مصاحبة الرسول ،المعية مع الله أم مع الرب.
اللطائف القرآنية (63) المحور الثالث : هوامش على دفتر الهجرة - مصاحبة الرسول

محمد خليفة في الجمعة ٠٧ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

اللطائف القرآنية (63)

المحور الثالث     :   هوامش على  دفتر الهجرة -  مصاحبة الرسول

المعية مع الله أم مع الرب.

 

وردت الإشارة إلى صحبة الرسول أو إلى الشخص الذي كان له شرف مصاحبة الرسول في هذه الرحلة  بكلمة واحدة وهي

  "  لِصَاحِبهِ " وجاءت بعد فعل القول والذي جاء في صيغة المضارع " يَقُولُ" بما يفيد استمرار هذا القول التأميني المطمئن وديمومته طوال مدة مكوثهم في الغار، أيضا بعد الأداة  " إذ "  والتي تفيد طلب الإيماء إلى ضرورة التذكر وذكر تفاصيل هذا الموقف بكل دقائقه، والأداة " إذ " عند ظهورها إنما تعني التفريق بين مشهدين، مشهد سابق لها، وآخر لاحق بها، بما يعني مشهد الإخراج من البلدة وهو المشهد السابق  للأداة " إذ "  وكذا  مشهد التواجد في الغار وهو المشهد اللاحق بها، ونلفت الانتباه أن الأداة  " إذ " تكرر ظهورها في هذه الآية ثلاث مرات، فقد ظهرت أول الأمر لتنتقل بالمشهد من ساحة مكة  الآمنة إلى خطوات الإخراج الوجلة المتسارعة المتباعدة لرجلين هاربين، ثم جاءت الثانية لتفصح عن مشهد أكثر تركيزا من الساحة المفتوحة إلى ضيق الغار غير الآمن، ثم يزداد التركيز مع ورود الثالثة لتسكن حركتيهما في تربص حذر وليشيع نوع من الاطمئنان الهادئ الواثق بالله في حديث خافت يضج بالإيمان وهمسات صاخبة باليقين من تأييد الله.

 

{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُإِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِإِذْ هُمَا فِي الْغَارِإِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا  وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) }  التوبة .

ولا يهم في هذا المقام تحديد اسم هذا الصاحب، فطالما أغفل القرآن ذكر هذا الاسم كان ذلك يعني أنه لا فائدة ترجى من ذكره،   بل يعمم فضل مثل هذا الصاحب الذي يفعل مثل هذا الفعل مع صاحبه على طول الزمان وإلى أن تقوم الساعة، إذ لا يـُعرف الصاحب الحق إلا في الأزمات والمحن.

[ برجاء الرجوع إلى تعريفنا لصحابة رسول الله في الملاحق ]


والعجيب أنه يتراءى للمرء أن هذا الصاحب المصاحب تقع عليه مهمة المساندة المعنوية، لكن المشاهد أن الرسول هو الذي كان يقوم بهذه المساندة وذلك التأمين والطمأنة النفسية المستمرة ، والتذكير بأنهم في معية الله ، ومن كان في معية الله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُلِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا...}

 

إلا أن الكلمة المحيرة   " لاَ تَحْزَنْ " وهي الكلمة التي تلت الكلمة التي أسقطنا ضوء البحث عليها " لِصَاحِبِهِ..."، فهنا مقام الخوف وليس بحال مقام الحزن، فالخوف شعور لحظي يناسب خطر الموقف الذي يواجهه المرء، أما الحزن فهو شعور وجداني يتناسب طرديا مع تراكمات من الإحباط ونفاد الحيلة، وهذا يعني تاريخية الحزن ولحظية الخوف.

واستخدام الحزن في هذه الآية يصف ما كان عليه الصاحبان من مشاعر قبل لحظة الإخراج من البلدة، وأثناءها وبعدها، وتجلت قمة الحزن حين الإنفراد وحدهما في ظلمة الغار ووحشة الغربة وقسوة الوحدة .

أعقب هذه  اللمحة أن الحق  وضع على لسان رسوله الكريم عبارة

{ ..... إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا...}

 

وهي  تفيد عدم الانسياق مع الأفكار الموجبة للحزن لا لشئ إلا اليقين بمعية الله وما أعظمها من معية، مما يشير إلى الأسلوب الناجع  المتوجب على المحزون إتباعه ألا وهو ذكر الله والثقة في تأييده والتحرك في الحياة على أن يكون الله دوما في قلبك، ويذكرنا هذا الموقف بموقف مشابه حدث لنبي الله موسي حين تصايح قومه وهم على شاطئ البحر أن فرعون وجنوده سوف يدركونهم ليكون البحر من أمامهم وهم عزل والعدو من ورائهم مما يعني إفنائهم عن آخرهم ، عندها صاح نبي الله موسى صيحته الواثقة الآكدة من تأييد الله قائلا :

 

{  فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) } الشعراء


ويطيب لي في هذا المقام أن ألقي الضوء على الفارق بين المقولتين واللتان وردتا على لسان النبيين الكريمين

فالعبارة الأولى جاءت تشكل آية قائمة بذاتها، وعلى الصورة 

  {  قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ  }

 

أما العبارة الثانية فقد وردت كجزء من آية وعلى لسان نبي الهدى   

         ".. إِنَّ  اللّهَ مَعَنَا..."

ففي العبارة الأولى والتي جاءت على لسان نبي الله موسى فقد سبقت فيها المعية اللفظ الدال على الربوبية

أما العبارة الثانية والتي وردت على لسان نبينا محمد وفيها سبقت الألوهية اللفظ الدال على المعية

أيضا عبارة نبي الله موسى بدأت بالتعبير عن نفسه بالمعية أولا وألحق بها ياء الملكية لذا توجب ذكر الرب

وألحق بها هي الأخرى ياء الملكية، لكن العبارة التي جاءت لتنبأ عما قاله رسول الله محمد ففيها جاءت المعية مع الله بالجمع أي أنها اشتملت على صاحبه معه.

 

م / محمد ع. ع. خليفة

الأحد 2 أكتوبر  2016

       1 المحرم  1438 هـ

اجمالي القراءات 6678