ما معنى الانتماء الى هذه الارض ايديولوجيا و سياسيا؟

مهدي مالك في الأربعاء ١٠ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

ما معنى الانتماء الى هذه الارض ايديولوجيا و سياسيا؟

                           مقدمة

ان من الواجب و بل من المفروض ان يطرح هذا السؤال الجوهري منذ استقلال المغرب الشكلي بالنسبة للامازيغيين بدون ادنى شك لانهم اصبحوا غرباء في وطنهم الاصلي و اصبحت ثقافتهم الحاملة لمعاني العلمانية و الديمقراطية الأصيلتان في تاريخنا الاجتماعي العريض تنعت بابشع النعوت و الاوصاف في خطابنا الديني الرسمي الان حيث ان وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية لازالت نفسها تعمل وفق شعار العروبة و الاسلام ..

ان مفهوم الانتماء الى وطن معين يتم ترسيخه في العقول و الوجدان عبر المدرسة كفضاء يتعلم الطفل ابيجديات الحياة و المعرفة بشتى انواعها .

و عبر الاعلام كوسائط متعددة تمنح للمواطن مهما كان مستوياه التعليمي و الفكري الاخبار و الترفيه و الوعي الخ من وظائف الاعلام في البلدان المتقدمة ديمقراطيا و حقوقيا .

و عبر الخطاب الديني الذي من وظائفه المعروفة هي ارشاد الناس الى الخير و الى الاحسان في نطاق الدولة الحديثة بالتحديد حيث ان اغلب المسلمين قد اصابهم مرض الرجوع الى الوراء كما هو واضح الان بحكم ان الوهابية كقراءة مسيئة للاسلام  وجدت اموالا طائلة بفضل وجود النفط في السعودية  حيث  نجح هذا السرطان الخبيث فكريا و سياسيا في تشويه الرسالة المحمدية سواء في السعودية او اغلب دول العالم بفضل جمعياتها و التنظيمات ذات الابعاد السياسية من قبيل الاخوان المسلمين و الارهابية من قبيل القاعدة و داعش الخ من فضلات الوهابية على عالمنا الاسلامي التواق الى الديمقراطية و الحرية بدون اي شروط من طرف شيوخ السلف الصالح  كما يحلو للبعض تسميتهم ...  

الدخول الى صلب الموضوع

ان سؤال ما معنى الانتماء الى هذه الارض ايديولوجيا و سياسيا جاء ليؤكد ان الحركة الامازيغية قد تجاوزت منذ سنوات طويلة خطابها المعتمد على الشان الثقافي و اللغوي الى خطاب اخر ذو بعد سياسي يحترم المؤسسة الملكية من طبيعة الحال باعتبارها ضمانة للوحدة و استقرار بلادنا على المدى المتوسط و البعيد بمعنى ان هذا الخطاب الجديد لا يسعى ابدا الى المساس بالسيادة الوطنية و  الى تقسيم المغرب الى مناطق امازيغية و اخرى عربية بحكم ان المغرب اصلا هو ارض امازيغية تاريخا و حضارة و واقعا هوياتي يتجلى في اسماء المدن و القرى المغربية بالامازيغية مثل اكادير و طاطا و تيزنيت الخ و يعتبر الصحراء المغربية ارض امازيغية عكس اعداء وحدتنا الترابية الذين يسعون الى اقامة جمهورية عربية على ارض  الامازيغيين الاحرار.

و كما  يحترم هذا الخطاب السياسي بصريح العبارة الاسلام باعتباره دين اغلبية المغاربة منذ 14 قرنا من الحضارة الامازيغية الاسلامية كما ساسميها في كتابي حيث ان هذا الخطاب لا يعترف باية شرعية مهما كانت للحركة الوطنية باعتبارها تحالفت مع المخزن التقليدي ما بعد عام 1930 بغية تدمير الامازيغيين على مختلف الاصعدة و المستويات لغاية تحويل المغرب بعد عام 1956 الى بلد عربي   خالص لا يعترف باي وجود امازيغي على الاطلاق.

 ان جل مكونات الحركة الامازيغية الراهنة لم تعد ترغب في لعب دور الفاعل الثقافي المقيد بشروط عهد الراحل الحسن الثاني الى قيامة الساعة بل ترغب في لعب دور الفاعل السياسي خصوصا بعد صياغة الوثيقة الدستورية الحالية  في  اللحظات الاخيرة من طرف الجهات المعادية لامازيغية المغرب  و بعد  تاخير تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية طيلة عمر حكومة عبد الاله بن كيران  و محاولة تزوير نسبة الامازيغييين  ببلادنا من خلال عملية الاحصاء العام للسكان و السكنى الذي نظم ببلادنا في سنة 2014 حيث  اعتبرت انذاك ان هذا الاحصاء  بالمثابة مؤامرة  كبرى على معنى الانتماء الحقيقي لهذه الارض  .

ان سؤال ما معنى الانتماء الى هذه الارض ايديولوجيا و سياسيا يجب ان يطرح بإلحاح الان لاننا نعيش في عصر سقوط الاكاذيب و الاساطير الخرافية و عصر النضال  من اجل مقاومة التراجعات الخطيرة التي عرفتها القضية الامازيغية بشموليتها طيلة خمس سنوات الاخيرة حيث ليس من المقبول مثلا تواصل تجاهل نخبتنا الدينية الرسمية التام لترسيم الامازيغية في دستور 2011 كاننا لسنا مسلمين في هذه البلاد و كأن الثقافة الامازيغية ليست ثقافة اسلامية نهائيا و كأن القرارات الملكية الشجاعة بخصوص القضية الامازيغية منذ سنة 2001 الى سنة 2011 ليست لها اية اصداء على حقلنا الديني الرسمي ......

 ..............

  من قبيل استمرار اتهام الحركة الامازيغية بالعمالة لاسرائيل في كل مناسبة او عندما يزور اي وفد امازيغي اسرائيل قصد التعريف  بالقضية الامازيغية على  المستوى الاكاديمي و على المستوى الثقافي لا اقل و لا اكثر بينما ان العرب اقاموا علاقات مع الدولة العبرية منذ 1979 مما سيعني ان امازيغي المغرب قد كانوا تحت سيطرة الايديولوجيات المشرقية طيلة عقود طويلة من الزمان بغية إبقاءهم سجناء مدى الحياة في الانتماء الافتراضي للمشرق العربي كمجال لصناعة التخلف و الارهاب الاعرابي كما اسميه ..

 ان العرب المشارقة لم يعترفوا اصلا بوجود الامازيغيين كشعب و كحضارة وكانتماء اصيل الى شمال افريقيا على الاطلاق حيث لم نسمع قط ان منظمة عربية ذات طبيعة مدنية او حقوقية او ذات طبيعة سلفية قد دافعت عن الامازيغيين باعتبارهم شعب مسلم ساهم بشكل عظيم في نشر الرسالة الاسلامية و اللغة العربية على مدى هذه القرون الطويلة من الجهاد و الاجتهاد من خلال تاسيس دولهم العظمى الخ من هذه الفضائل التاريخية التي لا يمكن لاحد انكارها الان.

يجب الاقرار الان ان العرب المشارقة لهم عقدة تاريخية عميقة مع  الامازيغية و الامازيغ بحكم ان عروبتهم العنصرية منذ عهد بني امية تعتبر الامازيغ شعب تحت يدهم و تحت سيطرتهم يفعلون ما يحلو لهم كفرض الضرائب على الامازيغيين كانهم غير مسلمين و ارسال نسائهم الى دمشق كجواري للخليفة قصد الجنس تحت ذريعة تفسير السلف لايات ملك اليمين الخ من هذه الحقائق التاريخية التي لا تدرس في المدرسة المغربية باعتبارنا بلد عربي و عضو في ما يسمى بالجامعة العربية منذ عقود من الزمان دون اية فائدة تذكر سواء التعريب الايديولوجي و الجري وراء مناصرة قضايا العروبة و الاسلام السياسي البعيدة عنا جغرافيا و ايديولوجيا طيلة اكثر 60 سنة من الاستقلال ...

قد قلت في كتابي القديم صوت المعاق  متحدثا عن الدروس المستخلصة من تجربتي المؤلمة مع ايديولوجية التخلف القروي ان  هناك دروس مستخلصة من أي تجربة إنسانية على وجه هذا العالم، لكن أهم درس استخلصته من تجربتي المؤلمة، هو واقع المعاق الذي يعيش في البادية المغربية، سواء الناطقة بالأمازيغية أو بالدارجة المغربية، وما وقع لي هو شيء قليل للغاية، مقارنة مع ما يجري للمعاق القروي الذي لا يتوفر على أبسط حقوق الإنسان، كالحق في الخروج من البيت، إلا في حالات المرض أو الوفاة.

وهنا يظهر السؤال الكبير بالنسبة لي، وهو إلى متى سنظل نهتم بشؤون غيرنا من شعوب منطقة الشرق الأوسط، ونترك شؤون تنمية مناطقنا المهمشة؟ فهي مناطق كأنها تعيش في العصر الحجري، أي أنها لا تعرف مفاهيم الوقت الحالي، كالتقدم والحرية....
غير أن البعض، يجري ويتجه نحو هذه الشعوب الغنية، وينسى أننا شعب يعيش نصفه تحت خط الفقر الفاحش،
و ينسى كذلك أن هناك فئة تسمى بالمعاقين، يعيشون كأنهم حيوانات في المجال القروي  الخ من كلامي في ذلك الكتاب...

ان تحقيق معنى الانتماء الى هذه الارض ايديولوجيا و سياسيا لازال بعيد المنال  في ظل هذه الظروف لان اي ترسيخ لهذا الانتماء يجب ان يمر عبر المدرسة المغربية و الاعلام و الخطاب الديني كوسائل ظلت طيلة هذه العقود تخدم منظور السلطة الاحادي القائم على العروبة و الاسلام كاننا بلد يوجد في قلب الجزيرة العربية و ليس في شمال افريقيا مما سيعني ان المغاربة تربوا على هذا الانتماء الافتراضي الى المشرق عقود من الزمان حيث اذا وقع شيئا في غزة يخرج المغاربة بالمئات الى شوارع الرباط و الدار البيضاء باعتبارهم عربا و ليس باعتبارهم مسلمين او بشر يجتمعون مع الفلسطينيين في الانسانية ....

و  من هذا المنطلق احيي المظاهرة الكبيرة التي خرجت في مدينة تنغير في يوم 30 ابريل الماضي للتنديد بوفاة الطفلة ايديا و التنديد بالحكرة الواقعة في منطقة الجنوب الشرقي لكن اعلامنا السمعي البصري الرسمي لم يعطي اي اهتمام لهذه المظاهرة السلمية حيث  هل احزابنا  السياسية مازالت لم تستوعب بعد ان امازيغي المغرب اصبحوا قوة سياسية و ايديولوجية في مغرب  اليوم  بالرغم من حل الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي منذ سنة 2008 تحت اسباب واهية كما شرحته  في مناسبات عديدة و في كتابي الجديد حيث مازلنا بعيدين عن معنى الانتماء الى هذه الارض كمجال كان قبل سنة 1912 تسوده قيم من  اختراع اجدادنا المسلمين العلمانيين  و هي قيم مسايرة لكل زمان  و مكان بفضل الاجتهاد العقلي حيث ان العرف الامازيغي قابل للاجتهاد و التغيير وفق الزمان و المكان بينما نصوص الشريعة غير قابلة للاجتهاد و التغيير حسب ما يقولونه الوهابيين بمعنى ان الامازيغيين بامكانهم و لو سمح لهم بتاسيس حزبهم السياسي ان يساهموا في ترسيخ معنى الانتماء الحقيقي للارض المغربية   .

                                           المهدي مالك

اجمالي القراءات 7497