الاختبار والدعاء

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٥ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

جاءنى هذا السؤال العاجل من فتاة ، تعجلها جعلنى أبادر بالاجابة عليها فى هذا المقال ، لأن تساؤلها يعبر عن شريحة من شبابنا فى هذه المرحلة الحسّاسة من العمر . تقول : ( السلام عليكم : لو سمحتم اجابه فى اسرع وقت . انا طالبه لسه مخلصه ثانويه عامه وجبت ٩٥ منهاره ومش مصدقه .بدات اسال اسئله محدش عارف يجاوب عليها : اين رحمه ربنا ؟ وهو مش ربنا قادر يخلي الخير ف اللي احنا عاوزينه ايه ربنا عمري ماطلبت حاجه منه وساعدني . والله والله ماكان بيعديها عليا لحظه الا وانا بدعيه ادخل كليه طب اسنان او صيدله. هو مش ربنا قال للصائم دعوته لا ترد. انا دعيت انا جيت ٩٧ طلبت حاجه مش بعيده عليه وبقدر يفرحنا بيها.  حضرتك انا كل ما امي بتغسل كلي اسبوعيا ف القاهره وف عز عياطي مكنتش بنام وبدعيله نفسها تكون دكتوه طب ايه ربنا عمل كده ايه لما كنت بصلي بقوله يارب لو مليش نصيب ابعد عني الحلم ده. وكان بيقولي لا كملي انا معاكي . طيب هو مش ربنا عند حسن ظن عبده، وربنا بيحب بشوف عبده مبسوط واقرب من حبل الوريد . طب ليه ربنا عمل كده ، مع انه عارف تفاصيل كتيره واهمها اننا عمرنا ما فرحنا . هو مش حقي افرح . ) . واقول :

أولا :

إبنتى الحبيبة : أكرمك الله جل وعلا انت وأسرتك الكريمة . وأدعو الله جل وعلا أن يشفى والدتك ، وان يمنّ عليها بالصحة والعافية ، وان يسعدك فى حياتك بالايمان والهداية . وأُحسُّ كأب بمعاناتك وإضطرابك ، ولا أستغرب هذا فأنت ابنتى الغالية لا تزالين فى مقتبل العمر . وفى هذه المرحلة الهامة من الحياة يتعجل الانسان ولا يعرف الصبر ، وبسبب قلة الخبرة قد يتأرجح بين الايمان الصحيح والشك . ولهذا أرجو أن تعرفى الاختبار أو الابتلاء الذى انت فيه وكيف تنجحين فيه ، والدعاء المستجاب .

  الإختبار :

الحياة إختبار ، والاختبار فيه النعمة والنقمة ، أو ما نعتبره الخير او الشر . يقول جل وعلا : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الانبياء  ) . وما نحسبه خيرا قد يكون لنا شرا ، وما نحسبه شرا قد يكون لنا خيرا ، يقول جل وعلا : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)( البقرة ) .

2 ـ  وفى هذا تختلف مواقف البشر حسب درجة الايمان فى القلب . الأغلبية الضالة ( والتى يعبّر رب العزة جل وعلا عنها بتعبير " الانسان " ) تعتبر إختبار النعمة دليلا عن رضا رب العزة جل وعلا عنهم ، ويعتبر إختبار النقمة إهانة لهم ، يقول رب العزة جل وعلا : (  فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر ) . ومن الناس من يعبد الله جل وعلا ويدعوه إبتغاء منفعة ، كأن يدعو ربه جل وعلا لكى ينجح فى الامتحان أو أن يكسب فى تجارة ، فإذا تحقق أمله رضى ، وإن لم يتحقق إنقلب كافرا ، فخسر الدنيا والآخرة ، يقول جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج  ) .

أغلبية البشر تكفر بالنعمة وتغتر بها وتنهار عند المصائب . يقول جل وعلا : (  لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) فصلت  ).

بينما ينجح فيها من يختار الايمان والطاعة ، يقول جل وعلا : (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)  المعارج )  .

 3 ـ الأختبار أو الابتلاء ضمن الحتميات التى لا مفر منها ، وهى ما يتعلق بالميلاد والموت و الرزق والمصائب . المصائب أى ما يصيبنا من المكتوب لنا من نعمة أو نقمة بلا تدخل منا . : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (51) التوبة ) ، وهى مكتوبة مقررة قبل مجيئنا الى هذه الحياة ، يقول جل وعلا : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) الحديد ) لذا فإن المؤمن عليه أن يتقبل القدر المكتوب عليه والذى لا مفرّ منه ، لا يحزن على محنة أو نقمة  ولا يفرح مختالا فخورا بمنحة أو نعمة ، يقول جل وعلا فى الآية التالية ينصح الناس : (  لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد  ) .

هذا فى الابتلاء المقدر المفروض الذى لا إختيار للفرد فيه . وطبعا فللفرد كامل الحرية فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، فى الشكر على النعمة والصبر على المحنة والنقمة، وأيضا فى كفران النعمة وفى الاغترار بالمنحة . وهنا تكون مسئوليته ، وحسابه يوم القيامة ، وما يترتب عليه من خلود فى الجنة أو خلود فى النار .

الخلاصة : إن الفرد منا إذا صبر وشكر فاز ونجح فى الاختبار . إذا سخط وكفر فقد رسب فى الاختبار .. لذا فالمؤمن هو الذى يصبر ويشكر ـ فى إختبار النقمة ، وهو الذى يشكر لربه فى إختبار النعمة والمنحة وهو الفائز . أما الخاسر فهو الذى يغتر بالنعمة ويسخط فى النقمة . وهذا الاختبار حتمى ولا مهرب منه . وكل منا لا بد أن يتعرض لهذا الاختبار ، ولا ينجو منه أحد . التفاصيل فى كتابنا عن ( الابتلاء ) .

ثانيا : ـ الدعاء :

1ـ هناك من يتوسل بالأولياء والمقبورين الذين أصبحوا ترابا ، يقول جل وعلا عنهم : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) فاطر  )، ينطبق هذا على من يتوسل بضريح الحسين أو بالرجس المسمى بقبر النبى .

من يتوسل بالأنصاب أى القبور المقدسة يكون ضالا ، وهو يتوسل بميت لا يدرى عنه شيئا ، فالحسين فى البرزخ ومحمد عليه السلام فى البرزخ وكذلك كل من مات ، وهم لا يعلمون شيئا عمّن يتوسّل بهم ، وويوم القيامة سيبترأون ممّن كان يتوسل بهم ويتبرك بهم ، يقول جل وعلا عن هؤلاء المتبركين المتوسلين الأكثر ضلالا : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)الاحقاف ).

2 ـ وهناك من يدعو رب العزة جل وعلا وحده ولكن لا يستجيب له رب العزة . صحيح أنه جل وعلا قال : (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر ) (  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة ) ، ولكن لاستجابة الدعاء شروط ؛ فالله جل وعلا يستجيب لمن دعاه بشرط أن يكون الدعاء بتضرع وخشية وخفوت صوت وليس بأن يتحول الدعاء الى أُغنية كما يقول بعضهم ( لاجل النبى لاجل النبى ) . هذا الدعاء هو سخرية وإستهزاء بمقام رب العزة جل وعلا . لذا يقول جل وعلا : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الاعراف ) فالذى لا يدعو ربه جل وعلا تضرعا وبخفوت صوت يكون معتديا على مقام رب العزة . وهذا الدعاء المقبول يكون خوفا وطمعا حتى ينال الداعى رحمة الله جل وعلا والتى هى قريب من المحسنين ، يقول جل وعلا : ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف ).

ولقد قال جل وعلا عن الدعاء المستجاب:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (62) النمل) ، وهذا المضطر حين يدعو لا يتغنى ولا يرقص ولا يدعو على أنغام الموسيقى بل يدعو باكيا متضرعا ، لذا يستجيب له ربه جل وعلا ، وهذا هو الذى يحدث عند الكوارث من مرض: (الزمر 8 ، 49 )، أو من غرق (يونس 22  ) .

 ولقد ذكر رب العزة جل وعلا نماذج من الدعاء المُستجاب لبعض الأنبياء ، مثل زكريا عليه السلام الذى دعا ربه بنداء خفى فرحمه ربه جل وعلا :( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) مريم ) ، واستجاب له ربه جل وعلا:( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) الأنبياء)،أى كانوا يدعون ربهم جل وعلا خوفا وطمعا ورغبا ورهبا وليس غناءا ورقصا .  ويونس عليه السلام دعا ربه جل وعلا وهو فى بطن الحوت متضرعا وبأقل كلام ممكن : ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء ) أى وبمثل هذا تتحقق النجاة للمؤمنين . وأيوب عليه السلام : (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) ، أى فهذه الاستجابة هى ذكرى للعابدين .

3 ـ والله جل وعلا يستجيب الدعاء المخلص حسب علمه بما هو الأنفع للداعى . مثلا : الأم تدعو ربها جل وعلا أن ينجح ابنها ويدخل كلية كذا ، والله جل وعلا يعلم أن مصلحته ليست فى كلية كذا ، ولو إستجاب لدعائها لن يكون هذا خيرا لابنها . ولأن الأم ترجو الخير لابنها ولا تعلم الغيب فإن الله يستجيب دعاءها بما هو الأنفع لابنها ، وليس بالاستجابة الحرفية لدعائها . نحن يا إبنتى الغالية ندعو بما نتصوره خيرا لأنفسنا ، ونحن لا نعلم الغيب وما ندعو به قد لا يكون فيه الخير لنا ، ولهذا فإنه جل وعلا يستجيب لدعائنا المخلص بما هو الأنفع لنا ، وهو جل وعلا الأعلم بما هو الخير لنا .

أخيرا : إبنتى الحبيبة :

1 ـ يكتشف المؤمن  فى نهاية العمر أن أعظم أيام حياته هى التى تعرض فيها للإبتلاء القاسى بالمحنة والنقمة ، والتى كان فيها قريبا من ربه جل وعلا يدعوه متضرعا باكيا تائبا . ويكتشف المؤمن فى نهاية العمر أن إختبار النعمة والمنحة يُنسى الانسان ربه ، وعندما يبتليه ربه بالنعم قد يغتر بها ، بل وقد يستغلها فى الظلم ، وحين يظلم فهو لا يظلم سوى نفسه ، لأنه بهذا الظلم يفقد النعمة فى الدنيا ثم يكون مصيره الخلود فى الجحيم فى الآخرة .

2 ـ أنصح مع الدعاء المخلص الخاشع لرب العزة جل وعلا أن تستعينى بالصبر والصلاة.  يقول جل وعلا : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) البقرة ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة  ) . أى الاستعانة على كل شىء بالصبر وبالصلاة . والصبر فى الاسلام ليس صبر إستسلام وليس صبرا سلبيا ، بل هو صبر إيجابى يعنى العمل الجاد متوكلا على الحى القيوم الذى لا يموت ، سبحانه وتعالى عما يصفون .

3 ـ أتمنى إبنتى الحبيبة أن تنهضى متفائلة مؤمنة صابرة تنظرين الى المستقبل بعزم وإيمان ، وأن تتذكرى معنى أن يكون رب العزة جل وعلا ( مع الصابرين ) . ليس هناك أعظم للفرد من أن يكون ربه جل وعلا معه فى كل إبتلاءات الحياة وإختباراتها .

4 ـ  إذا تمسك الفرد منا بالصبر والصلاة خاشعا لربه صار متقيا ، يرزقه الله جل وعلا من حيث لا يحتسب ويجعل له من كل ضيق فرجا ومخرجا، يقول جل وعلا:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) الطلاق  )

أحسن الحديث :

يقول جل وعلا : (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 9922