أثر حادث المحمل: (4 ) الصحفى المصرى المغمور يحاور الملك عبد العزيز

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٤ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل التاسع : إنتشار الوهابية فى دولتها السعودية الراهنة 

 الصحفى المصرى المغمور يحاور الملك عبد العزيز

مقدمة :

ثالثا : الحديث الصحفى مع الملك عبد العزيز

 مقدمة : ـ لا نجزم أن هذا أول حديث صحفى يدلى به عبدالعزيز بعد إحتلال الحجاز ، ولكن نزعم أنه أول حديث صحفى يدلى به الملك عبد العزيز فى قمة إنتصاراته الى صحفى مصرى ( مغمور ) حرصا منه على الافلات بإنتصاره وإحتلاله الحجاز . ننقل فقرات الحوار ثم نعلق عليها .

الحوار وتعليق عليه

1 ـ فى ص 52 وتحت عنوان : حديث ملكي هام ، قال : ( بدأ جلالته حديثه قائلاً : أرجو ألا تكونوا قد تأثرتم بشيء مما بدا لكم من خشونة بعض سكان البادية وجفاء طباعها أو شدة تعصبهم للدين ، فلذلك أمر يرجع إلى الفطرة التي نشأوا عليها ، على أني شخصياً وكبار  أقطاب دولتي لسنا على شيء من هذا ، يدلك على هذا أن مندوبي الدول ذات الشأن بنا يدخلون معنا في مفاوضات طويلة فلا نشتد وإياهم ، أو نسلك معهم مسلكاً ينأى بهم عنا ، بخلاف ما شاهدتموه أنتم شخصيا إذا طوحت بكم أحاديث كهذه مع قبائل البدو الذين هم على الفطرة ، وإني أحمد الله أن شعباً كهذا يلين بالولاء لمليكه ، ويرفع كلمته عند الشدة ، ويبذل مهجه عند الضرورة ، ويقنع بالقليل من أود الحياة ، ولعل أخبار حربنا مع الشريفين وما أبداه شعبنا من بسالة وإقدام وتفان في رفع راية مليكه اكبر شاهد على ما أقول .)

تعليق :

الملك هنا يجعل فارقا بينه وبين الاخوان النجديين المتعصبين الذين يجعلون كراهية الآخر فرضا دينيا ، وهو يعلل هذا بأنهم بدو ، متناسيا أنه هو الذى علمهم الوهابية فى المستوطنات التى أعاشهم فيها يحفظون كتب ابن عبد الهاب ويخرجون منها يقتلون ويغزون ويفتحون البلاد لسيدهم عبد العزيز. وهو يستشهد على تسامحه بأنه وكبار دولته يتفاوضون مع أقطاب الدول الأخرى . أى يمتنّ على زعماء الدول بأنه يفاوضهم ولا يقاتلهم . وهو مضطر للتفاوض معهم لأن هذا هو المتاح وغير المتاح قتالهم لأن قتالهم يعنى القضاء عليه .

2 ـ ( سألنا جلالته : وهل تتنازلون جلالتكم ببيان الأسباب المباشرة لقيام الحرب الحجازية الأخيرة ؟ . فأجاب :

نعم ، وإني لأقسم لك بأني ما كنت أبغي الحرب معهم ، لولا ان الشريف حسيناً هو الذي ألجأنا إلى قتاله بما ارتكبته عصابته في السنوات الأخيرة من سوء معاملة حجاج بيت الله الحرام ، ليس بالنسبة للنجديين وحدهم ، بل وسواهم من أُمم الإسلام الأُخرى ، ولقد صبرنا عليهم صبراً جميلاً وفوضنا الأمر فيهم لله تعالى ، فما ازدادوا إلا بغياً وعدواناً وأنذرناهم بداءة  بدء بسوء المصير ولكنهم تمادوا عتواً، وأعمل رجالهم صلفاً وإرهاقاً مما لا قبل لنا على المزيد من الصبر عليه ، فاضطررنا  في نهاية الأمر إلى تسيير جيشنا إلى الحجاز ، وإذا سمعت مني كلمة : جيش فليس ذلك الجيش إلا أولئك البدو البواسل الذين تشاهدهم حولك هنا وهناك ، فعلنا ذلك وكان يقيناً أننا نطهر أرض الحجاز من أهل البغي ونؤمن طريق الحجاج ونحمي أرواح المسلمين ، ليس في نيتنا أن نتملك الحجاز لذاته او نزيد ملكنا بسطة وسلطاناً فقد كنا نعلم أن لأهل الحجاز عقائد وتقاليد تخالف عقائدنا ، وهناك عصابات القتل والنهب والإخلال بالأمن من الصعب قطع دابرها أو تحويل عقائدهم  وأحكامهم إلى مثل الحال في بلادنا ، نجد ، وكنا نعلم أكثر من ذلك  ان امتلاك الحجاز ربما يسبب لنا متاعب ويفتح الباب لتدخل بعض الدول الأُوربية معنا ، ولكنا خضنا الحرب مع ذلك تحت تاثير غرضنا الأسمى ، الذي أسلفت لك بيانه ، وهكذا كُتب لنا النصر بعد حرب لم تدم طويلاً بسبب تذمر الحجازيين من سوء حكم الشريف ، حتى لقد كان رجالنا لا يلقون في أكثر المواقع الحربية  مقاومة تُذكر ، وكنا كلما دخلنا مكاناً أهل بنا أهله كافة ، بل ما كدنا نطرد الشريف وعصبته ونقبض على ناصية الأمور في الحجاز ونعلن لأهلها عدم رغبتنا في حكم الحجاز حتى اجتمع زعماؤه وأصحاب الكلمة فيه وأجمعوا رأيهم على مبايعتنا الملك فيه، وهكذا لم نر بداً من أن نقبل هذه البيعة  وأن نقبل حكم الحجاز بدين الله وسنة  نبيه الكريم .)

تعليق :

1 ـ لو تخيلنا وجود الشريف حسين فى المجلس يدافع عن نفسه قائلا الصدق لاعترف بمساوئه فى معاملة رعيته وفى إستغلال الحجاج . ولكن السيئات التى فعلها لا مجال لمقارنتها بالكبائر الذى ارتكبها الوهابيون عندما استولوا على الحجاز فى الدولة السعودية الأولى وفى إحتلال عبد العزيز له. يكفى ذبحهم لأهل الطائف مرتين . ثم إن الوهابيين تحكموا فى الحج فمنعوا مخالفيهم من الحج ، فعلوا هذا فى الدولة السعودية الأولى . ولم يجرؤ عبد العزيز على ان يفعل ذلك فى وضعه وهو يستجدى سكوت مصر عنه . ولكنه فعلها أبناؤه فيما بعد من حرمان المصريين من الحج فى عهد عبد الناصر وحرمان الايرانيين بعدها .

2 ـ ويكذب عبد العزيز فى زعمه أنه لم يكن يريد إحتلال الحجاز إلا إنه إضطر لذلك بسبب فساد حكم الشريف . وهل هو المُطالب بتأديب الشريف وهل هو المُخوّل وحده بالضرب على يد الشريف ؟ . واقع الأمر أن منهج عبد العزيز هو إسترداد ما يزعم أنه كان مُلكا لأسلافه ، وطالما إستولى أسلافه على الحجاز لسنوات قلائل فلا بد أن يستعيده الى ممتلكاته ، سواء كان حاكم الحجاز فى فساد الشريف حسين أو فى تقوى عمر بن عبد العزيز.

3 ـ ويكذب عبد العزيز فى زعمه ترحيب أهل الحجاز بحكمه وبجيشه ، فمذبحة الطائف جعلت أهل مكة والمدينة وجدة بين أمرين : المقاومة وما تعنيه من ذبح الجميع أو الحياة فى ظل حكم عبد العزيز . بعث عبد العزيز بإخوانه المتوحشين وهو يعرفهم ويعرف ثقافتهم فى الاستحلال للدماء والأمول على أنه الجهاد الذى يعنى دخول الجنة . وبعد أن أرعب سكان الحجاز بذبح سكان الطائف تدخل يمسح الجراح ويلعب دور القديس ، فوجد اهل الحجاز فيه القشة التى يتعلقون بها من الغرق فى بحر الدماء . فالاخوان لا يزالون ـ وقتها ـ موجودين ، والتهديد بهم قائم . ولو ثار أهل الحجاز فلن يوجد من يدافع عنهم بعد طرد الشريف حسين وأسرته. أى لم يبق لهم سوى الاختيار بين عبد العزيز ( المنافق الذى يظهر الاعتدال ) والاخوان الذين كانوا يطبقون خاتمة العقد بين ابن سعود وابن عبد الوهاب ، وهو شعار : الدم الدم الهدم الهدم .

3 ـ ( وسألنا جلالته ـ وماذا أبدلتم من نظام الحكم في الحجاز ؟

فأجاب جلالته : إن النظام الأساسي لحكومته لم يتغير ، فأبقينا كبار الموظفين الذين عهدنا فيهم الصدق والإخلاص لنا ، بل الذين كانوا في مقدمة الذين بايعونا الملك وكل ما أحدثناه هو إبدال القوانين التي شرعها لهم الشريف باتباع حكم الشرع ، كما هو الحال في نجد ، وقد استقبل الناس ما شرعناه  لهم بمزيد الابتهاج . والرضى ، وقد كان لذلك اثره الفعال في سرعة تبدل الحال واستتباب الأمن وقطع دابر الفوضى من أرض الحجاز ، كما سنرى عندما تزورها . )

تعليق :

1 ـ سارع كبار الموظفين فى الحجاز الى مبايعة عبد العزيز فأبقاهم فى مناصبهم طالما يضمن إخلاصهم لهم. ما فعله ببساطة هو إخضاع الحجاز للوهابية باسم حكم الشرع ، فهم الشرع مع ان شرعهم هو صناعة بشرية وأقوال فقهاء نجديين يجترون ما كتبه الحنابلة السابقون ، وأن ما يوجد فى الحجاز من قوانين هى أيضا صناعة بشرية لكنها لا تزعم قدسية الشرع الالهى كما تفعل الوهابية .

2 ـ قوانين الحجاز التى أبطلها عبد العزيز كانت أكثر عصرية بحكم أن الحجاز كان الأكثر حضارة وإنفتاحا على العالم ويعيش فيه بشر من مختلف أنحاء العالم عكس نجد وانغلاقها وتزمتها . ومن الطريف أن الكاتب عرض للتخلف الذى كانت تعيش فيه مملكة عبد العزيز من حيث الأنظمة الحكومية ، بحيث يمكن القول أنه لم تكن هناك حكومة بالمعنى المألوف . ثم إضطر عبد العزيز بعد ظهور البترول الى إستحداث قوانين جديدة ليواكب العصر . وقد شرحها الزركلى فى كتابيه عن عبد العزيز .  ولم ير عبد العزيز فى (أنظمته ) الجديدة خروجا على الشرع .

4 ـ ( وسألنا جلالته : قلتم لنا إنه لم يكن بد من تدخل بعض الدول في شأن من يحكم الحجاز ، فماذا تقصدون بتلك الدول ؟

فأجابنا : تعلمون أن أكثر دول أوربا وفي مقدمتهم إنجلترا تحكم أمما إسلامية ، فكان من البديهي أنها تهتم بشئون حجاجها . مثل ذلك أن الأزهر الشريف فيه رواق لكل دولة ومن حقها أن تتدخل مع  الحكومة المصرية في كل ما يمس  شئون شيوخه وطلابه ، فالمسألة في حكم الحجاز من حيث تدخل الدول لا تتعدى هذا الشأن فقط ، وإذا جاز لي ان أخص بعض الدول بالثناء فإنما هي إنجلترا التي برهنت في أكثر من موقف على أنها لا تبغى بنا تحكماً فيما هو خارج عن حدودها ، فمادام رعاياها من الحجاج في أمن واطمئنان وأسباب رعاية  صحتهم متوفرة بينهم فهي لا تحرك شأناً ، قل أو عظم .)

هنا رسالة ذكية من عبد العزيز للحكومة المصرية ، بمعنى إذا كانت انجلترة التى تحكم الهند ومصر وغيرهما لا تتدخل فى أمور الحجاز طالما كان الحجاج من مستعمراتها فى سلام فالأولى بالحكومة المصرية ألا تتدخل فى شئون الحجاز طالما كان الحجاج المصريون فى أمان . ينسى عبد العزيز أن لمصر حقوقا تاريخية فى الحجاز من ألف عام قبل ظهور محمد بن سعود عميد الأسرة السعودية . وإذا كان عبد العزيز يرى لنفسه حقا فى الحجاز لأن الدولة السعودية إحتلته سنوات فى القرن التاسع عشر ، فماذا عن مصر ؟  

5 ـ ( سألنا جلالته : وما رأيكم في الخلافة الإسلامية ولماذا لا ترغبون فيها ؟

فأجابني مبتسماً : لإني أعتذر لك عن الخوض في هذا الشأن الخطير لأسباب أراها لا تتفق مع تمسك أهل بلادنا بنصوص حكم الشرع ، ولا أرى من اللياقة وحسن المجاملة أن أنبسط معك في هذا الموضوع .).

هى لياقة فعلا من عبد العزيز ألا يتكلم فى موضوع الخلافة لأنه قد يتعرض الى عدم أحقية ملك مصر فؤاد الأول الطامع فيها . ويرى عبد العزيز أنه الأحق بهذا المنصب الدينى ، لكن الوقت غير مناسب ، خصوصا مع سياسته فى التمهل ومراعاة المناخ السائد ، وهو يريد تحييد مصر وعدم إثارتها عليه  ليسهل عليه غزوها فكريا ودينيا بالوهابية ، وعندما تدين  مصر بالوهابية تصبح تابعة لأسرته السعودية . وهذا ما يحدث الآن . اصبحت السعودية (المولودة عام 1932)هى الشقيقة الكبرى لمصر (المولودة من خمسين قرنا قبل السعودية ).

6 ـ ( قلنا لجلالته : وما رأيكم في توظيف أذكياء المصريين في وظائف دولتكم ؟

فأجابنا جلالته قائلاً : إن حبي وتقديري لأبناء مصر فوق ما تتصور أنت ، فهذا مستشاري الأمين وساعدي الأيمن فضيلة الشيخ حافظ وهبة ، له عندي المقام الأسمى وعظيم التقدير ، وإني أُرحب بمن يرغب في تولي مناصب البلاد من أبناء هذا البلد الغني الوفير الخيرات ، وإني أرجو الله أنهم يتسع  نطاق العمران في بلادي  على مدى الأيام وتزيد موارد  دولتي فيكون المجال فسيحاً أمام هؤلاء الإخوان الذين أتمنى وجود أكثر عدد منهم بين موظفي حكومتي . )

عبد العزيز هنا يفضحه لسانه . يريد من مصر (إخوانا ) يعملون لديه . وكان فى هذا الوقت يعمل لنشر الوهابية فى مصر ليؤسس له وهابيين فى مصر يكونون إخوانا له بعد أن أيقن أنه لا بد له من الصدام مع (إخوانه ) النجديين .

7 ـ ( قلنا لجلالته : وما رأيكم في حادث المحمل المصري ؟

فأطرق جلالته قليلاً ثم قال :

ليت تلك الساعة العصيبة التي وقع فيها هذا الحادث المنكود لم تكن مسطورة في حساب الدهر ، فقد جرها اناس لا ينظرون إلى أبعد من اُنوفهم ، وهم في ساعة غليان ، أحمد الله الذي كتب لحامية المحمل المصري السلامة ولم يحملنا وزر ما جرى أوما كان ان يكون ، فمصر هي أقرب دول الإسلام جواراً لنا ، وجلالة مليكها فؤاد الأول له في فؤادنا أجل مكان ،وإني أؤكد لك بأنه على توالي الأيام سيدرك أمثال الذين أثاروا هذه الحادث برعونتهم أن لا شيء أحب إليهم من تمتع الأراضي المقدسة بأعظم انواع السلام والطمأنينة .) .

هنا مربط الفرس ، والسبب الذى جىء بهذا الصحفى الى حضرة عبد العزيز . أن يزيل الآثار المترتبة على حادث المحمل . وكلام عبد العزيز أبرع ما يقال فى هذا المجال .

8 ـ ويختم الصحفى حديثه فيقول : ( وكان هذا خاتمة حديثنا مع جلالته. وبعد أن شكرنا ما لقينا في بلاده من ضروب الحفاوة والإكرام وما خصنا به جلالته وسائر أفراد أسرته الكريمة من الرعاية والعطف استأذناه في السفر الى مكة المكرمة . )

اجمالي القراءات 6678