اجعلني على خزائن الأرض
اجعلني على خزائن الأرض

أسامة قفيشة في الجمعة ٢٨ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

اجعلني على خزائن الأرض

بعد أن علم يوسف عليه السلام و أدرك يقيناً بقدوم سبع سنين من القحط , سارع بطلبه فقال ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) , لعلمه بأن إخوته لا بد لهم من القدوم لتلك الخزائن طلباً للحبوب الغذائية التي لن يجدوها إلا هناك ,

و نحن نعلم بأن الجفاف و القحط لا بد له من ضرب كل الأراضي التي تسيطر عليها المملكة الفرعونية , و هذا دليلٌ آخر يثبت أن أرض كنعان كانت تخضع تحت سيطرتهم , فسيضربها القحط أيضاً مما سيدفع بإخوة يوسف للسفر طلباً للحبوب ,

و لعلمه و يقينه عليه السلام بحتمية قدومهم اختار هذا المنصب و هذا المكان الذي سيلتقيهم فيه لا محالة , و كان بانتظارهم هناك ( وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) .

تلك الحبوب لا توزع مجاناً , و لا توزع إلا بإحصاء العدد الأسري لأفراد العائلة , كي لا يكون هناك أي إسراف في توزيعها لشح الحبوب و حرصاً و حفاظاً عليها كي تكفي البشر طيلة سنين الجفاف السبع ,

بعد أن طلبوا طلبهم و تم تجهيزه لهم كما طلبوا بناءاً على عددهم الأسري و عدم وفود أخاهم معهم و نقصان العدد الأسري , كان لزاماً عليهم بإثبات هذا العدد لذا قال لهم ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) ,

من هنا كان موقفهم سيء و كأنهم يريدون حصة زائدة دون إثبات , فاستغل يوسف عليه السلام هذا الأمر و طالبهم بإثبات حقيقة هذا العدد الذي يطلبونه و إن لم يثبتوا ذلك فلا كيل لهم فقال ( فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ ) , و كل هذا تدبيراً و مكراً من عند الله جل وعلا ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) , و لم يعطهم الكيل الذي جُهّز لهم .

قلنا أن تلك الحبوب لا توزع مجاناً بل بثمنٍ و محاصصه , أي أنه لا يمكن لك من أخذ الكمية التي تريدها مقابل المال بل لا تأخذ سوى حصتك الفردية مقابل المال , و بما أن يعقوب عليه السلام و أبناءه كانوا في أرض كنعان التي لم يكن فيها مدائن بل كان أهلها بدواً يعيشون في قرى مترامية فهم لا يملكون المال كأهل المدائن , لذا أخذوا معهم بضاعتهم كي يستبدلوها بالحبوب بدل المال , أي بناءاً على مبدأ المبادلة لذا قال جل وعلا ( وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) فطلب يوسف من العاملين بوضع البضاعة التي جاؤوا بها في رحالهم و من إرجاع ما جاؤوا به ) , و تلك هي الغاية التي يمكن لأبيهم أن يصدق قولهم فيبعث معهم ذلك الأخ , و تكون الدليل الصادق على منعهم من الكيل .

و عاد هؤلاء الإخوة ( فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) , هنا لم يصدقهم يعقوب عليه السلام و ظن أنهم كاذبون و رفض الأمر ( قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ,

و حين فتحوا رحالهم وجدوا بأن البضاعة التي ذهبوا بها كي يستبدلوها موجودة ( وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ) من هنا شعر يعقوب عليه السلام بصدق قولهم , و وافق على إرساله معهم بعد أن أخذ منهم عهدا و ميثاق ( قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) ,

و تستمر و تتوالى الأحداث و يأخذ يوسف عليه السلام أخاه , و يرجع الإخوة الأشرار إلى أبيهم و يخبرونه ما جرى معهم ,

ثم و بعد فتره من الزمن غير معلومة يطالبهم الأب بالذهاب و البحث عن يوسف و أخاه سوياً ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) , هنا يجب علينا الانتباه بأن هدفهم من الخروج هو من أجل البحث عن يوسف و أخاه و لكننا نلاحظ بأنهم أخذوا معهم بضائعهم من أجل أن يستبدلوها بالحبوب , فأول ما دخلوا على يوسف عليه السلام لم يسألوه عن أخاهم بل طلبوا الكيل بدلاً ببضاعتهم ( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) ,

و لكن عاجلهم يوسف عليه السلام ( قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ) كونهم غير آبهين لا بيوسف و لا بأخوة , فنحن لا ننسى كرهم و حقدهم لهما منذ الصغر ( إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ,

فهم سعداء لتخلصهم منهما , و لا يودون رجعتهما أبداً .

هذا هو سبب اختيار يوسف عليه السلام و طلبه بأن يكون القائم على تلك الخزائن , كي يكون على انتظارٍ لهذا اللقاء , و كل شيء بأمر الله جل و علا و تدبيره , و لربما كان هذا الجفاف و القحط الذي استمر سبع سنين , كان الهدف منه التمهيد لهذا اللقاء , و لا ننسى بأن ذلك الأمر كان السبب أيضاً في خروجه من السجن .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 8430