روح الدولة ودستورها الغير مكتوب
القرآن والدولة

عبدالوهاب سنان النواري في السبت ٠١ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

لا يوجد شخص علی وجه الأرض يمتلك من الأعداء ربع ما يمتلكه القرآن الكريم، ليس القرآن فحسب بل وكل من يؤمن ويصدع بالقرآن الكريم كمصدر وحيد للهداية والتشريع الإلهي.

كان خاتم النبيين (ع) الصادق الأمين، وكان خير رجال العرب، فما أن صدع بالقرآن العظيم حتی أصبح ساحرا وكذابا ومفتر ومسحور، يريد أن يتفضل عليهم .. الخ.

حتی أولئك الذين آمنوا بالقرآن الكريم في حياة خاتم النبيين، ما لبثوا أن ارتدوا وانقلبوا علی أعقابهم، فتقاتلوا واقتتلوا فيما بينهم، ثم توجهوا لغزو واحتلال البلدان المجاورة وقتل خيرة رجالها وسبي نساءها ونهب ثرواتها، ثم عادوا ليتقاتلوا بينهم من جديد، وكل طرف يرفع ويزايد بالقرآن العظيم، وكل هذا الإجرام باسم القرآن.

وبعد أن استتبت الأمور السياسية ووقفت الحروب الخارجية التفت الظالمون نحو القرآن الحكيم، لم يتمكنوا من تحريفه كي يتماشی مع جرائمهم وزيغهم وضلالهم، فالتفوا حوله يؤلفون المؤلفات ويصنفون المصنفات التي تطعن في القرآن باسم علوم القرآن.

وبهذا اخترعوا الروايات والقراءات والناسخ والمنسوخ، والتجويد، والتفسير، وأسباب النزول .. الخ. اخترعوها ليبعدوا القرآن العظيم عن واقع وذهنية الأمة، وبدلا من أن يكون هم القارئ تدبر معاني كتاب الله جل وعلا، أصبح همه كيف يلحن القرآن، كيف يفخم صوته وكيف يرققه، ومتی يمده ومتی يقلقله .. الخ.

هكذا وعبر تاريخ القرآن العظيم يظهر طامحون سياسيون كل همهم السلطة، فيرفعون المصاحف ويدعون أنهم قرناء القرآن وأنهم أهله وخاصته، وهم في الحقيقة لصوص ومجرمون ومتسلطون وعشاق سلطة، فيجمعون المغرر بهم من حولهم ويخوضون حروبا أهلية مدمرة ذهبت بريح الأمة وراحتها.

ليس هذا فحسب، بل ويظهر لنا من فترة إلی أخری كهنة وتجار دين، يشترون بآيات الله وعهده ثمنا قليلا، يدعون أنهم ورثة الأنبياء، وأنهم وحدهم من يخشون الحق تبارك وتعالی، وهم في حقيقة الأمر علماء سلطة، حيثما توجههم السلطة لا يأتون بخير.

وعلی هامش الأحداث التاريخية الجسام، كان الزمان يجود بعلماء ربانيين هنا وهناك، إلا أن مصير هؤلاء كان القتل والتشريد، وفي عتمة العصور الوسطی ضاعت واندثرت معظم علومهم ومعارفهم.

ويحي عليك أيها القرآن كم تحملت من الأذی والتشويه طوال تاريخك العريق، أكثر من ألف عام وأنت تتحمل كل هذا الصد والهجران.

وبدخول العالم عصر العلم والتنوير والتكنولوجيا والدول الحديثة المعاصرة كان يمكن أن تنتهي مأساة القرآن الكريم، بانشاء مدارس ومعاهد ومراكز وجامعات قرآنية قائمة علی أسس علمية بحتة، غير أن جنود أبليس في جاهزية تامة وعلی أهبة الاستعداد للقيام بمهامهم الشيطانية.

 

فقيام دول سلفية رجعية متخلفة حال دون اماطة الاذی عن القرآن الكريم، فهذه الدول وقفت ضد كل جهد تنويري، وسخرت كل امكاناتها لنشر الفكر الخرافي الرجعي المتخلف.

في المقابل قامت الأحزاب الدينية علی غير بصيرة وبدون علم ولا هدی ولا كتاب منير، رفعت هذه الأحزاب شعارات: القرآن دستورنا، القرآن هو الحل. وهي أبعد ما تكون عن القرآن.

لقد أساءت هذه الأحزاب إلی القرآن العظيم أكثر من خدمتها له، وتركت هذه الأحزاب انطباعا سيئا لدی الناس عن كل من ينادي بالقرآن كحل لمشاكلنا، وأخيرا جاءت المسيرة العرقية الهادوية وهي ترفع زيفا وخداعا شعار: المسيرة القرآنية، لتزيد الطين بلة.

ناهيك عما تقوم به الجماعات الإستخبارية المسماة جهادية من تشويه للقرآن وحملته، كل هذه الحرب الضروس علی القرآن أتت أكلها، فقد أصبح مصطلح الإرهاب ملاصقا للمسلم، وأصبح يطلق علی الجماعات الإرهابية جهلا: الجماعات الإسلامية.

أمام كل هذه التحديات، وبعد كل هذا التاريخ الطويل من الهجران والصد والتشويه، لا يسعنا إلا أن نصدع بالحق، واثقين بالله جل وعلا، متوكلين ومعتصمين به، نقول التالي:

1- القرآن الكريم كتاب هداية ومصدر وحيد للهداية والتشريع الإلهي، فهو ليس كتابا في الطب أو الهندسة أو القانون أو الرياضيات.

2- نحن لسنا معصومون من الخطأ، وما نقوله فهو فكر وليس دين، فالدين هو كلام الله لا غير، وهذا فهمنا لدين الله، وفهمنا ليس دين.

3- نحن نؤمن أن الإسلام دين ودولة، ولكن الدين عندنا هو القرآن الكريم، والدولة الإسلامية هي الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية العادلة.

4- الدولة ضرورة مجتمعية وليست فريضة دينية، والدولة هي دولة الجميع: مسلمين ويهود ومسيحيين وملحدين وبهائيين .. الخ. وطالما أنها دولة الجميع، فيجب أن تكون محايدة وتقف علی مسافة واحدة من الجميع.

أخيرا:

نأمل في دولة مدنية ديمقراطية علمانية عادلة، إن لم يكن القرآن الكريم دستورها، فليكن روحها، ودستورها الغير مكتوب.

اجمالي القراءات 5684