السنّة بين القرآن و دين الحديث الأرضي (2)

مولود مدي في الثلاثاء ١٦ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في الدراسة السابقة أظهرنا أن التعريف الذي وضعه مؤسسي الدين الأرضي لمفهوم السنّة هو تعريف لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن روح الاسلام الحقيقي لانه دخلت فيه الأهواء و الرغبات و لا نكاد نجد للقران أثرا فيه, و عندما نطّلع على أراء فقهاء دين الحديث الأرضي مثل " الأوزاعي " و " الطبري " لا نجد في كتبهم سوى خطابات التكفير و اللعن في حق اللذين عارضوهم, فلو نتصفّح كتاب " السنّة " لأحمد بن حنبل او كتاب " صريح السنّة " للطبري سنفهم في الوهلة الأولى أن هذه الكتب موجّهة للمسلمين لكي يفهموا ما هي " السنّة " و ما علاقة القرأن بها و ما هي مصدرها لكن لن نجد هذا على الاطلاق بل سنجد أمامنا مصنّفات من الأحاديث و الفتاوي و الروايات التي تناقض بعضها بعضا و بالتأكيد سنجد الفتاوي التي تكفّر " الأحناف " و " المعتزلة " و " المرجئة " و جميع من عارض فقهاء دين الحديث الأرضي, لذا مصنّفات الأحاديث التي الفّوها برعاية السلطة العبّاسية كانت الغاية منها هي تغليب أرائهم الفقهية و تسفيه المخالفين و تكفير من يقول بخلق القرأن, و القول بالتجسيم, فلو نأخذ "صحيح البخاري " و " مسلم " كمثال سنجد أن هذا الفقيهين يوافقان من يقول بالتجسيم عندما دوّنا هذا الحديث .. " يضع قدمه فوق النار – يقصدون الله تعالي عمّا يقولون قولا كبيرا – فتقول قط قط قط ..  " ( صحيح البخاري /4569 ) ( مسلم / 2846 ), وفي الاخير هذه المصنّفات جاءت " لشرشحة " المخالفين, فما الفائدة التي يجنيها المسلم عندما يقرأ هذه الكتب ؟ هل ستساهم بتعديل سلوكه و تعليمه الأخلاق الحسنة ؟ و ماذا يريد الفقهاء من وراء ترديد الخرّافات الواردة في مثل هذه المصنّفات كـ " رجم النبي للقردة " و " رضاع الكبير " و " حجم القوّة الجنسية للرسول " ؟!.

لقد بدأ دين الحديث الأرضي بتحريف الدين عن مقاصده بتقديس أراء البشر و جعلها قانونا الهيا, ثم خلق المظهرية في التدين باكراه الناس على مظاهر معيّنة مثل اطالة اللحية و النقاب و كأن هدفهم في الأخير ليس ايجاد أمة مسلمة بل أمة النفاق و الكذب, و كان من أضرار تقديس الأشخاص و الكتب البشرية و اجتهادات الغابرين بظهور نظام تشريعي في الاسلام موازي لتشريع القرأن, باكذوبة " الحديث هو المصدر الثاني للتشريع " , لسنا هنا لتغليب رأي فقهي على أخر لكن الأحناف في اعتقادي الشخصي كانوا أكثر شرفا و أمانة بأن رفضوا هذا المعيار و اعتمدوا على القياس, بل نريد فقط من أهل الحديث أن يأتوا لنا بنص قرأني واضح الدلالة ينصّ فيه على أن حديث الرسول يعتبر تشريعا, الم يعاتب الله رسوله عندما تدّخل في قضايا الحلال و الحرام ؟ ( يا أيها النبي لما تحّرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ), يعني أن القرأن يعلّمنا أن النبي عليه السلام قد حرّم شيئا و أخطأ فيه لأنه ببساطة التشريع لم تكن من مهمّته, بل كان واجبه التبليغ و فقط .. لا مشكلة, فسنعرض ادّعاءات أهل الحديث و نناقشها بالعقل و القرأن لنعرف صحّة ادعاءاتهم.

لو نبدأ الاستدلال بالقرأن نتعجب من الكم الهائل من النصوص القرأنية التي تدل على أن مهمّة تغيير الأحكام التشريعية في القرأن لم تكن من مهمة الرسول و لا من مهمة ابن حنبل و لا ابن شافعي و لا ابن عرعور, بل هي من مهمة الله فهو الذي يقرر الصحيح و الخطأ, اذا الم يقرأ أتباع الدين الأرضي الاية " اليوم أكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا " .. هذه أية واضحة وضوح الشمس فهي تدل على نهاية التواصل بين السماء و الأرض, و أن القرأن سيظل كما هو دون تغيير الى يوم الدين, وأن ما حرّمه الله هو الحرام و ما أحلله هو الحلال الى أن يرث الله و من عليها, فهل اصيب أهل الحديث بالعمى أم يؤمنون ببعض الكتاب و يكفرون ببعض ؟ نعم انهم كذلك .. انهم يعيبون على اليهود حيلتهم مع الله عزّ وجل و هاهم يفعلون نفس الشيء فاخترعوا أكذوبة الناسخ و المنسوخ .. فيؤمنون بما يحلوا لهم و الباقي فليذهب الى حيث لا ندري " سيبها سداح مداح يا راجل "!!.

اذن فعندما يخبرنا البخاري بترّاهاته في كتابه مثل " قصص الرجم " و " قتل المرتد " و " امرت أن اقاتل الناس " و خزعبلات " عذاب القبر " وصولا الى " المسيخ الدجال " و جميع تلك القصص التي تحمل رائحة الأدب الشعبي المقتبسة من الأدب الفارسي و أساطير أهل الكتاب و كأن المسلمين ناقصين خرّافات و خزعبلات, فنسأل, أخرجوا لنا أية واحدة في القرأن تكلمت عن كل هذا, بل أخرجوا لنا حرفا واحدا تكّلم فيه القرأن عن أحكام رضاع الكبير!! .. لن يتحرّج اهل الحديث من هذا العبث الحاصل في الدين الاسلامي و لن يتحرّكوا أبدا لفض هذا الاعتداء السافر على الشريعة بل سيذهبون للدفاع عن معتقداتهم بأي طريقة ولا يهمهم الطرف الذي يحاورونه من يكون  .. هل هو دكتور في الشريعة أم عالما كان ام شخصا غبيا أحمقا لذا أساليبهم و استدلالاتهم هي نفسها مع الجميع لأنهم لا زالوا يعتقدون أن كل نقد لهم هو من أجل تضليلهم فيزدادون تصلّبا و غرورا, لقد بحثت في موقع " فتوى ويب "  عن تفسير لحديث " الداجن " المنسوب لعائشة زوجة النبي عليه السلام و الذي يقول ( لقد نزلت أية الرجم و رضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم و تشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ) .. بهذه البساطة .. دخل داجن و أكلها!, فوجدت أهل الحديث يقولون " انه لا مشكلة ان جاءت شاة و أكلت الصحيفة التي فيها اية الرجم لأن الشاة أفضل أنعام الله, و الفأر أشر حشرات الله!!, أنا طلبت تفسيرا لهذه المهزلة فأعدوا لي درسا في علم الحيوان .. فهل هذا استدلال يوافق العقل ؟ هل تنتظر من المسيحي أو اليهودي الذي يريد أن يدخل الاسلام أن يقبل بهذا ؟, ثم أن هذا الحديث هو تشكيك واضح في الدين و القرأن فيمكن ان يأتي غدا الملحد و يقول لي اين هذا القرأن المحفوظ ؟ اين الحفظ الذي تعهد الله به ؟ فهل سأقول له أن الشاة هي أفضل أنعام الله مثلا ؟!, و الطريف ان اهل الحديث استدلّوا بهذه الرواية الكاذبة ليقولوا لنا أنها هي دلالة على وجود ناسخ و منسوخ في القرأن, فسأرد أنه لو كان كذلك فان الوحي ينقطع بمجرد وفاة النبي و الا كيف يستمر نزول الوحي و الرسول ميت  ؟ الم تقول عائشة " فتشاغلنا بموته " يعني أن هذه الرواية حدث بعد موت النبي و ليس قبله فأين كانت عقول " أهل السنّة و الجماعة " و " عالم الأمة في الحديث " و " أعجوبة البلاد " ؟.

المشكلة هي اننا دائما ما نحاول تبرئة الاسلام و الرسول و القرأن من هذه الخرّافات و من أهواء البشر و تلاعباتهم, لكن سرعان ما يتم اتهامنا في ديننا و التشكيك في نوايانا, لذا جعل الدين الأرضي الخروج الاسلام هو الخروج عن أراء البخاري و مسلم و ابن حنبل و ليس في الخروج على تعاليم القرأن .. لقد وصل التطرف بفقهاء الدين الأرضي أن يقدّموا الحديث البشري و تدليس الفقهاء و الكذابين على كتاب الله .. هذا ليس بقولي بل هذا قول " الأوزاعي " فهو الذي قال ( الكتاب أحوج الى السنّة من السنّة الى الكتاب / ارشاد الفحول, الشوكاني 97/1 ) فهذا الفقيه يحاول أن يجعل السنّة – قاصدا الروايات و الأحاديث – هي الحاكم على كتاب الله و كأن كتاب الله لا يمكننا فهمه دون العودة الى " البخاري "  و أمثاله فلا ندري كيف ينزل الله على عباده تشريعا لا يمكن لهم أن يفهموه ؟, فهذا قول لا يصدر من انسان معتدل بل من انسان يحمل " رهاب المعتزلة " .. لذا قوله يمكن دحضه بسهولة فالله أمرنا بالتدبر في القرأن, فلم تكن هناك سنّة عندما فصّل النبي عليه السلام أحكام الكتاب ولا يمكنه أن يأتي برأي من عنده أو من أهوائهم بل كان في رعاية الوحي و ارشاده في كل لحظة .. و عليه فان اراد العالم الاسلامي أن يتخلص من التخلف و الانحطاط في جميع نواحي الحياة , و أن يقضي على الارهاب الفكري و الجسدي , و ان ينشر ثقافة الحرية و العدل و التسامح و قبول الأخر فيجب أن يعيد النظر في أراء الذين تسببوا في انحدار هذه الأمة, أما اذا كان لا يزال ينتظر نزول المهدي لكي يحل له مشاكله بأن يكسر الصليب و أن يقتل الخنزير – الذي لا نعرف ما ذنبه بالضبط – فسنقول له دعك من ثقافة نشر الارهاب و التخلف و التكفير المليئة في مصنّفات مشايخك ثم ان تنسبها زورا للقرأن لتتسبب في الكذب على الله و تضليل الناس و أنت تعلم.

اجمالي القراءات 9958