الدين ينتشر غالبا خلف حركات سياسية أو اقتصادية

الشيخ احمد درامى في الإثنين ٢٤ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الدين ينتشر غالبا خلف حركات سياسية أو اقتصادية.

لم يهاجر النبي ص. وأصحابه إلى المدينة للنشر الدين. وإنما هاجروا إليها كلاجئين سياسيين اضطهدوا في بلدهم. وهكذا سماهم القرآن. أي (المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم…) فالتجئوا إلى يثرب؛ وانتشر الإسلام في المدينة وربوعها كخلفية للجوء اللاجئين المسلمين إليها.

ما قاتل" النبي ص. قط للدين، لا لنشره ولا للدفاع عنه من المناوئين والمستهزئين. لقد نهاه ربه عن ذلك قائلا له: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا (ينالون في القرآن أو يستهزئون بالإسلام) فَأَعْرِضْ عَنْهُم؛ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.) [الأنعام: 68]. (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا (بس) فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ. حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ...)وما عليك أكثر من ذلك. [النساء: 140] فاعلم (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.). (وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ. إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا. يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ. وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.) [آل عمران: 174].

والنبي ص. كانت تهمه صيانة القرآن أكثر مما كانت تهمه صيانة عرضه. ومع ذلك فقد نُهي عن المشاجرة مع المستهزئين من أجل الدفاع عن القرآن أو الإسلام. وما بال إذا استهزئوا به هوأو "كاريكاتيروه" ؟ طبعا فلا يبالي. فإذا نُهي عن القتال للدفاع عن كتاب الله وهو الأهم، فهل يقاتل للدفاع عن عرضه من الاستهزاء، وهو أقل أهمية عنده؟ إنما كان جميع قتاله قتالا "سياسيا"دوْليا. أي للدفاع عن الأشخاص والممتلكات من العدوان الفعلي، أو ملاحقة المعتدين من ذاك النوع. ولم يقاتل قط للدفاع عن الإسلام! وكانوا يقولون له: (…يا أيها الذي نزل إليه الذكر، إنك لمجنون.) [الحجر:6]. وكان إذا قالوا له: "يا أيها الذي نزل إليه الذكر" يظن أنهم آمنوا بإنزال الذكر إليه؛ فيبادر متفائلا ويقول: " لبيك" ! ويفاجئونه بقولهم له "إنك لمجنون". ثم يضحكون معا. لكنه ما كان يبالي. وما شاجر مع أحد منهم قط للدفاع عرضه. إذ قيل له: (ما يقال لك إلا ما قد قيل لرسل من قبلك. إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم.) [فصلت: 43]. (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل). إذن فلماذا نحن نحال قلب الدنيا، كلما رسموه، أو كاريكاتيروه أو مثلوه؟!  ونصيح: " هيا نُخرّب، ونُموّت الدنيا" !… فقد استهزأوا بالنبي!… واستهزأوا بالإسلام... وقد كانوا يستهزئون بالنبي وبالقرآن والنبي حي يسمع ولا يتحرك قيد أنملة. لقوله جل وعلا له ولنا في القرآن مرتين:

1-  قيل له:(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا (وينالون في القرآن أو يستهزئون بالإسلام)فَأَعْرِضْ عَنْهُم…) [الأنعام: 68].

2-  وقيل لنا:(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا (بس)فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ...)[النساء: 140]. فلم إذن كل هذه الضجات كلما استهزأوا بالإسلام أو بالنبي، علما أن ربنا سبحانه وتعالى قد نهى عن الرد عليهم في ذلك؟

وكذلك انتشر الإسلام كخلفية وراء الغزوات السياسية القرشية. إذ لم يغز قريش شعوب العالم لإبلاغ الإسلام إليهم، وإن أعلنوا ذلك. إذ ربنا سبحانه وتعالى نهى عن نشر دينه بالسيف والإكراه. (لا الإكراه في الدين…) (… أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟). وإنما غزا قريش الشعوب ليسيطروا عليهم سياسيا ولينهبوا ثرواتهم ويسبوا بناتهم. ونشروا من جرائه الإسلام معهم.

وكذلك انتشر الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء كخلفية وراء التجار العرب الذين اجتازوا الصحراء إلى أعماق إفريقيا لأعراض اقتصادية. وصادف أن تلك التجار كانوا مسلمين فانتشر معهم دينهم في تلك البلاد. (وما يعلم جنود ربك إلا هو…) أي أن الله ، سبحانه تعالى، نشر دينه في طيات حركات طالبي الدنيا. فحققوا أمر ربهم حتما وهم يركضون وراء مآربهم الإقتصادية. تماما كما تلقح النحلة الأزهار جريا وراء قوتها.(ولله جنود السماوات والأرض…) يستخدم من يشاء ، طوعا أو كرها ، لما يشاء، سبحانه وتعالى. (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا أو كرها…) كما أن لله يشغل من في السماوات والأرض طوعا أو كرها وإن لم يشعرون.

وكان المرسلون يقولون للمرسلين إليهم: (…أنلزمكموها وأنتم لها كارهون؟!) أي البينة (كتاب الله). وإذا قبلوه طوعا قالوا لهم:"لا نسألكم عليه أجرا إن أجرنا إلا على رب العالمين". أما الغزاة العرب، فإنهم كانوا يلزموه الناس وهم له كارهون، ثم يسألهم عليه أجرا، ويتقاضوا أجورهم منهم بنهبهم ثرواتهم وسبيهم بناتهم، ثم بعد ذلك يفرضون عليهم جزية باهظة وخراج.

إنهم قد نشروا فعلا الإسلام  في غزواتهم السياسية، غير أنهم تقاضوا منه أجورهم باغتنامهم، في طياتها، ثروات كثيرة وسبايا. فيوم القيامة فهل لا يقال لهم:(…أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها! فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق، وبما كنتم تفسقون.) [الأحقاف: 20]

 

وقد علل أحد الفاتحين الأوروبيين الأوائل نزولهم على الساحل الأميركي قائلا:

"We came here

1-   to serve God and his majesty,

2-   to give light to those who live in darkness,

3-   and to get rich, as all men desire to do."

أي جئنا هنا:

1-  لخدمة الله والسلطان،

2-  لإخراج هؤلاء من الظلمات إلى النور،

3-  ولاغتنام الثروة. كما يرغب في ذلك الجميع.

 

وهي نفس المبررات التي أدلاها المستعمرون الأوربيون والفاتحون العرب، غير أنهم كانت تنقصهم أمانة الاعتراف بإضمارهم العلة الثالثة والحقيقة.

والعلة الثالثةTo get rich) )هي القائدة. والثانية ما هي إلا خلفية لها. أما الأولى فهي ادعاء كاذب عند جميعهم.

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ؛ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ. وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.)

صدق الله العظيم

اجمالي القراءات 6468