"تركنا عليه في الأخرين" في التنزيل الحكيم

عونى الشخشير في الخميس ٠٤ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

"تركنا عليه في الأخرين" في التنزيل الحكيم

--------------------------------------------

قال تعالى:"وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿٧٨﴾" (سورة آل عمران)

 

ماذا يعني قوله تعالى:"تركنا عليه في الآخرين" أو "تركنا عليهما في الآخرين" من تفصيل الله في كتابه!! هل "عليه" أو "عليهما" تعنيان  حرف الجر "على" متصلا مع "هاء الغائب" أو "هما للمثنى الغائب" أم  أن لها مدلول أخر !!!

 

لو بحثنا تركيب الفعل "ترك" مع حرف الجر "على" في جملتها من القراءن الكريم, لوجدناه في آيتين;

 

قال تعالى:"وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴿٦١﴾" (سورة النحل)

 

قال تعالى:"أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴿٤٤﴾وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴿٤٥﴾" (سورة فاطر)

 

وكما نرى فإن مفهوم تركيب "ترك على" في الأيتين السابقتين لا يتوافق مع تواجده في الأيات التالية;

 

قال تعالى:"وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿٧٨﴾ سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴿٧٩﴾ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٠﴾" (سورة الصافات)

 

قال تعالى:"وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿١٠٨﴾ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴿١٠٩﴾إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١١٠﴾" (سورة الصافات)

 

قال تعالى:"وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ ﴿١١٩﴾ سَلَامٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴿١٢٠﴾ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٢١﴾" (سورة الصافات)

 

قال تعالى:"وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿١٢٩﴾ سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ﴿١٣٠﴾ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٣١﴾ " (سورة الصافات)

 

فماذا يعني "تركنا عليه" من تفصيل الله في كتابه!!!

 

مفردة "عليه" أو "عليهما" وجب قراءتها بكسر العين و تشديد الكسر على اللام. أي هي من الفعل "علا" كما في قوله تعالى:"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴿٥٦﴾ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴿٥٧﴾" (سورة مريم)

 

فكما بين الله  في كتابه, فليس كل النبيين تم  قصهم على رسول الله محمد في القراءن, و أيضا في قصص النبيين المذكورين في القراءن تم رفع و تفضيل بعض النبيين على بعض درجات في أن يكون لقصصهم النصيب الأكبر حيزا في القراءن وغيره من كتب الله تعالى.

 

قال تعالى:"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّـهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴿٧٨﴾" (سورة غافر)

قال تعالى:"تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴿٢٥٣﴾" (سورة البقرة)

 

فمعيار التفضيل و إستحقاق الدرجات عند الله مصدره عمل العبد, فرسول الله نوح و إبراهيم و موسى و هارون و إلياس نالوا شرف ترك ذكرهم و علوهم فيما تأخر من كتب الله تعالى (على سبيل المثال في التوراة و الإنجيل  و القراءن), لما صبروا في سبيل إبلاغ دعوة الحق من الله تعالى  لأقوامهم.

 

قال تعالى:"وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿١٩﴾" (سورة الأحقاف)

 

فنحن لم نكن لنعي سبب علو و مكانة نوح و إبراهيم و موسى و هارون و إلياس لو لم يترك الله قصصهم و ذكرهم في  كتبه, و كذلك يجزي الله المحسنين من الناس أجمعين, بأن يجعل ذكرهم و علوهم هو الباقي يوم  القيامة في جنات النعيم خالدين فيها.

 

قال تعالى:"كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴿٢٠﴾ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴿٢١﴾" (سورة الإسراء)

 

قال تعالى:"وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴿٧٥﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴿٧٦﴾" (سورة طه)

قال تعالى:"وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿٣٣﴾ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٤﴾" (سورة الزمر)

 

و عسى أن يهدينا ربنا لأقرب من هذا رشدا و قل ربي زدني علما

اجمالي القراءات 10364