وهذه الآية تتحدث عن بعض المسكوت عنه من السيرة.
الاختلاق والتدليس في تسمية "آية المعاقبة والاختصاص" "آية السيف"

الشيخ احمد درامى في السبت ٢٦ - نوفمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

الاختلاق والتدليس في تسمية "آية المعاقبة والاختصاص"  "آية السيف"

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد. فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم.) [التوبة: 5]

وهذه الآية تتحدث عن بعض المسكوت عنه من السيرة. مما يخص المعاهدة السلمية التي عقدها النبي ص مع مشركي قريش، عند المسجد الحرام، بعد فتح مكة. والتي بموجبها آتاهم النبي ص. حرية البقاء على دين آبائهم، أو اعتناق الإسلام لمن شاء. على أن يكون بينهم التعايش السلمي في مكة، حسب القاعدة الإسلامية العادلة: (لكم دينكم ولي ديني)

لكن لم يتمكن مشركو مكة وما حولها من إعفاء النبي والمسلمين نبذهم وكسر جميع آلهة العرب التي كانت في الكعبة. وهكذا تآمروا على النبي والمسلمين، ونقضوا المعاهدة سرا، وتنا دوا، وهاجموا على المسلمين، وهموا بإخراج الرسول من مكة.ولما أخفق المسلمون هجومهم فرّ كثير من زعمائهم إلى الأعراب. فوقعت براءة الله ورسوله من المعاهدة مع المشركين. ونزل قوله تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين،) ثم هددهم الله بالانتقام والاختصاص منهم لنقضهم المعاهدة وهجومهم على قوم يحميهم ميثاق سلمي، وهم المسلمون. وكان ذلك في ذي الحجة.

فلما أراد النبي والمسلمون استعمال حقهم في المعاقبة والاختصاص أمرهم رب العزة بالانتظار حتى ينسلخ الأشهر الحرم.وقال تعالى لزعمائهم الهاربين: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين.)

وفي لوله جل وعلا:(فسيروا في الأرض أربعة أشهر)لدليل على أن الأشهر الحرم الأربعة متتالية؛ ابتداء من ذي الحجة. وأن إدخال رجب من بينها زيادة في الكفر! لا أكثر.

بالآيتين سالفتي الذكر تكوّنت مضمون الرسالة التي أرسلت إلى زعماء قريش في الموضوع.ثم كُتب بعد ذلك إعلان عام موجه إلى الجمهور، وأشيع يوم الحج الأكبر. وجاء فيه تصريح عام للناس بقوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر؛ أن الله بريء من المشركين ورسوله!.)

ثم، للمواءمة، عرض الحليم الغفور على المشركين مخرجا سلميا من معاقبة المسلمين واختصاصهم، وهو اعتناق الإسلام، إن شاءوا، مقابل العفو عليهم. فقال تعالى: (فإن تبتم فهو خير لكم. وإن توليتم، فاعلموا أنكم غير معجزي الله. وبشر الذين كفروا بعذاب أليم.) فالخيار كان لهم. ولم يكن اسلامهم يهم المسلمين. فالذي كان يهم المسلمين هو الانتقام منهم (لأنهم بدأوا هم بالعدوان) فحُمل عليهم تبعية نقضهم المعاهدة وهجومهم على المسلمين المسالمين. فظهر لبعضهم أن يختاروا الإسلام كي يظفروا بصفح رب العزة. ولم يكن المسلمون يعبئون بذلك.

وبقي الأغلبية منهم على دين آبائهم. وقال تعالى:(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم! وخذوهم! واحصروهم! واقعدوا لهم كل مرصد!.). غير أن عرض "الخلاص بالتوبة" بقي ساري المفعول. وحيثما أخذوا العرض (ولو مراوغا) فعاملوهم به. (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم! إن الله غفور رحيم).

 و" إن" هنا للاحتمال. لكون التوبة أمرا محتملا حدوثه منهم، ولم يكن شرطا من المسلمين. إنما كان احتمالا فحسب؛ كقوله تعالى[الأنفال: 61]: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها؛ وتوكل على الله. إنه هو السميع العليم) أي وإن حدث أنهم أعلنوا الإسلام، (ولو محتالة)، فاقبلوا منهم. إن الله غفور رحيم.

وتلك الفرضية كانت فرصة للأبرياء من المشركين الذين فزعوا بما أوردهم فيه زعماؤهم، بنقضهم الميثاق السلمي الذي كان بينهم وبين المسلمين.

وطبقا للقاعدة القرآنية التي تنص: (ولا العدوان إلا على الظالمين) [ب: 193] أمر رب العزة استهداف "أئمة الكفر" (الزعماء) بالقتل، واتقاء، قدر الإمكان، الأبرياء من العوام الدين لا جمل لهم ولا ناقة في نقض المعاهدة. وقال جل وعلا: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفرإنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون).

وغالبا، فزعماء القوم هم الذين يجلسون وحدهم في قاعتهم ويرتكبون الجرائم والاعتداءات، فينسكب عواقبها الوخيمة على الشعب الأبرياء ككل. ومن هنا ظهر جليا عدل وإنصاف الإسلام، بأمر رب العزة أن تسوّم القتل على الزعماء بذات.  إذ أنهم بهذيانهم ذاك "أحلوا قومهم دار البوار".

 

ما كان التهديد والقتال يستهدف عامة المشركين. بدليلين:

أحدهما: أن المشركين الالذين لم ينقضوا عهدهم كان ما عليهم من سبيل.نذين لم ينقضوا عهدهم مع المسلمين ما كان عليهم من سبيل. لقوله تعالى. (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا، ولم يظاهروا عليكم أحدا، فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم. إن الله يحب المتقين.) إنما كان السبيل، فقط، على الذين نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم، وطعنوا في الإسلام، وهموا بإخراج الرسول، وبدأوا المسلمين بالعدوان.

 

والآخر: فمنح الحماية لأي مشرك (من العوام الأبرياء) استجارالمسلمين، لدليل آخر على أن المقصود بقتل المشركين ما كان قتل عامة المشركين أو إرغامهم على الدخول في الإسلام، كما يزعم مناوئو الإسلام، وأعانهم فيه أصحاب أكذوبة "آية السيف". ولو كان الأمر كذلك، لعم القتل، وما ورد هذان الاستثناءان؛ حيث قال تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره، حتى يسمع كلام الله. ثم أبلغه مأمنه. ذلك بأنهم قوم لا يعلمون.)

 

 

إن آية رقم (5) من التوبة:(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) خصصتها آية رقم (13) من نفس السورة، وهي قوله جل وعلا: (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم،  وهموا بإخراج الرسول،  وهم بدؤوكم أول مرة!؟..... أتخشونهم!؟)

 

ثم جاءت توأمها، من سرة البقرة، تؤكد صورة الخصاص والجزاء بالمثل للقتال. حيث جاء فيها قوله تعالى:(واقتلوهم حيث ثقفتموهم! وأخرجوهم من حيث أخرجوكم! والفتنة أشد من القتل. ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه. فإن قاتلوكم فاقتلوهم! كذلك جزاء الكافرين!)[ب:191]

 

على أن المطارَدين هم فقط أئمة الكفر الذين نقضوا العهد دون مشاورة عامة المشركين. وحرضوا الناس على هجوم المسلمين، ثم فروا لما فشلوا. أولئك هو الملاحقون. لذا قيل لهم ففروا إلى حيث شئتم! فإنكم غير معجزي الله في الأرض، إن الله لمخزيكم، لا مفر.

 

 

أما المشركون "الأبرياء" من العوام والبسطاء لذين لما وصل إليهم خبر نقض المعاهدة ففزعوا منه فزعا شديدا؛ حتى لعنوا زعماءهم من مغبة ما جروهم إليه، فأولئك ما عليهم من سبيل.

وكان بعض الصحابة استنكفوا أن يقاتلوا قومهم في مكة. فأنزل الله جل وعلا فيهم قولا بليغا: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم؛ أن تؤمنوا بالله ربكم؛ إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي؛ تسرون إليهم بالمودة، وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم. ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء. وودوا لو تكفرون. لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم. يوم القيامة يفصل بينكم. والله بما تعملون بصير.) [الممتحنة: 2،1]

وليس في القرآن "آية السيف" إن هي الاختلاق واسم افتروه هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان. بل هي مؤامرة لإبطال العدالة الإسلامية، وإفك أشيع خدمة للإسلام السياسي، وضرب من توظيف الآيات، لتسويغ الجرائم الشنيعة التي يرتكبونها باسم الإسلام.

والله س.ت. أعلم

اجمالي القراءات 9876