ثقافة الوصاية في المجتمع العربي المسلم

مولود مدي في السبت ١٣ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في بلاد المسلمين جامعات و معاهد علمية, مهمتها تخريج مشايخ الدين للدعوة والوعظ والارشاد و اسداء النصيحة للأخرين بالتي هي أحسن وتجديد الدين ليصبح مواكبا للعصر, لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال فرض الأراء بالقوة ورمي الطرف الأخر المخالف بالجهل و تغذية الإحساس لديه بأنه قاصر أو دون سن الرشد لادراك الحقيقة، عاجز عن اتخاذ القرارات السليمة ويحتاج إلى راع لمصالحه و ان رفض الوصاية يتم اتهامه بالتطاول على المقدسات و الضلال و أخيرا التكفير الذي يجيدونه أغلب مشايخ المسلمين في واقعنا الحالي المثير للشفقة.

ثقافة الوصاية هي واحدة من الكثير من الأمراض التي يعاني منها المجتمع العربي المسلم من الانسان البسيط وصولا الى  " المتفيقه " في الدين الى صنّاع القرار في الأوطان العربية, لكن الوصاية على الأخلاق و الدين هي الأكثر خطرا فهي تتنّكر لمفاهيم الاختلاف والتباين والصراع والنقد والمواجهة ولا مكان في دنياها لطرح الأسئلة أو إبداء الشك والريبة, لأنها تعني أن العقل يعمل والوصي لا يريد للعقل أن يعمل, كما أنه لا مجال لإظهار أي امتعاض أو استنكار لأن المسلم يعتقد أن استنكار أراء رجال الدين هو مبارزة للدين و الله و هذا خطأ كبير, لأن لسنا مجبرين للمرة المليار لكي نقول لا كهانة و لا مشايخ في الاسلام, وهذه الوصاية من طرف المشايخ هي التي أدت بالمسلم الى مباركة الخنوع والتسليم والرضا وتالياً إلى السخرية من جدوى أي فعل إيجابي في محاولة نقد أراء بعض رجال الدين و الخزعبلات التي ينشرونها بين الناس فيصبح العقلاني سفيها أمام أشخاص يرددون فكرا محنّطا يعود الى زمن " السيف و الرمح و الخيل و البغال تعرفني " وفكر زمن القدرة العددية و منطق المهزوم يصبح كافرا, و سبات العقل الاسلامي هو الذي أدى بالمشايخ الى الادعاء انهم احرص الناس على تطبيق الشريعة الإسلامية، و بناء على ذلك الحرص فإن التطاول على الشريعة الإسلامية يبيح لهم فعل ما يبدو لهم دفاعا عنها و هذا الادعاء ليس إلا تبريرا لتحويل الشريعة الإسلامية إلى أيديولوجية ووسيلة للضحك على ذقون الناس و التبرير لتصرفات الحكام و التملق لهم, ولتبرير وصايتهم على الناس يبدؤون بعملية لي اعناق النصوص القرأنية لتوافق اهوائهم فكأنهم أولو الأمر أو من يشملهم قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" وهم في الواقع ليسوا من أولي الأمر كما أن ولي الأمر ليس وصيا على الدين بل هو مشرف على تنفيذ ما يتفق عليه المسلمون في أمور الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة و السياسة و هي أمور دنيوية و تدخل في باب المعاملات التي هي من إنتاج البشر, وهذا تفسير لايقبل به المشايخ لأنه يلغي مبرر وجودهم.

ان وصاية المشايخ لم تكتف فقط باحتكار الوصاية على الحقائق المطلقة, بل تدخلت في تحديد كيفية الإيمان بها وتعطيل أولويات الواقع وسننه وتحديد أصول الدين, فان قلت رأيا جديدا فأنت مبتدع يجب ان تستتاب او تقتل لأن تعاليم شريعتهم السمحاء تقول أن " كل بدعة ضلالة " , كما لا يجب عليك التدخل في أمور الدين و مناقشتها لأن، تعاليم الغزالي أمرت المشايخ بإبعاد علوم الدين عن عامة الناس و ما على الانسان الا الاتباع و التقليد من دون مناقشة, لكي تكون مسلما عليك ان تؤمن بخراّفات و أساطير أهل الكتاب " لله يد مثل يد البشر و اهتزاز عرشه و الانسان خلق على صورة الله الخ .. " و من المضحكات المبكيات التي لا زالت تدرّس لأبناء المسلمين في الأزهر تحديدا في كتاب الروض المريع في شرح زاد المستنقع  " تكفير الساحر الذي يركب المنكسة فتسير به في الهواء, او نحوه " ( ص 436,437 ) و هذا يعني ان منطق المشايخ أمثال ابن تيمية و ابن الوهاب و ابن غزالي و ابن قرضاوي يقول أن صواريخ كروز و طائرات الغرب التي لا يرصدها الرادار سنحاربها بعقلية شجر الفرفد حيث ينطق الشجر الذي يختبأ وراءه اليهودي.

ان التجربة تقول إذ عندما يُقرَن الموقف من الإنسان بهوية أحادية تخيره بين حدين، مسلم أو كافر، وبضوابط صارمة في حدود المحرّم والمحلل، تنزلق المجتمعات بسهولة نحو بؤرة الخلاف والتصادم, أي أن المشايخ بوصايتهم ان العالم ينقسم إلى قسمين لا ثالث بينهما سواء تحت شعار "دار الإسلام ودار الكفر" و هذه مخالفة صريحة لنصوص القرأن " و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي احسن" فاللجوء إلى الحوار الهادئ و الهادف إلى الإقناع و الاقتناع هو الممارسة الإسلامية الصحيحة مع المسلمين و غير المسلمين, لكن النصوص القرأنية لا محل لها من الأعراب ففي السعودية يتم تدريس فقه الكراهية للشباب المسلم ووصف كل مخالف في الفكر و الدين ب" الحيوان " " ان يكون المسلم مضمرا العداوة للكافرين مبغضا لهم حتى لو احتاج اليهم " ( مجتمعات حيوانية كتاب التوحيد ص 94 ) فكيف نلوم الغرب على خوفه من الاسلام اذا كان ما يدرسه المسلمين في الأزهر هو الاسلام عند الأزاهرة و الاخوان و السلفيين بل و عند أغلبية المسلمين ؟ الواقع يقول أن المشايخ الذين يعانون " السكيزوفرينيا " يرددون أيات القرأن المكي التي تدعوا المخالف في العقيدة بالتي هي أحسن فان رفض " لكم دينكم و لي ديني " و يقولون أن تصرفات الارهابيين لا تمت للإسلام الصحيح و عندما يكونون في بلادهم يكفّرون صباحا و مساءا من لم ينضوي تحت جماعتهم - أو دينهم الأرضي - فأي اسلام يريدون ؟.

ان الوصاية على الدين الإسلامي ليست أصلا في الدين الإسلامي بقدر ما هي عارضة، و ناتجة عن انتشار الأمية في صفوف المسلمين و جهلهم بأبسط قواعد الاسلام فحصروه في العبادات فقط و تناسوا أن الدين الحقيقي هو المعاملة, فإن غالبية المسلمين يقعون ضحايا لفكر المشايخ المتحجر و المنتج للإرهاب ثم تعميم وعي زائف يخلق لدى الإنسان شعوراً ملازماً بالقصور والدونية وبأنه عاجز أمام نخب مسؤولة عنه وشخصيات كاريزمية تكون موضع رعب وتهيب كبيرين مما يقوده إلى إهمال حقوقه المدنية والسياسية, وازدراء دوره في الحياة العامة, ولتخويف العامة يكثرون الحديث عن القبور و الموت واختراع الأحاديث و نسبها للرسول مثل " لحوم العلماء مسمومة " حتى لا تترك اية فرصة للمسلم لكي يفكر وليسلم عقله الى الكهنة بتعاليم ما أنزل الله بها من سلطان, و اعتبار الانتقاد خط أحمر و لكن في الحقيقة خطوطهم الحمراء هي العبودية المتسربلة بالدين و السبي والجواري و ملك اليمين و الخرّافات الواردة في البخاري و مسلم, ان الخطوط الحمراء التي ينادون بها هي التي تدفع بالمسلم الى أن يتحول الى ارهابي لا يفرق من يقتل رجلا ام امرأة او شيخ أو طفل بل و لا يمانع قتل اخوانه من المسلمين " تقربا الى الله ", لأن الشيخ أفتى له و نظن أنه لو أفتى له بجواز دخوله السعير لدخلها راضيا مرضيا !!  و لا نعرف ان كانت فتاوي الشيوخ أصبحت دينا تصعد فورا الى السماء و يلتزم بها الله مباشرة, خطوطهم الحمراء لا تصلح لا للدين و لا للوطن و لا للعالم الا لأنفسهم و عقولهم التي تعيش في القرن الثالث عشر و لا زالت تعتقد ب" خيرية القرون " فيجنحون للسلم في أوقات الضعف و الهوان ليظهر وجههم الحقيقي عند أول فرصة تتاح لهم لإخراج كرههم و حقدهم على البشرية و نفث سمومهم في جسد الأمة الاسلامية و نشر ثقافة السيف و " الهدم الهدم " الوهّابية ليقتل المسلمون بعضهم البعض و ليستمتعوا هم في العيش الهنيء و الرغيد في شوارع لندن و مراكزها التجارية,و لا ندري من أين لهم بالأموال التي يقتنون بها القصور و السيارات الفارهة و يتزوجون بأكثر من مسلمة ليحققوا أقصى درجاتالمتعة ..اهل هي " نعمة من عند الله " أم نعمة من عند أسيادهم زعماء الامبريالية بينما غالبية المسلمين يرزحون تحت خط الفقر و بعد ذلك يقولون لك أنه " ابتلاء من عند الله " وكي يتمكن حلف الكاهن والسلطان من الحصول على أعظم نصيب ممكن من النعم ، جعلوا المسلم في رؤيته المستقبلية لا يرى مستقبل حياته في أرضه وكيف ليكون أفضل ، بل يقفزون به إلى مستقبل أبعد هو الحياة الأخرى لأن الحياة الدنيا هي متاع الغرور وهي إلى الفناء ، بينما الباقيات الصالحات خير عند ربك وأبقى وجميع تلك المقولات التي لا معنى لها و كأن الله يستمتع بمشاهدة عباده الذين يوحدونه ليلا و نهارا يتألمون من الجوع , يقتلهم الخوف , يموتون على يد أبشع خلق الله الذين لا ذمة لهم ولا ضمير.

 

ان ثقافة الوصاية بدأت تعاني اليوم حالة انكشاف واضطراب ربما من جراء احتدام تنافس الأوصياء على السيادة والسيطرة، فالأنظمة الاستبدادية القائمة في بلدان المسلمين تهدف من وراء تلك الوصاية إلى تحويل الدين الإسلامي إلى أيديولوجية للطبقات الحاكمة وجحافل الحركات الاسلاموية تريد الرجوع بالمسلمين إلى ظلام العصور الوسطى بدعوى "تطبيق الشريعة الإسلامية" حسب تأويلهم لشكل وكيفية التطبيق, ان مواجهة غطرسة المصالح الضيقة وحماقة القوة لا تتم الا بنشر ثقافة الحريات واحترام التنوع والتعددية والرأي الآخر, و التأكيد على أن الإسلام الذي جاء ليضع حدا  " للرهبانية " لا يمكن أن يقبل في صفوف معتنقيه من يمارس " الرهبانية "، و قديما قالوا "لا رهبانية في الإسلام" و لا تقديس لأي شخص مهما كان و لو كان الرسول, لكن الكهنوت الاسلامي الذي سرق الدين فعل العكس بتقديس أسلاف بعينهم تم وضعهم في رتبة تجعل من تصرفاتهم ومواقفهم حتى لو عارضت الإسلام مقدسات للمسلمين حتى الأبد ، مع تقديس شخوص أصحاب هذه القرارات حتى تتقدس قراراتهم ليصبحوا بعددهم وعدّتهم أسيادا للمسلمين كما لو أنهم اربابا رغم أن الله لم يعطهم هذه المكانة لأنها لله وحده, لكن الغاية تبرر الوسيلة فتقديس السلف يعطي الحجة للكهنة بالوصاية على الناس و التحريم و التحليل لأنهم أوهموا الناس أنهم علماء و رسول الاسلام قال " العلماء و رثة الأنبياء " رغم أن صفة العلماء لا نتطبق فقط على عالم الشريعة ..  فكذبوا على الناس قائلين أن المقصودين هنا هم الشيوخ فظنّ المسلم أن الشيوخ هم ورثة الرسول فتمكن الشيخ الفلاني من أن يجلس أمام المسلمين في مقعد نبي المسلمين الخالي بوفاته, وراح ليصيغ لنا فقههم الذي لا يجوز الخروج عليه نازعين من الانسان معناه وجدواه، ويحيله إلى "كائن ديني"، يتصرّف في قضاياه الحميميّة والصميميّة والفطريّة وَفق إجازة دينية أو رخصة فقهية، فعلى المسلم أن يأخذ برأي الفقيه في امور غير معقولة مثل كيف تعاشر زوجتك و ماهي الوضعية المناسبة للتبول مقيّدين المسلم بأمور ما أنزل الله بها من سلطان بل هي قيود من ابتداعها هم مصوّرين للناس ان الاسلام الحنيف يحرّم على الناس أن يتصرفوا بحسب فطرتهم الأولى التي جُبلوا عليها.

ان قتل السؤال و روح النقد بقيود خرافية تدعي أن العقل يؤدي الى الضلال هو ما جعل الوصاية الدينية تطغى على المسلم و جعلت المسلمين مجرد قطعان تسير حسب أهواء المشايخ, ان القضاء على الوصاية يكون بتعليم المسلم أسس التفكير المنطقي و حل مشاكله بمنهج منطقي و علمي فالعقل أثبت أكثر من مرة قدراته الفائقة عل وضع الحلول المناسبة في المعرفة وفي السياسة وفي تنظيم المجتمع وفي أساليب الحكم وتلقائيا سيتقزّم دور الكهنة و ستنتهي الوصاية و لا يصبح هناك مجال لمن يريدون استمرار شل العقل عن العمل رعاية لمصالحهم الأنانية المقيتة والمجرمة في حق الإنسانية.

اجمالي القراءات 7326