العابد الغني .. قصة قصيرة

شادي طلعت في الجمعة ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

ضاق الحال برجل في العقد الرابع من عمره، كان تاجراً صغيرا، يقطن ببلد من بلدان العالم الثالث،  لطالما حاول تطوير تجارته ليحسن من حاله، لكن محاولاته جميعاً باءت بالفشل ولم يتغيير حاله، وبعد تفكير طويل وصل الرجل إلى أنه مقصر في عبادته، وأن ذاك التقصيير سبب مباشر لفشله في عمله بل وفي حياته، ورأى الرجل انه إذا ما اقترب من الله فإن رزقه سيتسع وسيصلح الله له حياته. وبدأ الرجل في تنظيم وقته، ليخصص ثمانية ساعات كل يوم للعبادة، وتتطوع بالصوم يومين في الإسبوع بخلاف الصدقات، والإستغفار الدائم.
 
لكن مرت الأيام والشهور، وحال الرجل لم تتغيير ! فيقرر مواجهة مشكلته من خلال العقل هذه المرة، وليس من خلال الروح، ويجد أن أفضل طريقة لمعرفة حقيقة مشكلته، هو أن يذهب لشهبندر التجار، ويعرف منه كيف إتسع رزقه وأصبح الملك في عالم التجارة، لكنه يجد صعوبة في مقابلة الشهبندر، فهو دائماً إما في محرابه أو خلوته، رجل دائم الصوم والصلاة، غير متفرغ لتجارته، فلديه من العمال من يقومون عنه بشئون الدنيا، وهنا يشعر الرجل أنه ما عبد الله يوماً، فعبادته لله ضعيفة إذا ما قورنت بعبادة شهبندر التجار ! ويتيقن الرجل من أن الله قد رزق هذا الشهبندر لأنه يعبده كثيراً، لكن يزداد شوقه لمقابلة العابد الغني.
 
حتى جاء اليوم الذي إلتقى فيه الرجل بشهبندر التجار، هذا العابد الغني، والذي لولا إلحاح وإصرار الرجل على لقاءه، ما كان ترك محرابه لأجله، وبعد أن سمع العابد الغني، من الرجل حكايته، قال له : يا ولدي حقاً أنني أكثر من الصلاة والصوم، ولا أفرغ من الدعاء أوالإستغفار، إلا أنك لن تستطيع أن تفعل ما أفعله، لأنني ما أصبحت عابداً بنقاء وصفاء، إلا بعد أن ملكت الدنيا بالمال والبنون، ووالله ما كنت أستطيع أن أكون عابداً لو كنت في مثل حالك، فالعبادة التي أقوم بها أنا ومن هم مثلي يسراً في الحال، ما كنا نقدر عليها لو كنا في مثل فقرك.
يا ولدي : عليك بالدعاء، فقد يرزقك الله إن شاء، أما وإن أردت أن تكون عابداً مثلي، فإنك لن تستطيع، إلا إذا يسر الله لك الحال، وأعطاك من رزقه الذي لا ينفذ، فبعد أن تلين لك الدنيا وتملكها، تستطيع أن تتفرغ للعبادهن اما وأنك فقير، فعملك أولى بوقتك من العبادة، فأنت كنت تعبد الله حتى يرزقك، ولا تعبده لجلاله.
 
خرج الرجل من عند العابد الغني، يحدث نفسه قائلاً "العبادة رفاهية، لا يشعر بمتعتها إلا الأغنياء".
 
شادي طلعت
اجمالي القراءات 7015