سجود التلاوة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٦ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

سجود التلاوة

 جاءنى السؤال الآتى ، ,اجيب عليه بعون رب العزة جل وعلا :

( حول مواضع السجود في القرآن ؟ هل مواضع السجود في القرآن صحيحة ؟ وهل من الواجب ان نسجد عندها؟. ) . واقول :

أولا : للسجود معانى كثيرة : منها

1 ـ  التحية المتعارف عليها يومئذ ، مثل سجود أخوة يوسف له بإعتباره عزيز مصر وقتها ، قال جل وعلا : (  وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ  ) 100 يوسف )

2 ـ  إعلان الايمان ، كما فعل سحرة فرعون حين شهدوا آية موسى العصا تأكل حبالهم وعصيهم ، قال جل وعلا : ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) 70 طه  )

3 ـ  مطلق الطاعة بلا سؤال مثل أمر الملائكة بالسجود لآدم ، يقول جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ ) 34 ) البقرة )، ومثله أمر الله جل وعلا بنى إسرائيل بدخول القرية ساجدين قائلين (حطّة ) : ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) 58 ) البقرة )

4 ـ الطاعة الطوعية والطاعة الجبرية : خلق الله جل وعلا البشر أحرار فى أن يطيعوا أو أن يعصوا ، وكذلك الملائكة والجن . ثم حسابهم عند ربهم يوم القيامة . وخلق بقية المخلوقات على الطاعة المطلقة من النواة فى الذرّة الى الكواكب والنجوم فى المجرّة ، وبالتالى فهناك من يعبد الله جل وعلا طوعا بإرادته ، وهناك ما هو مجبول على الطاعة بفطرته ، وفى هذا المعنى يأتى مصطلح السجود بمعنى الطاعة الطوعية أو الطاعة الجبرية ، يقول جل وعلا : ( أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ  وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) 48 : 49  ) النحل ) ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ  ) 15 الرعد ).

5 ـ ويأتى مصطلح ( السجود ) بمعنى العبادة ، كقوله جل وعلا : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) 62 ) النجم )

ويأتى بما يتعلق بالعبادة : 

5 / 1 :  بمعنى الصلاة : بعضهم فى مكة كان ينهى النبى عن الصلاة فى أوائل بعثته نبيا ، فجاء فى أول ما نزل من القرآن :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى ) . وفى نهاية السورة ،قال جل وعلا للنبى عليه السلام : (  كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) 11 ــ ،  19 ) العلق ). السجود هنا بمعنى الصلاة .

5 / 2 : ويأتى مصطلح ( السجود ) مع ( الركوع ) كناية عن الصلاة فى قول رب العزة جل وعلا : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ  ) 29 ) الفتح ) وقول الملائكة لمريم : (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ   ) 43 ) آل عمران )، وقول رب العزة جل وعلا للمؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  ) 77 الحج )، ومن صفات المؤمنين  المفلحين أنهم : (  التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ  ) 112 ) التوبة  ) .

4 / 3 : وبمعنى قيام الليل من صلاة وتلاوة للقرآن وذكر للرحمن ، قال جل وعلا من صفات عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا )64 الفرقان ) ، ومن صفات المتقين من أهل الكتاب : (مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ  )   113 آل عمران ) ومن صفات المؤمنين أولى الألباب : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )9 ) الزمر ). وقال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا  ) 26 ) الانسان ) .

4 / 4 : المسجدمشتق من كلمة ( السجود ).وكل مكان فى الأرض يمكن السجود عليه لرب العزة فهو مسجد  لنبى آدم رجالا ونساءا ويجب التزين له ، قال جل وعلا:( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) 31 ) الأعراف ). على أنه ينبغى أن يكون فيه السجود والعبادة خالصة لرب العزة جل وعلا ،قال جل وعلا : (  قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) 29  ) الاعراف ). هذا ما يجب أن يكون ، ولكن الكائن والواقع هو تحويل المساجد الى مساجد ضرار كما فعل المنافقون فى المدينة ، قال جل وعلا :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ  ) 107 : 108 التوبة )، وتعميرها بالأوثان كما فعلت قريش ،وقد قال جل وعلا لهم : (  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا  ) 18 ) الجن ) ، وقال عنهم وعن زعم تعميرهم للمسجد الحرام : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ   إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ )  17 : 18 ) التوبة )، والتحكم فيها ومنع المؤمنين من دخولها ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ) 114 ) البقرة ). وهو السائد الآن فى بلاد المحمديين حيث أصبحت الأغلبية الساحقة من مساجدهم مساجد ضرار ، وبعضها تخصص فى نشر الفتنة وتحول الى مراكز حربية وأهداف عسكرية .

ثانيا : وهناك ( سجود التلاوة ) .

  1  ـ ذكر رب العزة جل وعلا أن الأنبياء السابقين ومن تبعهم كانوا إذا تُليت عليهم آيات الرحمن خروا سُجّدا باكين ، قال جل وعلا : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) 58 مريم ). وفى عهد نزول القرآن كان المؤمنون من اهل الكتاب إذا يُتلى عليهم القرآن يخرون باكين تعبيرا عن إيمانهم به ، قال جل وعلا :( قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا ) 107 ) الاسراء ).

  2  ـ وجعل رب العزة جل وعلا السجود من علامات الايمان بالقرآن ،يقول جل وعلا : ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ )15 السجدة ) ، وبالتالى فعدم السجود لتلاوة القرآن هى من علامات التكذيب للقرآن ، يقول جل وعلا : ( فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ) 20 : 22 الانشقاق ).

 3 : لا يعنى هذا إنه يجب على من يقرأ القرآن أن يسجد عند تلاوته آيات معينة مذكور فيها السجود . طبعا له أن يفعل هذا ، وفيه ثواب وأجر له إذا أخلص فى سجوده تعبدا للرحمن جل وعلا . ولكن المقصود فى الآيات هو التذكير للمؤمن بالقرآن ، والذى يسمع تلاوة القرآن .

 4 : وهنا يكون الفارق بين من يؤمن بالقرآن وحده حديثا ويكتفى به فى دين الله كتابا وبين من يتظاهر بالايمان بالقرآن وقلبه منحاز لحديث الشيطان .

5 ـ من علامات الاحتراف الدينى والتدين السطحى والمُراءاة والرياء والنفاق المنتشر بين المتدينين من المحمديين أنهم يسجدون وهم يقرآون القرآن ، يحرصون على أن يراهم الناس . تخيل إنك قرآت أمام أحد الذين يقدسون البخارى آيات تنفى شفاعة النبى وتنفى علمه بالغيب ، لتثبت له بالقرآن الكريم أن البنى لن يشفع عن أحد وأنه لم يكن يعلم الغيب ، وأنه لا حديث يجب الايمان به إلا حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم . هنا يظهر حقيقة ما فى قلبه . إذا كان مؤمنا فعلا بالقرآن الكريم سجد فعلا وكفر بالأحاديث الضالة . إذا كان فى قلبه كافرا بالقرآن مؤمنا بالأحاديث الشيطانية إنبرى يجادلك فى آيات الله .

 ثالثا :الجدال فى آيات الله نقيض السجود لآيات الله

وعلى عكس السجود إيمانا بآيات الله جل وعلا القرآنية فإن الجدال فى آيات الله من علامات الكفر ، يقول جل وعلا  : ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ) ) 4 غافر ) ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ   ) 69 : 76 غافر ).

ودائما : صدق الله العظيم.

اجمالي القراءات 8467