لا جهاد للطلب في الإسلام

سامح عسكر في السبت ٠٦ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لا يوجد شئ في الإسلام اسمه جهاد الطلب

هذا اختراع أموي عباسي لتبرير التوسعات وغزو الأمم الأخرى وسبي أهليهم واستعباد شعوبهم، ففكرة الغزو لاستحلال الشعوب جاءت من منطق قوة وحرمان وحاجة لمتع الدنيا الحِسّية، فلم يكن الخليفة أحرص على أديان الناس أكثر من حرصه على الغنائم، وكيف يحرص وهو يقرأ قوله تعالى.." ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى "..[الأنعام : 164]..ويقرأ أيضا.." من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها".. [الإسراء : 15]..ويقرأ أيضا.." ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه "..[فاطر : 18]

الجهاد هو فقط (جهاد الدفع) من الدفاع، والغرض منه حماية المسلمين من إكراههم على الردة، أي جاء هذا الجهاد في معرض (حرية العقيدة) وليس (الإكراه) مصداقا لقوله تعالى.." ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا"..[البقرة : 217]

الجهاد مقيد بشرط قرآني فريد.." وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله "..[الأنفال : 61] ..أي ادفعوا شر الأعداء عنكم لكن عن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين، هذا إقرار ضمني بالتعايش والتسامح إلا لو أقر الخصوم غير ذلك، ومهمة الإنسان هنا أن يحفظ أهله وماله ونفسه فقط..لا أن يحمل هم عقائد الآخرين..هذا ما لا شأن له به إطلاقا..." يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "..[المائدة : 105] يعني لن تحاسب على كفر من كفر أو إلحاد من ألحد..بالمصري (مالكش دعوة بيه)

القرآن كله محكم ومتشابه يقر هذه القاعدة ولكن العبرة بالأفهام الغبية والمصالح الفانية والرغبات الدنيئة..كل ذلك يؤثر على طبيعة الدين ويجعله وفقا لأهواء البشر، وقد وقع الإسلام في ما وقعت فيه الأديان السابقة بتحكم وهيمنة فئة ضالة على الخطاب الديني حتى أخرجته من حيز (السماحة والعفو) إلى حيز (الإرهاب والعدوان) محققين مصالح السلطة المستبدة والشرائح الفاسدة التي بانتشارها في مجتمع كافية لهدمه..

يقول الله تعالى.." لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".. [الممتحنة : 8]..آية قرآنية مانعة جامعة تأمر بالتعايش والتسامح والقسط والعدل مع الجميع..فيتركها المتطرفون والمستبدون ويأخذون من القرآن ما يوافق أهوائهم كقوله تعالى.."قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر"..ٌ[التوبة:29] وقالوا أن هذا تشريع لجهاد الطلب..بينما هو تحريف للدين وهدم للقرآن وتدمير أساسياته وقواعده الخالدة..

فالقرآن لم ينزل بتشريعات مضادة لبعضها، ولا أن تصبح أمور القتال الشرعية وفق تقدير الحاكم..بل هي محاطة بسياج شديد وقيود لحصار وإبطال كل معاني الفساد، أي معنى الآية هو الدفاع ، وتفسيرها ..قاتلوا الذين يقاتلونكم من الذين لا يؤمنون بالله، وهذا قيد زماني ومكاني بأن خصوم الإسلام الأول كانوا من تلك الفئة، أما وقد مات الرسول فيبطل استعمال هذه الآية فورا لأنها ستستخدم ضد مسلمين كما حدث في الفتنة الكبرى..والأفهام القاصرة التي أدت لشيوع الظلم والحروب الأهلية في مجتمعات العرب..

الجماعات الجهادية أقرت جهاد الطلب بدليل واحد وهو فعل الصحابة له، وبالتالي جعلت من أفعال الصحابة حجة على اﻹسلام ، فقالوا طالما أن الصحابي غزا البلاد وفتحها فاﻹسلام يأمر بالغزو والقتل والسبي..وعليه فالثلاثية المقدسة (الحرب-الجزية-الإسلام) هي وسيلتهم الوحيدة في التفاهم مع البشر..ولو كان ذلك صحيح فأفعال الصحابة في الفتنة الكبرى والثورة على عثمان وجرائم كربلاء وموقعة الحِرّة هي من اﻹ---سلام..بل إن الله يأمرنا بقتل الحاكم كما قتل الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي عثمان بن عفان في داره..

لا حجة على اﻹسلام من أقوال وأفعال منتسبيه..كل واحد يتحمل مسئولية نفسه..وما هلك اﻷمم إلا التعميم والتقديس المبالغ فيه..حتى وقع المسلمون في أخطاء من سبقوهم، ولا أفهم الضرر على الإسلام بقول أحدهم أن صحابياً قد أخطأ؟..أجعلتموهم أنبياء ورسل أم هم من الآلهة المقربين..!

أما الجزية فهي عُرف عسكري قديم بأن يدفع المهزوم للمنتصر مالاً نظير الحماية وألا يمعن المنتصر في قتله، وقد دفع المسلمون الجزية لغيرهم من التتار ومعاوية دفعها للرومان، بل دفعها الروس والأوروبيون وشعوب آسيا الوسطى، حتى اليابان ودول جنوب شرق آسيا دفعت للمغول الصينيين، أي هي محكومة بظروف القتال وليست من الشريعة كي يجري اعتبارها شأن ديني، بل هي سياسة تقتضيها الظروف، والآن لم تعد الجزية موجودة وكل الحروب الآن تؤدي إما لاحتلال وإما انهيار سلطات ومجتمعات..بينما في السابق كان الجيش فقط هو الذي يخسر فيدفع..

شئ آخر في غاية الأهمية أن ليس كل جهاد في القرآن يعني القتال، وفي ذلك قال محمد عابد الجابري أن 3 آيات مكية تحدثت عن الجهاد ولم يكن المسلمين قد حاربوا بعد، فهل كانوا مأمورين بالقتال في مكة؟..كذلك في تفسير الواضح لمحمد محمود حجازي فسر الجهاد بأنه (الصبر على البلاء) وهي رؤية المتصوفة بشكل عام الذين يأولون معاني القرآن باتجاهات روحية، أي أن الجهاد عند الصوفية هو جهاد النفس بمقاومة الشهوات..وهذا يثبت مقولة الجابري أن لفظ الجهاد الوارد في مكة قبل الهجرة لم يعني القتال بأي شكل..

إن جهاد الطلب يعني في مضمونه (طلب السلطة) وليس طلب شئ آخر، بينما للسلطة زهوة في النفس ولمعان في القلب وإغراء في العقل وشهوة في الجوارح، ومن سعى إليها كوسيلة وحيدة للتغيير سيتجاوز ويفعل الجرائم..وفي تاريخ المسلمين شاهد..فمن قتل عثمان ابن عفان وعمر بن ابن الخطاب وعلي ابن أبي طالب..إلى قتل ابن الزبير والحسين..إلى قتل أبي مسلم الخراساني ونظام الملك وشجرة الدر..حتى المؤامرات لقتل الأقارب لم تخلو منها الدولة العثمانية وخلفاء الأتراك اشتهر عنهم قتلهم لأفراد العائلة صغارا كي لا ينازعونهم الملك..وحادثة قتل روكسانا للأمير مصطفى سليمان القانوني مشهورة..

إن من يدعو لهذا النوع من الجهاد الآثم هو يقر بأولى خطوات الجريمة ويضع اللبنة الأساسية للظلم في المجتمع وتقرير شريعة الغاب، لذلك تحرز القرآن منها ونهى عن العدوان بقوله.." وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".. [البقرة : 190] وما جرائم داعش والإخوان والقاعدة الآن إلا ترجمة عملية لنتائج جهاد الطلب وشيوع آفاته وانتشار الفساد وتشويه الإسلام حتى أصبح الدين الإسلامي ونبيه وكل منتسبيه في نظر البعض إرهابيين..وهذا غير صحيح..فالدين هو قناعة عقلية وشعور قلبي واتجاه إنساني قبل أن يكون حزب سياسي، ومن جعلوه سياسيا هم من كفّروا العلمانية من قبل التي تدعو لصون الأديان عن الخوض في مصالح الناس..

السياسة عند العرب تحركها العداوات وليست المصالح، والمستبد في العادة يهتم بالأمن والمخابرات وينفق عليهم أكثر من التعليم والصحة، فمجتمع جاهل ومريض لا يشكل أدنى خطورة على الحاكم، ومجتمع خائف أكثر وداعة من مجتمع آمن، لذلك لجأ خلفاء العرب قديما إلى حيل ملتوية لتبرير جهادهم للطلب وهو إشاعة الخوف والذعر من الإمبراطوريات والشعوب الأخرى..فتم حشد الناس وتجييش الجيوش بزعم الدفاع عن الدين..حتى إذا هجموا على الشعوب المستضعفة لم يجدوا ذلك الخطر الذي صُوّر لهم، وهي حيلة سياسية بامتياز يبرع فيها من نجح في نشر العسس والبصاصين والتجسس لتخويف الناس وإرهابهم وإقناعهم أنهم في خطر..

المسلمون بحاجة للتوعية بدينهم أكثر وفصله عن أي اتجاه سياسي ، فالأديان لم تخلق إلا للإصلاح والموعظة والقول الحسن، لا إجبار الناس على اعتقادهم بالإكراه أو دفع أموال وإتاوات..لقد أصبحت الحاجة ملحة لتأهيل مجتمعات المسلمين عقليا ونفسيا لمراجعة أنفسهم مراجعة رشيدة ..ليس فقط لأساليبهم في الدعوة ولا شكلها..بل لأفكارهم من الجذور..ويقيني أنها مهمة صعبة فهي أقرب لمنطق.."إنسف حمّامك القديم"..لا أن تستعني عن الحمّام ولكن أن تستبدله بنظام أحسن وطراز أحدث..وهذا هو مطلب التجديد الذي يدفع المتنورون ثمنه في مصر بالسجن..

فالمتنور يدرك جيدا أصل ومصدر ونتائج أفكار القدماء وانعكاسها على أفكار المعاصرين، وماهية الجماعات والسلطات ..ومعها يدرك أصل وفصل الإرهاب والظلم..فالمنتوج الثقافي الذي أفرزه بلاط الخلفاء هو نفس المنتوج الذي أدى لاستحلال الدماء ونشر الكراهية الآن..وعملية إحياء واستعادة هذا المنتوج هو هدف أصيل عند تحالف الهدم والدمار بين السلطة ورجال الدين..ولو لم يفيق المسلمون لحالهم سيسقطوا كل أحكام الكفر والجهاد عليهم مثلما أسقطها أجدادهم وبسببها تفرق الأوائل لعشرات ومئات الفرق المتناحرة..

اجمالي القراءات 9893