرائع والأخلاق القرآنية تتحرك من قلبه إلى شفتيه مباشرة بمجرد أن يسأله أحد سؤالاً أو يعرض عليه موقف معين فكان عليه السلام ينطق بالحق القرآنى فى المسائل التى نزل فيها قرآن , أما المسائل التى لم يكن لها حكم مسبق فى القرآن فكان عليه السلام ينتظر وحى الله له وكلنا يعلم الآيات الكثيرة التى تبدأ ب ( ويسألونك ) ثم ( قل ) كما حدث مع المحيض واليتامى وذى القرنين والأهلة وغير ذلك , أما علماء الأمة منذ بعثة النبى وإلى اليوم فمن المفترض أن يكون منهم طائفة متخصصة فى إستنباط الحقائق والشرائع والخلق الكريم من بين سطور القرآن العظيم معتمدين فى ذلك على اللفظ القرآنى فحسب فى فهم واستنباط ما يحتاجون له , من غير يطوعوا آيات القرآن لقواميس خارجية أو عوامل بيئية أو أحداث تاريخية أو أمراض إجتماعية , وعن ذلك يقول المولى تعالى :
(( َإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً )) النساء 83
فالرسول الكريم هنا لا يحتاج لعلماء أو ائمة يستنبطون له الأحكام والشرائع القرآنية لأنه كما قلنا قرآن يمشى على الأرض فلا يتكلم إلا بحق وصدق وعدل , أما بعد انتقاله عليه السلام للرفيق الأعلى فإن الأمة تحتاج لطائفة من المفكرين والعلماء والفقهاء المخلصين الذين يجب أن يتخصصوا فى تلاوة القرآن أى قراءته وفهمه وتدبره والإستنباط من آياته الكريمة .
وعن تلاوة القرآن على الناس يقول الله تعالى :
((وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ {50} أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {51})) العنكبوت 50 , 51
فى الآية السابقة يطلب الكفار أن تكون للرسول الخاتم آية حسية حتى يؤمنوا به وبرسالته فيرد الله عليهم بأن عنده من الآيات الكثير ولكنه سبحانه يكتفى بتلاوة القرآن العظيم لأن فيه ذكرى ورحمة لقوم يؤمنون . ولكنهم يرفضون القرآن الكريم ويبحثون عن آية حسية ملموسة مثل آيات موسى وعيسى وسليمان وغيرهم من رسل الله وأنبيائه , لأنهم فى الحقيقة يراوغون ولا يؤمنون حتى لو جاءتهم الآية الحسية .
ثم يؤكد المولى تعالى على أن الرسول إنما بعث ليتلو على الناس هذا الكتاب المعجز الذى لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً , ومع إعجازه هذا فإنه ميسر للذكر والتلاوة والفهم واستنباط الأحكام والتشريعات والمبادىء والقيم الكريمة من بين آياته
( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر ) ,
( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) ,
ولذلك يؤكد الله تعالى على أن تبيان القرآن هو إظهاره أى تلاوته وكتابته وترجمته بشكل صحيح وطباعته ونشره وتوزيعه فى أنحاء الكرة الأرضية ليعرفه كل البشر ويفهموه فيؤمن به من يؤمن ويكفر به يكفر . وفيما يلى سنذكر عدداً من آيات الله الكريمات التى تؤكد أن تبيين القرآن هو تلاوته :
1- : الرسول يبين القرآن بتلاوته وليس بتفسيره :-
يقول تعالى :-
(( أو لم يكفهم أنا انزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم إن فى ذلك لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنون )) العنكبوت 51

ويقول سبحانه :-
(( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمراً من قبله أفلا تعقلون )) يونس 16
(( قل تعالوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم .....)) الأنعام 151

(( ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً )) الكهف 83
ويقول سبحانه وتعالى :-
(( إنما أًُمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذى حرمها وله كُل شىء وأُمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ))
النمل 91 ، 92
ويقول الله سبحانه وتعالى :-
(( كذلك أرسلناك فى أمة ٍ قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهمُ الذى أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه مئاب )) الرعد 30
ويقول سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم وإسماعيل (ص) :
(( ربنا وا بعث فيهم رسولا ً منهم يتلو عليهم آياتك ويُعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال ٍ مُبين )) الجمعة 2
(( وما كان ربُك مُهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولاً يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مُهلكى القُرى إلا وأهلها ظالمون )) القصص 59
ويقول سبحانه وتعالى فى سورة الطلاق آية 10 ، 11

(( أعد الله لهم عذاباً شديداً فاتقوا الله يا أولى الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله اليكم ذكراً رسولاً يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يُدخله جناتِ تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ابداً قد أحسن الله له رزقاً ))
الطلاق 10 ، 11


يعتقد الكثيرون أن الله سبحانه وتعالى عندما أنزل الآية القرآنية الكريمة على رسوله الخاتم عليه الصلاة والسلام (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) فإن الله سبحانه وتعالى قد أذن للرسول (ص) أن يفسر القرآن للمسلمين وذلك لكى يجدوا سبباً مقنعاً لوجود تلك الآلاف من الآحاديث التى كتبت عن الرسول الخاتم (ص) بعد وفاته بقرنين من الزمان .
وهم بإعتقادهم هذا قد ذهبوا بعيداً عن المفاهيم القرآنية التى أكدت فى كل سور القرآن الكريم على الحقائق التالية :-
أولاً : الرسول الخاتم وكل رسول سبقه بشر مثلنا يوحى إليهم
ثانياً : مهمة الرسول الخاتم هى تبليغ القرآن الكريم للناس كافة (يا أيها النبى بلغ ما أوحى إليك من ربك وإن لم تفعل ما بلغت رسالته ) , ( ما على الرسول إلا البلاغ المبين ) .
ثالثاً : القرآن الكريم كامل وتام ولا يحتاج لشىء يكمله , كما أنه واضح ويفسر بعضه بعضاً ولا يحتاج لأحد من البشر لكى يفسره ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ) , كما أنه مفصل تفصيلاً دقيقاً ( فصلناه على علم هدى ورحمة وبشرى ) , ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ( ما فرطنا فى الكتاب من شىء ) .
ومن آيات القرآن يستطيع المتدبرون فى كلماته أن يستنبطوا الأحكام والتشريعات وقيم العدل والمساواة والمثل العليا بكل أنواعها (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء 83 . ومن الآية السابقة نفهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستنبط كل شىء من آيات القرآن الكريم , وأن أولى أمر المسلمين من المفكرين والعلماء وفقهاء القرآن مطلوب منهم إستنباط الأحكام والتشريعات والقيم والمثل من آيات القرآن العظيم .
رابعاً : ليس من حق أى رسول منذ آدم و حواء وإلى محمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام – أن يأتوا بكتب أو أقاويل أو أحاديث أو آيات لكى تضاف إلى وحى الله تعالى إليهم بدعوى إكماله أو تفسيره أو توضيحه (ولقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ )) الرعد 38
ومن الدراسة الإستنباطية لكلمة (( يُبين )) من آيات القرآن الكريم يتضح عكس ما يعتقدونه تماماً من أنها تُعنى يُفسر وسنجد من هذه الدراسة – بعون الله تعالى – أن الكلمة تعنى يعلن ويبدى وهما عكس الإخفاء والكتمان والمطلوب من الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام وأتباعه إلى يوم القيامة إظهار الآيات القرآنية للعالمين وعدم إخفائها عن أحدٍ كما فعلت الأمم السابقة فقاموا بإخفاء الكثير من وحى الله فى كتبه السماوية التى سبقت القرآن الكريم (( التوراة والإنجيل )) وحرفوا الكتب السماوية عن مواضعها ولم يبينوها للناس يقول تعالى :-
(( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبين لكم كثيراً مما كنتم تُخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين )) المائدة 15 .
ونحن نثبت فى بحثنا هنا أن كلمة (( يبين )) معناها يظهر بالتلاوة أى أن تلاوة الرسول ( ص) للقرآن هى بيانه وذلك لأن الله تعالى أنزله قرآناً عربياً غير ذى عوج , وجعله ميسراً للذكر والتلاوة والتدبر والفهم والتعمق فى آياته الكريمات .وسنعرض فيما يلى جميع الآيات القرآنية التى ذكرت فيها كلمة (( يبين )) وعرضنا فى بداية البحث الآيات الكريمة التى ذكرت فيها كلمة (( يتلو)) ونعقد مقارنة بينهما لنصل فى نهاية البحث أن كلمة (( يبين )) معناها يظهر ( بالتلاوة) أى يتلوه على الناس وأن هذه هى قمة التبيان لكتاب الله تعالى .

أولاً : - تبيين الشىء هو إظهاره حتى يصير محسوساً ومرأياً رأى العين :-
• آذر أبو نبى الله ورسوله إبراهيم (ص) كان مشركاً يعبد الأصنام وحدثت مناقشات طويلة بين إبراهيم وأبيه إنتهت بقول أبيه له :
آذر : (( أراغب أنت عن آلهتى يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرنى ملياً )) مريم 46 .
قال له نبى الله ورسوله إبراهيم :
نبى الله إبراهيم : (( سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفياً , وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقياً )) مريم 47 , 48 .
وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يتمنى لأبيه الهداية والرشاد وكان يعتقد أنه سيتأثر بدعوته ويترك الصنم ويعبد الله الواحد الأحد , ولكن الأيام أثبتت وأكدت و(( بينت )) له أن اباه عدو لله وعندئذ تبرأ منه يقول تعالى :
(( وما كان إستغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )) التوبة 114 .
وعلى المؤمن المتدبر أن يلاحظ قوله تعالى (( تبيّن )) وكيف أن هذا التبيُّن قد حدث بعد المناقشة والمجادلة والرؤية الصادقة التى جعلت إبراهيم يتأكد من فساد عقيدة أبيه وعدم جدوى الدعوة معه

* قوم عاد وثمود من الأقوام السالفة أرسل الله فيهما نبيين صالحين هما نبى الله ورسوله هود إلى عاد , ونبى الله ورسوله صالح إلى ثمود , دعوا قومهما إلى عبادة الله الواحد ولكنهم أبوا , واصروا على الكفر فدمرهم الله تعالى وترك التدمير آثاره المروعة على مساكنهم , ومن يذهب لرؤية تلك المساكن المهدومة المهجورة ( فى زمانها ) يشعر بمدى الدمار والجبروت الإلهى الذى حل بهم , ويتبيّن الآية الإلهية فى هذين القومين الذين رفضوا الإنصياع للحق وعاشوا على الكفر حتى نسفهم الله تعالى نسفاً يقول تعالى :-
(( كذبت ثمود وعاد بالقارعة , فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية , وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية , سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية , فهل ترى لهم من باقية )) الحاقة 4 : 8 .
ويقول تعالى :
(( وعاداً وثمودا وقد تبيّن لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين )) العنكبوت 38 .
وعلى المؤمن المتدبر أن يمعن فى قوله تعالى
(( تبيَّن لكم من مساكنهم )) حيث (( يظهر )) في هذه المساكن القديمة آثار الدمار الرهيبة التى تبعث على القشعريرة والخشوع لله الواحد القهار .
• نبى الله ورسوله سليمان (ص) سخر الله تعالى له الريح والجن فلما مات سليمان كان متكئاً برأسه على العصاة وراحت ديدان وحشرات الأرض تأكل العصاة من أسفلها حتى أثرت فيها فانزلقت فسقط سليمان أمام الجن المسخر الذين اكتشفوا أنهم لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أن سليمان مات ولكانوا أراحوا أنفسهم من عناء وعذاب العمل والسخرة , يقول تعال

(( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر , ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير , يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكراً وقليل من عبادى الشكور , فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين )) سبأ 12 : 14 .
وعلى المؤمن المتدبر أن يعلم أن الجن تبينت أى تأكدت بالبرهان العملى الذى وضح أمام عيونهم أنها لا تعلم الغيب بعد أن ظهرت أمامهم الآية واضحة جلية وهى بقاء سليمان ميتاً فترة طويلة دون علم الجن واضعاً رأسه على عصاته , ولولا أن حشرات الأرض أكلت الطرف السفلى لعصا سليمان مما جعله يخر أمامهم ميتاً ما علمت الجن بموته ولظلوا فى المهمة الشاقة المكلفين بها .

• والصائمون فى رمضان يأمرهم الله تعالى بالإستمرار فى تناول الأكل والشرب لمن يرغب حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وذلك هو الحد الفاصل بين الليل والنهار يقول تعالى :
(( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )) البقرة 187 وعلى المتدبر أن يلحظ هنا كلمة يتبين التى تعنى يظهر لأن الصائمين سوف يرون الفرق جلياً ظاهراً بين الخيطين الأبيض والأسود أمام عيونهم فيفرقون به بين الليل والنهار .

يقول الله تعالى :
(( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )) فصلت 53
ومعلوم أن الآيات الموجودة فى الآفاق آيات كونية ظاهرة جلية واضحة أمام العيون وليست خافية إلا ما كان منها يحتاج لعلم وبحث وتقص وسير فى الأرض وبحوث فى طبقات الأرض المختلفة فهذا يظل خافياً حتى يظهره العلم ويتعرف عليه الإنسان , فالمؤمن المتدبر سوف ييقن من قلبه أن كلمة يتبين تعنى يظهر حيث يظهر لهم أنه الحق من خلا ل رؤيتهم ومشاهداتهم لتلك الآيات فى الآفاق وفى أنفسهم , وكما بينا سابقاً فهناك آيات كونية ظاهرة وواضحة للجميع , وهناك آيات فى الكون والجسم البشرى والنفس البشرية لا يراها إلا العلماء والباحثون والمدققون والسائرون فى الأرض لينظروا كيف بدأ الله الخلق .
* يقول الله تعالى :
(( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) الحجرات 6
والمؤمن المتدبر يرى أن قوله تعالى فتبينوا يراد به البحث والتقصى من أجل معرفة حقيقة الأمر واستظهار الحق , وتفريقه عن الباطل .

ثانيا :
كلمة يبين تعنى يظهر وهى عكس يخفى والإظهار يكون بالتلاوة .
يقول الله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160})) البقرة 159 . 160 .
فعلى المؤمن المتدبر الباحث عن الحق فى كتاب الله وحده بلا شريك ولا منازع أن يعلم أن كلمة يكتم عكس كلمة يبين لأن الله تعالى قد لعن الذين يكتمون البينات التى جاءت واضحة فى كتابه العزيز وأنه سبحانه قد بينها فى الكتاب وأظهرها جلية وعلى ذلك فقد استحقوا لعنة الله ولعنة اللاعنين إلا الذين تابوا وأصلحوا و(( بينوا )) يتوب الله عليهم .
ولو كانت كلمة (( يبين )) معناها يفسر كما يقول البعض لحدث تناقض , ففى الآيتين السابقتين يقول المولى سبحانه عن ذاته (( من بعد ما بيناه للناس )) وفى الآية التالية يقول سبحانه (( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا )) فكيف يؤكد المولى أنه فسر القرآن فى الكتاب ثم يطلب من التائبين تفسير القرآن ؟؟ لو كانت كلمة يبين معناها يفسر كما يقول البعض ؟ أعتقد أن ذلك بعيد عن المنطق لأن معنى الكلمة واضح ولا يحتاج للجدال والعنت وهو (( الإظهار )) و (عدم الكتمان ) وذلك بتلاوة الكتاب الذى أنزله الله لهداية البشر لأن من صفات الأمم السالفة كأهل الكتاب إخفاء وكتمان الحق عن الناس وعدم تبيانه وإظهاره وتلاوته أمامهم كما أنزله الله تعالى .
ويقول تعالى : (( وما ارسلنا من قبلك إل رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون , بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )) النحل 43 , 44 .
فى الآية الكريمة السابقة نقول :
إختلف المجتهدون أشد الإختلاف فى تفسير معنى كلمة( لتبين ) فذهب بعضهم إلى القول بأن معناها بيان الرسول للقرآن بأسلوب أكثر فهمأ ويسرا وبذلك
فقد إعتبروا أن جميع الأحاديث الموجودة فى صحيح البخارى ومسلم (الشيخان) هما ذلك التفسير والبيان والتوضيح لآى الذكر الحكيم ( القرآن الكريم) وذهب البعض الآخر إلى تفسير كلمة ( لتبين ) أن معناها لتريهم من القرآن ما يفسر بعضه بعضأ ولا يحتاج لمفسر له بسبب يسره وسهولة فهمه وأن هذا البيان معناه أن الرسول الخاتم سوف يؤكد لأهل الإنجيل والتوراة أن ما أنزل إليهم من ربهم كان حقا وصدقا وعدلأ مثلما أن القرآن حق وصدق وعدل بدليل ان القرآن جاء مصدقا لما بين يديه من كتب سماويه وأمر كل مسلم أن يؤمن بالكتب السماوية السابقة والرسل والانبياء السابقين نفس إيمانه بخاتمهم (عليهم جميعأ السلام) دون أن نفرق بين أحد منهم0
وأود أن أطرح سؤالأ للفريق الأول الذى يعتبر أن كلمة (لتبين) معناها لتفسر وهذا السؤال هو :-
لو كان معناها هكذا ألا يعتبر ذلك أمرأ وتكليفا من الله لرسوله الخاتم(ص) أن يفسر القرآن للناس ؟
الجواب نعم
وبناءا عليه كان الرسول سيسارع بتفسير القرآن فى كتاب محفوظ ومكتوب بنفس الطريقة والأهمية التى كتب وحفظ بها القرآن أليس كذلك ؟
وكان لا بد أن نرث هذا التفسير لأنه أعظم تفسير للقرآن فى الوجود فهو –عندئذ—تفسير خاتم الأنبياء والمرسلين الذى يأتيه وحى السماء ولا يمكن أن ينطق عن الهوى .
وكان لا بد أن يكون هذا التفسير مسلسلأ من أول سورة الفاتحة مرورأ بسورة البقرة ثم آل عمران ثم النساء وهكذا حتى سورة الناس أو يتم التفسير حسب ترتيب نزول السور الكريمة على رسول الله (ص) ومما لا شك فيه ان هذا التفسير سيكون كاملأ شاملأ ولن يخرج البتة عن نطاق الآيات الكريمة التى يفسرها الرسول فمثلا كان النبى سيبدا بسورة الفاتحة من البسملة ثم الحمد لله رب العالمين ثم الرحمن الرحيم ثم مالك يوم الدين وهكذا حتى النهاية ثم يبدأ النبى بعد ذلك بتفسير سورة البقرة من ( ألم ) ثم ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) وهكذا حتى نهاية السورة الكريمة ثم يطبق الرسول نفس القاعدة ونفس المنهج لتفسير باقى سور القرآن العظيم
وهنا سيكون بين أيدينا تفسير للقرأن قام به أعظم وأشرف خلق الله وهو الرسول الخاتم الذى لا ينطق عن الهوى , فأين إذأ هذا الكتاب ؟ الذى لو كان موجودأ لحل لنا ملايين المشاكل التى نشأت من الرواة والأحاديث وجمع الأحاديث بعد إنتقال النبى لمولاه سبحانه بقراية قرنين من الزمان مما أتاح الفرصة للقيل والقال وأعطى أعداء الدين الفرصة الكاملة ليضيفوا للدين ما ليس فيه عن طريق الكثير من الأحاديث الموضوعة والتى تثبت كل البحوث وتؤكد أن هناك الكثير من الأحاديث وضعت للكيد للإسلام وأن فيها ما هو إسرائلى وضعه اليهود ضد مصالح الإسلام والمسلمين كما ثبت وجود أحاديث ضعيفة وأحاديث لا ثقة فيمن رواها مما تسبب فى وجود علم الجرح والتعديل .
لو كانت كلمة ( لتبين ) معناها لتفسر لسارع خاتم الأنبياء والرسل (ص) يالتنفيذ لأنه أمر مالك الملك , ولكان هذا الكتاب بين أيدينا بنفس قدسية وحرمة القرآن لأن الله هو الذى كان سيفسره للنبى بأسلوب مبسط عن طريق الوحى وياليت هذا التفسير بيننا وكان سيوفر علينا عناء الإختلاف والخلاف الذى قد يصل أحيانأ إلى إتهام البعض للبعض الآخر بالكفر والخروج عن الدين والعياذ بالله تعالى
ولكن من رحمة العلى القدير أن القرآن سهل الفهم
( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)
وفيه كل شىء يهم دين الفرد وخلقه وسلوكياته مع الله ومع الآخرين
( ما فرطنا فى الكتاب من شىء)
ثم إنه فعلأ يفسر بعضه بعضأ
( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا)
ثم أنه مفصل
( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم عليم )
وهو محصن ضد الوضع والتلفيق
( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)
وبالنسبة للفريق الأول هل الأحاديث الموجودة فى الصحاح هى تفسير حقيقى ومرتب لآيات القرآن الكريم بما يحقق المعنى الذى ذهبتم إليه عن كلمة ( لتبين ) وإذا راجعنا الصحاح هل نجد تفسيراً للقرآن العظيم كتبه الرسول ووثقه ونقله عنه الصادقون الأتقياء من الصحابة الذين حملوا لواء الدعوة إلى الله بالحسنى بعد وفاة الرسول الخاتم؟
كنت أتمنى من قلبى أن كلمة ( لتبين) معناها لتفسر وعندئذ كنت سأمتلك كتابأ عظيما لتفسير كلام الله تعالى بيد رسوله الكريم فأين هذا الكتاب الرائع الذى كان سيحسم كل الخلافات وينهى كل المجادلات والمشاحنات ؟

مما سبق من دراسة أستطيع أن اعلن نتيجة هذا الإجتهاد على النحو التالى :
1- تلاوة القرآن معناها قراءته وفهمه وتدبره واستنباط الأحكام والخلق والشرائع من آياته الكريمة .
2- كلمة (( يبين )) عكس كلمة ((يكتم)) , وكلمة (( يعلن )) عكس كلمة (( يسر )) , وكلمة (( يخفى )) عكس كلمة (( يبدى )).
3- كلمة (( يبين )) معناها يظهر ويكون الإظهار بالتلاوة على نفس نسق كلمة التلاوة كما بينا فى بند 1
4- الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام كان قرآناً يمشى على الأرض يتكلم بوحى السماء فيما يخص بلاغ رسالة الله تعالى وتلاوتها واستباط الأحكام من آياتها الكريمة .
5- المطلوب من المفكرين والعلماء فى كل مكان وزمان تلاوة القرآن بمعنى قراءته وفهمه وتدبر آياته واستنباط الأحكام والشرائع والخلق والقيم من بين آياته الكريمة .
6- الأحاديث التى رويت عن الرسول الخاتم ( ص) بعد قرنين من وفاته لا تفسر القرآن الكريم .
كل ما نكتبه هو بحث وتقصى لإستنباط المعانى من كتاب الله تعالى وهو اجتهاد بشرى ليس إلا وعندما نجد برهاناً يكون أقرب للصواب مما كتبنا ومن خلال القرآن الكريم فليس لنا غير التسليم والطاعة لله ورسوله وكتابه .
































اجمالي القراءات 16442