فإن عاقبتم، فعاقبوا بمثل ما عاقبتم به.
التدليس أو قصور مقصود في توضيح معاني الجهاد

الشيخ احمد درامى في الأربعاء ٠٧ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

التدليس أو قصور مقصود في توضيح معاني الجهاد

 

1-المفهوم الصحيح للجهاد في سبيل الله.

"أميل إلى الاعتقاد" أن علماء السلف تواطأوا جميعا في ترك الأمراء يفهمون الناس أن الجهاد في سبيل الله هو القتال. وأن القتال في سبيل الله هو اقتحام الموت في تقتيل كل من يعاكس الإسلام، أو يرفضه.

إن الجهاد في سبيل ربنا الغني عن العالمين، يغاير القتال. لأن الجهاد في سبيل الله لا ينسجم مع العنف مطلقا! إن القتال في الإسلام لا ينجم إلا من فتنة الناس على المجاهدين المحسنين. فإن حصلت، إن شاءوا ردوا، وإن شاءوا صبروا. ولئن صبروا لهو خير للصابرين. قال تعالى (فإن عاقبتم، فعاقبوا بمثل ما عاقبتم به. ولئن صبرتم، لهو خير للصابرين. واصبر! وما صبرك إلا بالله. ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون. إن الله مع الذين تقوا، والذين هم محسنون.)أي مجاهدون في سبيل الله ويدفعون بالحسنة السيئة.

الجهاد في سبيل الله معناه الإحسان إلى العالمين لوجه الله، دون طلب الأجر.وهو أوسع بكثير من القتال. والقتال زاوية ضيقة جدا في الجهاد، ويمكن التغاضي عنه. لأن الله سبحانه وتعالى لم يفرض علينا أن نقاتل له. إذ هو "القوي العزيز" و"لطيف لما يشاء" و"غالب على أمره". وإنما، فقط، أذن لنا في القتال، بطلب منا، كي لا يحرمنا حقنا في الدفاع والمعاقبة بالمثل. كي ندافع فتنة الناس عنا وعن الضعفاء إن استنصروا إلينا. وإن لم يستنصرونا، وصبروا فما لنا فيهم من سبيل.

ولقد أوصانا الله، جل وعلا، إن عزمنا على القتال، بمراعاة القسط في معاقبة المعتدين. ثم ختم بعرض الصبر علينا بغضا للعنف في سبيله! وقال: (ولئن صبرتم؛ لهو خير للصابرين!) كما عاهد أنه سيدافع عنا (إن الله يدافع عن الذي آمنوا...).وأكثر من ذلك، قد فرض على نفسه نصرنا. وقال: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين!)، وقال في موطن آخر، بعد أمر النبي الاكتفاء بعرض القتال على الناس وتجنب تكليفهم فيه، (فقاتل في سبيل الله. (إذن)لا تكلف إلا نفسك! وعرض المؤمنين. عسى الله أن يكف بأس الدين كفروا. والله أشد بأسا وأشد تنكيلا.) [النساء:84] وقال:(هو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة، من بعد أن أظفركم عليهم!...)، و:(ألم تر كيف فعل الله بأصحاب الفيل!؟)

و"أميل إلى الاعتقاد" أن لو صبرنا عن القتال، لدافع الله عنا؛ ولنشر دينه بأحسن وأنقى وأيسر طريق مما فعل الفاتحون، بنشرهم الدين الحنيف مشوّها مبغوضا، ومنفورا عنه! أن القتال حالة استثنائية (بين القوسين) في الجهاد في سبيل الله. لا نلتجئ إليه إلا مضطرينمرغمين.

 

إن الإسلام سوف ينتشر بالسلم، إن شاء الله، أوسع وأفضل مما انتشر بالعنفبعد النبي عليه السلام.

ألم تر أن المسلمين في إفريقيا جنوب الصحراء، كلهم دخلوا في الإسلام بالسلم مختارين،

وفي إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية، دخلوا في الإسلام بالسلم مختارين،

والمسلمون في مليزيا، وجنوب شرقي أسيا، كلهم دخلوا الإسلام بالسلم مختارين

والمسلمون في أمريكا، وأروبا، وأستراليا، والصين، كلهم دخلوا في الإسلام بالسلم مختارين.

"إن ربي لطيف لما يشاء. إنه هو العليم الحكيم ".[يوسف: 100]

 

 

2 ميادين الجهاد في سبيل الله

1-  تعريف الجهاد في سبيل الله.

الجهاد في سبيل الله هو: ببذل مؤمن جهده في أنشطة يقصد بها نفع الناس أو الحيوانات أو البيئة، دون طلب أجر.

 

2-نماذج من الجهاد في سبيل الله

-        أن تقتحم العقبة. بإطعامك، في شدة، يتيما بائسا، أو مسكينا يائسا، أو تعين أخا غير عزيز لك، بلا منّ ولا أذى،  ثم بعد ذلك تقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، تكون من المؤمنين حقا! 

-        فالجهاد في سبيل الله هو الاعتناء بالبائسين والسعي لتحسين ورفع مستواهم المعيشية والصحية والسكنية، وتعليم أبنائهم وهدى من يشاء من الآباء والأمهات بالتحمّـل والشفقة والمحبة.

-        تعلم العلوم النافعة وتعليمها لصلح الحياة في الأرض.

-        القيام ببحوث علمية نافعة للإنسانية إذا كنت مؤهلا لها؛

-        أو المساهمة في تمويل البحوث العلمية، في مجال كالإيدز، (SIDA)والسرطان وحقن لملاريا، وإبولا، ومرض السكري، أو تمويل تصنيع نتائج البحوث العلمية، لصالح البشرية.

-        وكذلك السعي إلى صيانة الحيوانات المهددة بالانقراض، وإصلاح البيئة للإنسان والحيوانات والأسماك، وكل عمل من هذا القبيل هو جهاد في سبيل الله. الجهاد في سبيل الله هو إصلاح الحياة في الأرض، وتحسينها وصونها للإنسان والحيوانات والنبات.

-        ومن الجهاد في سبيل الله البحث عن الآثار التاريخية والمحافظة عليها للاتعاظ. وذلك من الفرائض الإسلامية المهملة. بالرغم من أن الله جل وعلا ترك لنا منها آيات وعلامات كي نبحث عنها وندارسها ونتعظ بها نحن والأجيال التالية من بعدنا. وقال تعالى:

في هلاك قوم لوط:(وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم)؛ يجب البحث عن تلك الآيات ودراستها علميا ودينيا.

(فأخذتهم الصيحة مشرقين. فجعلنا عاليها سافلها، وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل. إن في ذلك لآيات للمتوسمين.). يجب البحث عن تلك الآيات والآثار، ودراستها علميا ودينيا.

(أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم؟ إن في ذلك لآيات لأولي النهى.) [ط:125]، ترك منها آيات، أي علامات، لنا. لبحث عنها وندرسها علميا ودينيا

 (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون.) [النمل 52] عن آثار مسكن قوم ثمود. يجب البحث عن تلك الآيات، أي الآثار، ودراستها علميا ودينيا.

(وأنجينا موسى ومن معه أجمعين. ثم أغرقنا الآخرين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين.) وهو موجود فعلا في متحف مصر.

(إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون.ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون.) يجب البحث عن تلك الآيات، أي الآثار، ودراستها علميا ودينيا

(وكأين من آية في السماوات والأرضيمرون عليها وهم عنها معرضون.) الاستفهام للتوبيخ. إذن يتعيّن علينا البحث في آيات الكون والفضاء، وآثار العمران في الأرض، ودراستها علميا ودينيا

1-     (وحملناه على ذات ألواح ودسر.تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر. ولقد تركناها آية فهل من مدكر.) [القمر]آثار سفينة نوح عليه سلام. يجب البحث عنها ودراستها علميا ودينيا للاتعاظ والعبرة.

وكل ذلك، من مجهودات الجهاد العلمي النافع للإنسانية. والذي يجب على المؤمنين القيام بها. لقد كلفنا الله جل وعلا، في آيات كثيرة من القرآن، بالقيام على البحث عن آثار الذين من قبلنا. وترك لنا منها علامات وإشارات. فأهملناها (إلا الدولة المصرية) وتركناها للآخرين.

-        ومن الجهاد في سبيل الله أن تكون ربانيا؛ بتدارس القرآن وببيان معانيها للناس برفق، وتواضع ومحبة، والجدال بالتي هي أحسن؛ بعيدا عن عنف التكفير.

-        ( واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس! ولا تكتمونه! فنبذوه وراء ظهورهم! واشتروا به ثمنا قليلا! فبئس ما يشترون!)[ال عمران: 187]

-        (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا.)[الفرقان: 52]؛ كبيرا بالقيم السامية.

اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فاعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا.) يبلغ أعماق قلوبهم بالترغيب والتحبيب والتشجيع، بدلا من التهديد والتخويف والتوبيخ. [النساء: 63]

 

-        (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين.)[النحل: 125]

 

-        (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم (حتى أولئك قولوا لهم)وقولوا امنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون.) [العنكبوت: 46]

 

 

3-حكم القتال في الإسلام.

 

حكم القتال في الإسلام جواز عامة، وفرض كفاية في بعض الحالات.

 

أولا:يكون القتال في الإسلام جائزا لردع الظالمين أو معاقبتهم لاحقا.

القتال في سبيل الله (للدفاع ومنع الفتنة) حق يمنحه الله للمؤمنين لكنه، سبحانه وتعالى، لم يفرضه عليهم. وإنما أذن لهم فيه، ثم ناشدهم على مراعاة العدل والقسط عند استعمالهم إياه، وذلك بتطبيق الجزاء بالمثل بالضبط! دون مجاوزة المثل.

وأكثر من ذلك، فقد حبّب س.ت. إليهم الصبر، كبديل أحسن للقتال. وقال تعالى في القتال العقابي: (وإن عاقبتم فعاقبوا "بمثل" ما عوقبتم به! (بالكِمّ والكيف والنوع!). ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.)(واصبر وما صبرك إلا بالله. ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون.) (إن الله مع الذين تقوا، والذين هم محسنون.). [النحل: 129- 126]

إن الله مع الصابرين على ما أصابهم، ومع الذين تقوا وخافوا من مجاوزة الحد في الإنتقام، ومع المحسنين الذين يدفعون بالحسنة السيئة.

 

وهكذا نرى أن الله سبحانه تعالى لم يكلف أحدا على القتال. وإنما أذن فيه للمؤمنين بطلب منهم. كما منع النبي ص من أن يكلف أحدا على القتال. وأمره باكتفاء بالتحريض عليه، إن أراد. وقال له جل وعلا: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال. إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين (بنصر الله)وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون.) [الأنفال: 65] كما قال له: (فقاتل في سبيل الله. (إن عزمت)، لا تكلف إلا نفسك! وحرض المؤمنين. (فقط. ولو صبرتم،)عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا. والله أشد بأسا وأشد تنكيلا.)[النساء: 84] نفهم

يسمع العاقل من الآية، دعوة ضمنية من ربنا إلى الصبر وترغيبه فيه. وأن لو صبروا ورغبوا عن القتال، لكف الله عنهم بأس الذين كفروا. والله أشد بأسا منهم، وأشد تنكيلا.

وعليه، لا يذنب فرد مسلم إذا قعد ولم يشارك في قتال ردع الظلم أو المعاقبة. بشرط ألا يكون قد طلبه وعاهد عليه. إن لم يطلبه ولم يعاهد عليه، فمشاركته فيه اختياري. إن شاء شارك وإن شاء قعد بدون عذر. ويكون المشاركون أكثر درجة منه، في حالة كون القتال فرض كفاية، كما سنبينه لاحقا. وقال الله في هذا الصدد:(لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة. وكـلا وعد الله الحسنى!وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما!) [النساء: 95]

وفي قوله جل وعلا: (وكلا {من المجاهدين والقاعدين}وعد الله الحسنى)دليل على أن القاعدين لا اللوم عليهم، وما عليهم من سبيل.

 

 

ثانيا: ويكون القتال في الإسلام فرض الكفاية في حالات أربع:

 

1-     يصبح فرضا مكتوبا على الذين طلبوه وعاهدوا عليه؛

إن الله سبحانه وتعالى لا يفرض القتال إلا على الذين طلبوه وألحّوا في طلبه، وعاهدوا الله إلا يولون الأدبار فيه.وأولئك يكتب عليهم القتال. وإذا نكثوا بعد ذلك وأعرضوا عنه، يؤاخذهم الله فيه.

وكان هناك جماعة ينجذبون إلى القتال ويقومون بردود أفعال فردية. حتى قيل لهم "كفوا أيديكم! وداوموا الصلاة والزكاة والعبادة واعرضوا عن القتال". ورغم ذلك لما كتب عليهم القتال نكثوا. قال تعالى في شأنهم: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله! أو أشد خشية!....) وقال كذلك في آخرين:

(ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا؟ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا! فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم. والله عليم بالظالمين.)[ب:246] .

وجماعة أخرى تمنوا أن لو أنزل الله سورة القتال. فلما أنزل الله القتال ابتأسوا منه. وقال تعالى:(ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة! فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت!فأولى لهم!) [محمد: 20]

من الآيات السابقة، ترون أنهم هم الذين طلبوا القتال وانجذبوا إليه. فلما كتب عليهم إذا هم ينكثون. فعاتبهم الله عليه وقال جل وعلا: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار! وكان عهد الله مسؤولا.)[الأحزاب: 15](لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (في عدم نقض ما عاهد الله عليه)لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا.) [الأحزاب: 21] ومنهم من اتخذوا رسول الله قدوة وصبروا وصابروا. فمدحهم الله جل وعلا قائلا:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا!) [الأحزاب: 23] فهم الذين طلبوا القتال وعاهدوا الله على الا يولّوا الأدبار. ووفوا بما عاهدوا عليه. وثبتوا فعلا كما عاهدوا!

 

2-"التدخل الإنساني" فهي فريضة دينية على الذين استنصرت إليهم فئةٌ مضطهدةٌ في الدين؛

يجب على المسلمين نصر أية فئة مؤمنة استنصرت إليهم من اضطهاد المشركين إياها في الدين. اللهم إلا إذا كان بيننهم وبين المجرمين ميثاق سلم. وعندئذ فلا النصر لها. لأن الوفاء بالعهد مقدم، في الاسلام، على القيام بأي واجب ديني آخر. فقال جل وعلا:(والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا. وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر؛ إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق. والله بما تعملون بصير) [الأنفال: 72] كما يجب عليهم نجدة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. ولو أدى بهم الأمر إلى القتال، قال عز وجل:(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هـذه القرية الظالم أهلها! واجعل لنا من لدنك وليا؛ واجعل لنا من لدنك نصيرا.)[بالنساء:75].

 

3- ومن "القتال الإنساني" الفروض، القتال ضد طائفة مؤمنة بغت على الأخرى،.

يقول الله سبحانه وتعالى:(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله. فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا! إن الله يحب المقسطين.) [الحجرات: 9].  فالقتال هنا بمثابة "التدخل الإنساني" أو محاربة البغي، من حيث أتى؛ من فئة مؤمنة أو من فئة كافرة. ويكون قتالها واجبا دينيا على المسلمين.

 

4-يكون القتال فريضة دينية ضد فوم خانوا المسلمين بنقض ما عاهدوهم عليه بالغدر.

(وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم، فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون.) فإن انتهوا، انتهي المسلمون هم كذلك!  ثم لا عدوان إلا على الظالمين.وكان القتال يستهدف، ناقدي العهد من المشركين فقط، وليس جميعهم. وما يقال حول ما اصطلحوا عليه ب"آية السيف" ما هو إلا افتراء كذب على الله سبحانه وتعالى.وتوظيف للآيات القرآنية، لأغراض سياسية.

ثم أضاف، سبحانه وتعالى، مستغربا قائلا:(ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة؟ أتخشونهم؟ فالله أحق أن تخشوه! إن كنتم مؤمنين.)

 

غي سبيل التوافق بين، من جهة، أمر الله جل وعلا بالصبر وترغيبه الواضح فيه بدلا من القتال كقوله: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. واصبر. وما صبرك إلا بالله.)، وبين ومدحه للمقاتلين (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون....)من جهة ثانية؟

في محاولة الإجابة أقول:

الخلاصة في الموضوع هي:إذا تعلق القتال بالدفاع عن النفس من أذى الكفار، فالقتال فيه جائز ومأذون فيه طبقا لقاعدة "جزاء سيئة سيئة مثله" ويبقى (ومن عفي وأصلح، فأجره على الله.) خير. وقوله: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.). فالقتال هنا اختياري. من أراد قاتل بالمثل ومن أرد صبر، ويدفع بالتي هي أحسن. وهو الدفاع بالحسنة السيئة. هو مستوى عال ل(الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. والصابرين على ما أصابهم. والمقيمي الصلاة، ومما رزقناهم ينفقون،)أولئكم  من المؤمنون حقا. وكان حقا على الله نصر المؤمنين.

 

أما إذا كان القتال قد أُذِن فيه بطلب من المسلمين، أو يستهدف نجدة المستنصرين من المستضعفين المؤمنين، أو الضرب على يد طائفة باغية، أو معاقبة ناقض عهد، فهو آنذاك يصبح فريضة؛ "فرض كفاية"؛ وهنا يكمن فضل المقاتلين على القاعدين درجة.

 

في هذا الصدد وردت الآيات التالية:

في حق الدفاع والمعاقبة، قال جل وعلا:

    1-فالقاعدة هي:(وجزاء سيئة سيئة مثلها...): فهو إيجاز، وليس فرضا!

2-  (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون.): ذلك حق لهم؛ وليس فرضاعليهم

3-  (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل.): لأنه على حقه المنصوص عليه.

4-   لكن، (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به!): هذا تحذير! لأن المعاقبة خصاص.

 

في الصبر والعفو قال:                  

1-(ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.)  ترغيب في بديل أحسن وأحبّ إلى الله من القتال.

2--(واصبر! وما صبرك إلا بالله.) ترغيب؛ وليس أمرا قسريا.

3-(...فمن عفا وأصلح فأجره على الله. إنه لا يحب الظالمين!):صفحا. ليس حبا للظلمين!

4-(ولمن صبر وغفر؛ إن ذلك لمن عزم الأمور!): وسيقدّر الله صبره وصفحه حق قدره !

 

 

 كما أذن الله سبحانه تعالى على قتال جماعة خونة، ناقدي عهد، من الكفار وأهل الكتاب:

(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر(وهم الكفار)ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله(وهو الظلم والخيانة)، ولا يدينون دين الحق(أي لا يتحلّون بالصدق)، من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.)حتى يستسلموا ويدفعوا تعويضات لخساري قتالهم، وهم صاغرون!

وحرف "من" في (من الذين أوتوا الكتاب)تبعيضي، يعني هم جماعة من أهل الكتاب، وليس كلهم.

 

 

4-ما الأسباب موجبة للقتال في الإسلام؟

 

لقد شُرع القتال في الإسلام لسببين رئيسيين هما:

 

- درع الفتنة والبغي،

- ورد الظلم.

 

ا - ودع الفتنة.

وقال جل وعلا:( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين.)  [البقرة: 193]

( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فان انتهوا فان الله بما يعملون بصير.) [الانفال: 39]

 

حتى لا يكون هناك من يفتن الناس في الإيمان أو الكفر. فيترك الدين كله لله سبحانه وتعلى: فهو وحده يملك حق الجزاء والعقاب فيه.ولا يجوز ذلك لأحد غيره.قال تعالى:(إلا من تولى وكفر فيعذبه الله.) فلم يقل: فتعذبهأنت يا محمد؛ وإنما قال:فيعذبه الله. وعليه فالذي يعذِّب في الدين هو الله وحده سبحان وتعالى يوم القيامة. قلا يملك أحد حق محاسبة الناس في الأمور العقيدية. أي في الإيمان أو الكفر أو الشرك.

 

ب - رد المظالم وردع البغي

 

قال تعالى:

o  (اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. وان الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق. إلا أن يقولوا ربنا الله.) [الحج: 39]

o  (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون.) (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل.)

( انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب اليم.) الشورى:42

لكن ربنا يفضل دائما الصبر على القتال. لذا أضاف:(فمن عفا وأصلح فأجره على الله. إنه لا يحب الظالمين.)

 

5-من نقاتل ومن لا نقاتل؟

ا- قال سبحانه وتعالى:

( قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين.)

معنى ذلك فالقتال لا يخص النساء، ولا الصبيان، ولا العجزة، ولا العاكفين، ولا المعوقين.

فهؤلاء ما عليهم من سبيل؛ إذ أنهم لم يقاتلوا. إنما السبيل على الذين يحملون السلاح ويقاتلوننا أو يبغون في الأرض بغير حق. لذا قال تعالى: (قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم. (فقط)،ولا تعتدوا.) لأن قتال من لم يقاتل اعتداء.

إن النفوس كيانات مستقلة بعضها عن بعض. ولا يجوز مآخذة بعضها بذنوب البعض الآخرين.

ولو أن أحدا ضرب زوجتك، فلا يجوز لك مطلقا أن تضرب زوجته. لآن النفوس كيانات مستقلة بعضها عن بعض. فالزوجة لها كيان مستقل عن زوجها. وبالتالي فلا يجوز مؤاخذتها بذنب زوجها إطلاقا.

ولو ان أحدا قتل فرسك فلا يسمح لك الإسلام أن تقتل فرسه. وإنما يسمح لك فقط أن تطلب منه ثمن فرسك. أو أن تأخذ فرسه عوضا عن فرسك.

وعليه فلا يجوز، مطلقا، في الجهاد، سبي النساء والصبيان. إذ أنهم ليسوا طرفا في القتال. وليسوا من الغنائم، ولا من تركة القتلى. وقال تعالى: (وأورثكم أرضهم، وديارهم، وأموالهم، وأرضا لم تطأوها؛ وكان الله على كل شيء قديرا)[الاحزاب: 27]. (وأورثكم أرضهم، وديارهم، وأموالهم.) نقطة. ولم يقل وأهليهم دراريهم. لأن الأهل والأولاد ليسوا من الغنائم في الإسلام؛ ولا هم من تركة رب البيت.

والدليل قوله جل وعلا: (فاعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه...)[الأنفال: 41] فعبارة (من شيء) تدل على أن الغنائم تكون من الأشياء وليس من الأشخاص.

 

كما أن الأسرى لا يكون إلا من المقاتلين فقط! قال تعالى:(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق. فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها.) [محمد: 4]وهذه الآية تدل على عدم جواز استعباد الأسرى في الإسلام. حيث أن حكم الأسرى في الإسلام هو:

1-      إما المنّ، إن عُلم فيهم خيرا ( أي الإيمان) ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) [التوبة: 5]

2-     وإما  الفداء، (تبادل الأسرى)، أو أخذ الفدية منهم (دفع المال).

وعليه،لا استعباد في الإسلام.

وحتى الأرقاء الموروثون من الجاهلية؛ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة يجب الإفراج عنهم. فإن شقّ على المالك تخلي عنهم نظرا لما أنفق في شرائهم من مال، فالمكاتبة هي الحل. قال تعالى: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا.) أي إيمانا. ولا يجوز لمؤمن استعباد أخيه المؤمن. او أخته المؤمنة.

(والذين يبتغون الكتاب مما ملكت ايمانكم فكاتبوهم؛ ان علمتم فيهم خيرا. (الإيمان)واتوهم من مال الله الذي اتاكم. (كي لا يلجأ الرجال منهم إلى السرقة أو المحاربة لجمع أجر التحرر)ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا (وكي لا تدفعوا الإيماء إلى البغاء لجمع أجر المكاتبة، إن أردن تحررا)لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فان الله من بعد اكراههن غفور رحيم.)

" إن علمتم فيهم خيرا." (أي إيمانا) ودليل على أن الكلمة "خيرا " هنا تفيد الإيمان ولا تفيد المال كما ذهب إليه بعض المفسرين، هو قوله تعالى:

( يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم.)  الانفال: 70.

(إن يعلم الله في قلوبكم خيرا). الخير الذي يُعلم في القلوب لا يمكن أن يكون مالا. وعليه، فالخير الأول (الذي يُعلم في القلوب) يعني الإيمان. والخير الثاني في (يؤتكم خيرامما أخذ منكم) يفيدالمنّ والمغفرة من الله سبحانه وتعالى. (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا، (الإيمان)يؤتكم خيرا مما أخذ منكم، ويغفر لكم!)المن والمغفرة.

من سياسة الإسلام في تحرير الأرقاء. قوله جل وعلا: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم." أي من بيت المال. دون أن يضر ذلك نصيبهم في الزكاة! عند قوله تعالى:( وفي الرقاب...)

أي يفتح في ميزانية الدولة كل سنة، "فصل حافل بملاين"، وخاص بتحرير الأرقاء، وذلك بدعم المكاتبين منهم. أو يتكلف الدولة بتحرير عدد معين منهم كل سنة. وذلك بعد إحصاء عددهم في المجتمع.

 

 

6-ما الحكم في أهالي المقتولين من الأعداء؟

أما " يتامى النساء " و" يتامى الولدان" الذين خلّفهم الجهاد القتالي، فما الحكم فيهم؟ قال سبحانه وتعالى:

ما كان اليتامى من المقاتلين. وبالتالي  هم ليسوا من الأعداء. بل هم أبرياء بالافتراض. (والشك يُفسّـر لصالح المتهَم) كما يقول القانونيون. ولا هم جزء من الغنائم. لأن الغنائم لا تكون إلا من الأشياء، وليس من البشر، كما رأينا سلفا. لذلك لا يجوز سبيهم. بل أوصى ربنا بهم خيرا وإصلاحا. وقال جل وعلا:

(ويسالونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير.) من الإصلاح لهم، مثلا، ألا يؤخذ أموال وديار وأراضي الأعداء المقتولين كلها، وترك "يتامى النساء" (الأرامل) و"يتامى الصبيان" أي، بالتعبير القرآني، "المستضعفين من الولدان" محرومين. بل يجب ترك قسط من الأموال والديار والأراضي لهم. وذلك هو الإصلاح لهم. وأضاف جل وعلا قوله تعالى:(وان تخالطوهم فإخوانكم.) أي وإن تزوجوهن {بتراض طبعا}يكونوا إخوانكم. (والله يعلم المفسد من المصلح) أي يميز المغتصب من المتزوج(ولو شاء الله لاعنتكم). أي لأوقعكم في الفاحشة معهن(ان الله عزيز حكيم.) فيما يقرر من الأحكام. [البقرة: 220].  وفي التعبير إغلاب التذكير على التأنيث، في "يتامى النساء" و"يتامى الصبيان".

إن الزواج "بيتامى النساء" أي أرامل المشركين المقتولين في القتال جائز. إذا تم بالتراضي، بعيدا عن إكراه أو تهديد! وذلك وبدفع مهر المثل أي (تؤتونهن ما كُتب لهن). ثم لا الدخول بهن إلا بعد الاستبراء.

ما يحكى من زواج النبي ص. بامرأة تسمى صفية، إن صح منه شيء، فمن باب "فإن تخالطوهم" (قلت أن في التعبير تغليب التذكير؛ لأن اليتامى أرامل وولدان.). "فإن تخالطوهم" يشير إلى إمكانية الزواج بهن بالتراضي، ودفع مهر المثل، ثم لا الدخول إلا بعد الاستبراء.

غير أن قرشيين، وخاصة "الطلقاء" منهم، كان من عاداتهم السيئة، إذا أرادوا تسويغ سلوك أنفسهم استفتحوا علماء الملوك عندهم، فصنعوا لهم فيه حديثا يفيد بهتانا أن النبي ص فعل فعلا من هذا القبيل، ومن ثم يجده الأمراء جائز؛ فبدأوا يفعلون مثله بناء على تلك الرواية المخترعة.

 

ثم أضاف جل وعلا في شأن يتامى النساء:

1-     (وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى (خلائف القتال)فانكحوا ما طاب لكم من النساء (من الأرامي). مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم الا تعدلوا فواحدة! أو ما ملكت ايمانكم. ذلك أدنى الا تعولوا.) [النساء: 3]. وذلك بالتراضي {دون إكراه} وبدفع مهر المثل. ثم لا الدخول بهن إلا بعد استبراء.

أي وإن خفتم العنة في "يتامى النساء"، الحل هو أن تنكحوا (ما طاب لكم) أي المستعداتالراغبات في الزواج بكم:

مثنى؛ أي يمكنكم أخذ اثنتين معا، أي إذا ترك القتيل زوجتين يجوز لواحد منكم أن يأخذهما معا.

" وثلاث" وكذلك أخذ ثلاث أرامل قتيل معا، بالتراضي ودفع المهر لكل منهن

" ورباع " أخذ أربع معا. بصداق كاملة لكل واحدة منهن!

وإن خفتم أن يشق عليكم التكاليف، فواحدة. أو مما ملكت أيمانكم. ذلك أدنى ألا تعولوا. أي ألا تجاوزا الحد، ولا تحملوا ما تطيقون.

2-      (ويستفتونك في النساء (أي يتامى النساء)قل الله يفتيكم فيهن، وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء (أرامل القتلى)اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن؛(بالسبي)والمستضعفين من الولدان (أي يتامى الصبيان). وان تقوموا لليتامى بالقسط. (ولا تأخذوا كل ممتلكات أزواجهن كلها وتتركوهن محرومين). وما تفعلوا من خير فان الله كان به عليما.)أي إنه، جل وعلا، يميز المفسد من المصلح منكم.[النساء: 127].

صدق الله العظيم

اللهم إني أعوذ بك من أن أَضِل أو أُضَل. واهدني رب سواء السبيل.

والله س.ت. أعلم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

اجمالي القراءات 6973