الملوخيه والديموقراطيه والحريه

فوزى فراج في الأربعاء ٠٤ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

فى عام 1978 , كان احد اصدقائى وهو زميل فى العمل , ولغرض التعريف فقط, فهو يهودى المولد غير انه لايمارس العقيده اليهوديه وتزوج من مسيحيه مما سبب مقاطعة والداه له لسنوات طويله, حتى انهم لم يريا ولم يقابلا زوجته ما يقارب من ثلاثون عاما الأن, ولم يريا أيا من اولاده الثلاثه حتى اقل من عشر سنوات مضت, رغم ان ذلك شيئا نادرا فى الولايات المتحده من ناحية اختلاط الزواج بين المسيحيه واليهوديه .


صديقى هذا طبيب باثولوجى من امهر من قابلت فى مهنته وأكفأهم, كما انه من هواة السفر وزياره ورؤية العالم حتى اننى لا اعرف احدا قد زار عددا من البلاد الأخرى مثله, فقد ذهب الى الاتحاد السوفييتى قبل انهياره وكذلك الصين وبالطبع كل بلد من بلاد اوربا الغربيه, كما زار مصر لمدة اسبوع اثناء معرفتى له.وعددا من البلاد الافريقيه مثل كينيا وعددا اخر لا اذكره. ويخجلنى كثيرا ان اعترف بأنه كان يعرف عن تاريخ مصر الفرعونى اضعاف ما اعرفه انا , وفى بداية معرفتى به كان يسألنى اسئلة عن تاريخ مصر الفرعونى لم اكن اعرف لها من اجابه. كما انه ايضا من المؤرخين الامريكيين وقد كتب عددا من الكتب عن الحرب الأهليه الأمريكيه تعد مراجعا لكثير من هواة القراءه عن تلك الحقبه وهم كثيرون هنا فى الولايات المتحده, وطالما سألته من اين يأتى بالوقت لكل ذلك وهل استطاع ان ( يمط) ساعات اليوم الى ما هو اكثر من ال24 ساعه التى عهدناها, وكان دائما يضحك ويقول المسأله مسأله تنظيم الوقت بصرامة كافيه وعدم تضييعه فى مالاطائل من ورائه اى ان يكون الانسان منتجا فى حياته وفى ممارسته لها فإن الوقت المعطى لنا هو مثل رصيدنا فى البنك, مع اختلاف واحد, انك يمكن ان تزيد من رصيدك فى البنك.


ما علاقة العنوان بما قلته !!


صبرا قليلا..., صديقى هذا, واسمه الاول هيربرت واناديه كما يناديه اصدقاؤه ب ( هيرب) بالإضافه الى كل ذلك من هواة الطبخ, ويذهب بين الحين والاخر الى دروس فى تعلم الطبخ , الايطالى مثلا او الفرنسى او ما يسمح به وقته, وقد دعوت الى منزله وهو الى منزلى مرات كثيرة خلال الربع قرن الماضى. ولما كان الموضوع هو موضوع الطبيخ, فقد سألنى عن الطبيخ المصرى , وهل هو طبيخ متميز مثل الكثير من المطابخ العالميه, وسألنى عن طبخة مصريه صميمة اصليه , فقلت له انها الملوخيه, وبالطبع لم اجد لها ترجمه, فترجمتها له كما تنطق, Moloukhiah , وسألنى ما هى على وجه التحديد, فشرحت له بكل ما اعرف من اللغه الانجليزيه ووصفتها له, كما وصفت له كيف ازرعها فى حديقه المنزل وشكل اوراقها عندما يحين قطفها, وكيفيه طبخها خطوة بخطوه, ثم كيف تقدم على المائده, ورغم كل ما فعلت لم يستطع ان يتخيلها, وسأل عن مذاقها وطعمها, وبالطبع حاولت قدر جهدى ان اشرح له ذلك , ورغم انه فهم كل كلمة مما قلت  الا انه لم يستطع بالرغم من ذلك ان يعرف او يتصور مذاقها, ولم يكن امامى من وسيلة الا ان ادعوه وزوجته الى منزلى للعشاء وكان الطبق الأول هو الملوخيه الخضراء على الطريقة المصريه بالطبع.


ما علاقة الملوخية بالديموقراطيه او الحريه ؟؟

هناك اشياء فى حياتنا لا تعرف الا بالممارسه, مثال على ذلك الملوخيه فى المثال اعلاه , فمهما شرحت بالكلمات او الصور لايمكن بل من المستحيل ان تعرف على حقيقتها كما يجب ان تعرف كنوع من الطعام, والديموقراطيه مثال اخر, فلكم قرأت عنها عندما عشت فى مصر, ولكم قرأت عن الحريه وعن اشياء اخرى كثيرة . ولقد كنا نسمع ونقرأ ونرى من الجهاز الحاكم ما معناه ان مصر هى بلد الديموقراطيه وان الحريه فى مصر لا تضاهيها حرية اخرى لشعب اخر من شعوب العالم, وان رئيس الدوله هو من لارئيس قبله ولا بعده, لا فى مصر ولا فى اى بلد اخرى فى العالم, ولو اننى لم ارى مثالا حيا اخر ونموذجا اخر وشعبا اخر وحكومة اخرى, لعشت فى مصر كما يعيش الملايين حتى يومنا هذا, غير مصدقا اننى كمصرى لا اعرف معنى الحريه او الديموقراطيه بل لكنت اعتقد ان من يجرؤ على قول مثل هذا الهراء انما هو كاذب او جاهل او حاقد او معتوه. ( بالطبع لم يغير من ذلك كله الا الهزيمه التى تلقيناها فى 1967 ).


لقد كنا فى تلك الايام نعتقد ان من يغادر مصر ثم يعود الينا متطبعا بطبع اخر او متغيرا عما كان عليه, انه ( إمعه) , انه انسان غير اصيل وأن مصريته ضعيفه وانه قد حدثت له عملية غسيل مخ فى الخارج , وان شخصيته ضعيفه ومن الممكن التأثير عليها بسهوله,انه تأمرك او تفرنس او ما الى ذلك..........وصفات اخرى كثيرة لا استطيع ذكرها احتراما للقراء.    قليلا ما كنا نعلم, ان تلك الاتهامات من جانبنا لم تكن سوى عن جهل واسفاف كنتيجه لعمليات التحجر الفكرى والانسياق خلف او الاستسلام لعمليات غسيل المخ من اجهزة الاعلام والحكام الذين ضللوا شعوبهم من اجل البقاء فى مراكز القوه والحكم. والآن وقد تفتح العالم عن طريق الاقمار الصناعيه والساتليت والكميوتر والانترنيت, فقد تنبه الكثيرون , خاصة فى الدول التى يحكمها دكتاتوريون, ان ما قيل لهم لم يكن الا اكذوبه كبرى, ورغم ذلك, ورغم ان قد ثبت لهم حجم الاكذوبه التى عاشها جيل واحد على الاقل ان لم تكن اجيالا, فلم تقم كما يمكن ان نتوقع ثورات على الاوضاع او الحكام, اما السبب, فقد (((تأقلم))) الدكتاتوريون لما حدث من حولهم ومالم يستطيعون حجبه عن الجماهير, وكما تغير الحرباء من لونها ,فقد غيروا من لهجتهم وأسلوبهم وكلماتهم وان لم تتغير غاياتهم واهدافهم , لتناسب الجو الجديد, فقد فتحت ( رغم انفهم) نوافذ كثيره لشعوبهم ليروا بأعينهم ما لم يروه من قبل, وليسمعوا بآذانهم ما لم يسمعوه من قبل, وكما تفعل الميكروبات مع المضادات الحيويه, فإنها تتغير من الداخل حتى لا تؤثر فيها تلك المضادات الحيوية لتبقى حية , فبعد كل شيئ ان المسأله مسأله حياه او موت لكلاهما , واقصد الحكام والميكروبات.

اعود مرة اخرى الى المعرفه عن طريق التجربه, وعن طريق التجربه فقط, فإن لم تكن قد قدت سياره من قبل, فمهما عرفت عن مواصفات القياده, لايمكن ان تدعى معرفتك بقياده السيارة او تستطيع ان تقودها بطريقة صحيحه بحيث لا تعرض حياتك او حياة الاخرين للخطر, ومهما قرأت عن الديموقراطيه او الحريه, فلن تعرفهما ان لم تكن تعيشهما فى المكان الذى تعيش فبه, وان لم تعطى لك حقوق الانسان كامله فمن اين لك ان تعرف ما هى حقوق الانسان او ان تطالب بها, وان لم تعرف قيمه صوتك الانتخابى, فستصوت كما يصوت الأخرون او لا تصوت كالأخرون وفى كلا الحالتين , لاقيمة لصوتك لسبب بسيط هو انك انت شخصيا لا تعرف قيمته, اما ان كنت لا تعرف دستور بلدك والقانون الذى من الفروض ان يعلو على اى قانون اخر او سلطة او هيئة او منصب او شخص, فليس من حقك ان تصوت على تعديله.

كما توقع الجميع, فقد تم التصويت على تعديل الدستور, وكما رأينا من مصادر متعدده الاغراض وليس من مصدر واحد, ان ذلك الاستفتاء لم يكن سوى مهزلة كبرى من جوانب كثيرة , فهل احس اى مصرى فى اليوم التالى للتعديل والموافقه عليه بأى شيئ مختلف؟؟ , هل احس انه اكثر حرية عما كان عليه فى اليوم السابق, هل احس ان القيمه الشرائيه للجنيه المصرى قد تغيرت الى ما هو احسن, هل احس ان مرتبه او دخله قد تحسن, هل احس انه سيجد مكانا محجوزا له فى المواصلات عند ذهابه الى العمل, هل احس انه سيجد مكانا خاصا لركن سيارته ان كان لديه سياره, هل احس ان هناك املا فى ان يجد مسكنا مناسبا كى يتزوج ويستطيع ان يتحمل تكاليفه, هل احس انه فى مأمن من قوات الامن التى هى من الفروض فى خدمة الشعب ( وأى خدمه تلك!!!), هل احس ان الصحف المصريه ستبدأ فى اخباره بالحقيقه دون عملية التشويه المبالغ فيها من جميع الجرائد بلا استثناء, هل احس ان صحته وصحة اسرته فى تحسن وان احتاج لاقدر الله الى رعاية صحيه سيجدها متوافرة مجانا, هل احس...........عشرات الاسئلة المماثله, ولكن ارجو ان تكون النقطه التى اردت ان اوضحها قد وضحت. لو كانت الإجابه على اى سؤال من تلك الاسئله , مجرد سؤال واحد منهم بنعم من قبل حتى مجرد 1% من الناخبين , مجرد 1% , فقد كان التعديل فى الدستور تعديلا مطلوبا وتعديلا ناجحا. ولله الامر من قبل ومن بعد.

اجمالي القراءات 15169