مع وافر الشكر للاستاذ عبد الحميد ابو النعاج
بسم الله أبدأ من جديد

محمد مهند مراد ايهم في الإثنين ٠٥ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مع وافر الشكر للاستاذ عبد الحميد ابو النعاج
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ❄خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ❄اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ❄الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ❄ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }
 
يطمئن قلبي حين أبدأ تسابيح هذه الجمعة الأولى مع  آيات سورة العلق فمعها البداية و فيها العلم و الحقيقة،  وسأنهجُ ملبياً ربي خالق  السموات و الأرض مفهومَ  التدبر كطريقة للتفاعل مع  آيات الذكر المبين ،هذا المفهوم المتمثل بالدرسِ و التفكر و التبصر و الانفتاح و التعقل و الإحاطة  . 
إن الأرض حين تعطيها من الصدق و الجهد و الفكر و التعقل ستعطيك الأرض من خيراتها الكثير و كذلك التدبر حين تعطيه من إخلاصك و جهدك و تعقلك و تفكرك ستعطيك كلمات الله من نورها كنوزَ وعي و نضج و حكمة تجعلك قادراً أن ترى كلَّ الأمور على حقائقها ، لتبني على ذلك حياةً كريمةً طيبةً آمنةً مع أخيك الإنسان، و  لتمد دربَ تواصل مع الله عز و جل لا ينقطع { فأما من أعطى و اتقى❄و صدق بالحسنى❄فسنيسره لليسرى } 1.
 
 لنبدأ التدبر باسم الله مع كلمة اقرأ.
اقرأ :هي وحي عظيم من الله تعالى، وحي مستمر بتكليف و أمر نحو ممارسة منهج سلوك القراءة ، فهي أساس الوصول إلى المعرفة و العلم ، و هي رمز عن كلِّ  طرق الفهم ووسائل البحث و أبواب الانفتاح على الحياة الدنيا والآخرة ، سواء كانت هذه الوسائل و الطرق سمعية أم بصرية أم تجريبية ( خبرات السابقين و اكتشافات الحاضر) أي عندما أستخدم سمعي أو بصري أو أي نافذة أخرى لأحصل بها على معرفة وعلم يطوران عقلي و نفسي و قلبي و جسدي و حياتي و مجتمعي فذلك قراءة، و لأهمية منهج سلوك القراءة نرى أنَّ الله قد جعله  أول فروض الخير و الاطمئنان بوحي اقرأ .
ألا ترى معي أيها القارئ الكريم أن نور الله و هديه الذي أشرق به على كل الأمم في كل زمان و مكان لا يحمِّل الطفل تبعات مسؤولية ما حتى تكتمل عنده موازين المعرفة و العلم ، سواء كانت عقلية أم نفسية أم فيزيولوجية، فالمعرفة هي التي تعطينا مؤهلات تحمِّل المسؤولية، إذ بالمعرفة نملك حرية الاختيار و الاصطفاء و الانتقاء في مجالات رحبة ، لصنع حياة كريمة و بناء مسيرة إعمار للدنيا و الآخرة ، فإعمارهما يحتاج حساً عالياً بالمسؤولية، حساً مستنيراً منفتحاً ،و لايتحقق ذلك إلا بالمعرفة و العلم و هما ثمرة القراءة.
إن التوجيه نحو ممارسة مفهوم سلوك القراءة هو حركة لامتلاك معرفة تراكمية تفاعلية تكاملية تبني قواعد المعرفة الممنهجة  لبنة لبنة بشكل متناسق و منسجم و لا تتوقف عند زمن معين و لا عند حد معين و لا عند مكان ما ،إنما هي حركة مستمرة و متدفقة يتناقلها الناس جيلا بعد جيل فتشكل في مرحلة ما في مجموعها ثقافة إنسان و منهج تفكيره الذي يحكم سلوكه و تحليله للأشياء و كذلك ثقافة مجتمع و منهج تفكيره الجمعي الذي يحكم سلوكيات أفراده و نظمهم الاجتماعية فإذا ارتبطت والتزمت القراءة باسم الربِّ الخالق ارتباط عون و إذن و توجيه و انضباط ، كانت منهج نور و هداية و فلاح و محبة و خير و عدل و سلام ، يعم الجميع و إذا لم ترتبط و تنضبط باسم الرب الخالق ، كانت زبداً و ارتباكاً و قلقاً و فساداً و تصارعاً و كرهاً و تقاتلاً.
لنتدبر هذه الآية الكريمة { اقرأ باسم ربك الذي خلق } 
إنَّ كلمة الرب بما تختزنه من معاني الرعاية و التوجيه و الإرشاد و الحماية و الحفظ، هي خير ضابط لسلوك القراءة لأنها تحميها من أي توجه نحو أي انحراف عن معاني القيم الطيبة الكريمة من صدق و عدل و طهر و محبة و تعاون و رحمة ،فهي بذلك قراءة مسؤولة ،تأخذ على عاتقها صلاح الإنسان و صلاح حياته و صلاح من حوله.
كما أن ارتباط القراءة بكلمة الرب و دلالاتها من توجيه و أمان و رعاية التي هي أكثر الدلالات تحركاً داخل نفس الإنسان في كل مراحل حياته ، إذ لا ينفك إنسان في كل زمان و مكان إلا و يتفاعل مع هذا الإحساس المتمثل في البحث عن الأمان و الفهم والطمأنينة ( البحث عن الرب الخالق) فالقراءة بهذا الارتباط ترتقي و ترتفع قيمتها و قيمة آثارها إلى آفاق عظيمة تتحرر فيه من مخاوف الدنيا و اضطراباتها و عدم استقرارها إلى سكن الأمان و اطمئنان الصواب و هدوء اليقين المتمثل في حمى الله و هدي آياته، فتمنح الإنسان حينها ثقة عظيمة تتعزز بشكل دائم.
{ اقرأ باسم ربك الذي خلق }
اختص الرب نفسه في هذا الوحي بمفردة الخالق الذي خلق السموات و الأرض {و خلق كل شيء و هو بكل شيء عليم } 2 فهو وحده الخبير بكل ذلك و عليه فإنه عندما يمارس الإنسان منهج القراءة المنضبطة فإنه سيعتمد في بحوثه و دراساته على سنن و قوانين الرب الخالق رب السموات و الأرض ،حينها تكون المعرفة و العلم الحاصلان منسجمين تماماً مع هذا الكون الذي خلقه الله و أبدعه و ستتفاعل نتائج القراءة مع مجالات البحث و القوانين و السنن الناظمة لهذا الكون ،لتقدم معرفة جديدة ،تطور حياة الإنسان و تطور آفاقه لما فيه خير الحياة الدنيا و سلامها و أمان الآخرة و خلودها .
{ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} 3
وعندما يمدُّ الخالقُ المحيطُ بخلقه الإنسانَ بقوانين و أسرار خلقه و صناعته ،فإنه بذلك يمنحه كل المعادلات و الحلول و البيانات التي تعينه على مواجهة كل مخاوف الجهل و التخلف و الارتباك و ستكون قراءته و معرفته قائمة على البرهان الواضح و الدليل الثابت فلا يحتاج بعدها إلى شيء سوى الرب الذي خلق. 
و مثال يوضح هذه الرؤية: حين نريد أن نتعامل مع آلة ما أو أي جهاز ،فإننا نسارع إلى قراءة التعليمات التي كُتبت من خلال صانعها, فتعليماته تعطينا يقيناً و ثقة في فهم طريقة استخدام هذه الآلة أو هذا الجهاز دون خوف من الخطأ أو الارتباك فما بالك حين نريد أن نفهم هذا الكون المليء بالأسرار و حين نريد أن نفهم كتاب الله المبين .
إن دين الله يدعونا لأن ننطلق في آفاق القراءة المستمدة من نور كتاب الله المبين ومن رحاب أكوانه الواسعة المفتوحة على كنوز الخير في السموات و الأرض و ما بينهما.
قراءة لكتاب الله ننطلق من خلالها إلى كل مواقع الحقيقة و أولها علم بمعاني الألوهية و التوحيد و العبودية { فاعلم أنه لا إله إلا الله } 4.
أجل هو علم، له تفصيلاته و دقائقه، يتحمل مسؤولية تعلمه و فهمه كلُّ إنسان ، لأن هذا العلم هو الذي سيعبِّد طريقنا الآمن إلى الآخرة الكريمة وهذا العلم بكل حيثياته لا نحصل عليه إلا من كتاب الله وحده الذي يحدِّث فيه عن نفسه.
و قراءة لعالم السموات والأرض نتفهم قوانينه و قوانين مفاتيح كنوزه و من ثم نجني ثمرات فهم هذه القوانين حياة مباركة خيرة { و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض } 5.
كلُّ قراءة تضيء بنورها فلا يستطيع الإنسان أن يستغني عن واحدة منهما فقراءة كتاب الله تدعونا إلى قراءة عالم السموات و الأرض { قل انظروا ماذا في السموات و الأرض } 6 و قراءة عالم السموات و الأرض تدعونا إلى التوجه إلى خالقه و مبدعه { إن في السموات و الأرض لآيات للمؤمنين } 7.
أسأل الله عز وجل أن يجعل قراءتنا بإذنه و بأمره و بهديه و بعونه و بفلك موازينه وسننه ورحمته.
اجمالي القراءات 8127