لماذا أصف البرادعي بالغباء

كمال غبريال في الأحد ٠٥ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

يركز البرادعي أحاديثه الآن على ما يسميه "التوافق و"المصالحة الوطنية".‏

رغم أن كل ذي عينين يرى أن ليس بمصر مكونات وإثنيات وطوائف تتقاتل تنازعاً لأمر أو سلطة، كما نشهد في ‏المكونات العراقية والسورية واليمنية مثلاً، ليكون كل المطلوب عندها هو "التوافق"، أو ذلك الاصطلاح العجيب الساذج ‏المسمى "مصالحة"، وكأننا إزاء شجار في مقهى شعبي.‏

نرى أن الحالة المصرية البائسة ذات شقين:‏

الشق الثاني من حيث الخطورة في اللحظة الراهنة، هو التوصل لنظام سياسي يستطيع إنتاج أفضل الممكن من الواقع ‏الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المصري المتردي بطبيعته. وهي الإشكالية التي يعوقنا عن التصدي الأمثل لها وجود ‏ما اعتبرناه الشق الأول للحالة المصرية. تلك الإعاقة التي يطالعنا بها باستمرار الخطاب السياسي الرسمي بعنوان: "أنا ‏أو الإرهاب".‏

الشق الأول والأخطر الآن هو نمو تيار في التربة المصرية أنتج الإرهاب المحلي والعالمي. ومشكلة مصر والعالم كله ‏الآن هو كيفية استئصال هذا التيار، وليس "التوافق" معه.‏

‏"التوافق" ليس صنماً معبوداً، نسجد له دون أن نتبين طبيعته وملابساته ومكوناته.‏

الأمر أشبه بالتوافق الضروري بين أعضاء الجسد الواحد. وليس توافقاً للجسد مع فيروس أصابه، فنتركه ينهش في ‏الجسد حتى يهلكه باسم "التوافق"!!‏

نصف البرادعي بالغباء لأن العاجز عن التعلم من خبراته الشخصية ليس هناك توصيف له غير "الغباء".‏

فلقد جربت نخبتنا السياسية هذا "التوافق" الأحمق أثناء ثورة 25 يناير. وليس هناك من يجهل ما يعرف بـ"اتفاق ‏فيرمونت"، الذي توافقت فيه النخبة اليسارية ومدعو الليبرالية مع قيادات الظلاميين على المشاركة السياسية.‏

شهدنا وعانينا جميعاً النتائج الوبيلة لهذا الاتفاق المأفون، والذي أوصلنا لما نحن فيه الآن من ترد غير مسبوق في ‏تاريخ مصر الحديث.‏

الفشل الفادح لهذا "التوافق" لا يرجع لما قد يستنتجه "العقل الساذج" لتراجع قيادات الظلاميين أو خيانتهم للعهود، بحيث ‏يمكن العودة لتكرار الأمر، مع التأكيد هذه المرة على الوفاء بالعهد.‏

الفشل يرجع لسبب هيكلي، وهو تجاهل طبيعة مكونات هذا "التوافق". فشل توافق "جسد" مع "فيروس" يكفر العالم كله، ‏ويعادي الحضارة والمتحضرين. . ليست هذه اتهامات وادعاءات منا نكيلها لهم بلا حساب أو تدبر، بل هي نصوص ‏مرجعياتهم وأدبياتهم وخطاباتهم العلنية في غير مجالات التقية والخداع. وهي أيضاً ما يسم سلوكياتهم وفعالياتهم ‏الإرهابية، الممتدة باتساع العالم كله.‏

نصف البرادعي بالغباء لأن خطابه (المعلن على الأقل) خطاباً ليبرالياً حداثياً محضاً، فلا يعد بناء عليه من الثعابين ‏الذين يحالون خداعنا بادعاء "توافق فكري" بين الظلامية والحداثة، على شاكلة "فهمي هويدي" و"محمد سليم العوا" وسواهم. ‏فلو كان الرجل من هؤلاء الأخيرين (وهم كثر) لاعتبرناه ذكياً ذكاء الثعالب والعقارب الثعابين.‏

نقول هذا إنصافاً له، رغم أن المتابع لخطابه لابد وأن يرصد مسحة عروبجية متأسلمة موروثة من الثقافة العربية ‏السائدة، لم تنجح سنوات معيشته في الغرب في محوها، لتظل رائحتها تفوح من كلماته ومبادئه الليبرالية الرائعة التي لا ‏ينفك يرددها.‏

هناك ملامح أخرى أقل خطورة لأنها تخصه وحده، تشير إلى "غباء" البرادعي. ظهرت هذه في الحلقات الأربع من ‏حديثه في فضائية قطرية. منها عجزه عن استخلاص رؤى كلية بانورامية للحالة المصرية والعالمية، وتوقفه عند ترديد ‏المبادئ الإنسانية الليبرالية المحفوظة. علاوة على براءته التامة من أي فكر قادر على تحويل هذه المبادئ إلى سياسات ‏عملية تتسق مع حقائق الواقع.‏

اجمالي القراءات 7272