مظاهر غياب العدالة عند العرب

سامح عسكر في الأحد ٠٢ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

إذا تحدثت مع فلان عربي عن واقع بلده وقتها إما يستخدم أسلوب المعارضة أو الحكومة، فلو كان معارض سيكثر من كلمات.."الديمقراطية-الحرية-حقوق الإنسان- العدالة"..وإذا كان مؤيد للحكومة سيكثر من كلمات.." الفوضى –المؤامرة"..في الأولى كان المعارض يستخدم هذه الكلمات لتبرير موقعه كمعارض وتنزيه نفسه عن الغرض، وفي الثانية استخدم المؤيد نفس الأسلوب وهو تبرير موقعه كحاكم مسئول عن أمن البلاد.

يوجد تقاطع بين المعارضة والحكومة عند العرب أزعم أنه تقاطع في جزئية واحدة وهي الاعتراف بغياب العدالة وأهمها العدالة السياسية ثم الاجتماعية والدينية، حتى أن حاكم مصر مؤخرا برر موقفه من حقوق الإنسان في بلده أنها لا تصلح لمجتمعه بمفهوم الغرب، وجهل أن حقوق الإنسان مُعرّفة دوليا كمفهوم مُسقَط على الجميع بمن فيهم المصريين، أي من حق الإنسان أن يتكلم بحرية ما دام حديثه لم يؤذ أحداً فيما يتعلق بحقوقه الطبيعية كحقه في الطعام والرأي والاعتقاد.

فلا يأتي حاكم عربي بعد ذلك ويقول أن حقوق الإنسان الدولية لا تصلح لبلده، فلا العالم يؤمن بفرض الأعراف والسلوكيات المحلية على الجميع ، ولا هو يؤمن بانفصال مجتمع أرضي عن حياة الكوكب، وقتها أفطن-في تقديري- عن موقف السيسي من حقوق الإنسان، وهي أنه يراها مجرد (أعراف وثقافات غربية) وهذا موقف تيار الإسلام السياسي بالمناسبة، فبرغم تنظير الإسلاميين لموقفهم أنهم يؤمنون بحقوق الإنسان يرون في نفس الوقت هذه الحقوق لا تصلح لمجتمعهم الشرقي، وأن الأفضل البقاء على ما هم عليه من القمع وغياب العدالة باسم المحافظة..

أي أن موقف السيسي من حقوق الإنسان هو موقف الإخوان من نفس القضية، رغم أن الاثنين أعداء، قس على ذلك بقية الأنظمة الملكية والدكتاتورية العربية كلها تعاني من نفس الداء..

كذلك من أبرز مظاهر غياب العدالة عند العرب هو عدم شعور المواطن بالمسئولية سواء تجاه مرافق الدولة .."مدارس- حدائق عامة- مستشفيات- شوارع- وسائل النقل"..تجده لا يهتم بنظافتها وسلامتها، ولا حتى تجاه بسلوكياته وتصرفاته الشخصية فتجده يكثر من الكذب والتجني على الحقائق بدون علم، حتى أن العربي تجده يُكثر من التعميم والتهور في إطلاق الأحكام وكأن حياة وكرامة وممتلكات الآخرين بالنسبة له لا تساوي شيئا، وأن العالم أصبح محكوم بنظرية سيادته، وأنه البطل والعالِم الأوحد.

والسؤال: هل لو كان المواطن يشعر بالعدالة فعلا وأن الدولة والمجتمع يحترمان استقلاليته، وأن من حقه الاختلاف عن الآخرين، وقتها هل سيفهم أن مرافق الدولة ممتلكاته هو أم هي أملاك الحكومة؟..هذا الشخص شعر بالتجني على حقه، وأصبح وعيه متشبعا بمبدأ.."دع الحكومة تفكر وتقرر فهي المالكة لكل شئ والعالمة بكل الأشياء"..ومع الاعتياد يصبح وعيه جزء من منظومة اجتماعية قمعية لا تؤمن بالاختلاف، فالرأي هو رأي الحكومة، والمصلحة هي ما يراها الحاكم..وهذا هو السر في عدم احترام وتقدير دور المعارضة في الشارع.

حتى شاع عند العرب أن المعارِض إما جاهل أو متآمر، وبالتالي هو.."شئ قبيح"..لا يصلح للحُكم ولا هو ثقة نأتمنه على أفكارنا ومصالحنا، وبعض الانتهازيين من متسلقي السلطة ومنافقي الحاكم من المثقفين يدركون ذلك، فيقدمون أنفسهم للمجتمع من باب السلطة لا من باب المعارضة، فالمعارِض عند الجماهير مشبوه، رغم أن الجمهور في وعيه المختزن يؤمن بمبادئ المعارضة أصلا وحقه في العيش الكريم، لكن بجهله وضعفه الفكري رأى السلطة إما بصورة.."البطل المواجه للصعاب"..أو.."الشر الذي لابد منه"..حتى انتشرت كلمة.."اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"..كتعبير عن عدم الثقة في البديل، والأفضلية دائما للموجود وكراهية التغيير.

وبمناسبة المعارضة فهي عند المجتمعات المتقدمة ليست شئ قبيح كما هو الحال عند العرب، بل هي شئ جميل لابد منه لإصلاح وضع المجتمع ومنع تغوّل الأفراد والتنظيمات ، والدفاع عن حقوق الأقليات السياسية والاجتماعية والدينية، والمعارِض في الحضارة الغربية له كيانه المقدس يحرم التعرض لرأيه ولا لحركته في الشارع، وبعض الانتهازيين والوصوليين العرب يستغلون هفوات تلك الحضارة لتبرير موقفهم من حقوق الإنسان، كمنع مظاهرة مثلا في إيطاليا أو فرنسا، ويتغاضون أن مبدأ التظاهر نفسه غير منكر ولا ممنوع وأن المظاهرة التي مُنعت يوجد غيرها المئات لم تُمنع.

إذن المنطق يقول الاستثناء يؤكد القاعدة، فالمظاهرة الممنوعة هي إثبات أن المظاهرات (غير ممنوعة) وبالتالي يجري تفسير هذه المظاهرة الممنوعة، فهي ربما تكون من رأي الحكومة قد أخلت بالنظام العام، وحسب رأي المعارضة غلطة حكومية يُحاسب فاعلها، كل هذا يجري حسب النظام الديمقراطي الذي يكفل الحرية للجميع، ثم يأتي بعد ذلك عربي ويأخذ هذه المظاهرة كدليل على القمع في الحضارة الغربية، وكأنه اعتراف داخلي منه بأنه يمارس الفاحشة السياسية بقمعه لأي مخالف ، وهذه ازدواجية يعاني منها العرب، فالغالب عليهم أنهم يبررون مواقفهم العدوانية بعدوانية فلان وعلان..وينسون أن هذا اعتراف منهم بالفشل والتسلط والظلم.

إن غاية ما يحدث في مجتمعات العرب هو ذوبان استقلالية الفرد لصالح رأي الجماعة/ الحكومة كنتيجة طبيعة لغياب العدالة، فتوحيد الرأي السياسي صفة أصيلة في المتسلطين والأنظمة الدكتاتورية، وهو يشبه توحيد الأزياء والأعراف المحلية، حتى أخص الخصوصيات كطريقة المشي والجلوس والكلام يريدونها موحدة، هؤلاء في الأصل يرون الإنسان كائن غير مستقل ، وأن الإنسان الوحيد المخلوق على الأرض هم أنفسهم لا أحد آخر.

 

اجمالي القراءات 5921