هيلاري ودونالد!
إنه محلل سياسي؛ يا له من أمرٍ مخجــِــل!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ٠٩ - نوفمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

نه محلل سياسي .. يا له من أمرٍ مخجل!
لم يكونوا عشرات أو مئات أو آلافــًــا، بل كانوا عشرات الملايين يخوضون في الشأن الاقتراعي الأمريكي كأنه ساعة تدور في معاصمهم بسهولة ويسر!
مفكرون ومثقفون وأكاديميون وحزبيون وسياسيون محنكون ومحررون في كبرى صحف الدنيا حيث تتدفق الأخبار والمعلومات والبيانات التي تقرأ المستقبل كأنه حاضر، وترى المشهد كبلـّـورة من الكريستال أو كمياه بحرٍ في الكاريبي لا تختفي في قاعــه سمكة إلا رأيتها كأنها تطفو على سطحه.

مراكز بحوث وعلوم تحاضر فيها أدمغة أقل أحلامها جائزة نوبل، ومعاهد للاستقراء السياسي ترصد أوضاع أي منطقة دون أن تبرح مكانها.
رجال قطعوا في أذهانهم المسافة بين أي نقطة في الأرض وبين مراكز الاقتراع الأمريكي في تحليلات واحصاءات وبيانات عن المرشحين للرئاسة فتشعر أنك تعرفهما أكثر مما يعرفهم المجتمع الأمريكي برمته.
لم يكن هناك احتمال يعاكس المنطق، ومنطق يبتعد قيد شعرة عن الحتمية ولا يمكن أن يكون مجموع اثنين هو ثلاثة، فالنتيجة محسومة ولست بحاجة لأن تـُـعـَـرِّض نفسك للحرج والاستهانة والتهكم، فقبل الزلزال بساعات كانت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل ورئيسة وزراء النرويج إرنا سولبرج تتمازحان في اجتماعهما ببرلين ثقة ويقينا بأن ساكن البيت الأبيض من الجنس الأنعم خشونة، فالأسياد سيصبحون سيدات، وتيريزا ماي تحل محل ديفيد كاميرون، وربما مارين لوبين تختار قريبا أثاث الشانزيلزيه.
نعتوه بكل الأوصاف في قواميس السخرية. وضعوه في زاوية مظلمة. جعلوه أكثر بلاهة من بطل دستويفسكي، ثم جاءت نساء من هنا وهناك يؤكدن أنه تحرش بهن جنسيـًـا عندما كن صغيرات، أو احتك بواحدة في الطائرة، أو لمس مؤخرة امرأة أخرى.
رسموا صورة المهرج على أحاديثه، وجعلوه كلوشار الحزب الجمهوري، وفي النهاية ظنت الاستخبارات الأمريكية أن الضربة القاصمة في يدها فأعلنت عدم تكملة اجراءات التقاضي في البريد الالكتروني للرئيسة القادمة، وحينئذ ظهرت كطاووس يحتفل بريشه وألوانه في حديقة حيوانات للفئران المرضى و.. الأرانب الضعيفة.
كل الصحف والمطبوعات والفضائيات والندوات استضافت خبراء يضعون الساق فوق الساق، ويتحدثون بثقة لم يعرفها موجابي أو عيدي أمين دادا أو العقيد صاحب الكتاب الأخضر، وكانوا يتحدثون عن هزيمة ترامب وبعضهم يشفق عليه.
محلل سياسي؛ هي تلك الكلمة التي قصفتها أشباح عشية التاسع من نوفمبر، فلا خط للرجعة هنا، ولا يستطيع خبير استراتيجي أن يعتذر عن سوء الفهم وضعف التحليل وسطحية الاستنتاجات.
يقولون بأنها مفاجأة!
كأن المرشحـــيـّـن كانوا مئة أو بضع عشرات في قاعة بأقصى الأرض، لكنهما اثنان فقط، فكيف يخطيء كل الناس تقريبـًـا؟
كيف حدث هذا؟
سيقولون بأنهم تعرضوا لخديعة ومؤامرة وتضليل، وهذا غير صحيح بالمرة فالذين وضعوا الانتخابات فوق مائدة التشريح كانوا سكان ربع الكرة الأرضية، وكان منهم من يبيع عبقريته التحليلية في محاضرات ينصت إليها بشغف رؤساء أحزاب وسياسيون ودبلوماسيون!
محلل سياسي واستراتيجي وخبير في شؤون الأحزاب، ومع ذلك ينام ليلة التاسع قرير العين، فقد أدى مهمته أمام عاشقي كلماته في فضائية أو صحيفة كبرى يلتهمها الكبار مع إفطار الصباح وفنجان القهوة!
لا أتحدث عن الجيد والرديء، وعن الجمهوري والديمقراطي، وعن العملية الانتخابية برمتها، لكنني أضع تساؤلا أحسب أنه مقدمة لبداية الخجل عندما تُقدّم نفسك محللا نفسيا أو سياسيا أو أمنيا أو استراتيجيـًـا، فترامب مسح الوظيفة بطرف ربطة عنقه الحمراء!
من فضلك لا تتحدث بيقين عن فشل كيم يونج أون إذا رشـَّـح نفسه في الانتخابات الأمريكية القادمة، ولا تضحك، ولا تسخر، ولا تزعم أنك محلل سياسي يُقسم بشرفه أنه يعرف النتيجة قبلها بأربع سنوات!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 9 نوفمبر 2016
اجمالي القراءات 7860