هل العمالة المصرية في السعودية سلاح ضد مصر؟

سامح عسكر في الأربعاء ١٢ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

حدث أن صوتت مصر في مجلس الأمن لصالح المشروع الروسي الذي يقضي بقصف الإرهابيين في حلب، وهو ما اعتبرته السعودية موجه ضدها باعتبارها من تدعم هؤلاء الإرهابيين، فانتقدت مصر عبر مندوبها في مجلس الأمن وامتلأت صفحات التواصل بشتائم وسباب سعودي ضد مصر وشعبها.

والسؤال الأول: لماذا لم تعترض السعودية على صاحب المشروع أولى؟ ..الإجابة لأنها تدعم مصر بالمال بينما لا تدعم روسيا، وبالتالي على مصر الانصياع لها والاستجابة لرغباتها في دعم الإرهابيين..!

منطق حقير لا يليق سوى (بالعبيد والأسياد) ظنت السعودية أنها اشترت القرار المصري في سوريا كما اشترته في اليمن والعراق، وهذا يفسر تلك الهجمة السعودية على مصر حتى ترجمها أحد الإعلاميين في التلفزيون السعودي.."اللي يشتريك بالرز يبيعك بالفول"..كتعبير أن مصر دولة خائنة اشترت السعودية فقط من أجل الدعم، وباعتها يوم أن عادت لأصلها المعادي للمملكة منذ زمن عبدالناصر، وهو المفهوم من لفظة (الفول) التي تشكل في أذهان السعوديين الشخصية الحقيقية للشعب المصري، حتى أنهم يترجموها أحيانا بشتيمة المصري بقولهم (طعمية) ردا على شتيمة مصرية أيضا للسعودي (كبسة)..!

دعونا من هذه المناكفات..فهي شئ اعتيادي عند العرب

الآن هدد بعض السعوديين بإمكانية طرد العمالة المصرية في المملكة كجزء من الضغط لإجبار مصر على الإذعان لآل سعود خصوصا في سوريا، ولو حدث ربما تكتمل القصة في اليمن بعد رفض الجيش المصري في السابق إرسال جنود مشاه للحرب هناك، وهو ما يعني إمكانية توسيع هذا الحلف العسكري لشن حرب أخرى ضد لبنان والعراق وأي تواجد شيعي عربي..وفي الغالب أنشأ الأمير محمد بن سلمان التحالف العسكري الإسلامي منذ 10 أشهر لهذا الغرض...

وفي قضية العمالة هذه لي عدة أقوال أطرحها بشكل بانورامي:

أولا: عدد المصريين في المملكة حوالي (مليون عامل) في إحصائية عام 2010 ارتفع هذا العدد عام 2016 إلى (2 مليون عامل) أنظر المصادر في ذيل المقال.

ثانيا: هذا الارتفاع المفاجئ في أعداد المصريين العاملين بالسعودية جاء كرد فعل على أزمة يناير 2011 وما حدث بعدها من إغلاق 4 آلاف مصنع وانتكاسة اقتصادية هائلة. 

ثالثا: من النقطة الثانية يتبين أنه وكلما كانت هناك صناعة مصرية وارتفاع في معدل الإنتاج.. كلما تم تشغيل واستهلاك الأيدي العاملة في مصر والمساهمة في زيادة الناتج المحلي، وبالتالي لا حاجة لإرسال تلك العمالة للخارج بل الاستفادة منها في بناء الاقتصاد المصري..وبعد قليل سنعرض أوجه تلك الاستفادة..

رابعا: عدد المصريين في العراق زمن صدام حسين في الثمانينات كان (7 مليون) عامل، عادوا كلهم بعد انتهاء الحربين الخليجيتين الأولى والثانية ،وهذا الرقم أضعاف من يعملون في المملكة الآن.

خامسا: عودة المصريين من العراق لم تحدث أزمة ، حيث تم استغلالهم في إنشاء 1200 مصنع في العاشر من رمضان و 6 أكتوبر مطلع التسعينات، وفي هذا التاريخ حدثت نهضة صناعية كبيرة توازي نهضة عبدالناصر الصناعية مع الفارق في أساليب الإدارة والتوزيع، وقد شهدت بنفسي هذه النهضة حيث كنت أعمل حينها في السادس من أكتوبر أوائل التسعينات ولم يكن موجود سوى بضعة مصانع..ارتفعت إلى عدة مئات في ظرف أعوام قليلة.

سادسا: تخيل أن المصريين الذين عادوا من العراق أضعاف من يعمل في السعودية الآن نسبة 2: 7، ورغم ذلك لم يتضرر الاقتصاد المصري بل انتفعت مصر بنهضة صناعية ونقل خبرات العمالة الوافدة.

سابعا: العمالة المصرية في السعودية ليست كما يعتقدها البعض مجموعة من الجهلة والسطحيين وعمال البناء والمعمار والفواعلية، بل نسبة كبيرة منها عقول وخبرات مميزة في شتى المجالات الهندسية والإدارية والطبية والتجارية، وقد نفعوا الاقتصاد السعودي بل أزعم أن أساسيات وأركان الاقتصاد السعودي مبني بجهود مصرية.

أي أن عودة هؤلاء لمصر سينقلوا خبراتهم للاقتصاد المصري وربما تحدث نهضة صناعية وتجارية كالتي أنجزوها أوائل التسعينات..

ثامنا: نستنتج مما سبق أن عودة العمالة المصرية من السعودية ليس هو السلاح المخيف الذي يستحق أن يهدد مصر، بل في تقديري سينفع الدولة المصرية جدا بنقل خبرات تلك العمالة لأرض الواقع..

تاسعا: حاجة السعودية لمصر تتخطى موضوع العمالة الوافدة، فمصلحة المملكة أن لا تخسر مصر الآن تحت أي ظرف، أولا: لأن هذه الفترة صعبة جدا على السعودية بعد غرقها في حرب اليمن واحتمال مصادرة أموالها بقانون جاستا، ثانيا: لأن البديل جاهز وموجود ، ألا وهو الدب الروسي والعملاق الفارسي الذي يتمدد الآن صناعيا وتجاريا وسياسيا على مستوى العالم، علاوة على 6 مليار دولار قيمة الاستثمارات السعودية في مصر معرضة للخطر.

عاشرا: مصر بحاجة لفك ارتباطها الاقتصادي مع السعودية، فهذا الارتباط موجود منذ زمن السادات ولم يحدث أي نهضة بل بالعكس ساءت الأوضاع حتى قاربت حد الكارثة، والبديل في رأيي اقتصاد اشتراكي-ولو مؤقت- يناسب وضع المصريين، فمصر الآن ليست دولة منتجة، ولكي تتحول من الاستهلاك للإنتاج عليها أولا أن تنفق في بناء المصانع بدلا من السلاح والبنية التحتية التي هي ميزة للنظام الريعي الخليجي السائد في مصر منذ السبعينات.

حادي عشر: الاشتراكية المطلوبة ليست بالضرورة أن تتشابه مع اشتراكية عبدالناصر، لكن المبدأ واحد، صناعة وتجارة مصحوبة بإجراءات حماية الفقير من سوق العرض والطلب، إلى أن تحدث قفزة الإنتاج المطلوبة وينهض الاقتصاد بعدها يمكن تحريره تدريجيا ولكن وفق الحالة المصرية وليست العالمية..وبالمناسبة أغلب دول العالم التي حققت نهضتها حققتها بتلك الطريقة كالهند وماليزيا والصين.

ثاني عشر: لكن كل هذا مرهون بإنجاز إصلاح سياسي واجتماعي يحقق التعددية وحرية الرأي والتعبير، أي لا يمكن لمصر أن تنهض أو تتخلص من الارتباط مع السعودية إلا بحكومة ديمقراطية حقيقية تنجز مشروع إصلاح فكري وإعلامي، تنقل الدولة به إلى عصر التكنولوجيا وحقوق الإنسان، وهذا للأسف غير متوفر بمصر الآن فالجيش متحكم في كل شئ ، والجماعات الإرهابية مصدر قلق وتهديد..

ثالث عشر: لذلك أرى أن من الحكمة إقامة علاقات متوازنة مع الجميع في الداخل والخارج..بنسبة تضمن قوة الدولة واستعادة هيبتها ، وهذا ممكن جدا بانفتاح على التيار الليبرالي والشبابي كمرحلة أولى يمكن بعدها مناقشة وتطوير وتوسيع هذا الانفتاح ليضم شرائح أخرى يجري دمجها في المجتمع واعتبارها جزء من النسيج المصري..

رابع عشر: أزمة مصر بشكل أساسي تكمن في طرد العقول والخبرات وهروب الكفاءات كنتيجة لشيوع القمع والاستبداد، وقد تورطت مصر بسبب ذلك في مشروعات فاشلة وعلاقات سياسية خارجية مضطربة وشعور متردد ومتناقض أصاب الدولة المصرية بالوهن وجعلها عرضة لتأثير أقل العواصف..مع العلم أن مصر كانت مؤهلة بعد ثورة يناير بالذات لتحقيق قفزة في كل المجالات لولا أخطاء المجلس العسكري وقتها وضعف رؤية الأحزاب وتشتت المجموعات الشبابية، كل هذا أضاع إنجاز ثورة يناير حتى ترحم البعض على زمن مبارك الذي هو في رأيي أصل المصائب ومنبع الداء الرئيسي.

خامس عشر: ملف العمالة المصرية في السعودية سيظل مصدر تهديد في حالة واحدة وهي بقاء منظومة الاستبداد ، وفقر الحكومة المعرفي وفشلها في بناء المصانع وزيادة الإنتاج، ودائما الاستبداد وقلة الحيلة في مصر يرون عدد السكان الكبير (أزمة) وليس (ثروة) مع الاعتراف بأن الزيادة السكانية خطأ جسيم، ولكن نحن نتعامل مع واقع يمكن لمصر فيه الاستفادة من تجارب دول شرق آسيا التي تماثل-بل وتفوق- مصر في عدد السكان وقلة الموارد.

سادس عشر وأخير: البديل للعمالة المصرية في المملكة غير متاح إلا بعد سنوات، هذه خطة عمل يلزمها إيجاد البديل في حين لو قررت السعودية بالفعل الاستغناء، وفي رأيي هذا هو الخيار الأخير للمملكة يمثل قمة العداء-لو حدث- وكما وضحنا في هذا العرض البانورامي أبعاد وطبيعة ذلك، وسبل مواجهته من الجانب المصري.

خلصنا إلى نتيجة مفادها أن التهديد السعودي بطرد العمالة المصرية-ولو أنه غير رسمي- لكن يظل إشكال في العلاقات المصرية السعودية التي ستنعكس على الموقف من بقية دول الخليج المتحالفة معها، وأن البدائل لمصر متوفرة ولا خطر على الاقتصاد المصري من ذلك..شريطة أن تتمتع السلطة في مصر بإنكار ذات وفتح صفحة جديدة مع المجتمع ومصالحة وطنية شاملة وإعادة قيمة المثقف المصري مرة أخرى والذي جرى تجاهله وقمعه منذ عصر السادات وإلى الآن.

المصادر

إحصائية عام 2010 بعدد عمال مصر في السعودية http://bit.ly/1lYjkWB

إحصائية عام 2016 بالعدد نفسه http://bit.ly/2elxV5X

إغلاق آلاف المصانع بعد ثورة يناير http://bit.ly/2elHyBE
http://bit.ly/2e1QHjU


عدد المصريين في العراق أواخر الثمانينات http://bit.ly/2dgwsMr

اجمالي القراءات 7705