حد السرقة من القرآن
قطع يد السارق لا يعني بترها

ياسين ديناربوس في الجمعة ٠٣ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

 
من المشهور عند المسلمين على اختلاف مذاهبهم ( سنة و شيعة ) هو أن عقوبة السارق تتمثل في قطع اليد .. بمعنى بترها
 
:و يستدلون على ذلك بقوله تعالى في المائدة
 
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌٌ}
 
تعترضني هنا اﻹشكالية التالية
 
إن الشرع الإسلامي و الذي هو في اعتقادي الراسخ من عند الله عز و جل لا يقوم إلا على الرحمة و اﻹنسانية .. و أساسه خدمة اﻹنسان للرقي و التطور. هذا التشريع اﻹلهي لا يمكن أن يخلو من رحمة الله حتى في عقوباته .. فيحافظ على إنسانية
 
اﻹنسان و فاعليته في المجتمع. الله عز و جل رحيم .. بل هو أرحم الراحمين
 
كيف يضع قانونا يحول به بني آدم إلى أجسام مشوهة و معاقة ؟؟ و هو خالقهم في أحسن تقويم ؟
 
محال أن تكون حدود الله عقوبات خالية من الرحمة
 
و محال أيضًا أن تكون هذه هي الصيغة العالمية و الخاتمية التي شاء الخالق عز وجل أن ينتشر بها اﻹسلام في كل أقطار اﻷرض و أزمنتها !
 
عقوبة قطع يد السارق هي حبة رمل في شاطئ بحر اﻷمور التي فهمت بشكل خاطئ .. فهناك فرق شاسع بين مفهوم القطع في قناعات الناس و بين القطع في مراد الله.
 
القطع لغة و اصطلاحا يحتمل مفهومين : مفهوم مادي فيزيائي و مفهوم معنوي.
 
أما اﻷول فهو يعني البتر أو فصل اليد عن الجسم بشكل نهائي.
 
و لو طبقنا هذا المفهوم فسيكون المجتمع قد عالج مشكلة فردية بمشكلة اجتماعية أكبر من اﻷولى .. و فجع أسرة بكاملها ؛ نفسيا بإلحاق العار بها مدى الحياة و ماديا إذا كان السارق معيلها و المنفق عليها. فهل سيتكفل المجتمع باﻹنفاق على هذه الأسرة التي أصبحت عالة عليه ؟؟؟
 
للأسف هذا هو المفهوم السائد الذي تبناه فهم الناس و الفقه و التراث الجمعي المنقول إلينا تاريخيا.
 
و قد وجب التنبيه هنا إلى اﻹختلاف الهائل بين الفقهاء في عدة مسائل بخصوص قطع يد السارق :
 
مكان البتر ؟
 
هناك من قال اﻷصابع .. و هناك من قال الكف .. إلى غير ذلك من اﻵراء ..
 
هل كل سرقة تستوجب البتر ؟
 
هناك من قال بوجوب البتر إذا حدتث السرقة في مكان خاص ( منزل محصن مثلا ) و لا يجب البتر في حالة السرقة من مكان عام ( سوق مثلاً ) …
 
□استفسار : من أين جاؤا بهذا التمييز ؟ أليست اﻵية الكريمة تتحدث عن السارق بالمطلق ؟؟؟ و حسب القواعد الفقهية : لا اجتهاد مع النص !
 
■المبلغ المسروق الذي يستوجب البتر ؟ حددوا مبلغا يستوجب البتر و ما أدناه لا تبتر فيه يد السارق.
 
□ملحوظة : ما أفهمه شخصياً من هذا أن من سرق 1000 درهم قد تقطع يده بينما من سرق 999 درهم لا يجب أن تقطع !!! نجد أنفسنا في نهاية اﻷمر أمام سيل عارم من اﻵراء و اﻹجتهادات الفقهية، لكل أدلته و حججه ( انظر التفسير الكبير للرازي ج 11 ص 223-229 ) و الواضح أن كل هذه اﻹجتهادات الفقهية كانت خاضعة كما هو معلوم لحوائج الزمان و المكان و جبروت السلطان ( عوامل اجتماعية و اقتصادية و سياسية .. ).
 
سؤال : هل يعقل أن يترك الله سبحانه و تعالى أمرا بهذه اﻷهمية و عقوبة أبدية ( على اﻷقل دنيويا ) .. هل يعقل أن يترك فيها عز و جل كل هذا المجال للإختلاف ؟
 
سؤال ( كبير هذه المرة ) : ماذا لو تبث بعد قطع اليد أن السارق برئ ؟؟؟ كان من نتيجة كل هذه الإشكالات أن بعض المجتهدين و المفكرين خلصوا ﻷن اﻹسلام ليس به بتر ليد السارق .. بل المقصود بالقطع في اﻵية هو هو المفهوم المعنوي -كما سبق و أشرت – أي المنع و الكف عن الفعل.
 
و هنا أوجه عناية الغلاة ممن لا يتدبرون القرآن إلى السؤال التالي :
 
ماذا يعني فعل ( قَطَعَ ) في القرآن الكريم ؟
 
لا بأس هنا بإلقاء نظرة سريعة على الآيات التي ورد فعل قَطَعَ فيها بمعان لا علاقة لها بالبتر ولا بالسكاكين ولا بالسواطير:
 
{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} آل عمران 127.
 
{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} الأنفال 7.
 
{الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} البقرة 27.
 
{وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} التوبة 121. {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الأنعام 45.
 
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِي} النمل 32. {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} الواقعة 32، 33.
 
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} الحجر 65.
 
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ} العنكبوت29.
 
فقوله تعالى {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني ليهلك طائفةً منهم.
 
وقوله {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} يعني ويستأصل آثارهم عن آخرهم.
 
وقوله {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} يعني لا يصلون الرحم ولا يقومون بحقوق القرابة. وقوله {وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا} يعني ولا يعبرون وادياً بشكل عرضاني.
 
وقوله {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ} يعني استؤصلت شأفتهم.
 
وقوله {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} يعني مقررة وجازمة.
 
وقوله عن الفاكهة أنها {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} يعني لا ينعدم وجودها في أي فصل من الفصول، فه موجودة دائماً.
 
وقوله {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ}يعني فسر بأهلك بالقسم الأخير من الليل.
 
سؤال : أين البتر إذن إذا لم يكن فعل قطع يعنيه في التنزيل الحكيم ؟
 
أتى وصف النساء اللاتي رأين يوسف بكلمة ( قطّعن) بتشديد الطاء :
 
{فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن واعتدت لهن متكا واتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما راينه اكبرنه قطّعن ايديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كري} بمعنى أنهن قمن باعتراض أيديهن بالسكين إلى درجة عميقة حيث أصابتهن بحرح ولم يبترن أيديهن، وتشديد كلمة قطع يدل على تكرار الفعل أكثر من مرة
 
ولو كان المقصد من كلمة ( قطع ) فصل اليد بصورة كلية عن الساعد لاستخدم الشارع كلمة بتر.
 
وننتقل إلى قوله تعالى بلسان فرعون للسحرة:
 
{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} الشعراء 49.
 
هنا لا يمكن أن يكون التقطيع للأيدي والأرجل بتراً وجزاً، وإلا لما تحقق له الصلب بعد التقطيع، إذ كيف تصلب جثة بلا أيدي ولا أرجل. وأي معنى لصلب جثة مات صاحبها بعد قطع أطرافه، نقول هذا لأن فعل الصلب في الآية معطوف على فعل التقطيع، وهذا يختلف تماماً عن قوله تعالى:
 
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ} المائدة 33.
 
هنا فقط يمكن أن نقول إن التقطيع يعني البتر، باعتبار وجود (أو) الفاصلة بين الخيارات الأربعة، فجزاء الحرابة والفساد في الأرض إما القتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل أو النفي.
 
يجب ان نتبه لكلمة ( ايديهما) لم تأت بالمفرد ولم تأت بالمثنى بل جائت بالجمع حسب الآية {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38 ، لا يلزم من ورود كلمة يد هنا أنها الجارحة؟ هل كلمة اليد في قوله تعالى (يد الله فوق ايديهم ) هي الجارحة؟ كلمة اليد في اللسان العربي تعني القوة ، ولذلك قال عن داود (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) يعني اقطعوا كل منافذ القوة التي سيطرت على السارق فجعلته يرتكب السرقة فأن كان فقيرا فقد يكون القطع بتوفير فرصة عمل له وان كان يعاني من خللا في الشخصية او عدم العلم فيخضع لجلسات نفسية اوتربوية او ماشابه فأن بقي يصر على السرقة فمصادرة امواله او الحجز او السجن او غيرها.! ثم ان كلمة (ايْدِيَهُمَا ) تعني كلتا ايدهما اليمنى واليسرى معا فهل سيقطعون الاثنين معا ويطبقون الاية ام يتراجعون الى القطع بطرق اخرى …؟
 
نعود بعد هذا كله إلى قوله تعالى في المائدة 38 {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } ونلاحظ أن الواو في أولها تعطف ما بعدها على الآية 33 قبلها {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وأن العطف تقوية وحدة الموضوع. فالآية 33 تتحدث عن جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، والآية 38 تتحدث عن جزاء السارق والسارقة. فإذا نظرنا في لفظ السارق، نجد أنها وردت بصيغة اسم الفاعل من فعل سرق، التي تدل على دوام وطول ممارسة الفاعل لهذا الفعل، كقولنا كاتب. ونفهم أنه سبحانه يعني السارق الذي داوم على السرقة ومارسها طويلاً حتى أصبحت مهنة له، ويحدد له جزاءه ذكراً كان أم أنثى بقطع الأيدي. ونفهم أنه تعالى لا يعني أبداً الإنسان الذي سرق مرة واحدة، لأنه لو عنى ذلك لقال: {ومن يسرق}، تماماً مثلما فعل بقتل النفس حين قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ} النساء 93، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} النساء 92.ألا ترى معي أن القتل مرة واحدة يكفي لإنزال العقوبة بالفاعل؟
 
إذن كلمة ( قطع ) لا تدل على عملية ( البتر ) لليد ، وإنما تدل على عملية المنع والتعطيل والتوقيف وتحديد فاعاليتها ، والعقوبة موجهة إلى نفس الإنسان لا إلى يده الجارحة !! قطع يد السارق لاتعني الجرح او البتر، وإنما منعه او توقيفه عن السرقة ومعاقبته بالشكل الذي يردعه, فتكون عقوبة هذا الإنسان بإيجاد صورة رادعة زاجرة مؤلمة نفسياً نحو السجن لمدة معينة ،أو ما شابه ذلك مما يراه المجتمع عقوبة زاجرة ورادعة ومؤلمة نفسياً لهذا الإنسان ، حيث يترتب على العقوبة قطع يد السارق من وجهين : الأول توقيف ومنع فاعلية اليد وظيفياً بشكل مؤقت، الثاني : جعل السارق يتألم نفسياً من خلال شعوره بالخزي والعار أمام أسرته والمجتمع . والنتيجة أن هذا الإنسان هو ابن المجتمع يجب احتضانه والاعتناء به ، لا بتر أحد أطرافه, ، فالسجن في الواقع داخل تحت مفهوم القطع منطقيا ، فكل سجن هو قطع لحركة هذا الانسان ومنعه من حريته وتوقيف نشاطه الاجتماعي ، أليس السجن هو توقيف لحركة الإنسان؟ اليس السجن هو منع نشاطه الاجتماعي؟ أليس السجن هو تعطيل لقوة الإنسان؟
 
والنتيجة أن هذا الإنسان هو ابن المجتمع يجب احتضانه والاعتناء به ، لا بتر أحد أطرافه.
 
إن أصبت فمن الله سبحانه وتعالى وإن أُخطأت فمن نفس .
 
هذه وجهة نظري وليس ملزوم بها كل من قرأ مقالي.
 
#مقالات_ياسين_ديناربوس
اجمالي القراءات 37550