لا يستقيم أن يكون الرسول هو الثاني، وصاحبه الأول. ا
اللطائف القرآنية (62) المحور الثاني : هوامش على دفتر الهجرة - تثنية الرسول.

محمد خليفة في الجمعة ٠٧ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

اللطائف القرآنية (62)

المحور الثاني     :   هوامش على  دفتر الهجرة -  تثنية الرسول.

لا يستقيم أن يكون الرسول هو الثاني، وصاحبه الأول.

 

الآية الكريمة من سورة التوبة والتي وردت بها الإشارة إلى الواقعة 
{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ...}

ذهبت الأقوال في موضوع التثنية إلى دربين رئيسيين :


أولهما: التثنية العددية

فقد وردت كلمة     ثَانِيَ اثْنَيْنِ    في هذه الآية  لتصف رسول الله بأنه كان ثاني اثنين

 فمن ذا الذي كان إذن هو من  يشار إليه على أنه  هو الأول ؟ 


أشارت كتب التراث إلى أن الذي رافق رسول الله ( عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم )  في هذه الرحلة كان الصدِّيق أبو بكر رضي الله عنه، وطبعا  لم يصرح القرآن باسمه صراحة،  فإن كان الموضوع موضوع ترتيب فلا يجوز أن نجعل ترتيب رسول الله هو الثاني ،


وذهب البعض إلى أن الأول هو الله فهو الأول والآخر،

{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) } سورة الحديد

ويكون بذلك الثاني هو رسول الله، وأشاروا إلى الآية الكريمة
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) } سورة المجادلة

وهذا القول لا يستقيم معه منطق فالسياق يشير في السابق من كلمات الآية إلى أن الله قد نصره

{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ....}

 

أيضا تشير كلمات الآية بين أيدينا في اللاحق إلى أن التأييد والتثبيت هو في معية الله

{ ....إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا......}

وبذلك يتضح أن النصر من عند الله وكذلك التأييد والتثبيت في معية الله، وهكذا تكون العندية والمعية في جانب تأمين رسوله وصاحبه الذي معه، وليس في جانب الكينونة وجانب العد والعددية ، فلا يصح أن يـُجمع الله مع أي من مخلوقاته في العد حتى وإن كان رسول الله،     فالله ليس كمثله شئ .

{ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) } سورة الشورى

 

وفي قول آخر .. أن الأول كان رسول الوحي جبريل عليه وعلى نبينا السلام وبذا يمكن أن يكون الرسول هو الثاني، وهذا القول مردود عليه، ذلك بالنظر إلى تلك الكلمات المطمئنة التي جاءت على لسان الرسول

{.....إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا....} والمفروض أن يقوم رسول الوحي جبريل بطمأنة الرسول وليس العكس.


وواقع الأمر أن أسلوب العرض  لا يعني الترتيب وإنما الوصف بقلة العدد أو يعني مطلق العدد وحدِّيته وتحديده ، بما يعني الجزم بأنهما كانا شخصين اثنين فقط ولم يخرج معهما آنذاك شخص ثالث .

وقد يحتج قائل بأن هناك ثمة شخص ثالث وهو دليل الرحلة وهو من كان يدلهما على الشعاب والمسالك غير المأهولة، للهروب من أهل مكة المتابعين لهم والجادين في طلبهم، وهذا القول مردود عليه بأن ذلك لم يحدث في اللحظات الأولى من الرحلة وهي لحظات الإخراج من مكة، وإنما جاء لاحقا بعد انتهاء مدة لبثهما في الغار، وبدء التحرك الفعلي إلى يثرب.

 

ثانيهما : التثنية التلاحقية

وهي تعني أن التثنية هي في الأصل تشير إلى تلاحق أو تعدد حدوث الواقعة، أي أنها حدثت من قبل ولزوج من البشر ومن الرسل، والآن يتكرر حدوثها ولكن في زمان لاحق ومكان آخر ولزوج ثانٍ من البشر.

وهي بذلك تعني أن واقعة الإخراج المشار إليها في الآية الكريمة من سورة التوبة وهي التي تصف إخراج الذين كفروا لأحد الرسل ومعه آخر من ديارهم التي ولدوا وشبوا فيها،  قد وقعت مرتين اثنتين :


المرة الأولى.. 

   كانت لنبي الله موسى حين تآمر عليه فرعون وملئه ليقتلوه، عندها فزع هاربا إلى غار ليختبأ فيه هو والرجل الصالح الذي جاء ليحذره

{ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) } سورة القصص

و منها... قد تعني من المدينة أو قد تعني من الغار والذي هو أيضا في أقصي المدينة استعدادا لهروب نبي الله موسى إلى أرض مدين.


ولما لم نجد ثمة دليل نتثبت منه على هذه التوليفة، رأينا أن نركز الضوء على الرسولين الكريمين، رسول الله موسى، ورسول الله محمد صلوات الله عليهم وسلامه، فكلاهما خرج هاربا مطاردا من أهله، أولهم كان رسول الله موسى إذ خرج من المدينة خائفا يتربص، ويعد بذلك أنه الأول والذي مر بمثل هذا الأمر،


أما المرة الثانية لتكرار الواقعة، وبنفس الأوصاف من كون أن الرسول لم يكن مهاجرا وإنما هـُجـِر وأخرج رغما عنه، وجاء إخراجه من الذين كفروا أو ما زالوا على كفرهم من أهله وعشيرته، هذه الواقعة تكون بذلك لاحقة للأولى ، أي هي الثانية في ترتيب الحدوث، ويكون الرسول بذلك هو الثاني في حال  تحقق هذه الواقعة،


 أي أن رسول الله محمد جاء ليكون في ذات الموقف من الخروج الخائف المترقب، ويكون بذلك هو الثاني من رسل الله والذي جمعتهم ظروف عصيبة متماثلة، وبذلك يكون هو ثاني اثنين من رسل الله، ولن يكون هناك ثالث بطبيعة الحال، فرسولنا هو الخاتم .  

{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) } الأحزاب

 

والمستفاد من هذه اللقطة البحثية، هو أن الله يلفت انتباهنا إلى تثبيت الرسول وتعضيده وذلك بالإشارة إلى أن مثل هذا الموقف في مجموعه من الإخراج من البلد، والبعاد عن مألوف الأمكنة، والخوف من الانكشاف، والحزن لفراق الأهل، والمطاردة، والتعقب من الغريب والقريب، مثل هذا الموقف حدث من قبل ولأحد أولوا العزم من الرسل ألا وهو نبي الله موسى ولقد أنجاه الله ونصره وآزره ونجح في عبور هذه الأزمة، والعبور ببني إسرائيل إلى شواطئ الآمان، ففي هذه الإشارة إلى قرب انتهاء هذه الأزمة الخانقة بإذن الله وفيها أيضا البشرى بقرب نصر الله .

 

نصوص روايات : مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ...؟.!.:

(1)                       - (  روايات البخاري بأرقام : (3380)  (3629)  (4295)،

(2)                       - رواية مُسلم برقم:(4389) ،

(3)                       - رواية الترمذي برقم : (3021) ،

(4)                       - رواية أحمد بن حنبل برقم : (11) في كتاب :مسند العشرة المبشرين بالجنة  باب : مسند أبى بكر الصديق،

كمثال لها

عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا .

 

م / محمد ع. ع. خليفة

الأحد 2 أكتوبر  2016

       1 المحرم  1438 هـ

اجمالي القراءات 6883